231
لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ ) (1) عند مشركي أهل مكّة بدعائك إلى توحيد الله فيما تقدّم وما تأخّر ; لأنّ مشركي مكّة أسلم بعضهم وخرج عن مكّة ومن بقي منهم لم يقدر على إنكار التوحيد عليه إذا دعا الناس إليه فصار ذنبه عندهم في ذلك مغفوراً بظهوره عليهم .
    فقال المأمون : لله درّك ياأبا الحسن ! فأخبرني عن قول الله عزّوجلّ : ( عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) (2) ؟
    قال الرضا (عليه السلام) : هذا ممّا نزل بـ « إيّاك أعني واسمعي ياجارة » خاطب الله عزّوجلّ بذلك نبيّه وأراد به اُمّته وكذلك قوله تعالى : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) (3) وقوله عزّوجلّ : ( وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلا ) (4).
    قال : صدقت يابن رسول الله ! فأخبرني عن قول الله عزّوجلّ : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) (5) ؟
    قال الرضا (عليه السلام) : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قصد دار زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبي في أمر أراده فرأى امرأته تغتسل فقال لها : سبحان الذي
(1) سورة الفتح : (الآية 1) .
(2) سورة التوبة : (الآية 43) .
(3) سورة الزمر : (الآية 65) .
(4) سورة الإسراء : (الآية 74) .
(5) سورة الأحزاب : (الآية 37) .



232
خلقك ! وإنّما أراد بذلك تنزيه الباري عزّوجلّ عن قول من زعم أنّ الملائكة بنات الله . فقال الله عزّوجلّ : ( أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ إِنَاثاً إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلا عَظِيماً ) (1). فقال النبي لمّا رآها تغتسل : سبحان الذي خلقك أن يتّخذ له ولداً يحتاج إلى هذا التطهير والإغتسال فلمّا عاد زيد إلى منزله أخبرته امرأته بمجيء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقوله لها : سبحان الذي خلقك .. فلم يعلم زيد ما أراد بذلك وظنّ أنّه قال ذلك لمّا أعجبه من حسنها فجاء إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وقال له : يارسول الله ! إنّ امرأتي في خُلقها سوء وإنّي اُريد طلاقها . فقال له النبي (صلى الله عليه وآله) : أمسك عليك زوجك واتّق الله وقد كان الله عزّوجلّ عرّفه عدد أزواجه وأنّ تلك المرأة منهنّ ، فأخفى ذلك في نفسه ولم يبده لزيد وخشي الناس أن يقولوا : إنّ محمّداً يقول لمولاه : إنّ امرأتك ستكون لي زوجة يعيبونه بذلك فأنزل الله عزّوجلّ : ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ ) يعني بالإسلام ( وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) يعني بالعتق ( أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ ) ثمّ إنّ زيد بن حارثة طلّقها واعتدّت منه فزوّجها الله عزّوجلّ من نبيّه محمّد (صلى الله عليه وآله) وأنزل بذلك قرآناً فقال عزّوجلّ : ( فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَىْ لاَ يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللهِ مَفْعُولا ) ثمّ علم الله عزّوجلّ أنّ المنافقين سيعيبونه بتزويجها فأنزل الله تعالى :
(1) سورة الإسراء : (الآية 40) .


233
    ( مَا كَانَ عَلَى النَّبِىِّ مِنْ حَرَج فِيمَا فَرَضَ اللهُ لَهُ ) (1).
    فقال المأمون : لقد شفيت صدري يابن رسول الله ! وأوضحت لي ما كان ملتبساً عليَّ فجزاك الله عن أنبيائه وعن الإسلام خيراً .
    قال علي بن محمّد بن الجهم : فقام المأمون إلى الصلاة وأخذ بيد محمّد بن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) وكان حاضر المجلس وتبعتهما فقال له المأمون : كيف رأيت ابن أخيك ؟ فقال له : عالم ولم نره يختلف إلى أحد من أهل العلم . فقال المأمون : إنّ ابن أخيك من أهل بيت النبي الذين قال فيهم النبي (صلى الله عليه وآله) : ألا إنّ أبرار عترتي وأطائب أرومتي أعقل الناس صغاراً وأعلم الناس كباراً فلا تعلّموهم فإنّهم أعلم منكم ، لا يخرجونكم من باب هدى ولا يدخلونكم في باب ضلالة (2).
    وانصرف الرضا (عليه السلام) إلى منزله فلمّا كان من الغد غدوت عليه وأعلمته ما كان من قول المأمون وجواب عمّه محمّد بن جعفر له فضحك (عليه السلام) ثمّ قال : يابن الجهم ! لا يغرنّك ما سمعته منه فإنّه سيغتالني والله تعالى ينتقم لي منه » (3).
    ويستفاد من هذا الحديث الشريف عصمة الأنبياء ، كما يستفاد منه أنّ ما يتوهّم كونه ذنباً صادراً منهم ليس هو بذنب ولا عصيان بل هو من ترك الاُولى فلا يضرّ بعصمتهم ، ولا ينافي نزاهتهم .
(1) سورة الأحزاب : (الآيتان 37 و38) .
(2) إحقاق الحقّ : (ج9 ص476) .
(3) عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : (ج1 ص155 ب15 ح1) .



234
    وأمّا حكم العقل بعصمة الأنبياء (عليهم السلام) :
    فبتقارير متعدّدة كثيرة نظير ما يلي :
    1 ـ أنّه لو لم يكن النبي معصوماً لانتفى الوثوق بقوله ، فلا يُطاع ولا يَقبل أحد منه قولا ، ويصير نصبه عبثاً .
    2 ـ أنّه لو جاز عليه الخطأ خارجاً ، مع لزوم اتّباعه عقلا ، كان الأمر باتّباعه قبيحاً بفطرة العقل ، بل يلزم إجتماع الضدّين فيه بوجوب متابعته مع وجوب مخالفته .
    3 ـ أنّه لو جاز عليه الخطأ لأحتاج إلى من يسدّده ، وذلك المسدّد إمّا أن يكون معصوماً وهو المطلوب ، وإمّا أن لا يكون معصوماً فيحتاج إلى مسدّد آخر وهكذا وهلمّ جرّاً ، فيلزم التسلسل الباطل .
    4 ـ أنّ من أغراض النبوّة إقامة العدل ومنع الظلم ، فلو صدرت من النبي معصيّة لانتفى غرض النبوّة .
    5 ـ أنّ النبي اُسوة ، فلو عصى لسقط محلّه من القلوب ، وحُرِمَ انقياد الناس له فتنتفي فائدة البعثة .
    6 ـ أنّ النبي حافظ للشرع ، وحجّة لله ، فلو جاز عليه الخطأ ، لأدّى ذلك إلى التضليل ، فكان نصبه قبيحاً .
    7 ـ انّه إن جاز صدور المعصية منه أمكن صدور أيّ ذنب عظيم منه حتّى القتل والنهب ، وهو فساد يأباه العقل ولا يقبله عاقل .
    8 ـ أنّ النبي راع لاُمّته وصدور الذنب من الراعي أفحش من ذنب الرعيّة ، فيصير بذنبه أسوأ حالا من رعيّته ، ولا يليق للرئاسة الشرعية عليهم ، والعاصي خائن فلا يؤتمن .


235
    9 ـ أنّه لو كان النبي يمكن عليه الخطأ أو السهو أو النسيان أو العصيان ، لكانت رئاسته على الاُمّة من هذه الجهة ترجيحاً بلا مرجّح ، وهو قبيح مع أنّه يمكن أن يأمر حينئذ بما لم يوحَ إليه ، أو يترك شيئاً ممّا اُوحي إليه .
    10 ـ أنّه لو عصى النبي صار ظالماً وبطلت نبوّته التي هي عهد الله ، ولا ينال عهد الله الظالمين .
    وعليه يحكم العقل قطعاً بلزوم عدم معصية النبي حتماً وعدم خطأه في شيء أبداً ، بل لزوم عصمته الغرّاء في جميع الأشياء .
    الثالث : اختيار النبي المعصوم
    لا شكّ أنّ منصب النبوّة رئاسة دينيّة وحفظ للشريعة القدسيّة ، وإقامة للأحكام وإدارة للمهام .. وهذا يستلزم كون النبي هو الأعلم من الباقين ، والأصلح من الآخرين والجدير لهذا المقام العظيم واللائق بهذا الشأن الكريم .. لئلاّ يلزم ترجيح المرجوح على الراجح ، وتقديم المفضول على الفاضل .
    ومن المعلوم أنّ معرفة الأعلم والأصلح ، والأليق الأرجح واقعاً وحقيقة وبنحو الإصابة وعدم المخالفة ، لا يمكن إلاّ لمن هو علاّم الغيوب والضمائر ، ومطّلع على جميع البواطن والسرائر ، وواقف على جميع العواقب والأواخر .
    وهذا علماً ووجداناً منحصر بالله الخبير ، والمولى العلي القدير بالبداهة .
    هذا مع دليل الإنحصار ، وكون الإختيار بيد الله تعالى الملك الجبّار ، بالكتاب والسنّة والعقل :


236
    أمّا الكتاب :
    فآيات كثيرة يكفي منها قوله تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (1).
    وأمّا السنّة :
    فأحاديث متظافرة نكتفي منها بما يلي :
    حديث سعد بن عبدالله القمّي قال : سألت القائم (عليه السلام) في حِجر أبيه فقلت : أخبرني يامولاي عن العلّة التي تمنع القوم من إختيار إمام لأنفسهم ؟
    قال :
    « مصلح أو مفسد ؟
    قلت : مصلح .
    قال : هل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد ؟
    قلت : بلى .
    قال : فهي العلّة ، أيّدتها لك ببرهان يقبل ذلك عقلك ؟
    قلت : نعم . قال : أخبِرْني عن الرسل الذين اصطفاهم الله ، وأنزل عليهم الكتب ، وأيّدهم بالوحي والعصمة إذ هم أعلام الاُمم ، وأهدى أن لو ثبت الإختيار ، ومنهم موسى وعيسى (عليهما السلام) ، هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذا همّا بالإختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنّان أنّه مؤمن ؟
(1) سورة القصص : (الآية 68) .


237
    قلت : لا .
    قال : فهذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه إختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربّه سبعين رجلا ممّن لم يشكّ في إيمانهم وإخلاصهم ، فوقعت خيرته على المنافقين ، قال الله عزّوجلّ : ( وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلا لِمِيقَاتِنَا ) (1) الآية ، فلمّا وجدنا إختيار من قد إصطفاه الله للنبوّة واقعاً على الأفسد دون الأصلح وهو يظنّ أنّه الأصلح دون الأفسد علمنا أن لا إختيار لمن لا يعلم ما تخفي الصدور ، وما تكنّ الضمائر ، وتنصرف عنه السرائر ، وأن لا خطر لإختيار المهاجرين والأنصار ، بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا أهل الصلاح » (2).
    وأمّا العقل :
    فإنّه حاكم بالبداهة بلزوم كون إختيار منصب خطير كالنبوّة من قبل الله الخبير العلاّم المحيط بكلّ شيء حتّى لا يعقب الظلم والفساد ، أو يحصل أمر خلاف السداد .
    ومن المعلوم أنّ خبرويّة الله تعالى لا يدانيها خبرويّة أحد ، حتّى يمكن لأحد سدّ المسدّ ، فينحصر به الإختيار ويكون من خصوصه الإرسال .
    مع أنّ نفس مقتضى الرساليّة هو أن يكون تعيين الرسول بيد المرسل ، إذ لا معنى لأن يكون النبي رسولا لأحد بإرسال غيره .
(1) سورة الأعراف : (الآية 155) .
(2) بحار الأنوار : (ج23 ص68 ب3 ح3) .



238
    فيُعلم بالقطع واليقين كون إختيار النبي بيد ربّ العالمين ، فيكون إختيار النبوّة وتعيين النبي بيد الله تعالى الحقّ المبين .
    الرابع : طريق معرفة الأنبياء (عليهم السلام)
    بعد أن عرفت في هذا البحث لزوم أهليّة النبي بالعصمة ، ثمّ لزوم تعيينه من الله تعالى يلزم البحث عن طريق معرفته للخلق حتّى يقتدون به ويهتدون بهدايته .
    لا شكّ أنّ أي رسول أو مبعوث أو سفير ، يحتاج إلى برهان ودليل وعلامة تكشف عن صحّة نسبته إلى من أرسله أو بعثه أو جعله سفيراً حتّى تنكشف حقيقة دعوى المحقّ ، وتنقطع تسويلات المدلّس المبطل ، ولابدّ في التصديق من حصول اليقين .. وهذا أمر معقول معمول في جميع المجالات الحياتية الخطيرة واليسيرة .
    ومنصب إلهي ديني مرموق كالنبوّة ، لا ريب في إحتياجه إلى برهان قطعي يُمضي صحّة النسبة فيه ، ويقطع الأهواء المزيّفة على مدّعيه .
    وطريق معرفة الواسطة بين الله وخلقه ، وتشخيص النبي المبعوث عن ربّه ، هي اُمور ثلاثة :
    1 ـ الإعجاز : فإنّ إتيان النبي في مقام التحدّي بالمعجزة الخارقة للعادة ، المطابقة لدعواه ، المتعذّر مثلها من الخلق ، المبيّنة لكونها فعل الله تعالى ، يوجب القطع بأنّه من عمل الله تعالى ، وصاحبها صادق عن الله عزّوجلّ فيما يخبر عنه ، ومحقٌ في دعواه النبوّة والرسالة من قِبَلِ الله عزّ إسمه .
    وتلاحظ تحقيق ذلك موسعاً في إرشاد الطالبين (1).
    2 ـ تنصيص النبي السابق ، الثابتة نبوّته ، على النبي اللاحق الذي يراد
(1) إرشاد الطالبين للفاضل المقداد : (ص306) .


239
معرفته كتنصيص النبي موسى ، والنبي عيسى (عليهما السلام) ، على نبوّة نبيّ الإسلام وصفاته العظام صلوات الله عليه وآله الكرام .
    فحيث يلزم تصديق النبي السابق في نبوّته ، يلزم أيضاً تصديقه في بشارته ومقالته ، فتثبت به نبوّة النبي اللاحق بالضرورة والبداهة .
    3 ـ ملاحظة نفس الرسالة التي جاء بها الرسول ، ومطالعة مفاد الأحكام التي جاء بها النبي ، ودراسة حيثيّة المواعظ والإرشادات والمعالم التي أتى بها صاحب الرسالة .
    حيث إنّ حقيقة رسالته المعقولة ، وأحكامه المقبولة ، ومواعظه النافعة ، وإرشاداته البارعة ، وحثّه على المعالم الحسنة ، ونهيه عن الاُمور القبيحة ، وصدقه في أقواله ، وعمله بمقاله ، ومطابقة إنبائاته مع الحقيقة ، وملائمة كلماته مع العلوم الحقّة ، تكشف عن صدقه في دعوته ، ومحقّيته في رسالته ، فإنّه تُعرف نزاهة المُحقّ بحقّه ، وينكشف زيف المُبطل بباطله .
    وهذا طريق يحكم به الوجدان ويوجب القطع والإيقان ، ويستفاد من الدليل العيان ، وهو حديث أمير المؤمنين (عليه السلام) :
    « اِعرفوا الله بالله ، والرسول بالرسالة ، واُولي الأمر بالمعروف والعدل والإحسان » (1).
    فهذه طرق ثلاثة لمعرفة النبوّة أساساً ، وغير خفي أنّ جميع هذه البراهين القطعيّة والقرائن اليقينيّة موجودة في نبوّة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، بالإضافة إلى حيويّة معجزته القرآنية وبقائها إلى زماننا وإلى يوم القيامة .
    لذلك يكون القرآن الكريم دليلا إعجازياً قطعيّاً لإثبات رسالة خاتم
(1) بحار الأنوار : (ج3 ص270 ب10 ح7) .


240
الأنبياء لجميع البشر ، وفي جميع الأزمنة ، ومثبتاً لعلمه وعصمته وخاتميّته ومحاسن صفاته .
    كما وأنّه يُمضي القرآن الكريم نبوّة الأنبياء السلف ، ويصدّق رسالة اُولي العزم من الرسل فهو دليل كامل للنبوّة والأنبياء ، ودستور شامل لوحي السماء .
    وسنبيّن إن شاء الله وجوه إعجازه في بحث النبوّة الخاصّة ونشير إلى خصوصياته الفائقة في ذلك المبحث .
    وأوضح الطرق الثلاثة المتقدّمة في معرفة النبوّة لجميع الطبقات من الناس هو الطريق الأوّل ، يعني جهة الإعجاز ، تلك الجهة التي تثبت نبوّة صاحبها ، وتكون مناسبةً لأزمنتها ، أي بالنسبة إلى زمان كلّ معجزة ، كما تلاحظه في حديث ابن السكيت عن الإمام الرضا (عليه السلام) (1) جاء فيه :
    « إنّ الله تبارك وتعالى لمّا بعث موسى (عليه السلام) كان الأغلب على أهل عصره السحر ، فأتاهم من عند الله بما لم يكن في وُسع القوم مثله ، وبما أبطل به سحرهم ، وأثبت به الحجّة عليهم ..
    وإنّ الله تبارك وتعالى بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطبّ ، فأتاهم من عند الله عزّوجلّ بما لم يكن عندهم مثله ، وبما أحيى لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن الله وأثبت به الحجّة عليهم .
    وإنّ الله تبارك وتعالى بعث محمّداً في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام ... فأتاهم من كتاب الله عزّوجلّ ومواعظه وأحكامه ما أبطل به قولهم ، وأثبت الحجّة عليهم ... » .
(1) بحار الأنوار : (ج11 ص70 ب3 ح1) .