181
    كما أفاده في حقّ اليقين (1).
    السادسة : إنّ صفاته المقدّسة الذاتية كالعلم والقدرة ليست زائدة على ذاته
    كما زعمته الأشاعرة ، بل هي عين ذاته الشريفة كما دلّت عليه الأدلّة الشرعية ، والبراهين العقلية مثل :
    ألف ) الأحاديث المتظافرة التي تلاحظها في كتاب التوحيد ولنذكر نبذة منها فيما يلي :
    1 ـ حديث أبي بصير ، قال سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول :
    « لم يزل الله جلّ وعزّ ربّنا والعلم ذاته ولا معلوم ، والسمع ذاته ولا مسموع ، والبصر ذاته ولا مبصَر ، والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلمّا أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم ، والسمع على المسموع ، والبصر على المبصَر ، والقدرة على المقدور ، قال : قلت : فلم يزل الله متكلّماً ؟ قال : إنّ الكلام صفة محدثة ليست بأزلية ، كان الله عزّوجلّ ولا متكلّم » (2).
    2 ـ حديث حمّاد بن عيسى ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) فقلت :
    « لم يزل الله يعلم ؟ قال : أنّى يكون يعلم ولا معلوم ، قال : قلت : فلم يزل الله يسمع ؟ قال : أنّى يكون ذلك ولا مسموع ، قال : قلت : فلم يزل يبصر ؟ قال : أنّى يكون ذلك ولا مبصر ، قال : ثمّ قال : لم يزل الله عليماً
(1) حقّ اليقين : (ج1 ص37) .
(2) التوحيد للصدوق : (ص139 ب11 ح1) ، ولعلّ الأصل فيه : ولا تكلّم .



182
سميعاً بصيراً ، ذات علامة سميعة بصيرة » (1).
    3 ـ حديث الحسين بن خالد ، قال : سمعت الرضا علي بن موسى (عليهما السلام)يقول :
    « لم يزل الله تبارك وتعالى عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً ، فقلت له : يابن رسول الله ! إنّ قوماً يقولون : إنّه عزّوجلّ لم يزل عالماً بعلم ، وقادراً بقدرة ، وحيّاً بحياة ، وقديماً بقدم ، وسميعاً بسمع ، وبصيراً ببصر . فقال (عليه السلام) : من قال ذلك ودان به فقد اتّخذ مع الله آلهة اُخرى ، وليس من ولايتنا على شيء .
    ثمّ قال (عليه السلام) : لم يزل الله عزّوجلّ عليماً قادراً حيّاً قديماً سميعاً بصيراً لذاته ، تعالى عمّا يقول المشركون والمشبّهون علوّاً كبيراً » (2).
    ب ) الحكم العقلي الجزمي بكون صفاته عين ذاته وخلاصة تقريره كما يلي :
    إنّه لو كانت تلك الصفات زائدة على الذات لكانت أحد إثنين : إمّا قديمة وإمّا حادثة ، وكلاهما محالٌ .
    أمّا إستحالة الأوّل ; فلأنّه يستلزم تعدّد القدماء ، وهو باطل مخالف للعقل بواسطة لزومه التسلسل ، ومخالف للإجماع أيضاً ، ولهذا كفرت النصارى بقولهم بِقِدَم الأقانيم (3).
(1) التوحيد للصدوق : (ص139 ب11 ح2) .
(2) التوحيد للصدوق : (ص140 ب11 ح3) .
(3) الأقانيم : جمع أقنوم وهو لفظ سرياني بمعنى الأصل ، كما في مجمع البحرين : (ص53 مادّة ـ قنم ـ ) .



183
    وأمّا إستحالة الثاني : فلأنّه يلزم منه كون الله تعالى محلا للحوادث ، وهو باطل قطعاً كما ثبت قبلا (1).
    فيستحيل بحكم العقل زيادة الصفات على الذات ، فيحكم العقل والعقلاء بكون تلك الصفات الذاتية عين ذاته القدسية .
    السابعة : أنّه تعالى ليس بمحتاج إلى شيء ، لا في ذاته ولا في صفاته بل هو الغني المغني
    ومعنى الغِنى هو عدم الحاجة والإحتياج ، ولذا ذكر في الصفات السلبية .
    ومعنى كونه غنيّاً غير محتاج ، هو أنّه الغني بنفسه عن غيره وعن الإستعانة بالآلات والأدوات وغيرها ، كما فسّره الشيخ الصدوق (2).
    وهو الذي استغنى عن الخلق وهم إليه محتاجون ، فلا تعلّق له بغيره لا في ذاته ولا في شيء من صفاته ، بل هو منزّه عن العلاقة كما فسّره الشيخ الكفعمي (3).
    وهو الغني الذي لا يحتاج إلى أحد والكلّ محتاج إليه ، وهو الغني مطلقاً لا يشاركه فيه غيره ، كما فسّره الشيخ الطريحي (4).
    وحاصل المعنى في هذه الصفة ، استغناؤه الذاتي المطلق وعدم إحتياجه إلى شيء ، وقد دلّ على غناه الكتاب والسنّة والعقل بالبيان التالي :
(1) إرشاد الطالبين للفاضل المقداد : (ص223) .
(2) التوحيد : (ص286) .
(3) المصباح : (ص325) .
(4) مجمع البحرين : (ص67 مادّة ـ غني ـ ) .



184
    1 ـ دليل الكتاب :
    في آيات كثيرة منها قوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ ) (1).
    2 ـ دليل السنّة المباركة :
    في أحاديث متعدّدة نظير أسماء الله الحسنى التي منها (الغنيّ) في حديث الإمام الصادق (عليه السلام) الذي تقدّم عن التوحيد (2).
    3 ـ دليل العقل في حكمه بغنى الله تبارك وتعالى بوجوه عديدة :
    الأوّل :
أنّ الحاجة مختصّة بمن يجوز عليه الضرر والنفع ، والله سبحانه لا يصحّ عليه الضرر ولا النفع ، فلا تقع عليه الحاجة .. وإذا استحالت الحاجة ثبت كونه غنيّاً كما إستدلّ به أبو الصلاح الحلبي (3).
    الثاني : أنّ الحاجة إمّا أن تكون في الذات أو في الصفات ، وكلا القسمان باطلان في حقّه تعالى لوجوب وجوده فلا يكون فيه نقص ، ولا يفتقر إلى غيره فهو الغني بذاته ، كما إستدلّ به العلاّمة الحلّي (4).
    الثالث : أنّه قد ثبت قِدَمه عزّ اسمه بالبراهين القطعية ، والقديم هو الذي يتقدّم على الكلّ فيكون غنيّاً عن الكلّ كما إستدلّ به السيّد الشبّر (5).
(1) سورة البقرة : (الآية 267) .
(2) التوحيد : (ص194 ب29 ح8) .
(3) تقريب المعارف : (ص87) .
(4) نهج المسترشدين : (ص47) .
(5) حقّ اليقين : (ج1 ص37) .



185
    الثامنة : أنّه تعالى لا يحلّ في غيره ، ولا يتّحد مع غيره
    كما زعمته بعض الفرق الضالّة ، وعبّروا عنه بالحلول والإتّحاد .
    فهما باطلان شرعاً ، لما تقدّم من أحاديث تنزّه الخالق عن ذلك ، نظير حديث أبي المغرا عن أبي عبدالله (عليه السلام) :
    « إنّ الله تعالى خلوٌ من خَلقه وخلقه خلوٌ منه » (1).
    وكذلك هما باطلان عقلا لما يلي :
    أمّا بطلان الحلول فلوجوه هي :
    أوّلا : لأنّ الحال يحتاج إلى محلٍّ يحلّ فيه ، والإحتياج من خواصّ الممكن ، وأمّا الواجب فهو أجلّ من الإحتياج فلا يمكن فيه الحلول .
    ثانياً : إنّ الحلول في مكان يستلزم الخلوّ من مكان آخر ، والله تعالى موجود في كلّ مكان ومحيط بكلّ شيء .
    ثالثاً : إنّ حلول شيء في شيء ملازم للجسمية ، والله سبحانه منزّه عن الجسمية (2).
    وأمّا بطلان الإتّحاد فلوجهين :
    الأوّل : قضاء الضرورة والوجدان والبداهة ، ببطلان الإتّحاد ، وإدراك المغايرة بين الخالق وبين المخلوق ، وكلّ يعرف أنّه غير ربّه ، كما بيّنه العلاّمة أعلى الله مقامه (3).
    الثاني : أنّه مع فرض الإتّحاد ، فالمتّحدان بعد اتّحادهما إن بقيا
(1) بحار الأنوار : (ج3 ص322 ب14 ح18) .
(2) حقّ اليقين : (ج1 ص38) .
(3) نهج المسترشدين : (ص47) .



186
موجودين فهما إثنان لا واحد ، وإن صارا معدومين وصارا وجهاً ثالثاً فلا إتّحاد في البين ، بل هو إعدام شيء وإيجاد شيء آخر ، وإن عدم أحدهما وبقي الآخر لم يتحقّق اتّحاد لأنّ المعدوم لا يتّحد مع الموجود ، كما بيّنه الفاضل المقداد (1).
    فالإتّحاد محال في نفسه ، فكيف يمكن إثباته في الخالق ؟
    فيبطل ما إدّعاه النصارى في حقّه تعالى اتّحاد الأقانيم الثلاثة : الأب والإبن وروح القدس ، واتّحاد ناسوت المسيح باللاهوت (2).
    كما يبطل ما ادّعته جماعة من المتصوّفة ، من الإتّحاد وأنّه إذا وصل العارف نهاية مراتبه انتفت هويّته ، وصار الموجود هو الله تعالى وحده وسُمّي هذه المرتبة عندهم بالفناء في التوحيد .
    وقد ردّ عليهم ابن سينا في أكثر كتبه كما يستفاد من الإرشاد (3).
    كما وأنّ العلاّمة المجلسي جعل الإعتقاد بأي واحد من الحلول والإتّحاد من الكفر ، كما تلاحظه في كتاب الإعتقادات (4).
    كما وأنّ السيّد الفقيه الطباطبائي في العروة الوثقى (5) حكم بنجاسة القائلين بوحدة الوجود من الصوفية مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد ، وقرّره الفقهاء المحشّون على العروة .
    هذا تمام الكلام في بحث التوحيد ، والحمد لله الربّ المجيد .
(1) إرشاد الطالبين : (ص238) .
(2) يعبّرون باللاهوت عن الاُلوهية ، وبالناسوت عن الطبيعة البشرية كما في الرائد : (ص1270 و1467) .
(3) إرشاد الطالبين : (ص238) .
(4) إعتقادات العلاّمة المجلسي : (ص26) .
(5) العروة الوثقى : (الثامن من النجاسات المسألة2) .



187
العـدل
    سبق منّا الوعد بذكر العدل الذي هو من أسماء الله الحسنى ومن صفاته العليا ، والذي يعتبر الإعتقاد به من اُصول المذهب والدين ، ومن دعائم شريعة سيّد المرسلين صلوات الله عليه وآله الطاهرين .
    وعدل الله تعالى وإن كان من جملة صفاته الكماليّة ، إلاّ أنّه اُفرد بالذكر لكثرة مباحثه ومتعلّقاته المذكورة في المفصّلات .
    والعدل في أصل اللغة نقيض الجور كما في كتاب العين (1).
    قال في التوحيد : « العدل معناه الحكم بالعدل والحقّ ، وسمّي به توسّعاً لأنّه مصدر ، والمراد به العادل » (2).
    وقال في المصباح : « العدل أي ذو العدل وهو مصدر أُقيم مقام الأصل ، وصف به سبحانه للمبالغة لكثرة عدله ، والعدل هو الذي لا يجور في الحكم » (3).
    وقال في المجمع : « العدل من أسمائه تعالى وهو مصدر اُقيم مقام الإسم ، وحقيقة ذو العدل هو الذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم ... وعند المتكلّمين
(1) العين للخليل : (ج2 ص39) .
(2) توحيد الصدوق : (ص208) .
(3) المصباح للكفعمي : (ص322) .



188
هي العلوم المتعلّقة بتنزيه ذات الباري عن فعل القبيح والإخلال بالواجب » (1) أي الإخلال بالوجوب العقلي ، وهو الحُسن .
    وأفاد في حقّ اليقين : « إنّ العدل هو إعتقاد أنّ الله عادل في مخلوقاته ، غير ظالم لهم ، ولا يفعل قبيحاً ، ولا يخل بواجب ، ولا يجور في قضائه ولا يحيف في حكمه وابتلائه ، وله أن يثيب المطيعين ويعاقب العاصين ، ولا يكلّف الخلق ما لا يطيقون ، ولا يعاقبهم زيادةً على ما يستحقّون ، ولا يقابل مستحقّ الأجر والثواب بأليم العذاب والعقاب ، ولم يجبر عباده على الأفعال خصوصاً القبيحة ويعاقبهم عليها » (2).
    وقد دلّ النقل والعقل ، كتاباً وسنّةً على عدله تعالى وأنّه لا يظلم أبداً :
    أمّا دليل الكتاب :
    ففي أكثر من ثلاثين آية أحصاها العلاّمة المجلسي (3) منها ما يلي :
    1 ـ قوله تعالى : ( ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلاَّم لِلْعَبِيدِ ) (4).
    2 ـ قوله تعالى : ( إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّة وَإِنْ تَكُنْ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً ) (5).
    3 ـ قوله تعالى : ( وَلاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ
(1) مجمع البحرين : (ص484) .
(2) حقّ اليقين : (ج1 ص55) .
(3) بحار الأنوار : (ج5 ص2 الباب الأوّل من أبواب العدل) .
(4) سورة آل عمران : (الآية 182) .
(5) سورة النساء : (الآية 40) .



189
لاَ يُظْلَمُونَ ) (1).
    وأمّا دليل السنّة :
    وهي المنهل العذب للحكمة والمعدن الصفو للعلم ، وقد حكمت وجعلت العدل أساساً للدين كما في حديث التوحيد (2).
    والمعارف الحقّة مركّزة على أساس العدل ، فكانت عدالة الله من اُصول المذهب والدين ومن صفات الله باليقين كما تلاحظها في الأحاديث الشريفة التالية :
    1 ـ حديث سيّدنا عبدالعظيم الحسني ، عن الإمام علي بن محمّد ، عن أبيه الإمام محمّد بن علي ، عن أبيه الإمام الرضا علي بن موسى (عليهم السلام) قال :
    « خرج أبو حنيفة ذات يوم من عند الصادق (عليه السلام) فاستقبله موسى بن جعفر (عليه السلام) فقال له : ياغلام ! ممّن المعصية ؟
    فقال (عليه السلام) : لا تخلو من ثلاثة : إمّا أن تكون من الله عزّوجلّ وليست منه فلا ينبغي للكريم أن يعذّب عبده بما لم يكتسبه ، وإمّا أن تكون من الله عزّوجلّ ومن العبد فلا ينبغي للشريك القوي أن يظلم الشريك الضعيف ، وإمّا أن تكون من العبد وهي منه فإن عاقبه الله فبذنبه وإن عفا عنه فبكرمه وجودِه » (3).
    2 ـ ما روي عن الإمام موسى بن جعفر (عليهما السلام) حين قيل له :
(1) سورة المؤمنون : (الآية 62) .
(2) التوحيد : (ص96 ب5 ح1) .
(3) بحار الأنوار : (ج5 ص4 ب1 ح2) .



190
    « أيكون العبد مستطيعاً ؟
    قال : نعم بعد أربع خصال : أن يكون مخلّى السرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح ، له سبب وارد من الله عزّوجلّ ، فإذا تمّت هذه فهو مستطيع .
    فقيل له : مثل أي شيء ؟
    فقال : يكون الرجل مخلّى السرب ، صحيح الجسم ، سليم الجوارح لا يقدر أن يزني إلاّ أن يرى امرأة فإذا وجد المرأة فإمّا أن يعصم فيمتنع كما امتنع يوسف ، وإمّا أن يخلي بينه وبينها فيزني وهو زان ولم يطع الله بإكراه ، ولم يعص بغلبة » (1).
    3 ـ حديث العقائد أنّه قال أبو جعفر (عليه السلام) :
    « في التوراة مكتوب مسطور : ياموسى ! إنّي خلقتك واصطفيتك وقوّيتك وأمرتك بطاعتي ، ونهيتك عن معصيتي ، فإن أطعتني أعنتك على طاعتي ، وإن عصيتني لم أعنك على معصيتي ، ولي المنّة عليك في طاعتك ، ولي الحجّة عليك في معصيتك » (2).
    4 ـ حديث حريز ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
    « الناس في القَدَر على ثلاثة أوجه : رجل زعم أنّ الله عزّوجلّ أجبر الناس على المعاصي فهذا قد ظلم الله عزّوجلّ في حكمه وهو كافر ، ورجل يزعم أنّ الأمر مفوّض إليهم فهذا وهن الله في سلطانه فهو كافر ، ورجل يقول : إنّ الله عزّوجلّ كلّف العباد ما يطيقون ، ولم يكلّفهم ما لا
(1) بحار الأنوار : (ج5 ص8 ب1 ح10) .
(2) بحار الأنوار : (ج5 ص9 ب1 ح12) .