61
من صفات الله (عزّوجلّ) .
    فأنفِ عن الله البطلان والتشبيه ، فلا نفي ولا تشبيه ، هو الله الثابت الموجود ، تعالى الله عمّا يصفه الواصفون ، ولا تَعْدُ القرآن فتضلّ بعد البيان » (1).
    3 ـ ما روي عن العالم [ الإمام الكاظم ] (عليه السلام) ـ وسألته عن شيء من الصفات ـ فقال :
    « لا تتجاوز ممّا في القرآن » (2).
    4 ـ حديث جعفر بن محمّد بن الحكيم الخثعمي قال : إجتمع ابن سالم ، وهشام بن الحكم ، وجميل بن درّاج ، وعبدالرحمن بن الحجّاج ، ومحمّد بن حمران ، وسعيد بن غزوان ، ونحو من خمسة عشر من أصحابنا فسألوا هشام بن الحكم أن يناظر هشام بن سالم فيما إختلفوا فيه من التوحيد ، وصفة الله عزّوجلّ ، وعن غير ذلك ، لينظروا أيّهم أقوى حجّة ، فرضي هشام بن سالم أن يتكلّم عند محمّد بن أبي عمير ، ورضي هشام بن الحكم أن يتكلّم عند محمّد بن هشام فتكلّما وساقا ما جرى بينهما ، وقال : قال عبدالرحمن بن الحجّاج لهشام بن الحكم : كفرت والله بالله العظيم وألحدت فيه ، ويحك ! ما قدرت أن تُشبّه بكلام ربّك إلاّ العود يضرب به .
    قال جعفر بن محمّد بن حكيم : فكتب إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) يحكي له مخاطبتهم وكلامهم ، ويسأله أن يعلّمهم ما القول الذي ينبغي أن يدين الله به من صفة الجبّار ، فأجابه في عرض كتابه :
(1) بحار الأنوار : (ج3 ص261 الباب9 ح12) .
(2) بحار الأنوار : (ج3 ص262 الباب9 ح16) .



62
    « فهمت رحمك الله ، واعلم رحمك الله أنّ الله أجلّ وأعلى وأعظم من أن يُبلغ كنه صفته ، فصِفُوه بما وصف به نفسه ، وكفّوا عمّا سوى ذلك » (1).
    5 ـ حديث محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال :
    « إيّاكم والتفكّر في الله ، ولكن إذا أردتم أن تنظروا إلى عظمته فانظروا إلى عظيم خَلقه » (2).
    6 ـ ما روي عن الإمام الباقر (عليه السلام) أنّه قال :
    « يابن آدم ! لو أكل قلبَك طائرٌ لم يُشبعه ، وبصرُك لو وُضع عليه خُرت أبرة (3) لغطّاه ، تريد أن تعرف بهما ملكوت السماوات والأرض ؟!
    إن كنت صادقاً فهذه الشمس خَلقٌ من خلق الله فإن قدرت أن تملأ عينيك منها فهو كما تقول » .
    وأمّا اتّساع المعرفة وتعاليها فإنّما يكون في معرفة أسمائه وصفاته ، وبها تتفاوت درجات الملائكة والأنبياء والأولياء في معرفة الله عزّوجلّ ... » (4).
    ولاحظ لمعرفة صفاته القدسيّة الألف ، دعاء الجوشن الكبير المروي في البلد الأمين عن سيّد الساجدين ، عن أبيه ، عن جدّه رسول الله صلّى الله عليه وآله
(1) بحار الأنوار : (ج3 ص266 الباب9 ح31) .
(2) حقّ اليقين : (ج1 ص49) .
(3) الخُرت : بضمّ الخاء هو ثقب الأبرة .
(4) حقّ اليقين : (ج1 ص49) .



63
الطاهرين (1)، المشتمل على ألف صفة واسم من صفاته وأسمائه المقدّسة التي بيّنها نبيّه الأكرم (صلى الله عليه وآله) في ذلك الدعاء .
    ولاحظ لمعرفة أسمائه الحسنى وصفاته العُليا حديث الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)الذي رواه الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد بإسناده عن سليمان بن مهران ، عن الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه محمّد بن علي ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي ، عن أبيه علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « إنّ لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين إسماً مئة إلاّ واحدة ، من أحصاها دخل الجنّة ، وهي : الله ، الإله ، الواحد ، الأحد ، الصمد ، الأوّل ، الآخر ، السميع ، البصير ، القدير ، القاهر ، العليّ ، الأعلى ، الباقي ، البديع ، البارىء ، الأكرم ، الظاهر ، الباطن ، الحيّ ، الحكيم ، العليم ، الحليم ، الحفيظ ، الحقّ ، الحسيب ، الحميد ، الحفيّ ، الربّ ، الرحمن ، الرّحيم ، الذّاري ، الرزّاق ، الرّقيب ، الرؤوف ، الرّائي ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبّار ، المتكبّر ، السيّد ، السبُّوح ، الشهيد ، الصادق ، الصانع ، الطاهر ، العدل ، العفوّ ، الغفور ، الغنيّ ، الغياث ، الفاطر ، الفرد ، الفتّاح ، الفالق ، القديم ، الملك ، القدّوس ، القويّ ، القريب ، القيّوم ، القابض ، الباسط ، قاضي الحاجات ، المجيد ، المولى ، المنّان ، المحيط ، المبين ، المقيت ، المصوِّر ، الكريم ، الكبير ، الكافي ، كاشف الضرِّ ، الوتر، النور ، الوهّاب ، الناصر ، الواسع ، الودود ، الهادي ، الوفيّ ، الوكيل ، الوارث ، الباعث ، البرّ ، التوّاب ، الجليل ، الجواد ، الخبير ، الخالق ، خير الناصرين ، الديّان ، الشكور ،
(1) البلد الأمين : (ص402) .


64
العظيم ، اللطيف ، الشافي » (1).
    وتلاحظ شرح هذه الأسماء الحسنى بعد نقل حديثها في نفس كتاب التوحيد . وسيأتي في هذا الفصل بيان أنّ من أسمائه الحسنى عدله وعدالته ، وأنّ الإعتقاد به من اُصول الدين ، ومن المميّزات لأهل الحقّ عن المخالفين .
    فلنبدأ بذكر شمّة منها وبيان جملة من أعرفها ، للإغتراف من منهلها العذب ، والإستفادة من أريجها الطيّب ..
    بعد تقديم مقدّمة موجزة تفيدنا زيادة المعرفة والبصيرة في الموضوع ..
    ومنه نستمدّ العون ونطلب العصمة وهو وليّ التوفيق .
    فنقول : إعلم : أنّ الذات الإلهية المقدّسة واجدة لجميع صفات الكمال ; لأنّ الخلو عن الكمال نقصٌ ، والنقص منفيٌّ عن الواجب تعالى .
    كما وأنّ هذه الذات الكريمة منزّهة عن جميع صفات النقصان ، لأنّ النقص عجزٌ أيضاً ، والعجز لا يليق بالذات الكاملة .
    ويسمّى القسم الأوّل من الصفات بالصفات الثبوتية ، وصفات الكمال والجمال .
    كما يسمّى القسم الثاني بالصفات السلبيّة ، وصفات التنزيه والجلال .
    فهو تعالى واجد لجميع صفات الكمال ، ونزيه عن جميع صفات الجلال .
    ومن الواضح أنّ ذاته الكاملة واجبة في الوجود ، وهي فوق كلّ موجود ، فتكون مستجمعةً لجميع الصفات الثبوتية ، ومنزّهة عن جميع الصفات السلبيّة .
    هذا .. ولعدم إمكان معرفة ذاته المتعالية ـ كما قلنا ـ لا يمكننا معرفة كنه صفاته ، ولا نتمكّن من الوصول إلى اللامتناهي من كمالاته ، خصوصاً وإنّ بعض
(1) توحيد الصدوق : (ص194 الباب29 ح8) .


65
صفاته عين ذاته ـ كما عرفت ـ لذلك نكتفي في التشرّف بذكر أشهر صفاته الشريفة ونعوته المباركة .
    ويلزم التنبيه في البدء على أنّ صفاته المقدّسة تنقسم إلى ضربين :
    1 ـ صفات الذات ، كالوجود والعلم والقدرة والحياة والسرمدية ونحوها ممّا هي عين ذاته المقدّسة .
    2 ـ صفات الفعل ، كالخالقية والرازقية والإحياء والإماتة ونحوها التي إنتزعت بإعتبار المخلوق والمرزوق والمحيى والممات ، فهذه صفات أفعاله لا ذاته ، والكمال في هذه الصفات الأخيرة هي قدرته عليها .. وتلك القدرة هي عين ذاته .
    ثمّ الضابط في الفرق بين صفات الذات وصفات الفعل كما أفاده الأعاظم مثل السيّد الشبّر في كتابه حقّ اليقين هو :
    « إنّ صفات الذات هي ما اتّصف الله تعالى بها وامتنع اتّصافه بضدّها ، كالعلم والقدرة والحياة ونحوها ، فإنّه لا يجوز أن يقال أنّ الله عالم بكذا غير عالم بكذا ، أو قادر على كذا وغير قادر على كذا ، وسميع وبصير بكذا وغير سميع وبصير بكذا ونحو ذلك .
    وأمّا صفات الفعل فهي ما يتّصف الله تعالى بها وبضدّها ، كالخالقية والرازقية فإنّه يجوز أن يقال : إنّ الله تعالى خلق زيداً ولم يخلق إبنه ، وأحيى زيداً وأمات عمراً وأفقر بكراً وأغنى خالداً ونحو ذلك .. » (1).
    وقد استفيدت هذه الضابطة من ثقة الإسلام الكليني (قدس سره) في كتابه الشريف الكافي تحت عنوان « جملة القول في صفات الذات وصفات الفعل » ، ذكر هذه
(1) حقّ اليقين : (ج1 ص41) .


66
الضابطة وأفاد فيها أحاديث شريفة (1).
    ثمّ إنّه إذا عرفت أقسام هذه الصفات المقدّسة ، وحصلت على الميزة بين الضربين من صفاته ـ يعني الذاتية والفعلية ـ ولم يحصل الإشتباه بينهما ، نرجع إلى ذكر القسمين من أوصافه الثبوتية والسلبية .
    فنذكر أوّلا جملة من الصفات الثبوتية الكمالية ، ثمّ نبيّن ثانياً نبذةً من الصفات السلبيّة الجلالية .. والله هو المستعان .
(1) اُصول الكافي : (ج1 ص111) .


67
1 ـ الصفات الثبوتيّة
    عرفت أنّه لا يمكن الوصول إلى كنه صفاته ، وعدد أوصافه وكلّها جليلة وجميلة ، فنكتفي بمقدار يتيسّر لنا بيانه ويشرّفنا عنوانه :
    1 ) أنّه تعالى عالمٌ ، عليم ، علاّم ، جلّت صفاته وعظمت أسماؤه
    فهو العالم بمعنى أنّه عالم بكلّ معلوم على ما هو عليه من كونه واجباً أو ممكناً أو ممتنعاً ، وكليّاً أو جزئيّاً ، وسُمّي عالماً لأنّه لا يجهل شيئاً .. كما أفاده الشيخ الطريحي (1).
    وهو عليم معناه أنّه عليم بنفسه ، عالم بالسرائر ، مطّلع على الضمائر ، لا تخفى عليه خافية ولا يعزب عنه مثقال ذرّة ..
    عَلِمَ الأشياء قبل حدوثها وبعد ما أحدثها ، سرّها وعلانيتها ، ظاهرها وباطنها ، كما أفاده المحدّث الصدوق (2).
    وهو العلاّم ، مبالغة في العلم ، فهو الذي لا يشذّ عنه معلوم ، كما أفاده الشيخ
(1) مجمع البحرين : (ص528 ، مادّة ـ علم ـ ) .
(2) التوحيد : (ص201) .



68
الكفعمي (1).
    والدليل على هذه الصفة الكريمة لذاته المقدّسة ، هو الكتاب والسنّة والضرورة وحكم العقل .
    فأوّلا : من الكتاب آيات كريمة مثل :
    1 ـ قوله عزّ إسمه : ( عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّة فِي السَّمَوَاتِ وَلاَ فِي الاَْرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَاب مُبِين ) (2).
    2 ـ قوله عزّ شأنه : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْء عَلِيمٌ ) (3).
    3 ـ قوله عزّ وجهه : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ ) (4).
    فهذه الصفات الكمالية ، ثابتة لله تعالى بالدليل القطعي أوّلا : بنصّ الكتاب الكريم وهي تزيد على مئة آية كريمة ، جمعها العلاّمة المجلسي (5).
    ثانياً : بصريح الأحاديث المتواترة التي سيأتي بيان جملة منها ، وقد صرّح السيّد الشبّر بتواترها (6).
    ثالثاً : بضرورة المذهب القائمة على كونه تعالى عالماً ، أزلا وأبداً بجميع الأشياء كليّاتها وجزئيّاتها ، من غير تغيّر في علمه ، كما صرّح به شيخ الإسلام
(1) المصباح : (ص340) .
(2) سورة سبأ : (الآية 3) .
(3) سورة البقرة : (الآية 231) .
(4) سورة التوبة : (الآية 78) .
(5) بحار الأنوار : (ج4 ص74) .
(6) حقّ اليقين : (ج1 ص25) .



69
المجلسي (1).
    رابعاً : بالأدلّة الإعتبارية العقلية التي توضّح علم الله تعالى بالوجوه الثلاثة المقرّرة التالية :
    1 ـ إنّه لو لم يكن تعالى عالماً بجميع الأشياء لزم الجهل ولو في البعض ، وهو نقص بل من أعظم النقائص .
    والخالق المتعال الذي هو واجب الوجود وكامل الذات ومنزّه عن نقص الصفات ، يستحيل أن يكون جاهلا ، بل هو عالم بجميع الأشياء بلا جهل فيه أبداً .
    2 ـ إنّه تعالى منزّه عن الزمان والمكان ; لأنّه خالقهما ، والخالق مقدّم على مخلوقاته ، والصانع سابق بالنسبة إلى مصنوعاته بالبداهة العقلية .
    ومن المعلوم أنّ من لا يحيطه الزمان والمكان ، بل كان هو المحيط بالزمان ، والموجود في كلّ مكان ، حقّ أن يكون عالماً بجميع الأشياء ، محيطاً بجميع الاُمور في كلّ الأزمنة وفي جميع الأمكنة ، بل لا معنى لأن يجهل شيئاً يقع في زمان أو يحدث في مكان .
    وبديهي أنّ الذات المقدّسة موجودة من الأزل إلى الأبد ، ومحيطة بكلّ معدود وعدد ، ومشرفةٌ على الكون ومسلّطة على التكوين ، فكيف لا تعلم الكائنات ، أو تجهل الموجودات أو لا تطلع على ما يحدث في الأرضين والسماوات ؟!
    وطبيعي أنّا نجد أنفسنا محدودين بالزمان والمكان ، فلا يمكننا الإطّلاع على غير مكاننا أو مستقبل زماننا .
    لكنّ الله تعالى ليس بمحدود إطلاقاً ، بل له الإحاطة الكاملة والسلطنة
(1) بحار الأنوار : (ج4 ص87) .


70
الشاملة على جميع الأزمنة والأمكنة المخلوقة له ، والحادثة بإرادته ومشيئته ، فلا معنى لأن يكون زمان ماض أو حال أو مستقبل لخالق الزمان ، أو يكون له هذا المكان دون ذلك المكان وهو خالق جميعها ، بل من الواضح أن يطلع على جميع ما في الأزمنة والأمكنة فهو العالم بها جميعاً والحاضر الناظر إليها محيطاً .
    ومُثّل للإحاطة بمثال تقريبي للتوضيح ، وهو مثال الإنسان الناظر من شاهق البناء العالي بالنسبة إلى الناظر من رَوزنة الغرفة الصغيرة فالأوّل يرى جميع ما يكون أمامه ، بينما الثاني لا يرى إلاّ ما يمرّ أمام رَوزنته .
    وكيف لا يعلم الله تعالى جميع الأشياء وقد خلقها وأوجدها ؟ هذا من المستحيل .
    قال الله تعالى : ( أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) (1).
    وكيف يعقل أن لا يعلم الله تعالى ضمائر الناس ، وقد خلق أشخاصهم وأرواحهم وقلوبهم وعقولهم ومنحهم القوّة والقدرة والتفكير والتعبير ؟
    قال تعالى : ( وَلَقَدْ خَلَقْنَا الاِْنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ) (2).
    فلا يبقى شكّ بل يحكم العقل بكلّ قطع ، بأنّ هذه الذات الشريفة الخالقة المحيطة ذات عالمة أحاطت بكلّ شيء علماً ، ووسعت كلّ شيء خُبراً .
    3 ـ إنّ النظم والتدبير ، والحكمة والتقدير ، والدقّة المدهشة العجيبة التي نراها في جميع مجالات الكون ، وفي جميع خلائق العالم من إنسانها وحيوانها وسمائها وأرضها ونباتها وجميع موجوداتها من المجرّة إلى الذرّة ، تُنبىء عن علم
(1) سورة الملك : (الآية 14) .
(2) سورة ق : (الآية 16) .