والحلاوة : نقيض المرارة ، وحلا الشيء بعينىْ أي أعجبني وحسُن عندي ، قيل : الحلاوة هي ما تلائم الطبع ويلتذّ به ، ويكون في كلّ شيء بحسبه ، ويستعمل للاُمور الحسّية والمعنوية كلتيهما .
فالمعنى : ما أحسن أسماؤكم الشريفة .
حيث عرفت أنّها أسماء الله تعالى .
(1) ـ أي وما أكرم ، وهو أيضاً فعل تعجّب من الكرم الذي هو ضدّ اللؤم ، والذي هو صفة لكل ما يُرضى ويحمد من الصفات الحسنة والسجايا الطيّبة .
فالمعنى : ما أكرم وأحمد وأطيب نفوسكم العالية .
حيث عرفت أنّها النفوس المطمئنة الراضية المرضية .
(2) ـ الشأن : هو الأمر والحال ، أي ما أعظم شأنكم الرفيع وأمركم المنيع ورتبتكم الشامخة .
حيث إنّهم آتاهم الله تعالى ما لم يؤت أحداً من العالمين ، فكان شأنهم أعظم من الخلق أجمعين .
(3) ـ الخَطَر : بفتحتين هو القدر والمنزلة ، أي ما أجلّ وأعظم قدركم ومنزلتكم عند الله تعالى .
حيث كانوا أحبّ الخلق إلى الله وأقربهم إليه وأعزّهم عنده ، إذ هم صفوته .
(4) ـ العهد : ورد في اللغة لمعان منها الوصيّة ، والتقدّم في الأمر في الشيء ، والمَوثِق ، واليمين ، والأمان ، والذمّة والضمان (1) .
(1) مرآة الأنوار : ص158 .
أي ما أوفى عهدكم الذي عاهدتم به الله تعالى ، كما تقدّم في فقرة : « ووكّدتم ميثاقه » وكذلك ما أوفى عهودكم مع الناس .
حيث إنّ الوفاء بالعهد من شيمة الصادقين ، وأمثل الصادقين هم الأئمّة الطاهرون .
(1) ـ أي وما أصدق وعدكم ، والوعد في الخير .
وقد صدقهم الله تعالى وعده ، وهو أصدق الصادقين .
كما صدقوا هم في وعدهم مع الناس .
حيث إنّهم أهل آية الصادقين . وقد تقدّم بيانه ودليله في فقرة « الصادقون » .
(2) ـ النور : هو الضوء المنتشر ، والكيفية الظاهرة بنفسها المُظهرة لغيرها .
وُصف به كلام أهل البيت (عليهم السلام) لأنّه علمٌ وهداية نَوَّر القلوب ، ونوّر العالَم ، فكان كلامهم نوراً في نفسه ، ومنوّراً بالهداية لغيره ، ومجلّياً مذهِباً للعمى والظلمة عن الناس .
وذلك لما يلي :
أوّلا : أنّهم مخلوقون من نور عظمة الله تعالى فكانوا بشراً نورانيين ، ومن الواضح أنّ كلامهم شعاع منهم ، ولا يشعّ من النور إلاّ النور .
وتلاحظ خلقتهم النورية في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) (1) .
وحديث أمير المؤمنين (عليه السلام) (2) .
(1) الكافي : ج1 ص389 ح2 .
(2) بحار الأنوار : ج26 ص1 ب13 ح1 .
603
وتفصيل البيان والدليل مرّ في فقرة « خلقكم الله أنواراً » .
ثانياً : أنّهم (عليهم السلام) نور الله عزّوجلّ ، ومظاهر نوره في السماوات والأرض ، ينوّر الله بهم قلوب المؤمنين ، فكان كلامهم نوراً .
وتلاحظ حديث ذلك في مجامعنا (1) ومضى البيان والدليل في فقرة « ونوره » .
وقد ورد في زيارة الإمام الحجّة (عليه السلام) : « السلام عليك يانور الله الذي يهتدي به المهتدون » (2) .
ثالثاً : أنّ كلامهم (عليهم السلام) مأخوذ من كلام الله تعالى وقرآنه الذي هو نور منزّل على الرسول ، فيكون كلامهم نوراً أيضاً ، بتبعية الجزء للكل والفرع للأصل .
ففي حديث هشام بن سالم وحمّاد بن عثمان وغيره قالوا : سمعنا أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : « حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله) قول الله عزّوجلّ » (3) .
ويدلّ على نوريّة كلام الله تعالى قوله عزّ إسمه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَآءَكُم بُرْهَانٌ مِّنْ رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً) (4) .
(1) الكافي : ج1 ص194 ح1 .
(2) بحار الأنوار : ج102 ص215 ب58 .
(3) وسائل الشيعة : ج18 ص58 ح26 .
(4) سورة النساء : الآية 174 .
604
وقد برهن الدليل الوجداني حسّاً على نورانية كلام الله تعالى في وقائع عديدة مثل قضية محمّد كاظم الكريمي الساروقي رحمه الله تعالى .
وحاصل قضيّته كما حكى هو أنّه : كان يسكن هذا المؤمن البالغ من العمر (70) سنة في قرية ساروق التابعة لبلدة أراك ، وفي عصر إحدى أيّام الخميس يذهب إلى زيارة حرم بعض أولاد المعصومين (عليهم السلام) (امامزاده باقر وجعفر) فيرى هناك سيّدين جليلين ، يقولان له : إقرأ هذه الكتيبة القرآنية المكتوبة في أطراف الحرم .
فيجيب : أنا لا أعرف القراءة والكتابة .
فيقولان له : إقرأ ما تتمكّن من القراءة .
فيلتفت الساروقي وتطرأ عليه حالة خاصّة ، يسقط فيها على الأرض في ذلك الحرم إلى عصر يوم غد حين يأتي أهل القرية لزيارة الحرم ، فيفيقونه من حالته .
ومباشرةً يرى الساروقي نفسه حافظاً لجميع القرآن الكريم ويشير إلى الكتيبة الموجودة في الحرم ويقول : إنّها سورة الجمعة فيقرأها ، ويقرأ جميع السور القرآنية بنحو الحفظ وبشكل صحيح . بل يمكنه قراءة كلّ سورة بالعكس من الآخر إلى الأوّل ، ويعرف كلّ آية من كلّ سورة .
وكان يميّز في كلّ كتاب الآية القرآنية عن غيرها وسُئل عن ذلك .
فقال : إنّي أرى الآية القرآنية نوراً ومنيرة ، فاُميّزها عن غيرها (1) .
(1) داستانهاى شگفت : ص100 .
605
وبرهن الوجدان أيضاً على نورانية كلام أهل البيت (عليهم السلام) في مثل مكاشفة العالم الجليل الميرزا مهدي الأصفهاني أعلى الله مقامه الشريف ، فيما حكاه عنه بعض تلامذته بما حاصله :
أفاد الميرزا (قدس سره) : إنّي حيث عرفت أنّ طريق القرآن الكريم والأحاديث الشريفة مختلف مع طريق الفلسفة اليونانية والتصوّف العرفاني ، وعلمت أنّ أكبر عالم واُستاذ لهداية الاُمّة إلى حقيقة المعرفة في زماننا هو بقيّة الله الحجّة بن الحسن المهدي (عليه السلام) التجئت إليه وتضرّعت له وتوسّلت به في مواضع عديدة ، في مسجد السهلة وغيره ، للهداية إلى المعرفة الحقّة .
فتشرّفت يوماً عند النبيَّين هود وصالح في وادي السلام في النجف الأشرف بخدمة الإمام المنتظر سلام الله عليه ، وقرّت عيني به ، رأيته واقفاً وعلى صدره المبارك ورقةٌ مزيّنة الأطراف بماء الذهب ، وقد كتب في وسطها سطر واحد بخطّ نوريّ أخضر : « طلب المعارف من غيرنا أهل البيت مساوق لإنكارنا » .
وكتب تحته بخطّ أنعم امضاؤه الشريف :
« وقد أقامني الله وأنا الحجّة بن الحسن » .
فأحسست في نفسي نوراً من المعرفة ، وتجسّم في نظري فساد الفلسفة ومخالفتها لمعارف الإسلام (1) .
وأضاف السيّد شبّر في تفسير : « كلامكم نور » إنّ لكلامهم امتياز عن غيره كامتياز النور عن الظلمة ، فإنّ كلامهم دون كلام الخالق وفوق كلام
(1) أبواب الهدى : المقدّمة ص45 .
606
وَاَمْرُكُمْ رُشْدٌ (1)
المخلوق .
ثمّ قال (قدس سره) : (وما ترى في كثير من الروايات من عدم سلاسة الألفاظ وجزالة المعاني والتكرار ونحو ذلك فإمّا لأنّه نقل بالمعنى ، أو لأنّهم يكلّمون الناس على قدر عقولهم وأفهامهم) (1) .
وأهل البيت (عليهم السلام) اُمراء الكلام منهم نشبت عروقه ، وعليهم تهدّلت أغصانه ، وهم ورثة رسول الله تعالى الذي كلامه وحي الله ، وهم بمنزلة الرسول في خصائصهم (2) .
(1) ـ الرُشد : هي الهداية مع إصابة الحقّ (3) . ويكون في الاُمور الدنيوية والاُخروية (4) . وهي الاستقامة في طريق الحقّ ، مع تصلّب فيه (5) .
ومن أسماء الله تعالى : (الرشيد) أي الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم أي هداهم ودلّهم .
ومن أوصاف الأئمّة الأطهار (عليهم السلام) : (الراشدون) أي الهادون إلى طريق الحقّ والصواب .
ومعنى « أمركم رشد » : أنّ ما أمرتم به أنتم يكون مصيباً للحقّ ، وموجباً للهداية ، ومؤدّياً إلى الإستقامة في طريق الحقّ .
(1) الأنوار اللامعة : ص190 .
(2) بحار الأنوار : ج27 ص50 ب18 ح2 .
(3) مجمع البحرين : ص205 .
(4) المفردات : ص196 .
(5) القاموس : ج1 ص294 .
607
فإنّهم (عليهم السلام) لا يأمرون إلاّ بأمر الله تعالى ، ولا يكون ذلك إلاّ صلاحاً للعباد في الدنيا والمعاد .
والدليل على ذلك :
1 / أنّهم (عليهم السلام) مع الحقّ والحقّ معهم ولن يفترقا إلى يوم القرار .
فلا يكون أمرهم إلاّ بما هو حقّ ورشد وصواب كما نصّت على ذلك الأحاديث المتواترة بين الفريقين (1) .
2 / أنّهم (عليهم السلام) هم الأئمّة الراشدون كما نصّ على ذلك الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) (2) فتكون أوامرهم راشدة .
وبذلك تعرف أنّ أهل البيت (عليهم السلام) هم الراشدون بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لملازمة الحقّ معهم ، وعصمتهم ، والتنصيص على راشديتهم .
ولا يتّصف بالرشد غيرهم ممّن ادّعى لهم ذلك ، لما تلاحظه من الجهل والزلل الصادر منهم ، ممّا سُجّلت في مصادر نفس العامّة .
وليحكم بعدها ذوو الانصاف والسداد هل تجتمع هذه الاُمور مع الرشاد ؟!
مثل ما في :
1 ـ حديث ابن سعد في طبقاته : لمّا بويع أبو بكر قام خطيباً (فقال :) أمّا بعد فإنّي ولّيت هذا الأمر وأنا له كاره (إلى أن قال :) وإنّما أنا بشر ولست بخير من أحد منكم فراعوني ، فإذا رأيتموني استقمت فاتّبعوني ، وإن رأيتموني زغت
(1) غاية المرام : ص539 من الخاصّة في (10) طرق ومن العامّة في (15) طريقاً ، وتلاحظها بالتفصيل في بحار الأنوار : ج38 ص26 ، إحقاق الحقّ : ج4 ص27 ، وج9 ص479 .
(2) غاية المرام : ص205 ح48 .
608
فقوّموني .
واعلموا أنّ لي شيطاناً يعتريني فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني (الخطبة) روى هذا الحديث ابن جرير الطبري في تاريخه ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة ، والهيثمي في المجمع ، والهندي في كنز العمّال (1) .
2 ـ حديث ابن حجر في كتابه فتح الباري : أنّه عقد أبو طلحة زيد بن سهل مجلس خمر في بيته ودعا عشرة أشخاص من المسلمين ، فشربوا وسكروا ، حتّى أنّ أبا بكر أنشد أشعاراً في رثاء قتلى المشركين في بدر !! وهم :
1 ـ أبو بكر بن أبي قحافة 2 ـ عمر بن الخطّاب 3 ـ أبو عبيدة الجرّاح 4 ـ اُبيّ ابن كعب 5 ـ سهل بن بيضاء 6 ـ أبو أيّوب الأنصاري 7 ـ أبو طلحة « صاحب البيت » 8 ـ أبو دجانة سمّاك بن خرشة 9 ـ أبو بكر بن شغوب 10 ـ أنس بن مالك ، وكان عمره يومذاك (18) سنة ، فكان يدور في المجلس بأواني الخمر ويسقيهم .
وروى البيهقي في سننه عن أنس أنّه قال : وكنت أصغرهم سنّاً وكنت الساقي في ذلك المجلس !
وروى هذا الحديث البخاري في صحيحه ، في تفسير الآية الكريمة : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ) (2) .
(1) السبعة من السلف : ص9 .
(2) سورة المائدة : الآية 91 .
609
ومسلم في صحيحه في كتاب الأطعمة والأشربة / باب تحريم الخمر .
والإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج3 / 181 و227 .
وابن كثير في تفسيره ج2 / 93 و94 .
وجلال الدين السيوطي في تفسيره الدرّ المنثور ج2 / 321 .
والطبري في تفسيره ج7 / 24 .
وابن حجر العسقلاني في الإصابة ج4 / 22 ـ وفي فتح الباري ج10/30 .
وبدر الدين الحنفي في عمدة القاري ج10 / 84 .
والبيهقي في سننه 286 و290 (1) .
3 ـ حديث الأبشيهي قال ما نصّه : قد أنزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات الاُولى : قوله تعالى : (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) (2) الآية فكان من المسلمين من شارب ومن تارك ، إلى أن شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر ، فنزل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) (3) .
فشربها من شربها من المسلمين وتركها من تركها ، حتّى شربها عمر فأخذ بلحى بعير وشجّ به رأس عبدالرحمن بن عوف ، ثمّ قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الأسود بن يعفر ويقول :
(1) ليالي پيشاور : ص656 .
(2) سورة البقرة : الآية 219 .
(3) سورة المائدة : الآية 43 .
610
ألا من مبلغ الرحمن عنّيفقل لله يمنعني شرابي
بأني تاركٌ شهر الصياموقل لله يمنعني طعامي
فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله) فخرج مغضباً يجرّ رداءه ، فرفع شيئاً كان في يده فضربه به .
فقال : أعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله .
فأنزل الله تعالى : (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَآءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُم مُّنتَهُونَ) .
فقال عمر : انتهينا انتهينا (1) .
4 ـ حديث جرأة عثمان على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإيذاءه له فيما حكي عن الحميدي في الجمع بين الصحيحين أنّه قال السدي في تفسير قوله تعالى : (وَلاَ أَن تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً) (2) أنّه لمّا توفّي أبو سلمة ، وعبدالله بن حذافة وتزوّج النبي (صلى الله عليه وآله) امرأتيهما : اُمّ سلمة وحفصة .
قال طلحة وعثمان : أينكح محمّد نساءنا إذا متنا ولا تنكح نساؤه إذا مات ؟! والله لو قد مات لقد أجلبنا على نسائه بالسهام ، وكان طلحة يريد عائشة ، وعثمان يريد اُمّ سلمة .
فأنزل الله تعالى : (وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا
(1) المستطرف : ج2 ص229 .
(2) سورة الأحزاب : الآية 53 .