421
وَاَمِنَ مَنْ لَجَأَ اِلَيْكُمْ (1)
    (1) ـ أصل الأمن : طمأنينة النفس وزوال الخوف .
    والأمن والأمان والأمانة مصادر تجعل تارةً للحالة التي يكون عليها الإنسان عند الأمن (1) .
    وأمِنَ هنا فعل ماض بمعنى : اطمأنّ وزال خوفه .
    أي اطمأنّ ولم يخف عذاب الله تعالى وغضبه من لجأ إليكم أهل البيت .
    ولجأ : مأخوذ من اللجوء .
    يقال : لجأ إلى الحصن والتجأ إليه أي اعتصم به ، فالحصن هو الملجأ .
    والجأت ظهري إليك أي اعتمدت في اُموري عليك ، والجأت أمري إلى الله تعالى أي أسندته إليه (2) .
    فاللجوء بمعنى الاعتصام والاعتماد والاستناد .
    ومعنى هذه الفقرة الشريفة : أمن من اعتصم بكم واعتمد عليكم واستند إليكم أهل البيت بالاعتقاد والاتّباع والاستشفاع ، فأنتم الملجأ الأمين ، والحصن الحصين لخلق الله إلى يوم الدين .
    يدلّ عليه :
    1 ـ تأويل قوله تعالى : (سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ) (3) المفسّر
(1) المفردات : ص25 .
(2) مجمع البحرين : ص78 .
(3) سورة سبأ : الآية 18 .



422
وَسَلِمَ مَنْ صَدَّقَكُمْ (1)

بالسير في ولايتهم (عليهم السلام) (1) .
    2 ـ الأحاديث الدالّة على أنّ أهل البيت (عليهم السلام) أمان لأهل الأرض كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، ولولاهم لهلك أهل الأرض ، كما تلاحظه في أحاديثه المتظافرة ، من ذلك :
    حديث فضيل الرسّان قال : كتب محمّد بن إبراهيم إلى أبي عبدالله (عليه السلام) : أخبِرنا ما فضلكم أهل البيت ؟
    فكتب إليه أبو عبدالله (عليه السلام) : « إنّ الكواكب جعلت في السماء أماناً لأهل السماء ، فإذا ذهبت نجوم السماء جاء أهل السماء ما كانوا يوعدون ، وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : جُعل أهل بيتي أماناً لاُمّتي ، فإذا ذهب أهل بيتي جاء اُمّتي ما كانوا يوعدون » (2) .
    (1) ـ سَلِمَ : مأخوذ من السَّلْم والسلامة ، وهي التعرّي عن الآفات الظاهرة والباطنة (3) .
    وصدّقكم : مأخوذ من التصديق ، يقال : صدّقه أي اعترف بصدق كلامه ، واعتبره صحيحاً مخلَصاً لا كذب فيه (4) وبمعنى حقّقه (5) .
    أي سَلِمَ من العذاب والهلاك ، ومن الزيغ والشكّ والضلال من صدّقكم
(1) كنز الدقائق : ج10 ص486 .
(2) بحار الأنوار : ج27 ب8 ص309 ح5 .
(3) المفردات : ص239 .
(4) الرائد : ص916 .
(5) المعجم الوسيط : ج1 ص510 .



423
وَهُدِيَ مَنِ اعْتَصَمَ بِكُمْ (1)

في الإمامة وغيرها من شؤونكم ، واعترف بصدقكم واعتبر كلامكم .
    وذلك لأنّهم لا ينطقون إلاّ عن الله تعالى ، فيكون تصديقهم تصديقاً لله عزّ إسمه ، وهو مقرون ومضمون بالسلامة القطعية والسَّلْم اليقين .
    وقد أمر الله تعالى بإطاعتهم في آية اُولي الأمر الشريفة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ) (1) .
    وأمر بالكون معهم في آية الصادقين المباركة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (2) .
    والآيتان واردتان في شأن أهل البيت (عليهم السلام) في أحاديث الفريقين (3) .
    فهل يكون طريقهم إلاّ طريق السعادة والسلامة .
    (1) ـ هُدِيَ : مأخوذ من الهدى ، وهي الهداية والإرشاد إلى طريق الحقّ والسداد والاعتصام بالشيء هو : التمسّك بالشيء والتعلّق به (4) .
    أي هُدي إلى طريق النجاة ، واهتدى به من اعتصم بكم ، وتمسّك بحبلكم وتعلّق بحُجزتكم .
    لأنّهم (عليهم السلام) حبل الله المتين الذي من تمسّك به نجى ، ومصباح الهداية الذي من استضاء به اهتدى ، فالاعتصام بهم إعتصام بالله تعالى ، ومن يعتصم بالله فقد هُدى إلى صراط مستقيم .
(1) سورة النساء : الآية 59 .
(2) سورة التوبة : الآية 119 .
(3) غاية المرام : ص263 و248 .
(4) المفردات : ص337 .



424
    قال الله تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) (1) .
    وفي حديث جابر عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال : « آل محمّد (عليهم السلام) هم حبل الله الذي اُمر بالإعتصام به فقال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) » (2) .
    وفي حديث شرح الآيات الباهرة عن الإمام السجّاد (عليه السلام) قال : كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذات يوم جالساً في المسجد ، وأصحابه حوله ، فقال لهم : « يطلع عليكم رجل من أهل الجنّة يسأل عمّا يعنيه .
    قال : فطلع علينا رجل شبيه برجال مصر ، فتقدّم وسلّم على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وجلس ، وقال : يارسول الله ، إنّي سمعت الله يقول : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) فما هذا الحبل الذي أمر الله بالإعتصام ولا نتفرّق عنه ؟
    قال : فأطرق ساعة ، ثمّ رفع رأسه وأشار إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال : هذا حبل الله الذي من تمسّك به عُصِم في دنياه ، ولم يضلّ في اُخراه .
    قال : فوثب الرجل إلى علي بن أبي طالب واحتضنه من وراء ظهره ، وهو يقول : اعتصمت بحبل الله وحبل رسوله ، ثمّ قام فولّى وخرج . فقام رجل من الناس فقال : يارسول الله ـ صلّى الله عليك وأهلك ـ أَلحقُه وأسأله أن يستغفر لي ؟
    فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا تجده مرفقاً .
    قال : فلحقه الرجل وسأله أن يستغفر له .
    فقال له : هل فهمت ما قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما قلت له ؟
(1) سورة آل عمران : الآية 103 .
(2) كنز الدقائق : ج3 ص185 .



425
مَنِ اتَّبَعَكُمْ فَالْجَنَّةُ مَأْواهُ وَمَنْ خالَفَكُمْ فَالنّارُ مَثْواهُ (1)

    قال الرجل : نعم .
    فقال له : إن كنت متمسّكاً بذلك الحبل فغفر الله لك ، وإلاّ فلا غفر الله لك وتركه ومضى » (1) .
    وفي حديث جعفر بن محمّد بن سعيد الأحمسي مسنداً ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : « نحن حبل الله الذي قال : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا) [ و ] ولاية علي (عليه السلام) من استمسك بها كان مؤمناً ، ومن تركها خرج عن الإيمان » (2) .
    وقد تظافرت الأحاديث الشريفة في إنحصار الهداية بهم في بابين فلاحظ :
    1 ـ (باب إنّ الناس لا يهتدون إلاّ بهم) (3) .
    2 ـ (باب إنّهم (عليهم السلام) الهداية والهدى والهادون في القرآن) (4) .
    (1) ـ المأوى : اسم للمكان الذي يُأوى إليه ، مأخوذ من الايواء بمعنى النزول والرجوع ، فالمأوى معناه المنزل والمرجع (5) .
    والمثوى : اسم مكان أيضاً مأخوذ من الثواء بمعنى الإقامة مع الإستقرار كما في قوله تعالى : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (6) .
(1) كنز الدقائق : ج3 ص186 .
(2) كنز الدقائق : ج3 ص188 .
(3) بحار الأنوار : ج23 ص99 ب6 .
(4) بحار الأنوار : ج24 ص143 ب45 .
(5) المرآة : ص61 ، المفردات : ص32 .
(6) المفردات : ص84 .



426
    فالمثوى معناه المقام والمنزل الذي يُقام فيه ، والجمع مثاوي (1) .
    ومعنى الفقرتين في الزيارة الشريفة إنّ من كان تابعاً لكم فالجنّة منزله ومرجعه الذي يؤوي إليه في الآخرة .
    ومن كان مخالفاً لكم فنار جهنّم مقامه ومنزله الذي ينزله ويستقرّ فيه يوم القيامة فهو مخلّد في النار .
    وهذا أمر مصيري ، وغاية نهائية تكشف عن عظمى الأهمية في متابعة أهل البيت (عليهم السلام) ، ومدى خسران الصفقة في مخالفة أهل البيت (عليهم السلام) .
    وقد تظافرت الأخبار في تفسير آيات الجنّة في القرآن الحكيم أنّها في أولياء أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وفي آيات النار في القرآن الكريم أنّها في أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ويمكنك ملاحظتها من طريق الفريقين في غاية المرام للسيّد الجليل البحراني أعلى الله مقامه .
    ونموذجها قوله تعالى : (لاَ يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ) (2) (3) (4) .
    والمستفاد من كتاب الشموس : أنّ الأخبار في ذلك بحدّ التواتر ، بل المطلب من ضروريات المذهب ، بل من ضروريات الدين في الجملة بحيث لا
(1) مجمع البحرين : ص17 .
(2) سورة الحشر : الآية 20 .
(3) كنز الدقائق : ج13 ص191 .
(4) غاية المرام : ص328 .



427
نحتاج إلى ذكر دليل آخر (1) .
    لكن نتبرّك بذكر حديث واحد تيمّناً ، وهو ما رواه ابن عبّاس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « ياعلي إنّ جبرئيل أخبرني عنك بأمر قرّت به عيني وفرح به قلبي ، قال : يامحمّد قال الله عزّوجلّ : اقرأ محمّداً منّي السلام واعلمه أنّ علياً إمام الهدى ، ومصباح الدجى ، والحجّة على أهل الدنيا ، وأنّه الصدّيق الأكبر ، والفاروق الأعظم .
    وإنّي آليت وعزّتي وجلالي أن لا اُدخل النار أحداً توالاه وسلّم له وللأوصياء من بعده .
    حقّ القول منّي لأملأنّ جهنّم وأطباقها من أعدائه ، ولأملأنّ الجنّة من أوليائه وشيعته » (2) .
    فالجنّة مأوى تابعيه ، والنار مثوى معاديه ، بل هو قسيم الجنّة والنار وبيده مفاتيحهما ، فيُدخل شيعته الجنّة التي أعدّها الله تعالى للمتّقين ، ويُدخل أعدائه النار التي أعدّها الله تعالى للكافرين .
    وقد تظافرت في ذلك أحاديث الفريقين مثل : ما رواه ابن عبّاس عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) .
    إنّ النبي (صلى الله عليه وآله) وعليّاً ينصب لهما منبر فيه الف مرقاة ثمّ يتسلّم النبي (صلى الله عليه وآله)
(1) الشموس الطالعة : ص343 .
(2) بحار الأنوار : ج27 ص132 ب4 ح124 .



428
وَمَنْ جَحَدَكُمْ كافِرٌ (1)

مفاتيح الجنّة والنار فيسلّمها لعلي (عليه السلام) فيدخل شيعته الجنّة ، وأعداءه النار (1) .
    وما أحلى الحديث القدسي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ربّ العزّة جلّ جلاله أنّه قال :
    « من عرف حقّ علي ذكا وطاب ، ومن أنكر حقّه لُعن وخاب ، أقسمت بعزّتي أن اُدخل الجنّة من أطاعه وإن عصاني ، وأقسمت بعزّتي أن اُدخل النار من عصاه وإن أطاعني » (2) .
    (1) ـ الجحود هو : الإنكار مع العلم كما تقدّم ، يقال : جحد حقّه جحداً وجحوداً أي أنكره مع علمه بثبوته ، قال تعالى : (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتهَا أَنفُسُهُمْ) (3) ، أي جحدوا بالآيات بألسنتهم واستيقنوها في قلوبهم ، والاستيقان أبلغ من الإيقان (4) .
    فالمعنى هو أنّ من جحد أهل البيت (عليهم السلام) وأنكر حقّهم أو ولايتهم أو فضلهم كان كافراً .
    فإنّ حقّهم ثبت من رسول الله من قبل الله تعالى ، فيكون إنكاره إنكاراً لرسالة الرسول ، وردّاً على الله ، وهو كفر بالله العظيم .
    فمن البديهيات العقليّة أنّه لا معنى لأن يقول أحد أنّ الله تعالى معبودي ، لكنّي لا أعترف بما عبّدني به من ولاية أولياءه المعصومين (عليهم السلام) .
(1) إحقاق الحقّ : ج6 ص213 ب91 ح1 وله أسانيد عديدة من طرف العامّة .
(2) لاحظه عن مصادر العامّة في إحقاق الحقّ : ج4 ص221 .
(3) سورة النمل : الآية 14 .
(4) مجمع البحرين : ص198 .



429
    ولا معنى لأن يدّعي أحد أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) نبيّي ، لكنّي أنكر ما اُرسل به من إمامة أوصياءه الطيّبين (عليهم السلام) .
    وليس الإنكار هذا إلاّ ردّاً على الله ورسوله ، وهو كفر قطعاً .
    وقد تواترت الروايات في كفر من جحد أهل البيت (عليهم السلام) .
    مثل : حديث يحيى بن القاسم عن الإمام الصادق (عليهم السلام) عن آبائه الطاهرين عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) .
    قال : « الأئمّة بعدي إثنا عشر أوّلهم علي بن أبي طالب وآخرهم القائم ... المقرّ بهم مؤمن ، والمنكر لهم كافر » (1) .
    بل في حديث الإمام الباقر (عليه السلام) أنّ ترك ولاية علي بن أبي طالب وإنكار فضله ومظاهرة عدوّه يُخرج عن الإسلام (2) .
    هذا وقد ورد كفر جحود ولاية الأئمّة الطاهرين (عليهم السلام) في أحاديث كثيرة من طرق العامّة أيضاً منها : ما ذكره الخوارزمي بسنده عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنّه قال :
    « ليلة اُسري بي إلى السماء قال لي الجليل جلّ وعلا : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَبِّهِ) (3) .
    قلت : والمؤمنون ؟
    قال : صدقت يامحمّد ، من خلّفت في اُمّتك ؟
(1) وسائل الشيعة : ج18 ص557 ب10 الأحاديث8 و11 و13 و18 و19 و27 و28 و34 و38 و40 و43 و48 و49 .
(2) بحار الأنوار : ج27 ص238 ب10 ح60 .
(3) سورة البقرة : الآية 285 .



430
    قلت : خيرها .
    قال : علي بن أبي طالب ؟
    قلت : نعم ياربّ .
    قال : يامحمّد إنّي اطلعت إلى أهل الأرض اطلاعة فاخترتك منها فشققت لك إسماً من أسمائي فلا اُذكر في موضع إلاّ ذكرت معي ، فأنا المحمود وأنت محمّد ، ثمّ اطلعت الثانية فاخترت عليّاً وشققت له إسماً من أسمائي ، فأنا الأعلى وهو علي .
    يامحمّد إنّي خلقتك وخلقت علياً وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة من ولده من سنخ نور من نوري ، وعرضت ولايتكم على أهل السماوات وأهل الأرض ، فمن قبلها كان عندي من المؤمنين ، ومن جحدها كان عندي من الكافرين .
    يامحمّد لو أنّ عبداً من عبيدي عبدني حتّى ينقطع أو يصير كالشنّ البالي ، ثمّ أتاني جاحداً لولايتكم ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم .
    يامحمّد أتحبّ أن تراهم ؟
    قلت : نعم ياربّ .
    فقال لي : التفت عن يمين العرش فالتفتُّ فإذا أنا بعلي ، وفاطمة ، والحسن والحسين ، وعلي بن الحسين ، ومحمّد بن علي ، وجعفر بن محمّد ، وموسى بن جعفر ، وعلي بن موسى ، ومحمّد بن علي ، وعلي بن محمّد ، والحسن بن علي ، والمهدي في ضحضاح من نور ، قياماً يصلّون ، وهو في وسطهم « يعني المهدي » كأنّه كوكب درّي . قال :