571
    أمّا من حيث الكمّ فنُقل أنّ جبرائيل (عليه السلام) نزل على إبراهيم (عليه السلام) خمسين مرّة وعلى موسى (عليه السلام) أربعمائة مرّة وعلى عيسى (عليه السلام) عشر مرّات وعلى محمّد (صلى الله عليه وآله) أربعة وعشرين ألف مرّة (1) .
    وأمّا من حيث الكيف ففي غاية العظمة والتشريف كما في أحاديثه التي منها :
    1 ـ حديث أبي الجارود ، عن الإمام الباقر (عليه السلام) : « ... فلمّا بعث الله جبرئيل إلى محمّد (صلى الله عليه وآله) سمع أهل السماوات صوت وحي القرآن كوقع الحديد على الصفا ، فصعق أهل السماوات .
    فلمّا فرغ من الوحي انحدر جبرئيل ، كلّما مرّ بأهل السماء فزّع عن قلوبهم ... فقال بعضهم لبعض : ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العلي الكبير » .
    2 ـ حديث كمال الدين : سُئل الصادق (عليه السلام) عن الغشية التي كانت تأخذ النبي (صلى الله عليه وآله) أكانت تكون عند هبوط جبرئيل ؟
    فقال : « لا ، إنّ جبرئيل (عليه السلام) إذا أتى النبي (صلى الله عليه وآله) لم يدخل عليه حتّى يستأذنه ، فإذا دخل عليه قعد بين يديه قعدة العبد ، وإنّما ذلك ـ أي الغشية ـ عند مخاطبة الله عزّوجلّ إيّاه بغير ترجمان وواسطة » .
    3 ـ حديث عمر بن يزيد ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) : « إنّ جبرئيل كان يجيء فيستأذن على رسول الله ، وإن كان على حال لا ينبغي أن يأذن له قام في مكانه حتّى يخرج إليه ، وإن أذن له دخل عليه .
(1) سفينة البحار : ج1 ص544 .


572
آتاكُمُ اللّهُ ما لَمْ يُؤْتِ اَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (1)

    فقلت : وأين المكان ؟
    قال : حيال الميزاب الذي إذا خرجت من الباب الذي يقال له : باب فاطمة بحذاء القبر ، إذا رفعت رأسك بحذاء الميزاب ، والميزاب فوق رأسك ، والباب من وراء ظهرك . الخبر » (1) .
    وفي نسخة الكفعمي هنا زيادة : « وبمفتاح منطقكم نطق كلّ لسان ، وبكم يسبّح القدّوس السبّوح ، وبتسبيحكم جرت الألسن بالتسبيح ، والله بمنّه آتاكم ما لم يؤت أحداً من العالمين » .
    (1) ـ أي آتاكم الله تعالى من العلوم والمعارف ، والأسرار والمواهب ، والمواريث والعطايا ، والخصائص والفضائل ما لم يؤتها أحداً من العالمين حتّى الأنبياء والمرسلين والملائكة المقرّبين .
    فإنّ العالمين بفتح اللام جمع ، محلّى باللام يفيد العموم ، ويشمل جميع العوالم التي ترى الإشارة إليها في حديث الشيخ الصدوق بسنده عن الإمام الصادق (عليه السلام) قال : « إنّ لله عزّوجلّ إثنى عشر الف عالم ... إنّي الحجّة عليهم » (2) .
    والعالمين بمعنى : أصناف الخلق وكلّ صنف منهم عالَم كما في المجمع (3) . وأحداً نكرة في سياق النفي ، فيفيد عموم كلّ أحد أيضاً .
    فأهل البيت وسيّدهم الرسول الأكرم سلام الله عليهم أعطاهم الله هذه
(1) بحار الأنوار : ج18 ص259 ب2 الأحاديث 11 و12 و18 ، كنز الدقائق : ج12 ص489 .
(2) بحار الأنوار : ج57 ص320 ب1 ح2 .
(3) مجمع البحرين : ص527 .



573
العطايا الفضلى ، وتفضّل عليهم بهذه المنح العظمى ، لأنّهم المفضّلون على الخلق أجمعين ، والمصطفون على العالمين .
    حيث إنّهم سبقوا جميع الخلق إلى طاعة الله ، وفاقوهم في التقرّب إلى الله من النشأة الاُولى إلى المراحل الاُخرى .
    وقد علم الله تعالى منهم الوفاء فاختارهم باختياره الثاقب المصيب .
    ففي حديث الوصيّة : « ياعلي إنّ الله عزّوجلّ أشرف على [ أهل ] الدنيا فاختارني منها على رجال العالمين ، ثمّ أطلع الثانية فاختارك على رجال العالمين ، ثمّ أطلع الثالثة فاختار الأئمّة من ولدك على رجال العالمين ، ثمّ أطلع الرابعة فاختار فاطمة على نساء العالمين » (1) .
    وقد فُضّلوا حتّى على الأنبياء العظام كما في حديث حذيفة بن أسيد قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « ما تكاملت النبوّة لنبي في الأظلّة حتّى عرضت عليه ولايتي وولاية أهل بيتي ومثّلوا له ، فأقرّوا بطاعتهم وولايتهم » .
    وعن أبي بصير ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : ما من نبي نُبّيء ، ولا من رسول اُرسل إلاّ بولايتنا وتفضيلنا على من سوانا » (2) .
    وفُضّلوا على الملائكة الكرام كما في حديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) : « ياعلي إنّ الله تبارك وتعالى فضّل أنبياءه المرسلين على ملائكته المقرّبين ، وفضّلني على جميع النبيين والمرسلين ، والفضل بعدي لك ياعلي وللأئمّة من بعدك ،
(1) من لا يحضره الفقيه : ج4 ص374 .
(2) بحار الأنوار : ج26 ص281 ب6 الأحاديث 27 و29 .



574
وإنّ الملائكة لخدّامنا وخدّام محبّينا .
    ياعلي الذين يحملون العرش ومن حوله يسبّحون بحمد ربّهم ويستغفرون للذين آمنوا بولايتنا .
    ياعلي لولا نحن ما خلق آدم ولا حوّا ولا الجنّة ولا النار ولا السماء ولا الأرض ، فكيف لا نكون أفضل من الملائكة وقد سبقناهم إلى معرفة ربّنا وتسبيحه وتهليله وتقديسه ، لأنّ أوّل ما خلق الله عزّوجلّ خلق أرواحنا فأنطقنا بتوحيده وتحميده » (1) .
    وتلاحظ إختصاصهم بالمزايا والخصائص العلياء التي فُضّلوا بها على العالمين حتّى الأنبياء ، في أحاديث متظافرة منها :
    حديث إبراهيم ، عن أبيه ، عن أبي الحسن الأوّل (عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداك أخبرني عن النبي (صلى الله عليه وآله) ورث النبيين كلّهم ؟
    قال : نعم .
    قلت : من لدن آدم حتّى انتهى إلى نفسه ؟
    قال : ما بعث الله نبيّاً إلاّ ومحمّد (صلى الله عليه وآله) أعلم منه .
    قال : قلت : إنّ عيسى بن مريم كان يحيي الموتى بإذن الله .
    قال : صدقت وسليمان بن داود كان يفهم منطق الطير وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقدر على هذه المنازل ؟
    قال : فقال : إنّ سليمان بن داود قال للهدهد حين فقده وشكّ في أمره
(1) بحار الأنوار : ج26 ص335 ب8 ح1 .


575
    (فَقَالَ مَا لِيَ لاَ أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ) (1) حين فقده ، فغضب عليه فقال : (لاَُعَذِّبَنَّهُ عَذَاباً شَدِيداً أَوْ لاََذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَان مُّبِين) (2) .
    وإنّما غضب لأنّه كان يدلّه على الماء ، فهذا ـ وهو طائر ـ قد اُعطي ما لم يعط سليمان وقد كانت الريح والنمل والإنس والجنّ والشياطين والمردة له طائعين ، ولم يكن يعرف الماء تحت الهواء ، وكان الطير يعرفه وإنّ الله يقول في كتابه : (وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الاَْرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى) (3) وقد ورثنا نحن هذا القرآن الذي فيه ما تسيّر به الجبال وتقطّع به البلدان ، وتحيى به الموتى ، ونحن نعرف الماء تحت الهواء ، وإنّ في كتاب الله لآيات ما يراد بها أمر إلاّ أن يأذن الله به مع ما قد يأذن الله ممّا كتبه الماضون ، جعله الله لنا في اُمّ الكتاب ، إنّ الله يقول : (وَمَا مِنْ غَآئِبَة فِي السَّمَآءِ وَالاَْرْضِ إِلاَّ فِي كِتَاب مُّبِين) (4) . ثمّ قال : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (5) .
    فنحن الذين اصطفانا الله عزّوجلّ وأورثنا هذا الذي فيه تبيان كلّ شيء (6) .
    وحديث جابر ، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : « إنّ اسم الله الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً ، وإنّما كان عند آصف منها حرف واحد فتكلّم به فخسف
(1) سورة النمل : الآية 20 .
(2) سورة النمل : الآية 21 .
(3) سورة الرعد : الآية 31 .
(4) سورة النمل : الآية 75 .
(5) سورة فاطر : الآية 32 .
(6) الكافي : ج1 ص226 ح7 .



576
بالأرض ما بينه وبين سرير بلقيس حتّى تناول السرير بيده ، ثمّ عادت الأرض كما كانت أسرع من طرفة العين .
    ونحن عندنا من الإسم الأعظم إثنان وسبعون حرفاً ، وحرفٌ واحد عند الله تعالى استأثر به في علم الغيب عنده ، ولا حول ولا قوّة إلاّ الله العلي العظيم » .
    وحديث هارون بن الجهم ، عمّن رواه قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : « إنّ عيسى بن مريم (عليه السلام) اُعطي حرفين كان يعمل بهما ، واُعطي موسى أربعة أحرف واُعطي إبراهيم ثمانية أحرف ، واُعطي نوح خمسة عشر حرفاً ، واُعطي آدم خمسة وعشرين حرفاً ، وإنّ الله تعالى جمع ذلك كلّه لمحمّد (صلى الله عليه وآله) .
    وإنّ اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً ، اعطي محمّداً (صلى الله عليه وآله) إثنين وسبعين حرفاً وحجب عنه حرف واحد » (1) .
    هذا مضافاً إلى ما آتاهم الله تعالى من معاجزهم الخاصّة وقدرتهم الفائقة التي تلاحظها في أفعالهم ، مثل ما أبداه أمير المؤمنين (عليه السلام) في قضيّة الغلام الذي جاءه من قبل معاوية وادّعى ما ادّعى .
    فروى ميثم التمّار أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) رقى المنبر وراقى ثمّ تنحنح فسكت جميع من في الجامع ، فقال : « رحم الله من سمع فوعى ، أيّها الناس من يزعم أنّه أمير المؤمنين ؟ والله لا يكون الإمام إماماً حتّى يحيي الموتى ، أو ينزل من السماء مطراً ، أو يأتي بما يشاكل ذلك ممّا يعجز عنه غيره ، وفيكم من يعلم أنّي الآية الباقية ، والكلمة التامّة ، والحجّة البالغة .
(1) الكافي : ج1 ص226 ح7 ، وص230 ح1 و2 .


577
    ولقد أرسل إليّ معاوية جاهلا من جاهليّة العرب عجرف في مقاله ، وأنتم تعلمون لو شئت لطحنت عظامه طحناً ، ونسفت الأرض من تحته نسفاً ، وخسفتها عليه خسفاً ، إلاّ أنّ احتمال الجاهل صدقة .
    ثمّ حمد الله وأثنى عليه وصلّى على النبي (صلى الله عليه وآله) . وأشار بيده إلى الجوّ فدمدم ، وأقبلت غمامة وعلت سحابة ، وسمعنا منها نداءً يقول : السلام عليك ياأمير المؤمنين ، وياسيّد الوصيّين وياإمام المتّقين ، وياغياث المستغيثين ، وياكنز المساكين ، ومعدن الراغبين .
    وأشار إلى السحابة فدنت !
    قال ميثم : فرأيت الناس كلّهم قد أخذتهم السكرة ، فرفع (عليه السلام) رجله وركب السحابة وقال لعمّار : اركب معي وقل : (بِسْمِ اللهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا) فركب عمّار وغابا عن أعيننا ، فلمّا كان بعد ساعة أقبلت سحابة حتّى أظلّت جامع الكوفة ، فالتفتُّ فإذا مولاي جالس على دكّة القضاء ؟
    وعمّار بين يديه : والناس حافّون به ثمّ قام وصعد المنبر ، وأخذ بالخطبة المعروفة بالشقشقيّة . فلمّا فرغ اضطرب الناس ! وقالوا فيه أقاويل مختلفة . فمنهم من زاده الله إيماناً ويقيناً ! ومنهم من زاده كفراً وطغياناً .
    قال عمّار : قد طارت بنا السحابة في الجوّ ، فما كان هنيئة حتّى أشرفنا على بلد كبير حواليها أشجار وأنهار ، فنزلت بنا السحابة وإذا نحن في مدينة كبيرة ، والناس يتكلّمون بكلام غير العربية ، فاجتمعوا عليه ولاذوا به ، فوعظهم وأنذرهم بمثل كلامهم ، ثمّ قال : ياعمّار اركب ففعلت ما أمرني ، فأدركنا جامع الكوفة ثمّ قال لي : ياعمّار تعرف البلدة التي كنت فيها ؟


578
    قلت : الله أعلم ورسوله ووليّه .
    قال : كنّا في الجزيرة السابعة من الصين أخطب كما رأيتني ، إنّ الله تبارك وتعالى أرسل رسوله إلى كافّة الناس ، وعليه أن يدعوهم ويهدي المؤمنين منهم إلى الصراط المستقيم ، وأشكر ما أوليتك من نعمة ، وأكتم من غير أهله ، فإنّ لله تعالى ألطافاً خفيّة في خلقه ، لا يعلمها إلاّ هو ومن ارتضى من رسول .
    ثمّ قالوا : أعطاك الله هذه القدرة الباهرة وأنت تستنهض الناس لقتال معاوية ؟
    فقال : إنّ الله تعبّدهم بمجاهدة الكفّار والمنافقين ، والناكثين ، والقاسطين ، والمارقين .
    والله لو شئت لمددت يدي هذه القصيرة في أرضكم هذه الطويلة ، وضربت بها صدر معاوية بالشام ، وأجذب بها من شاربه ـ أو قال من لحيته ـ فمدّ يده وردّها وفيها شعرات كثيرة ، فتعجّبوا من ذلك . ثمّ وصل الخبر بعد مدّة أنّ معاوية سقط من سريره في اليوم الذي كان (عليه السلام) مدّ يده ، وغشي عليه ، ثمّ أفاق وافتقد من شاربه ولحيته شعرات » (1) .
    إلى غير ذلك ممّا اُعطوا دون العالمين ، من خصائصهم السامية الواردة في زياراتهم العالية ، خصوصاً هذه الزيارة وكذا الزيارة السادسة المطلقة لأمير المؤمنين (عليه السلام) التي تضمّنت المواهب الربّانية التي حازوها هم (عليهم السلام) دون الخلق ، فتدبّر في المعالي الشريفة التي جاءت في تلك الزيارة أيضاً :
(1) بحار الأنوار : ج57 ص344 ب1 ح36 .


579
    « .. السلام على مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، صاحب السوابق والمناقب والنجدة ومبيد الكتائب ، الشديد الباس ، العظيم المراس ، المكين الأساس ساقي المؤمنين بالكاس ... السلام على صاحب النُهى والفضل والطوائل ، والمكرمات والنوائل ... السلام على من أيّده الله بجبرائيل ، وأعانه بميكائيل ، وأزلفه في الدارين ، وحباه بكلّ ما تقرّ به العين ... السلام عليك ياعين الله الناظرة ، ويده الباسطة ، واُذنه الواعية ، وحكمته البالغة ونعمته السابغة ... السلام على قسيم الجنّة والنار ، السلام على نعمة الله على الأبرار ونقمته على الفجّار ، السلام على سيّد المتّقين الأخيار ... أخ الرسول ، وزوج البتول ، وسيف الله المسلول ... وقايةً لمهجته ، وهادياً لاُمّته ، ويداً لبأسه ، وتاجاً لرأسه ... » .
    ومن عطايا الله تعالى لهم (عليهم السلام) التي لم يعطها أحداً من العالمين ولدهم الحجّة الثاني عشر ، الذي يظهر على الكون كلّه ويقيم دين جدّه ، ويملأ الأرض قسطاً وعدلا ونوراً .
    وقد بشّر به الأئمّة المعصومون ، والنبي الأعظم والأنبياء الآخرون (عليهم السلام) (1) .
    بل بشّر به الله تعالى في حديثي المعراج الشريف الذي رواه ابن عبّاس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : « لمّا عرج بي إلى ربّي جلّ جلاله أتاني النداء : يامحمّد !
    قلت : لبّيك ربّ العظمة لبّيك .
    فأوحى الله تعالى إليّ : يامحمّد فيم اختصم الملأ الأعلى ؟
(1) لاحظ مجموع البشارات به سلام الله عليه في المجلّد الأول من إلزام الناصب .


580
    قلت : إلهي لا علم لي .
    فقال : يامحمّد هلاّ اتّخذت من الآدميين وزيراً وأخاً ووصيّاً من بعدك ؟
    فقلت : إلهي ومن أتّخذ ؟ تخيّر لي أنت ياإلهي .
    فأوحى الله إليّ : يامحمّد قد اخترت لك من الآدميين علي بن أبي طالب .
    فقلت : إلهي ابن عمّي ؟
    فأوحى الله إليّ : يامحمّد إنّ علياً وارثك ووارث العلم من بعدك وصاحب لوائك لواء الحمد يوم القيامة وصاحب حوضك ، يسقي من ورد عليه من مؤمني اُمّتك .
    ثمّ أوحى الله عزّوجلّ إليّ : يامحمّد إنّي قد أقسمت على نفسي قسماً حقّاً لا يشرب من ذلك الحوض مبغضٌ لك ولأهل بيتك وذرّيتك الطيّبين الطاهرين ، حقّاً أقول : يامحمّد لاُدخلنّ جميع اُمّتك الجنّة إلاّ من أبى من خلقي .
    فقلت : إلهي هل واحد يأبى من دخول الجنّة ؟
    فأوحى الله عزّوجلّ إليّ : بلى .
    فقلت : وكيف يأبى ؟
    فأوحى الله إليّ : يامحمّد اخترتك من خلقي ، واخترت لك وصيّاً من بعدك ، وجعلته منك بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدك ، وألقيت محبّته في قلبك وجعلته أباً لولدك ، فحقّه بعدك على اُمّتك كحقّك عليهم في حياتك ، فمن جحد حقّه فقد جحد حقّك ، ومن أبى أن يواليه فقد أبى أن يواليك ، ومن أبى أن يواليك فقد أبى أن يدخل الجنّة ، فخررت لله عزّوجلّ ساجداً شكراً لما أنعم علىّ ، فإذا منادياً ينادي : ارفع يامحمّد رأسك ، وسلني أعطك .