361
    وقال عزّ إسمه : (وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَآءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (1) .
    قال في كنز الدقائق في تفسيره أي : (رقيباً على سائر الكتب يحفظه عن التغيير ، ويشهد لها بالصحّة والثبات) (2) .
    وقد أُثبت ذكر الكتب السماوية والشرائع الإلهية التي تبلغ (104) كتاب وصحيفة ، مع ذكر الأنبياء الكرام في أحاديثنا (3) .
    وأهل البيت وسيّدهم الرسول الأعظم عليهم سلام الله آمنوا بتلك الكتب المقدّسة كلّها ، وصدّقوا جميع المرسلين ، وشهدوا بالإخلاص لجميع النبيين كما تلاحظه في حديث مناجاة موسى (عليه السلام) وهي مناجاة جميلة جليلة جاء فيها :
    « اُوصيك ياموسى وصيّة الشفيق المشفق بابن البتول عيسى بن مريم صاحب الأتان والبرنس والزيت والزيتون والمحراب (4) ، ومن بعده بصاحب
(1) سورة المائدة : الآية 48 .
(2) كنز الدقائق : ج4 ص132 .
(3) بحار الأنوار : ج11 ص32 ب1 ح24 و25 و28 .
(4) الأتان ـ بالفتح : الحمارة . والبرنس ـ بالضمّ ـ : قلنسوة طويلة وكان النسّاك يلبسونها في صدر الإسلام . والمراد بالزيتون والزيت : الثمرة لأنّه (عليه السلام) كان يأكلهما أو نزلتا له في المائدة من السماء ، أو المراد بالزيتون مسجد دمشق أو جبال الشام كما ذكره الفيروزآبادي أي أعطاه الله بلاد الشام . وبالزيت الدهن الذي روي أنّه كان في بني إسرائيل وكان غليانها من علامات النبوّة . والمحراب لزومه وكثرة العبادة فيه . كما في مرآة العقول : ج25 ص92 .



362
فَالراغِبُ عَنْكُمْ مارِقٌ (1)

الجمل الأحمر ، الطيّب الطاهر المطهّر ، فمَثله في كتابك أنّه مؤمن مهيمن على الكتب كلّها ، وأنّه راكع ساجد ، راغب ، راهب ، إخوانه المساكين وأنصاره قوم آخرون ويكون في زمانه أزل وزلزال وقتل ، وقلّة من المال ، إسمه أحمد ، محمّد الأمين من الباقين من ثلّة الأوّلين الماضين ، يؤمن بالكتب كلّها ، ويصدّق جميع المرسلين ويشهد بالإخلاص لجميع النبيين .
    اُمّته مرحومة مباركة ما بقوا في الدين على حقائقه ، لهم ساعات موقّتات يؤدّون فيها الصلوات أداء العبد إلى سيّده نافلته ، فبه فصدّق ومنهاجه فاتّبع فإنّه أخوك .
    ياموسى إنّه اُمّي ، وهو عبد صدق يبارك له فيما وضع يده عليه ويبارك عليه كذلك كان في علمي وكذلك خلقته ، به أفتح الساعة وباُمّته أختم مفاتيح الدنيا فمر ظلمة بني إسرائيل أن لا يدرسوا إسمه ولا يخذلوه وإنّهم لفاعلون .
    وحبّه لي حسنة ، فأنا معه وأنا من حزبه وهو من حزبي وحزبهم الغالبون ، فتمّت كلماتي لأظهرنّ دينه على الأديان كلّها ، ولاُعبدنّ بكلّ مكان ، ولاُنزلنّ عليه قرآناً فرقاناً شفاءاً لما في الصدور من نفث الشيطان ، فصلّ عليه يابن عمران فإنّي اُصلّي عليه وملائكتي » (1) .
    (1) ـ الفاء تفريع ونتيجة لما تقدّم ، أي بعد ما ثبت أنّكم الأئمّة الراشدون
(1) روضة الكافي : ج8 ص43 ح8 .


363
المهديّون المعصومون ـ إلى آخره ـ يكون الراغب عنكم أي المعرض عنكم مارقٌ ، أي خارج عن دين الله .
    يقال : رَغِبَ عن الشيء أي : أعرض عنه وزهد فيه ولم يُردْه ، بخلاف الرغبة فيه .
    ويقال : مَرَقَ من الدين أي : خرج منه وتجاوزه وتعدّى عنه ، مأخوذ من مرق السهم عن القوس أي تجاوز عنه بغير مهلة ، فمن أعرض عن أهل البيت (عليهم السلام)كان خارجاً عن الدين ، وضالا عن شريعة سيّد المرسلين ، وداخلا في حزب الشيطان اللعين ، ومعدوداً من الكافرين .
    بأي وجه من وجوه الاعراض عنهم سواء بمعاداتهم ، أو ردّ قولهم ، أو تصغير قدرهم ، أو إنكار فضائلهم ، أو جحود ولايتهم ، أو صرف وجوه الناس عنهم ، أو تقديم غيرهم عليهم ، أو الحرب معهم .
    وقد تواترت بذلك الأحاديث الشريفة من الخاصّة والعامّة من ذلك :
    1 ـ حديث ابن عباس قال : قلت للنبي (صلى الله عليه وآله) : أوصني .
    قال : « عليك بمودّة علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، والذي بعثني بالحقّ نبيّاً لا يقبل الله من عبد حسنة حتّى يسأله عن حبّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، وهو تعالى أعلم ، فإن جاءه بولايته قبل عمله على ما كان منه ، وإن لم يأت بولايته لم يسأله عن شيء ، ثمّ أمر به إلى النار .
    يابن عبّاس والذي بعثني بالحقّ نبيّاً إنّ النار لأشدّ غضباً على مبغض علي (عليه السلام) منها على من زعم أن لله ولداً .


364
وَاللاّزِمُ لَكُمْ لاحِقٌ (1)

    يابن عبّاس لو أنّ الملائكة المقرّبين والأنبياء المرسلين اجتمعوا على بغضه ولن يفعلوا لعذّبهم الله بالنار .
    قلت : يارسول الله وهل يبغضه أحد ؟
    قال : يابن عبّاس نعم يبغضه قوم يذكرون أنّهم من اُمّتي لم يجعل الله لهم في الإسلام نصيباً .
    يابن عبّاس إنّ من علامة بغضهم له تفضيلهم من هو دونه عليه ، والذي بعثني بالحقّ ما بعث الله نبيّاً أكرم عليه منّي ، ولا أوصياء أكرم عليه من وصيّي علي .
    قال ابن عبّاس : فلم أزل له كما أمرني رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأوصاني بمودّته ، وإنّه لأكبر عملي عندي » .
    2 ـ حديث أنس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من ناصب عليّاً حارب الله ، ومن شكّ في علي فهو كافر » .
    3 ـ حديث جابر عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « التاركون ولاية علي (عليه السلام) ، المنكرون لفضله ، المظاهرون أعداءه ، خارجون عن الإسلام من مات منهم على ذلك » (1) .
    (1) ـ يقال : لزم الشيء أي : اعتنقه ولازمه ، وثبت ودام عليه ولم يفارقه .
    أي أنّ من لازمكم ، ولزم طريقتكم ، وقال بإمامتكم ، وأخذ بأقوالكم ،
(1) بحار الأنوار : ج27 ص218 ـ 238 ب10 الأحاديث 4 و44 و60 ، فهرس إحقاق الحقّ : ص487 مادّة كفر .


365
وتبع أعمالكم كان لاحقاً بكم في الدنيا والآخرة ، ومدركاً للدرجات العالية ، وواصلا إلى الحقّ والحقيقة .
    وتدلّ عليه الأخبار المتظافرة مثل :
    1 ـ حديث بشر بن غالب ، عن الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) قال : قال لي : « يابشر بن غالب من أحبّنا لا يحبّنا إلاّ لله جئنا نحن وهو كهاتين ـ وقدّر بين سبّابتيه ـ ، ومن أحبّنا لا يحبّنا إلاّ للدنيا فإنّه إذا قام قائم العدل وسع عدله البرّ والفاجر » .
    2 ـ حديث جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « الروح والراحة والفلج والفلاح والنجاح والبركة والعفو والعافية والمعافاة والبشرى والنضرة والرضا والقرب والقرابة والنصر والظفر والتمكين والسرور والمحبّة من الله تبارك وتعالى على من أحبّ علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ووالاه ، وائتمّ به ، وأقرّ بفضله ، وتولّى الأوصياء من بعده .
    وحقّ عليّ أن اُدخلهم في شفاعتي ، وحقّ على ربّي أن يستجيب لي فيهم ، وهم أتباعي ، ومن تبعني فإنّه منّي » .
    3 ـ حديث الأنصاري ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « من أحبّنا وانتحل محبّتنا أسكنه الله معنا ، وتلا هذه الآية : (فِي مَقْعَدِ صِدْق عِندَ مَلِيك مُّقْتَدِر) (1) » (2) .
    4 ـ حديث الشيخ الذي كان يحبّ أهل البيت (عليهم السلام) ويبغض أعدائهم ،
(1) سورة القمر : الآية 55 .
(2) بحار الأنوار : ج27 ب4 ص90 ـ 129 الأحاديث 44 و52 و120 .



366
وَالْمُقَصِّرُ فِي حَقِّكُمْ زاهِقٌ (1)

صرّح فيه الإمام السجّاد (عليه السلام) بقوله : « إن تمّت ترد على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى علي والحسن والحسين وعلي بن الحسين ويثلج قلبك ، ويبرد فؤادك ، وتقرّ عينك ، وتستقبل بالروح والريحان ، مع الكرام الكاتبين » (1) .
    وهذا مضافاً إلى أنّ ملازمة أهل البيت (عليهم السلام) هي السعادة العظمى التي توجب التفضّل منهم بملازمتهم لنا أيضاً وعدم مفارقتهم إيّانا ، كما في حديث إبراهيم بن أبي محمود ، عن الإمام الرضا (عليه السلام) : « من لزمنا لزمناه » (2) .
    والتوقيع الشريف الصادر من الإمام الحجّة (عليه السلام) للشيخ المفيد جاء فيه : « إنّا غير مهملين لمراعاتكم ، ولا ناسين لذكركم ، ولولا ذلك لنزل بكم اللأواء ، وإصطلمكم الأعداء ... » (3) .
    (1) ـ التقصير في الشيء هو : التواني فيه .
    والحقّ هو : كلّ شيء ثابت محقّق ذو حقيقة ، ضدّ الباطل الذي لا حقيقة له ولا ثبات فيه .
    قال تعالى : (ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ) (4) .
    والزهوق هو : الهلاك والتلف ، من قولهم زَهَقَت نفسه أي خرجت روحه ، وزهق الباطل .
(1) روضة الكافي : ج8 ص76 ح30 .
(2) بحار الأنوار : ج2 ص115 ب16 ح11 .
(3) الإحتجاج : ج2 ص322 .
(4) سورة الحجّ : الآية 62 .



367
وَالْحَقُّ مَعَكُمْ وَفِيكُمْ وَمِنْكُمْ وَاِلَيْكُمْ (1)

    أي اضمحلّ ، أي إنّ من قصّر في إمامتكم وولايتكم وحبّكم وطاعتكم ومتابعتكم ورتبتكم العالية وحقوقكم الراقية يكون من الهالكين المعذّبين .
    فإنّ لأهل البيت (عليهم السلام) علينا حقوقاً شرعية ووظائف دينية يلزم علينا أداؤها والوفاء بها مثل : معرفتهم ، والإقرار بإمامتهم ، والتسليم لهم ، وموالاتهم ، والتبرّي من أعدائهم ، وإطاعتهم ، والرجوع إليهم ، والاستغاثة بهم ، وحبّهم ، ونصرتهم .
    ذكرناها بأدلّتها تفصيلا في العقائد فلاحظ (1) .
    وقد دلّت الأحاديث الشريفة أنّ المقصّر في حقّهم يكون من الهالكين ، من ذلك :
    1 ـ حديث ابن أبي يعفور قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : « ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكّيهم ولهم عذاب أليم من ادّعى إمامة من الله ليست له ، ومن جحد إماماً من الله ، ومن زعم أنّ لهما في الإسلام نصيباً » (2) .
    2 ـ حديث الحلاّل قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : أخبرني عمّن عاندك ولم يعرف حقّك من ولد فاطمة هو وسائر الناس سواء في العقاب ؟
    فقال : « كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول : عليهم ضعفا العقاب » (3) .
    وفي نسخة الكفعمي : « والمقصّر عنكم زاهق » .
    (1) ـ أي أنّ الحقّ والحقيقة منتسبة إليكم من جميع الجهات ، فهي دائماً معكم وفيكم ومنكم وإليكم .
    فمعكم الحقّ ، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في علي وأهل بيته : أنّ الحقّ
(1) العقائد الحقّة الطبعة الاُولى : ص34 .
(2) الكافي : ج1 ص374 ح12 .
(3) الكافي : ج1 ص377 ح2 .



368
معهم حيث كانوا ، وأنّ علياً مع الحقّ والحقّ معه ، يدور حيثما دار .
    كما تلاحظه في أحاديث الفريقين المتواترة من الخاصّة في عشرة أحاديث ، ومن العامّة في خمسة عشر حديثاً (1) .
    وفيكم الحقّ ، أي في متابعتكم وإطاعتكم .
    حيث قد أمرنا الله تعالى بذلك في مثل قوله عزّ إسمه : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنكُمْ) (2) المفسّرة بأهل البيت (عليهم السلام) في أحاديث الخاصّة والعامّة (3) .
    ومنكم الحقّ ، فكلّ ما صدر منكم هو الحقّ ، وما لم يخرج منكم وخالفتموه هو باطل فإنّكم المتّصلون بوحي السماء والحقيقة العلياء .
    كما تلاحظه في الأحاديث المتظافرة (4) .
    وإليكم مرجع الحقّ ، فكل حقّ يكون في أيدي الناس يرجع إليكم ، ويؤخذ منكم ، أو مستنبط من كلامكم ، أو مستفاد من حكمتكم ، أو واصل إلى الخلق ببركتكم ، حتّى أنّ أعداءهم أخذوا ما حقّ في كلماتهم منهم (عليهم السلام) كما تلاحظه في أحوال البصري وغيره (5) . ويدلّ عليه معيّة الحقّ لهم ، ومعرفة الحقّ بهم .
(1) غاية المرام : ص539 ـ 542 ب45 و46 الأحاديث ، وفهرس إحقاق الحقّ : ص178، ومنها حديث شدّاد بن أوس ، فلاحظ .
(2) سورة النساء : الآية 59 .
(3) غاية المرام : ص263 ـ 265 ب58 و59 .
(4) الكافي : ج1 ص399 ح2 و3 و5 .
(5) سفينة البحار : ج2 ص207 .



369
وَاَنْتُمْ اَهْلُهُ وَمَعْدِنُهُ (1)

    (1) ـ أهل الرجل بمعنى أتباعه وأشياعه .
    ومعدن الجوهر بمعنى محلّ استقرار الجوهر وإفاضته .
    فمعنى هذه الفقرة الشريفة هو أنّكم أهل البيت سلام الله عليكم أهل الحقّ يعني أتباع الحقّ وأشياعه ، ومحلّ استقرار الحقّ وإفاضته .
    حيث إنتهت إليكم العلوم الحقّة ، والمعالم الصادقة ، وصدر منكم كلّ حقّ وصدق ، وكنتم النموذج الكامل للحقائق ظاهراً وباطناً ، قولا وعملا .
    فهم (عليهم السلام) المحور المركزي للحقّ ، يدور معهم الحقّ حيثما دار ، وهم المحك لمعرفة الحقّ عن الباطل .
    وقد تواترت الأحاديث في ذلك من الفريقين (1) .
    ونموذج ذلك قوله (صلى الله عليه وآله) : « فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم ، لا يفارقهم ولا يفارقونه » (2) .
    وفي الحديث الجامع الذي رواه الحمويني في فرائد السمطين :
    فقام زيد بن أرقم والبراء بن عازب وسلمان وأبو ذرّ والمقداد بن عمّار فقالوا : نشهد لقد حفظنا قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو قائم على المنبر وعلي (عليه السلام) إلى جنبه وهو يقول : « أيّها الناس إنّ الله عزّوجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ، والذي فرض الله عزّوجلّ على المؤمنين في كتابه طاعته فقرنه بطاعته وطاعتي ، آمركم بولايته ، وإنّي راجعت ربّي خشية طعن
(1) غاية المرام : ص539 ، فهرس إحقاق الحقّ : ص178 .
(2) إحقاق الحقّ : ج9 ص479 ح77 .



370
وَمِيراثُ النُّبُوَّةِ عِنْدَكُمْ (1)

أهل النفاق وتكذيبهم فأوعدني لتبلغنّها أو ليعذّبني .
    أيّها الناس إنّ الله أمركم في كتابه بالصلاة فقد بيّنتها لكم ، والزكاة والصوم والحجّ فبيّنتها لكم وفسّرتها ، وأمركم بالولاية وإنّي اُشهدكم أنّها لهذا خاصّة ووضع يده على علي بن أبي طالب (عليه السلام) ثمّ قال : لإبنيه بعده ثمّ للأوصياء من بعدهم من ولدهم ، لا يفارقون القرآن ولا يفارقهم القرآن حتّى يردوا علىّ حوضي .
    أيّها الناس : قد بيّنت لكم مفزعكم بعدي وإمامكم ودليلكم وهاديكم وهو أخي علي بن أبي طالب ، وهو فيكم بمنزلتي فيكم ، فقلّدوه دينكم وأطيعوه في جميع اُموركم ، فإنّ عنده جميع ما علّمني الله من علمه وحكمته ، فسلوه وتعلّموا منه ومن أوصيائه بعده ، ولا تعلّموهم ، ولا تتقدّموهم ، ولا تخلّفوا عنهم ، فإنّهم مع الحقّ والحقّ معهم لا يزايلوه ولا يزايلهم » (1) .
    (1) ـ الميراث : مفعالٌ من الإرث ، بمعنى ما يورث .
    وفسّر بالقُنية التي تنتقل إليك عن غيرك من غير عقد ولا ما يجري مجرى العقد ، وسمّي بذلك المنتقل عن الميّت ، فيقال للقُنية الموروثة : ميراث وإرث (2) .
    وميراث النبوّة : هو الذي كان عند الأنبياء ووصل إلى خاتمهم الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) .
    وقد وصل مع مواريثه صلوات الله عليه وآله إلى أهل بيته الطاهرين (عليهم السلام)خلفاً بعد سلف .
    فصار عندهم ميراث النبوّة ، لأنّهم كانوا الورثة المحقّين للأنبياء ، وقد =
(1) إحقاق الحقّ : ج5 ص36 ح63 .
(2) المفردات : ص518 .