351
وكلّ ضلالة بدعة ، وكلّ بدعة في النار .
    ولن ينال شيء من الخير عند الله إلاّ بطاعته والصبر والرضا ، لأنّ الصبر والرضا من طاعة الله ، واعلموا أنّه لن يؤمن عبد من عبيده حتّى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه وصنع به على ما أحبّ وكره ، ولن يصنع الله بمن صبر ورضي عن الله إلاّ ما هو أهله وهو خير له ممّا أحبّ وكره ، وعليكم بالمحافظة على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإيّاكم ...
    وعليكم بحبّ المساكين المسلمين فإنّه من حقّرهم وتكبّر عليهم فقد زلّ عن دين الله والله له حاقر ماقت ، وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أمرني ربّي بحبّ المساكين المسلمين منهم ، واعلموا أنّ من حقّر أحداً من المسلمين ألقى الله عليه المقت منه والمحقّرة حتّى يمقته الناس والله له أشدّ مقتاً ، فاتّقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين فإنّ لهم عليكم حقّاً أن تحبّوهم فإنّ الله أمر رسوله (صلى الله عليه وآله) بحبّهم ، فمن لم يحبّ مَن أمر الله بحبّه فقد عصى الله ورسوله ، ومن عصى الله ورسوله ومات على ذلك مات وهو من الغاوين .
    وإيّاكم والعظمة والكبر فإنّ الكبر رداء الله عزّوجلّ ، فمن نازع الله رداءه قصمه الله وأذلّه يوم القيامة .
    وإيّاكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنّها ليست من خصال الصالحين ، فإنّه من بغى صيّر الله بغيه على نفسه وصارت نصرة الله لمن بُغي عليه ، ومن نصره الله غلب وأصاب الظفر من الله .
    وإيّاكم أن يحسد بعضكم بعضاً فإنّ الكفر أصله الحسد .


352
    وإيّاكم أن تعينوا على مسلم مظلوم فيدعو الله عليكم ويستجاب له فيكم ، فإنّ أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول : إنّ دعوة المسلم المظلوم مستجابة .
    وليعن بعضكم بعضاً ، فإنّ أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول : إنّ معونة المسلم خير وأعظم أجراً من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام .
    وإيّاكم وإعسار أحد من إخوانكم المسلمين أن تعسروه بالشيء يكون لكم قِبَله وهو معسر فإنّ أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول : ليس لمسلم أن يعسر مسلماً ، ومن أنظر معسراً أظلّه الله بظلّه يوم لا ظلّ إلاّ ظلّه .
    وإيّاكم أيّتها العصابة المرحومة المفضّلة على مَن سواها وحبس حقوق الله قبلكم يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة ، فإنّه من عجّل حقوق الله قِبَله كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والآجل ، وإنّه من أخّر حقوق الله قِبَله كان الله أقدر على تأخير رزقه ، ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه ، فأدّوا إلى الله حقّ ما رزقكم يطيّب الله لكم بقيّته وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم عددها ولا كنه فضلها إلاّ الله ربّ العالمين » .
    وقال (عليه السلام) : « واعلموا أيّتها العصابة أنّ السنّة من الله قد جرت في الصالحين قبل . وقال : من سرّه أن يلقى الله وهو مؤمن حقّاً فليتولّ الله ورسوله والذين آمنوا وليبرأ إلى الله من عدوّهم ويسلّم لما انتهى إليه من فضلهم ، لأنّ فضلهم لا يبلغه ملك مقرّب ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك .
    ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل أتباع الأئمّة الهداة وهم المؤمنون قال : (أُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَآءِ


353
وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً) (1) فهذا وجه من وجوه فضل أتباع الأئمّة فكيف بهم وفضلهم .
    ومن سرّه أن يتمّ الله له إيمانه حتّى يكون مؤمناً حقّاً حقّاً ] فليتّق [ الله بشروطه التي اشترطها على المؤمنين فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمّة المؤمنين إقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وإقراض الله قرضاً حسناً ، واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن ، فلم يبق شيء ممّا فسّر ممّا حرّم الله إلاّ وقد دخل في جملة قوله (2) ، فمن دان الله فيما بينه وبين الله مخلصاً لله ولم يرخّص لنفسه في ترك شيء من هذا فهو عند الله في حزبه الغالبين وهو من المؤمنين حقّاً .
    وإيّاكم والإصرار على شيء ممّا حرّم الله في ظهر القرآن وبطنه ، وقد قال الله تعالى : (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (3) » .
    « ... ومن سرّه أن يعلم أنّ الله يحبّه فليعمل بطاعة الله وليتّبعنا ، ألم يسمع قول الله عزّوجلّ لنبيّه (صلى الله عليه وآله) : (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) (4) ؟ والله لا يطيع الله عبدٌ أبداً إلاّ أدخل الله عليه في طاعته اتّباعنا .
    ولا والله لا يتّبعنا عبد أبداً إلاّ أحبّه الله ، ولا والله لا يَدَع أحد اتّباعنا أبداً إلاّ أبغضنا ، ولا والله لا يبغضنا أحد أبداً إلاّ عصى الله ، ومن مات عاصياً لله أخزاه
(1) سورة النساء : الآية 69 .
(2) أي في الفواحش ، فقوله تعالى اجتناب الفواحش يشمل اجتناب جميع المحرّمات . وقوله : « فمن دان الله » أي عبد الله فيما بينه وبين ربّه أي مختفيّاً ولا ينظر إلى غيره ولا يلتفت إلى مَن سواه .
(3) سورة آل عمران : الآية 135 .
(4) سورة آل عمران : الآية 31 .



354
وَصِرْتُمْ فِي ذلَكَ مِنْهُ اِلَى الرِّضا (1)

الله وأكبّه على وجهه في النار والحمد لله ربّ العالمين » (1) .
    (1) ـ أي صرتم في الجهاد وفيما ذكر من الاُمور أي : بذل نفسكم ، وصبركم على ما أصابكم ، وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإعلان دعوة الله ، وبيان فرائضه ، وإقامة حدوده ، ونشر أحكامه ، وتبيين سنّته ، إلى الرضا ورضوان الله ، بحيث رضى الله عنكم ، ورضيتم عنه ، فبلغتم رضوان الله الذي هو أكبر ، قال تعالى في شأن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وكانوا خير البريّة وهم آل محمّد (عليهم السلام) كما ورد في التفسير : (رَّضِىَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (2) (3) .
    ومقام الرضا هو من أعظم المقامات العالية التي ينالها الصدّيقون ، بل هو أعلى درجة اليقين ، بل هو الموجب لاستجابة الدعاء من قِبَل ربّ العالمين كما تلاحظه في الأحاديث مثل :
    1 ـ حديث عمرو بن نهيك بيّاع الهروي قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : قال الله عزّوجلّ : « عبدي المؤمن لا أصرفه في شيء إلاّ جعلته خيراً له ، فليرض بقضائي وليصبر على بلائي ، وليشكر نعمائي ، أكتبه يامحمّد من الصدّيقين عندي » .
    2 ـ حديث علي بن أسباط ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : لقي الحسن بن علي (عليهما السلام) عبدالله بن جعفر فقال : ياعبدالله ! « كيف يكون المؤمن
(1) روضة الكافي : ج8 ص2 ح1 .
(2) سورة البيّنة : الآية 8 .
(3) كنز الدقائق : ج14 ص381 .



355
مؤمناً وهو يسخط قسمه ويحقّر منزلته والحاكم عليه الله ، وأنا الضامن لمن لم يهجس في قلبه إلاّ الرضا أن يدعو الله فيستجاب له » .
    3 ـ حديث ابن سنان ، عمّن ذكره ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : قلت له : بأي شيء يُعلم المؤمن بأنّه مؤمن ؟
    قال : « بالتسليم لله والرضا فيما ورد عليه من سرور أو سخط » (1) .
    ومقام الرضا هذا هو الداعي إلى محبوبية المخلوق عند ربّ العالمين ، بغاية الحبّ المتين كما تلاحظه في حديث حديقة الحكمة المنقول في السفينة جاء فيما أراده النبي موسى (عليه السلام) من الله تعالى :
    أنّ موسى (عليه السلام) قال : « أرني أحبّ خلقك إليك وأكثرهم لك عبادة » .
    فأمره الله تعالى أن ينتهي إلى قرية على ساحل بحر ، وأخبره أنّه يجده في مكان قد سمّاه له ، فوصل (عليه السلام) إلى ذلك المكان فوقع على رجل مجذوم مقعد أبرص يسبّح الله تعالى ، فقال موسى : ياجبرئيل أين الرجل الذي سألت ربّي أن يُريني إيّاه ؟
    فقال جبرئيل : هو ياكليم الله هذا .
    فقال : ياجبرئيل إنّي كنت اُحبّ أن أراه صوّاماً قوّاماً .
    فقال جبرئيل : هذا أحبّ إلى الله تعالى وأعبد له من الصوّام والقوّام ، وقد اُمرت بإذهاب كريمتيه فاسمع ما يقول ، فأشار جبرئيل إلى عينيه فسالتا على خدّيه ، فقال : متّعتني بهما حيث شئت ، وسلبتني إيّاهما حيث شئت ، وأبقيت
(1) الكافي : ج2 ص60 باب الرضا بالقضاء الأحاديث 6 و11 و12 .


356
لي فيك طول الأمل يابارّ ياوصول .
    فقال له موسى (عليه السلام) : ياعبد الله إنّي رجل مجاب الدعوة فإن أحببت أن أدعو لك تعالى يردّ عليك ما ذهب من جوارحك ويبريك من العلّة ، فعلت .
    فقال (رحمة الله عليه) : لا اُريد شيئاً من ذلك ، اختياره لي أحبّ إليّ من اختياري لنفسي (وهذا هو الرضا المحض كما ترى) .
    فقال له موسى : سمعتك تقول : يابارّ ياوصول ، ما هذا البرّ والصلة الواصلان إليك من ربّك ؟
    فقال : ما أحد في هذا البلد يعرفه غيري ، أو قال يعبده .
    فراح (عليه السلام) متعجّباً وقال : هذا أعبد أهل الدنيا » (1) .
    وأهل البيت (عليهم السلام) هم المثل الأعلى وأصحاب الدرجة القصوى في هذا المقام الأوفى .
    ودليله ما عرفت من نطق الله تعالى به في آية الرضا المتقدّمة .
    خصوصاً سيّدنا ومولانا الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) الذي هو التجلّي الأعظم لهذا المقام المكرّم ، مضافاً إلى أنّه رضى به المخالفون من أعدائه كما رضى به الموافقون من أوليائه .
    ففي حديث البزنطي قال : قلت لأبي جعفر محمّد بن علي بن موسى (عليهم السلام) : إنّ قوماً من مخالفيكم يزعمون أنّ أباك إنّما سمّاه المأمون الرضا لما رضيه لولاية عهده ؟
    فقال (عليه السلام) : « كذبوا والله وفجروا ، بل الله تبارك وتعالى سمّاه بالرضا (عليه السلام)
(1) سفينة البحار : ج3 ص366 .


357
وَسَلَّمْتُمْ لَهُ الْقَضاءَ (1)

لأنّه كان رضي لله عزّوجلّ في سمائه ، ورضي لرسوله والأئمّة بعده صلوات الله عليهم في أرضه .
    قال : فقلت له : ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين (عليهم السلام) رضي الله عزّوجلّ ولرسوله والأئمّة بعده (عليهم السلام) ؟
    فقال : بلى .
    فقلت : فلِمَ سمّي أبوك (عليه السلام) من بينهم الرضا ؟
    قال : لأنّه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه ، ولم يكن ذلك لأحد من أبائه (عليهم السلام) فلذلك سمّي من بينهم الرضا (عليه السلام) » (1) .
    وهو الإمام الرؤوف العطوف والرضيّ المرضي ، فعليه صلوات الله الربّ العلي .
    (1) ـ أي أنّكم أهل البيت حيث صرتم إلى رضا الله تعالى في جميع أعمالكم سلّمتم له القضاء في جميع اُموركم ; فكنتم تسليماً لجميع ما قدّره الله لكم حتّى الشهادة التي كتبت عليكم كرامةً لشأنكم ، وتعليةً لدرجتكم ، وترفيعاً لمنزلتكم .
    والتسليم هو : عدم الإعتراض بل الإنقياد ظاهراً وباطناً ، كما يستفاد من تفسيره الوارد عند قوله تعالى : (فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (2) .
(1) بحار الأنوار : ج49 ص4 ب1 ح5 .
(2) سورة النساء : الآية 65 .



358
    كما تلاحظه في كتب التفسير (1) .
    والتسليم لله تعالى من أبرز الصفات الحسنة ، والملكات المستحسنة .
    ففي الحديث السجّادي الشريف : « إنّ المراتب الرفيعة لا تُنال إلاّ بالتسليم لله عزّوجلّ » (2) .
    ولقد بلغ أهل البيت (عليهم السلام) القمّة في هذا المقام ، فسلّموا أمرهم كاملا إلى الله ربّهم واطمأنّوا بما قدّره الله وقضاه عليهم في قيامهم وقعودهم .
    ففي حديث ضريس الكنّاسي عن الإمام الباقر (عليه السلام) جاء فيه : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول ـ وعنده اُناس من أصحابه ـ : « عجبت من قوم يتولّونا ويجعلونا أئمّة ويصفون أنّ طاعتنا مفترضة عليهم كطاعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ يكسرون حجّتهم ويخصمون أنفسهم بضعف قلوبهم ، فينقصونا حقّنا ويعيبون ذلك على من أعطاه الله برهان حقّ معرفتنا والتسليم لأمرنا .
    أترون أنّ الله تبارك وتعالى افترض طاعة أوليائه على عباده ، ثمّ يُخفي عنهم أخبار السماوات والأرض ، ويقطع عنهم موادّ العلم فيما يرد عليهم ممّا فيه قوام دينهم ؟!
    فقال له حمران : جعلت فداك أرأيت ما كان من أمر قيام علي بن أبي طالب والحسن والحسين (عليهم السلام) وخروجهم وقيامهم بدين الله عزّ ذكره وما اُصيبوا من قتل الطواغيت إيّاهم والظفر بهم حتّى قُتلوا وغلبوا ؟
(1) كنز الدقائق : ج3 ص457 ، تفسير البرهان : ج1 ص240 .
(2) سفينة البحار : ج4 ص236 .



359
وَصَدَّقْتُمْ مِنْ رُسُلِهِ مَنْ مَضى (1)

    فقال أبو جعفر (عليه السلام) : ياحمران ! إنّ الله تبارك وتعالى قد كان قدّر ذلك عليهم وقضاه وأمضاه وحتّمه على سبيل الاختيار ثمّ أجراه .
    فبتقدّم علم إليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) قام علي والحسن والحسين (عليهم السلام) ، وبعلم صمت من صمت منّا ، ولو أنّهم ياحمران ! حيث نزل بهم ما نزل من أمر الله عزّوجلّ وإظهار الطواغيت عليهم سألوا الله عزّوجلّ أن يدفع عنهم ، وألحّوا عليه في طلب إزالة تلك الطواغيت ، وذهاب ملكهم إذاً لأجابهم ودفع ذلك عنهم ، ثمّ كان إنقضاء مدّة الطواغيت ، وذهاب ملكهم أسرع من سلك منظوم إنقطع فتبدّد .
    وما كان ذلك الذي أصابهم ياحمران ! لذنب اقترفوه ، ولا لعقوبة معصية خالفوا الله فيها ، ولكن لمنازل وكرامة من الله ، أراد أن يبلغوها ، فلا تذهبنّ بك المذاهب فيهم » (1) .
    ولقد أحسنوا في هدايتهم ، وصبروا في مصيبتهم ، وسلّموا الأمر لربّهم إلى حين شهادتهم ، لتتمّ الحجّة البالغة ، وليميّز الله الخبيث من الطيّب ، وليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة .
    ولذلك ترى لهجة التسليم الكامل في كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) مع تلك المصائب العظيمة التي تحمّلها في سبيل الله تعالى يقول : « شكراً لله على نعمائه ، وصبراً على بلائه ، وتسليماً ورضاً بقضائه » (2) .
    (1) ـ يقال : صدّقه تصديقاً أي نسبه إلى الصدق ، واعترف بصدقه ، وحقّقه .
(1) الكافي : ج1 ص261 ح4 .
(2) بحار الأنوار : ج33 ص153 ب16 ح421 .



360
    أي إنّكم أهل البيت صدّقتم رسل الله تعالى السابقين ، ورسالة أنبياءه الماضين .
    ولو لم يكن تصديقهم (عليهم السلام) للمرسلين لم تعلم رسالة الأنبياء وأحوالهم وعددهم وسيرتهم وزهدهم وعبادتهم ومواعظهم ومكارمهم وصبرهم وسجاياهم وأحكامهم وشرائعهم .
    مع طول الزمان ، وبُعد المكان ، وخيانة الأهواء المختلفة ، والأغراض المتخالفة ، وافتراءات أعدائهم ، وتحريفات رؤسائهم .
    فبإخبار الله العلاّم أخبر أهل البيت الكرام بالرسالات الماضية ، وصدّقوا رسله السالفين ، وبيّنوا أنباء الأنبياء السابقين بالحقّ والصدق .
    فكان لهم الحقّ العظيم على كلّ رسول كريم في استدامة حقيقتهم الإلهية وامتداد شخصيتهم الربّانية ، ولولاهم لشوّه الاُمم تأريخ الأنبياء حتّى شخصية أنبيائهم .
    ولم يكن تصديق أهل البيت للأنبياء بالقول فقط ، بل صدّقوهم بالعمل أيضاً حيث كانوا النموذج الحي لعمل الأنبياء ، والمثل الأعلى لرسالات السماء ، والدليل الواضح على علم المرسلين وعبادتهم وزهدهم وعصمتهم ومعجزتهم وصبرهم وكرمهم وكلّ فضيلة ومكرمة عندهم .
    وهذه منقبة خاصّة بأهل البيت النبوي سلام الله عليهم أجمعين .
    قال تعالى : (وَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِندِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كِتَابَ اللهِ وَرَآءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ) (1) .
(1) سورة البقرة : الآية 101 .