251
الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً ) (1).
    2 ـ وقال تبارك وتعالى : ( قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَر مِثْلِهِ مُفْتَرَيَات وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ ) (2).
    3 ـ وقال تعالى شأنه : ( وَإِنْ كُنتُمْ فِي رَيْب مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ ... ) (3).
    ومع توفّر دواعيهم وكثرة مساعيهم على المعارضة ، عجزوا عن الإتيان بمثله واعترفوا بعدم إمكان معارضته ، كما تلاحظه في الحديث التالي :
    روي أنّ ابن أبي العوجاء وثلاثة نفر من الدهرية اتّفقوا على أن يعارض كلّ واحد منهم ربع القرآن . وكانوا بمكّة عاهدوا على أن يجيؤوا بمعارضته في العام القابل ، فلمّا حال الحول واجتمعوا في مقام إبراهيم (عليه السلام) قال أحدهم : إنّي لمّا رأيت قوله : ( وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ ) (4) كففت عن المعارضة ، وقال الآخر : وكذا أنا لمّا وجدت قوله : ( فَلَمَّا اسْتَيْئَسُوا مِنْهُ خَلَصُوا نَجِيّاً ) (5) أيست من المعارضة ، وكانوا يسرّون بذلك إذ مرّ عليهم الصادق (عليه السلام)فالتفت إليهم وقرأ عليهم : ( قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الاِْنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ) (6) فبهتوا (7).
(1) سورة الإسراء : (الآية 88) .
(2) سورة هود : (الآية 13) .
(3) سورة البقرة : (الآية 23) .
(4) سورة هود : (الآية 44) .
(5) سورة يوسف : (الآية 80) .
(6) سورة الإسراء : (الآية 88) .
(7) بحار الأنوار : (ج92 ص ب1 ح15) .



252
    وقد تمّت الحجّة وثبتت المحجّة في الإعجاز على غير العرب أيضاً بألفاظ القرآن الكريم من حيث نقل لهم إعجاز القرآن في ألفاظه تواتراً ، مضافاً إلى أنّه ثبت الإعجاز في معاني القرآن الحكيم أيضاً في ترجمته عياناً ، بما اشتمل عليه من عوالي المعاني ورفيع المباني ، وإخباراته الغيبيّة ومداليله الزكيّة .
    ومن لم يقبل الإسلام بعده فإنّما أنكره لعناد فيه ، وعصبيّة منه ، وقد جحدوا بها وإستيقنتها أنفسهم .
    ولذلك عدل المعاندون والمشركون إلى الحرب والمشاقّة مع النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أبوا من قبول الحقّ منه .
    ونفس حربهم كان دليلا على عجزهم ، وإلاّ فالإنسان لا يختار في المقابلة مع خصمه الطريق الأصعب مع وجود الطريق الأسهل الأرغب .
    ولو كان يسعهم ويمكنهم مماثلة القرآن والإتيان بسورة مثله ، لكانوا يقابلوه بالقرآن المماثل بدل أن يختاروا الحرب القاتل الذي أفناهم وأخزاهم ، وقد ظهر الحقّ على كلّ حال والحمد لله .
    وحين ثبت العجز في جميع القرون الطويلة بعد التحدّي الواضح المبين ثبت أنّه ليس كلام الآدميّين والمخلوقين ، بل هو كلام الله تعالى ، وإعجاز نبيّه ، وتنزيل الله الخالق العظيم الذي أنزله على وليّه ..
    وثبوت نبوّة نبيّه ورسوله يكون بنصّ كلام خالقه ومُنزله .
    فقد شهد القرآن صريحاً برسالته ونصّ على نبوّته ودلّ على خاتميته في آيات عديدة من الذكر الحكيم مثل :
    1 ـ قوله تعالى : ( مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَد مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ


253
النَّبِيِّينَ ) (1).
    2 ـ قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِىُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً وَدَاعِياً إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً ) (2).
    3 ـ قوله تعالى : ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ... ) (3).
    هذا ، والإعجاز القرآني باق ببقاء الدهور وخالد على مرّ العصور ..
    كما يستفاد خلوده مضافاً إلى الحسّ الوجداني من الدليل الروائي بل القرآني .
    فمن الكتاب الكريم :
    نفي الإستقبال المفيد للإستمرار في قوله تعالى : ( لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً ) (4) بل اللام في ( لئن ) في أوّل الآية موطّئة للقسم ودالّة عليه ، والتقدير : فوالله لا يأتون بمثله .. كما أفاده المفسّرون .
    ومن الروايات الشريفة :
    أحاديث عديدة مثل :
    1 ـ ما رواه محمّد بن موسى الرازي ، عن أبيه قال : ذكر الرضا (عليه السلام) يوماً
(1) سورة الأحزاب : (الآية 40) .
(2) سورة الأحزاب : (الآيتان 45 و46) .
(3) سورة الفتح : (الآية 29) .
(4) سورة الإسراء : (الآية 88) .



254
القرآن فعظّم الحجّة فيه والآية المعجزة في نظمه ، فقال :
    « هو حبل الله المتين ، وعروته الوثقى ، وطريقته المثلى ، المؤدّي إلى الجنّة ، والمنجي من النار ، لا يخلق من الأزمنة ، ولا يغثّ على الألسنة ، لأنّه لم يجعل لزمان دون زمان ، بل جعل دليل البرهان ، وحجّة على كلّ إنسان ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد » (1).
    2 ـ حديث إبراهيم بن العبّاس عن الإمام الرضا ، عن أبيه (عليهما السلام) أنّ رجلا سأل أبا عبدالله (عليه السلام) : ما بال القرآن لا يزداد على النشر والدرس إلاّ غضاضة ؟ فقال :
    « لأنّ الله تبارك وتعالى لم يجعله لزمان دون زمان ، ولا لناس دون ناس ، فهو في كلّ زمان جديد ، وعند كلّ قوم غضّ إلى يوم القيامة » (2).
    ثمّ إنّ إعجاز القرآن الكريم محقّق من جهات عديدة كثيرة ، نذكر منها عشرة كاملة وهي :
    الاُولى :
إنّ القرآن الكريم معجزٌ من حيث إختصاصه بمرتبة عليا في الفصاحة والبلاغة خارقة للعادة ، لا يمكن لأحد من البشر أن يأتي بمثلها ، أو أن يدانيها .
    الثانية : من حيث كونه مركّباً من نفس الحروف الهجائية التي يَقْدر على تأليفها كلّ أحد ، ومع ذلك عجز الخلق عن تركيب مثله بهذا التركيب العجيب والنمط الغريب .
(1) بحار الأنوار : (ج92 ص14 ب1 ح6) .
(2) بحار الأنوار : (ج92 ص15 ب1 ح8) .



255
    الثالثة : من حيث إمتيازه عن غيره من الكلام العربي بإمتياز مليح ، فإنّ أيّ كلام في هذه اللغة مهما كان فصيحاً وبليغاً إذا زيّن بالقرآن الكريم ، تجد القرآن ممتازاً عنه ، متفوّقاً عليه .
    الرابعة : من حيث اتّصافه بنظم فريد ، واُسلوب وحيد ، غير معهود في جميع الأزمنة لا شعراً ولا نثراً ، لذلك نسبه اُدباء الكفّار إلى السحر وذلك لأخذه بمجامع القلوب ، واتّصافه بالجاذبية الخاصّة .
    الخامسة : من حيث إنّه مع طوله ووفرة آياته ، وكثرة سوره ، خال عن الإختلال والتناقض والتهافت ( وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) (1).
    فلا تجد فيه كلمة خالية عن الفصاحة ، ولا آية مخالفة لآية اُخرى ، بل جميعه موصوف بغاية الجودة ، ومتّصف بما لم تجر بمثله العادة .
    السادسة : من حيث إشتمال القرآن الكريم على أحسن الآداب ، وأمتن الحِكَم وأكمل المواعظ ، وأصوب القوانين ، وأتمّ الأحكام في العبادات والمعاملات والمعاشرات ، في اُمور الحياة في الاُسره والإجتماع ، وفي جميع الحدود والأقضية في السفر والحضر ، والأمن والخوف ، والحرب والسلم ، والعُسرة والغلبة ، وكلّ ما يحتاجه الإنسان في اُصوله وفروعه ، بشكل ليس فيها أدنى خلل ، ولا يحتاج إلى أقلّ تصحيح ، علماً بأنّ ما كان فيه من النسخ فهو مفيد لموقّتيّة الحكم المنسوخ لا تصحيحاً لأصل الحكم .
    فجعل الله تعالى هذا القرآن مشتملا على كلّ ما يحتاج إليه الاُمم ، وهادياً إلى التي هي أقوم ، كما جعل بيانه وتبيانه عند مهابط وحيه وخزّان علمه ،
(1) سورة النساء : (الآية 82) .


256
وترجمانه في خلقه النبي الأمين وآله الطاهرين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين .
    السابعة : من حيث ما تضمّنه من الأخبار والآثار في قضايا الاُمم السالفة ، وخفايا القصص الماضية ، ودقائق القرون الخالية ، مثل نبأ النبي آدم ومسائل نوح واُمور إبراهيم وقصّة أصحاب الكهف وقضايا موسى وأسرار الخضر ومسائل ذي القرنين وحياة يوسف (عليهم السلام) ممّا لم يطّلع عليها أحد إلاّ خواصّ الأحبار والرهبان الذين لم يكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) معاشراً معهم ، بل كان بعيداً عن مخالطتهم .
    فكتاب كهذا من هذا النبي الكريم الذي لم يتعلّم عند أحد ، يكشف قطعاً عن كونه من الله بجميع الاُمور .
    علماً بأنّ ما بيّنه النبي ، من أخبار القرآن لم يكن إقتباساً من كتبهم ، بل نقلا لحقيقة الأمر ، وواقعه الموجود عندهم ، وإلاّ لكانوا يرمونه بالسرقة من كتبهم وهم غير آبين عن توجيه التهمة فكيف بافشاء العائبة .
    الثامنة : من حيث إشتماله على الإخبار عن ضمائر المنافقين ، وبواطن الكافرين ونوايا المشركين الخفيّة التي لم يطلع عليها أحد .. حتّى أنّهم كانوا يحذرون من أن تنزل فيهم آية تفضحهم وتكشف نواياهم .
    بل أخبر عن الاُمور المستقبلة والحوادث المقبلة ، والغيب الصادق ، والنبأ المطابق ، ممّا لم يطّلع عليه إلاّ علاّم الغيوب ، مع كمال المطابقة والصدق ، كما في قوله تعالى : ( سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ) (1) وقوله تعالى : ( لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللهُ آمِنِينَ ) (2) وقوله تعالى : ( وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ) (3)
(1) سورة القمر : (الآية 45) .
(2) سورة الفتح : (الآية 27) .
(3) سورة الروم : (الآية 3) .



257
وقوله عزّ اسمه : ( وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنْ النَّاسِ ) (1) وقوله عزّ شأنه : ( لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْض ظَهِيراً ) (2) وقوله تعالى : ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الاَْبْتَرُ ) (3) وغير ذلك من الآيات الكثيرة .
    هذا ، مضافاً إلى إخباراته عن الاُمور العلميّة التي لم تنكشف إلاّ في الآونة الأخيرة والقرون المتأخّرة ممّا كانت آنذاك غيباً لم يطّلع عليها أحد ، وهي كثيرة تجدها في الكتب المؤلّفة لبيانها .
    التاسعة : من حيث خواصّه المعنوية ، وخصائصه الذاتيّة ، وشفائه للأرواح ، وعلاجه للأجسام ، وإطمئنانه للقلوب ، وبركاته في النفوس .
    العاشرة : من حيث طراوته وحلاوته وعدم الملل منه عند تلاوته وقراءته مهما زادت وتكرّرت .
    ولا يخلق على طول الأزمان ، ولا يبلى في طول الدهر ، بل يستفاد منه في كلّ قراءة جديدة ، نكتة جديدة .
    فهو كلام الله البالغ ، وحكمه الساطع ، وهو نور لا يطفأ ، وسراج لا يخبو ، كما تلاحظه في خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة (4).
(1) سورة المائدة : (الآية 67) .
(2) سورة الإسراء : (الآية 88) .
(3) سورة الكوثر : (الآية 3) .
(4) نهج البلاغة : (ص202 رقم الخطبة193 من الطبعة المصرية) .



258
    الطريق الثاني : الخوارق الإلهية الاُخرى ...
    وهي الخوارق الإلهية والمعجزات الربّانية ، الجارية على يد النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ممّا كانت في أفعاله وأقواله وشمائله وأحواله ونعوته وأوصافه وشخصيّته وشأنه وما كان يختصّ به منذ بداية ولادته إلى نهاية شهادته .
    وقد كانت شاهدة على حقيقة نبوّته ، وصدق مبعوثيّته ، ومصدّقةً لرسالته ، وكاشفةً عن اتّصاله بالقوّة الإلهيّة والتأييدات السماوية .
    وقد ذكر الشيخ الجليل ابن شهر آشوب السروي المازندراني في المناقب : « أنّه كانت له أربعة آلاف وأربعمائة وأربع وأربعون معجزة ، ذكرت منها ثلاثة آلاف ، والمشهور منها التي ذكرها المؤرخّون ألف معجزة ، وقد تواتر منها الكثير الوفير » (1).
    وقد اُحصيت هذه المعجزات الشريفة في مدينة المعاجز للسيّد البحراني ، والجزء السابع عشر من البحار للعلاّمة المجلسي ، والمجلّد الأوّل من إثبات الهداة للمحدّث الحرّ العاملي ، ناقلا إيّاها من ثمانية وخمسين كتاباً ، والمجلّد الأوّل من كشف الغمّة للشيخ الإربلي ، وباب النبوّة الخاصّة من حقّ اليقين للسيّد الشبّر .
    وقد ذكرت الأحاديث المتظافره شرح معجزاته الكريمة وبيان مختصّاته العظيمة ، نشير إلى بعضها ، والتفسير والتفصيل في محلّها ممّا تقدّم ذكرها آنفاً ، علماً بأنّ كثيراً ممّا نذكرها من المتواترات ...
    وسنبيّن إن شاء الله تعالى ما ذكر منها في القرآن الكريم وكلام ربّ العالمين الذي لا يأتيه الباطل أبداً .
    فمن المعجزات ما ظهر حين ولادته، وظهور نوره المبارك، حيث ولد حينما
(1) مناقب ابن شهر آشوب : (ج1 ص106 ـ 144 باب معجزات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)) .


259
ولد طاهراً من الدم ، نقيّاً من القذارات ، ساقطاً على رجليه ، ساجداً إلى الكعبة ، ثمّ رفع رأسه الشريف إلى السماء شاهداً بتوحيد الله ، ونبوّة نفسه ، فأضاء بنوره المشرق والمغرب .
    فنوديت اُمّه المعظّمة سيّدتنا آمنة بنت وهب : « وَلَدتِ خير الناس فسمّيه محمّداً » (صلى الله عليه وآله وسلم) .
    ومُنعت الشياطين ليلة ولادته من الصعود إلى السماء .
    وبطل عمل الكهانة وسحر السحرة .
    وانكبّ كلّ صنم في العالم على وجهه .
    وانفطر سقف ايوان كسرى مع نهاية إستحكامه ، وأثره باق إلى اليوم .
    وجفّ بحر ساوه الذي كان يُعبد فانقلب ملحاً .
    وخمدت نيران فارس التي لم تنطفئ منذ ألف سنة .
    ونُكس سرير كلّ سلطان ، وخرسوا ولم يقدروا على الكلام في ذلك اليوم .
    وظهر نور ساطع من طرف الحجاز وانتشر في العالم .
    وجرى الماء في نهر سماوة وكان يابساً منذ أعوام كثيرة فكان بركةً للناس .
    ومن ذلك ما كان في بدنه المبارك من المعجزات الباهرات والآيات الكريمات : فقد كان جبينه الشريف يضيء كالقمر المنير .
    وكان يرفع يديه في بعض الأحيان فتضيء أصابعه كالشموع .
    وكان عَرَقه الشريف أطيب عطر وله أزكى رائحة .
    وكان إذا قام في إشراق الشمس أو القمر لم يظهر له ظلّ .
    وكان إذا مشى مع أحد لم يظهر لأحد عليه علوّ قامة .
    وكانت الطيور لا تعلوه ولا تطير على رأسه .


260
    وكان لا يقع على بدنه الشريف بَقّ ولا ذباب .
    وكان حين النوم غير معطّل الحواسّ ، بل نومه ويقظته سواء .
    وكان خاتم النبوّة منقوشاً على كتفه الشريفة ، له ضوء ونور ، كلّما أبداه علا نوره .
    وكان في لحيته الشريفة سبعة عشرة شعرة بيضاء تلمع كالشمس .
    وكان له مع حسن أخلاقه وبشاشته وتواضعه ومحبوبيته ، مهابة عظيمة في القلوب ، وأثرخاصّ في النفوس بحيث لم يقدر أحد من إمعان النظر في وجهه المنير.
    ومن ذلك ما أجرى الله من المعجزات على يديه ، كرّات ومرّات في حياته فشقّ الله له القمر حينما سألته قريش آية .
    وسُخّر له الشمس في التوقّف عن الغروب مرّةً ، والطلوع بعد الغروب مرّة اُخرى .
    وأطعم النَفَر الكثير من طعام قليل في منزل جابر ، ودار أبي طلحة .
    ونَبَع الماء من بين أصابعه فشرب أهل العسكر كلّهم وهم عطاشى .
    وتوضّأ من قدح صغير ضاق أن يبسط فيه يده ، ثمّ أهرق في عين تبوك ولم يكن فيها ماء فجرت بماء كثير شرب منه الجيش وهم اُلوف .
    وأهرق ماء وضوئه مرّة اُخرى في بئر الحديبية فجاشت بالماء وشرب منها ألف وخمس مئة .
    وكان في إجتماعه مرّةً كومة (1) تمرّ فأمر أن يزوّدوا منها أربع مئة راكب فزوّدوهم وبقي بحسبه لم ينقص منه شيء .
    ورمى جمعاً من الأعداء يوم بدر بقبضة تراب فعميت عيونهم .
(1) الكومة بضمّ الكاف هي القطعة والمجموعة من الشيء .