391
وَالْصِّراطُ الاَْقْوَمُ (1)

    قال : فقال : « نحن المتوسّمون والسبيل فينا مقيم » (1) .
    واعلم أنّ هذه الفقرة الشريفة وإن كانت لم تذكر في نسخة الفقيه ، لكن ذكرت في عيون الأخبار وسائر المزارات .
    (1) ـ الصراط في اللغة هو : الطريق ، ومنه سمّي الدين صراطاً لأنّه طريق إلى الله ، وكذلك سمّي صراط الآخرة الصراط لأنّه طريق إلى الجنّة .
    والأقوم : تفضيل للقويم ، مأخوذ من الإستقامة بمعنى الثُبات والتمامية والعدل .
    وأهل البيت (عليهم السلام) مضافاً إلى كونهم السبيل الأعظم هم الصراط المستقيم الثابت والطريق القويم الموصِل في جميع اُمور الحياة الدنيا ، وهم الطريق الأقوم لسعادة الحياة الاُخرى في كلّ العقائد والأفعال ، وعموم الأقوال والأعمال ، وفي مطلق الحالات والأحوال .
    بل هم الطريق الوحيد إلى الله المجيد كما دلّ عليه الدليلان الكتاب والسنّة فيما يلي :
    1 ـ أحاديث تفسير قوله تعالى : (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (2) جاءت أحاديث تفسيرها بهم (عليهم السلام) في الكنز (3) .
    2 ـ حديث الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى : (وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى
(1) الكافي : ج1 ص208 ح1 .
(2) سورة الأنعام : الآية 153 .
(3) كنز الدقائق : ج4 ص482 .



392
وَشُهَداءُ دارِ الْفَناءِ (1)

الطَّرِيقَةِ لاََسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً) (1) .
    قال : « يعني لو استقاموا على ولاية علي بن أبي طالب أمير المؤمنين والأوصياء من ولده (عليهم السلام) وقبلوا طاعتهم في أمرهم ونهيهم لأسقيناهم ماءاً غدقاً ، يقول : لأشربنا قلوبهم الإيمان والطريقة هي الإيمان بولاية علي والأوصياء » (2) .
    3 ـ حديث الفضيل بن يسار ، عن الإمام الباقر (عليه السلام) في قوله تعالى : (أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاط مُّسْتَقِيم) (3) .
    قال : « يعني والله علياً والأوصياء (عليهم السلام) » (4) .
    (1) ـ أي شهداء الله تعالى على خلقه في دار الدنيا التي هي دار الفناء لأنّها تفنى وتضمحل وتزول ، مقابل الآخرة التي هي دار البقاء لأنّها تبقى وتخلد وتدوم .
    وقد تقدّم في الفقرة السابقة : « وشهداء على خلقه » أنّ أهل البيت (عليهم السلام)مشاهدين وشاهدين لجميع الأعمال والأفعال .
    وهذه الدنيا الفانية دار امتحان للعباد في سبيل يوم المعاد ، لتنال كلّ نفس جزاءها بالقسط والعدل .
    ومن تمام الحجّة وعدالة المحجّة أن يُوفّى الناس حسابهم على طبق شهادة شهودهم .
    ومن أصدق شهادة من أهل بيت العصمة (عليهم السلام) الذين هم الصادقون
(1) سورة الجنّ : الآية 16 .
(2) الكافي : ج1 ص220 ح1 .
(3) سورة الملك : الآية 22 .
(4) بحار الأنوار : ج24 ص22 ح44 .



393
وَشُفَعاءُ دارِ الْبَقاءِ (1)

المصدّقون ، والذين يُعرض عليهم أعمال العباد من قبل ربّهم ، بل يشاهدونها في عمود نورهم .
    وقد عرفت الدليل على شاهديتهم (عليهم السلام) من الكتاب في قوله تعالى : (لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ) (1) (2) .
    ومن السنّة في الأحاديث المتواترة التي عقد لها باب كما تقدّم (3) .
    (1) أي الشفعاء إلى الله تعالى لشيعتهم في الدار الاُخرى .
    والشفاعة هي : السؤال في التجاوز عن الجرائم والذنوب (4) .
    وأهل البيت (عليهم السلام) لهم وسام الشرف في الوجاهة عند الله تعالى ، ولهم مقام التكريم من قبل الله عزّوجلّ ، إعظاماً لهم وإحساناً إلى شيعتهم .
    فيشفعون إلى الله الذي ارتضى شفاعتهم في العفو عن أهل الخطأ من مذنبي المؤمنين .
    وهذا ثابت بالأدلّة الأربعة كما فصّلنا بيانها في العقائد فلا نودّ التكرار (5) ، لكنّا نشير إليها باختصار :
    1 ـ أمّا دليل الكتاب فمثل قوله تعالى : (وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى
(1) سورة البقرة : الآية 143 .
(2) كنز الدقائق : ج2 ص177 .
(3) الكافي : ج1 ص190 .
(4) مجمع البحرين : ص383 .
(5) العقائد الحقّة الطبعة الأولى : ص454 .



394
وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) (1) وتلاحظ أحاديث تفسيره في الكنز (2) .
    2 ـ وأمّا دليل السنّة فالأحاديث التي تفوق على المئة ممّا جمعت في بابي الشفاعة والصفح عن الشيعة في المجلّد الثامن والستّين من بحار الأنوار .
    ونتبرّك هنا بذكر حديثين فقط من طرق الخاصّة والعامّة وهما :
    أمّا أولا : فمن طريق الخاصّة حديث فرات الكوفي بسنده عن الإمام الباقر (عليه السلام) .
    قال جابر لأبي جعفر (عليه السلام) : جعلت فداك يابن رسول الله حدّثني بحديث في فضل جدّتك فاطمة (عليها السلام) إذا أنا حدّثت به الشيعة فرحوا بذلك .
    قال أبو جعفر (عليه السلام) : حدّثني أبي ، عن جدّي ، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : « إذا كان يوم القيامة نصب للأنبياء والرسل منابر من نور ، فيكون منبري أعلى منابرهم يوم القيامة ثمّ يقول الله : يامحمّد اخطب . فأخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأنبياء والرسل بمثلها .
    ثمّ ينصب للأوصياء منابر من نور وينصب لوصيي علي بن أبي طالب في أوساطهم منبر من نور فيكون ، منبره أعلى منابرهم ثمّ يقول الله : ياعلي اخطب فيخطب بخطبة لم يسمع أحد من الأوصياء بمثلها .
    ثمّ ينصب لأولاد الأنبياء والمرسلين منابر من نور ، فيكون لإبنيّ وسبطيّ وريحانتيّ أيّام حياتي منبر من نور ، ثمّ يقال لهما : اخطبا فيخطبان بخطبتين لم
(1) سورة الأنبياء : الآية 28 .
(2) كنز الدقائق : ج8 ص406 .



395
يسمع أحد من أولاد الأنبياء والمرسلين بمثلهما .
    ثمّ ينادي المنادي وهو جبرئيل (عليه السلام) : أين فاطمة بنت محمّد ؟ أين خديجة بنت خويلد ؟ أين مريم بنت عمران ؟ أين آسية بنت مزاحم ؟ أين اُمّ كلثوم اُمّ يحيى بن زكريا ؟ فيقمن .
    فيقول الله تبارك وتعالى : ياأهل الجمع لمن الكرم اليوم ؟
    فيقول محمّد وعلي والحسن والحسين : لله الواحد القهّار .
    فيقول الله جلّ جلاله : ياأهل الجمع إنّي قد جعلت الكرم لمحمّد وعلي والحسن والحسين وفاطمة ، ياأهل الجمع طأطؤا الرؤوس وغضّوا الأبصار فإنّ هذه فاطمة تسير إلى الجنّة ، فيأتيها جبرئيل بناقة من نوق الجنّة مدبّجة الجنبين ، خطامها من اللؤلؤ المحقّق الرطب ، عليها رحل من المرجان ، فتناخ بين يديها ، فتركبها ، فيبعث إليها مائة ألف ملك فيصيروا على يمينها ، ويبعث إليها مائة ألف ملك يحملونها على أجنحتهم حتّى يصيّروها عند باب الجنّة ، فإذا صارت عند باب الجنّة تلتفت .
    فيقول الله : يابنت حبيبي ، ما التفاتك وقد أمرت بك إلى جنّتي ؟
    فتقول : ياربّ أحببت أن يُعرف قدري في مثل هذا اليوم .
    فيقول الله : يابنت حبيبي ارجعي فانظري من كان في قلبه حبّ لك أو لأحد من ذرّيتك خذي بيده فأدخليه الجنّة » .
    قال أبو جعفر (عليه السلام) : « والله ياجابر أنّها ذلك اليوم لتلتقط شيعتها ومحبّيها كما يلتقط الطير الحبّ الجيّد من الحبّ الردي ، فإذا صار شيعتها معها عند باب الجنّة يلقي الله في قلوبهم أن يلتفتوا فإذا التفتوا يقول الله :


396
ياأحبّائي ما التفاتكم وقد شفعت فيكم فاطمة بنت حبيبي ؟
    فيقولون : ياربّ أحببنا أن يعرف قدرنا في مثل هذا اليوم .
    فيقول الله : ياأحبّائي ارجعوا وانظروا من أحبّكم لحبّ فاطمة ، انظروا من أطعمكم لحبّ فاطمة ، انظروا من كساكم لحبّ فاطمة ، انظروا من سقاكم شربة في حبّ فاطمة ، انظروا من ردّ عنكم غيبة في حبّ فاطمة خذوا بيده وأدخلوه الجنّة » .
    قال أبو جعفر (عليه السلام) : « والله لا يبقى في الناس إلاّ شاكّ أو كافر أو منافق فإذا صاروا بين الطبقات نادوا كما قال الله : (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيق حَمِيم) فيقولون : (فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (1) .
    قال أبو جعفر (عليه السلام) : هيهات هيهات منعوا ما طلبوا (وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ) (2) » (3) .
    وأمّا ثانياً : ومن طريق العامّة فحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال : « الزموا مودّتنا أهل البيت ، فإنّه من لقى الله عزّوجلّ وهو يودّنا دخل الجنّة بشفاعتنا ، والذي نفسي بيده لا ينفع عبداً عمله إلاّ بمعرفة حقّنا » .
    رواه نور الدين بن أبي بكر في مجمع الزوائد ، والهيثمي في الصواعق ، والسيوطي في إحياء الميت ، والقندوزي في الينابيع ، والنبهاني في الشرف المؤبّد ، والحمزاوي في مشارق الأنوار ، والطبراني في الأوسط ، والصبّان في
(1) سورة الشعراء : الآيات 100 ـ 102 .
(2) سورة الأنعام : الآية 28 .
(3) تفسير فرات الكوفي : ص298 ح403 .



397
وَالرَّحْمَةُ الْمَوْصُولَةُ (1)

الإسعاف ، والحضرمي في رشفة الصادي ، وباكثير في وسيلة المآل ، والسمهودي الشافعي في الأشراف ، كما تلاحظ كامل مصادر جميعها في الإحقاق (1) .
    3 ـ وأمّا دليل الإجماع فقد أفاده الشيخ الصدوق (2) ، والشيخ الطبرسي (3) ، والعلاّمة شبّر (4) .
    4 ـ وأمّا دليل العقل فلإبتناء الشفاعة على عفو الله تعالى ، وهو إحسان حسن ، والعقاب حقّه فجاز إسقاطه ، كما إستدلّ به العلاّمة أعلى الله مقامه (5) .
    (1) ـ الرحمة من الله تعالى : عطفه وبرّه ورزقه وإحسانه (6) .
    وهي الإحسان والإنعام والإفضال إلى الغير (7) .
    والموصولة : مأخوذة من الوصل مقابل القطع ، يعني الرحمة المتّصلة غير المنقطعة .
    وأهل البيت (عليهم السلام) رحمة الله تعالى الموصولة إلى خلقه ، والنعمة التي يتنعّم بها العباد .
    وهم (عليهم السلام) أيضاً قد اتّصلت الرحمة فيما بينهم حيث كان كلّ إمام منهم
(1) إحقاق الحقّ : ج9 ص428 ، وج18 ص531 .
(2) الإعتقادات : ص66 .
(3) مجمع البيان : ج1 ص103 .
(4) حقّ اليقين : ج2 ص134 .
(5) نهج المسترشدين : ص82 .
(6) مجمع البحرين : ص516 .
(7) المفردات : ص191 .



398
يخلفه إمام آخر إلى آخر الدنيا ، إذ هم (عليهم السلام) ورثة جدّهم (صلى الله عليه وآله) الذي كان بالمؤمنين رؤوف رحيم .
    وهم أسباب الرحمة الإلهية ، ومحور استقرار الكرة الأرضية ، ومظاهر الألطاف الربّانية ، كما تقدّمت أدلّته في الفقرة السابقة : « ومعدن الرحمة » .
    ونضيف للتبرّك حديثاً آخر في ذلك ، وهو حديث الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال :
    « نحن المثاني الذي أعطاه الله نبيّنا محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ونحن وجه الله نتقلّب في الأرض بين أظهركم ، ونحن عين الله في خلقه ، ويده المبسوطة بالرحمة على عباده ، عرفنا من عرفنا وجهلنا من جهلنا ... » (1) .
    وهم (عليهم السلام) سلالة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) الذي بعث رحمةً للعالمين ، حيث إنّ ما بُعث به سبب لإسعادهم ، وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم (2) .
    وكان رحمةً لا للبشر فقط بل لجميع العالمين ، حتّى الملائكة المقرّبين كما ينبىء عنه حديث المجمع :
    روي أنّ النبي (صلى الله عليه وآله) قال لجبرائيل لمّا نزلت هذه الآية : (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) : هل أصابك من هذه الرحمة شيء ؟
    قال : نعم ، إنّي كنت أخشى عاقبة الأمر فآمنت بك لمّا أثنى الله عليّ بقوله : (ذِي قُوَّة عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِين) (3) (4) .
(1) الكافي : ج1 ص143 ح3 .
(2) كنز الدقائق : ج8 ص484 .
(3) سورة التكوير : الآية 20 .
(4) مجمع البيان : ج7 ص67 .



399
    ولقد كان (صلى الله عليه وآله) رحمة للدين والدنيا كليهما .
    أمّا في الدين فلأنّه بُعث سراجاً للخلق ، وهادياً إلى الحقّ ، ومبيّناً للأحكام ومميّزاً للحلال عن الحرام ، بُعث والناس في جاهلية وضلالة ، وأهل الكتاب في جهل وحيرة للتحريفات التي وقعت عندهم ، والاختلافات التي حدثت بين علماءهم .
    (لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولا مِنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَل مُّبِين) (1) .
    وأمّا في الدنيا فلأنّه بعث بركة على العباد والبلاد ، وتخلّصوا بسببه من مذلاّت الجاهلية وحروبها ، وأنجاس تلك العصور وخبائثها .
    (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِىَّ الاُْمِّىَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالاِْنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنْ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالاَْغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (2) .
    فببركة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) طابت مآكلهم وحسنت معيشتهم ، بعد أن كان من أفضل مآكلهم العِلهز ، وهو الوبر المخلوط والمطبوخ بالدم .
(1) سورة آل عمران : الآية 164 .
(2) سورة الأعراف : الآية 157 .



400
    وفي الخطبة الفاطمية المباركة : « وكنتم على شفا حفرة من النار ، مُذقةَ الشارب ، ونُهزةَ الطامع ، وقُبسةَ العجلان ، وموطىءَ الأقدام ، تشربون الطَرَق ، وتقتاتون القدّ ] والورق [ ، أذلّةً خاسئين ، تخافون أن يتخطّفكم الناس من حولكم ، فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمّد (صلى الله عليه وآله) بعد اللّتيا والتي » (1) .
    ممّا تعلم من ذلك أنّه صلوات الله عليه وآله كان رحمة للدين والدنيا معاً .
    بل كان رحمة للمؤمن والكافر كليهما في دنياهما .
    حيث إنّ بيمنهم رُزق الورى كلّهم ، وبوجودهم ثبتت الأرض والسماء فانتفع بهما جميعهم ، وبواسطتهم عمّت النعم لأصناف الخلق عمومهم .
    هذا مضافاً إلى أنّ نفس تعريض الكافر للإيمان والثواب الدائم ترحّم عليه ورحمة له ، وهو نعمة عليه وإن لم يهتد بهدايته ، نظير من قدّم طعاماً إلى جائع فلم يأكل الجائع من ذلك ، فإنّ المقدِّم منعم عليه وإن لم يقبل (2) .
    قال شيخ الطائفة (قدس سره) : (وفي الآية دلالة على بطلان قول المجبّرة في أنّه ليس لله على الكافرين نعمة ، لأنّه تعالى بيّن أنّ إرسال الله رسوله نعمة للعالمين وعلى كلّ من اُرسل إليهم ، ووجه النعمة على الكافر أنّه عرّضه للإيمان ولطف له في ترك معاصيه) (3) .
    وعلى الجملة أهل البيت كسيّدهم الرسول الأعظم (صلوات الله عليهم) رحمة الله المتّصلة والموصولة إلى خلقه وخليقته ، تلك الرحمة الإلهية التي
(1) الإحتجاج : ج1 ص135 .
(2) مقتنيات الدرر : ج7 ص205 .
(3) التبيان : ج7 ص285 .