291
كنّا مع الرضا (عليه السلام) بمرو فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مَقْدمنا فأرادوا (1) أمر الإمامة وذكروا كثرة إختلاف الناس فيها ، فدخلت على سيّدي (عليه السلام) فأعلمته خوض الناس فيه ، فتبسّم (عليه السلام) ثمّ قال :
    « ياعبدالعزيز ! جهل القوم وخُدعوا عن آرائهم ، إنّ الله عزّوجلّ لم يقبض نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى أكمل له الدين وأنزل عليه القرآن فيه تبيان كلّ شيء ، بيّن فيه الحلال والحرام والحدود والأحكام وجميع ما يحتاج إليه الناس كملا ، فقال عزّوجلّ : ( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْء ) (2) وأنزل في حجّة الوداع وهي آخر عمره (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاِْسْلاَمَ دِيناً ) (3) وأمر الإمامة من تمام الدِّين ، ولم يمض (صلى الله عليه وآله وسلم) حتّى بيّن لاُمّته معالم دينهم وأوضح لهم سبيلهم وتركهم على قصد سبيل الحقّ وأقام لهم عليّاً (عليه السلام) علماً وإماماً وما ترك [ لهم ] شيئاً يحتاج إليه الاُمّة إلاّ بيّنه ، فمن زعم أنّ الله عزّوجلّ لم يكمل دينه فقد ردّ كتاب الله ومن ردّ كتاب الله فهو كافر به .
    هل يعرفون قدر الإمامة ومحلّها من الاُمّة فيجوز فيها إختيارهم ، إنّ الإمامة أجلّ قدراً وأعظم شأناً وأعلا مكاناً وأمنع جانباً وأبعد غوراً من أن يبلغها الناس بعقولهم أو ينالوها بآرائهم أو يقيموا إماماً باختيارهم .
(1) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : فأداروا .
(2) سورة الأنعام : (الآية 38) .
(3) سورة المائدة : (الآية 3) .



292
    إنّ الإمامة خصّ الله عزّوجلّ بها إبراهيم الخليل (عليه السلام) بعد النبوّة والخلّة مرتبة ثالثة وفضيلة شرّفه بها وأشاد بها ذكره فقال : ( إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً ) فقال الخليل (عليه السلام) سروراً بها : ( وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) قال الله تبارك وتعالى : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).
    فأبطلت هذه الآية إمامة كلّ ظالم إلى يوم القيامة وصارت في الصفوة ، ثمّ أكرمه الله تعالى بأن جعلها في ذرّيته أهل الصفوة والطهارة فقال : ( وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (2) فلم تزل في ذرّيته يرثها بعض عن بعض قرناً فقرناً حتّى ورّثها الله تعالى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقال جلّ وتعالى : ( إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِىُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِىُّ الْمُؤْمِنِينَ ) (3).
    فكانت له خاصّة فقلّدها (صلى الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) ، بأمر الله تعالى على رسم ما فرض الله ، فصارت في ذرّيته الأصفياء الذين آتاهم الله العلم والإيمان ، بقوله تعالى : ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالاِْيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ ) (4) فهي في ولد علي (عليه السلام) خاصّة إلى يوم القيامة ; إذ لا نبي بعد محمّد (صلى الله عليه وآله) فمن أين يختار هؤلاء الجهّال ؟!
    إنّ الإمامة هي منزلة الأنبياء وإرث الأوصياء .
(1) سورة البقرة : (الآية 124) .
(2) سورة الأنبياء : (الآيتان 72 و73) .
(3) سورة آل عمران : (الآية 68) .
(4) سورة الروم : (الآية 56) .



293
    إنّ الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومقام أمير المؤمنين (عليه السلام) وميراث الحسن والحسين (عليهما السلام) .
    إنّ الإمامة زمام الدين ونظام المسلمين وصلاح الدنيا وعزّ المؤمنين .
    إنّ الإمامة اُسُّ الإسلام النامي وفرعه السامي (1).
    بالإمام تمام الصلاة والزكاة والصيام والحجّ والجهاد وتوفير الفيء والصدقات وإمضاء الحدود والأحكام ومنع الثغور والأطراف (2).
    الإمام يُحلّ حلال الله ويحرّم حرام الله ويقيم حدود الله ويذبّ عن دين الله ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة والحجّة البالغة .
    الإمام كالشمس الطالعة المجلّلة بنورها للعالم وهي في الاُفق بحيث لا تنالها الأيدي والأبصار .
    الإمام البدر المنير والسراج الزاهر والنور الساطع والنجم الهادي في غياهب الدجى (3) وأجواز البلدان والقفار ولجج البحار .
    الإمام الماء العذب على الظما والدالّ على الهدى والمنجي من الردى .
    الإمام النار على اليفاع (4) ، الحارّ لمن إصطلى به ، والدليل في المهالك ، من فارقه فهالك .
    الإمام السحاب الماطر والغيث الهاطل والشمس المضيئة والسماء
(1) الاُسّ والأساس هو أصل البناء ، والسامي هو العالي المرتفع .
(2) فالإمام هو الآمر بها ، ومبيّن أحكامها ، وشرط صحّتها .
(3) أي الظلمات الشديدة كظلمات الفتن والشبهات .
(4) اليفاع : ما ارتفع من الأرض .



294
الظليلة والأرض البسيطة والعين الغزيرة والغدير والروضة .
    الإمام الأنيس الرفيق والوالد الشفيق والأخ الشقيق والاُمّ البرّة بالولد الصغير ومفزع العباد في الداهية النآد (1).
    الإمام أمين الله في خلقه وحجّته على عباده وخليفته في بلاده والداعي إلى الله والذابّ عن حُرُم الله .
    الإمام المطهّر من الذنوب والمبرّا عن العيوب ، المخصوص بالعلم ، الموسوم بالحلم ، نظام الدين وعزّ المسلمين وغيظ المنافقين وبوار الكافرين (2).
    الإمام واحد دهره ، لا يدانيه أحد ولا يعادله عالم ولا يوجد منه بدل ولا له مثل ولا نظير ، مخصوص بالفضل كلّه من غير طلب منه له ولا إكتساب ، بل إختصاص من المُفضِل الوهّاب .
    فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه إختياره ؟!
    هيهات ! هيهات !! ضلّت العقول وتاهت الحلوم وحارت الألباب وخسئت العيون وتصاغرت العظماء وتحيّرت الحكماء وتقاصرت الحلماء وحصرت الخطباء وجهلت الألبّاء وكلّت الشعراء وعجزت الاُدباء وعييت البلغاء عن وصف شأن من شأنه أو فضيلة من فضائله وأقرّت بالعجز والتقصير ، وكيف يوصف بكلّه أو ينعت بكنهه أو يُفهم شيء من أمره أو يوجد من يقوم مقامه ويغني غناه ؟!
    لا ، كيف وأنّى وهو بحيث النجم من يد المتناولين ووصف
(1) أي الاُمور العظيمة .
(2) البوار : بمعنى الهلاك .



295
الواصفين !
    فأين الإختيار من هذا ؟ وأين العقول عن هذا ؟ وأين يوجد مثل هذا ؟!
    أتظنّون أنّ ذلك يوجد في غير آل الرسول محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟!
    كذّبتهم والله أنفسهم ومنّتهم الأباطيل (1) ، فاتّقوا (2) مرتقاً صعباً دحضاً تزلّ عنه إلى الحضيض أقدامهم ، راموا إقامة الإمام بعقول حائرة بائرة ناقصة وآراء مضلّة ، فلم يزدادوا منه إلاّ بعداً ، [ قاتلهم الله أنّى يؤفكون ] ولقد راموا صعباً وقالوا إفكاً وضلّوا ضلالا بعيداً ووقعوا في الحيرة إذ تركوا الإمام عن بصيرة وزيّن لهم الشيطان أعمالهم ، فصدّهم عن السبيل وكانوا مستبصرين .
    رغبوا عن إختيار الله وإختيار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته إلى إختيارهم والقرآن يناديهم : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (3) وقال عزّوجلّ : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِن وَلاَ مُؤْمِنَة إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (4) ـ الآية ، وقال : ( مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * أَمْ لَكُمْ كِتَابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ * إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ * أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَمَا تَحْكُمُونَ * سَلْهُم أَيُّهُمْ بِذَلِكَ زَعِيمٌ * أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكَائِهِمْ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ ) (5) وقال عزّوجلّ : ( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ
(1) أي أوقعت في أنفسهم الأماني الباطلة ، والدحض هو الزَلَق .
(2) في عيون أخبار الرضا (عليه السلام) : فارتقوا .
(3) سورة القصص : (الآية 68) .
(4) سورة الأحزاب : (الآية 36) .
(5) سورة القلم : (الآية 36 ـ 41) .



296
عَلَى قُلُوب أَقْفَالُهَا ) (1) ؟! أم طبع الله على قلوبهم فهم لا يفقهون ؟! أم ( قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ * وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لاََسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) (2) أم ( قَالُوا سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ) (3) بل هو فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
    فكيف لهم بإختيار الإمام ؟! والإمام عالم لا يجهل وراع لا ينكل (4)، معدن القدس والطهارة والنسك والزهادة والعلم والعبادة ، مخصوص بدعوة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ونسل المطهّرة البتول ، لا مغمز فيه في نسب ولا يدانيه ذو حسب ، فالبيت من قريش والذروة من هاشم والعترة من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والرضا من الله عزّوجلّ ، شرف الأشراف والفرع من عبد مناف ، نامي العلم ، ملُ الحلم ، مضطلع بالإمامة ، عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر الله عزّوجلّ ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله . إنّ الأنبياء والأئمّة صلوات الله عليهم يوفّقهم الله ويؤتيهم من مخزون علمه وحكمه ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق علم أهل الزمان في قوله تعالى : ( أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ) (5) ، وقوله تبارك وتعالى :
(1) سورة محمّد : (الآية 24) .
(2) سورة الأنفال : (الآيات 21 ـ 23) .
(3) سورة البقرة : (الآية 93) .
(4) أي لا يضعف ولا يجبن .
(5) سورة يونس : (الآية 35) .



297
( وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْراً كَثِيراً ) (1) وقوله في طالوت : ( إِنَّ اللهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) (2) وقال لنبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) : ( وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) (3) وقال في الأئمّة من أهل بيت نبيّه وعترته وذرّيته صلوات الله عليهم : ( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكاً عَظِيماً * فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً ) (4).
    وإنّ العبد إذا اختاره الله عزّوجلّ لاُمور عباده شرح صدره لذلك وأودع قلبه ينابيع الحكمة وألهمه العلم إلهاماً فلم يعي (5) بعده بجواب ولا يحير فيه عن الصواب ، فهو معصوم مؤيّد مسدّد ، قد أمن من الخطايا والزلل والعثار ، يخصّه الله بذلك ليكون حجّته على عباده وشاهده على خلقه ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم .
    فهل يقدرون على مثل هذا فيختارونه أو يكون مختارهم بهذه الصفة فيقدّمونه ؟ تَعَدُّوا ـ وبيتِ الله ـ الحقّ ، ونبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، كأنّهم لا يعلمون وفي كتاب الله الهدى والشفاء ، فنبذوه
(1) سورة البقرة : (الآية 269) .
(2) سورة البقرة : (الآية 247) .
(3) سورة النساء : (الآية 113) .
(4) سورة النساء : (الآيتان 54 و55) .
(5) أي لم يعجز .



298
واتّبعوا أهواءهم ، فذمّهم الله ومقتهم وأتعسهم فقال جلّ وتعالى : ( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنْ اللهِ إِنَّ اللهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (1) وقال : ( فَتَعْساً لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ) (2) وقال : ( كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّر جَبَّار ) (3) وصلّى الله على النبي محمّد وآله وسلّم تسليماً كثيراً » (4).
    6 ـ حديث جابر ، عن الإمام أبي جعفر الباقر (عليه السلام) قال :
    « قلت : لأي شيء يحتاج إلى النبي والإمام ؟
    فقال : لبقاء العالم على صلاحه ، وذلك أنّ الله عزّوجلّ يرفع العذاب عن أهل الأرض إذا كان فيها نبي أم إمام ، قال الله عزّوجلّ : ( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) (5) ، وقال النبي (صلى الله عليه وآله) : « النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يكرهون ، وإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يكرهون » يعني بأهل بيته الأئمّة الذين قرن الله عزّوجلّ طاعتهم بطاعته فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الاَْمْرِ مِنْكُمْ ) (6).
    وهم المعصومون المطهّرون الذين لا يذنبون ولا يعصون ، وهم المؤيَّدون الموفَّقون المسدَّدون ، بهم يرزق الله عباده ، وبهم يعمر
(1) سورة القصص : (الآية 50) .
(2) سورة محمّد : (الآية 8) .
(3) سورة غافر : (الآية 35) .
(4) اُصول الكافي : (ج1 ص198 باب نادر ح1) .
(5) سورة الأنفال : (الآية 33) .
(6) سورة النساء : (الآية 59) .



299
بلاده ، وبهم ينزل القطر من السماء ، وبهم تخرج بركات الأرض ، وبهم يمهل أهل المعاصي ولا يعجّل عليهم بالعقوبة والعذاب ، لا يفارقهم روح القدس ولا يفارقونه ، ولا يفارقون القرآن ولا يفارقهم صلوات الله عليهم أجمعين » (1).
    7 ـ حديث سليمان بن جعفر الجعفري قال : سألت الرضا (عليه السلام) فقلت :
    « تخلو الأرض من حجّة ؟
    فقال : لو خلت الأرض طرفة عين من حجّة لساخت (2) بأهلها » (3).
    8 ـ إبراهيم بن أبي محمود قال : قال الرضا (عليه السلام) :
    « نحن حجج الله في أرضه وخلفاؤه في عباده ، واُمناؤه على سرّه ، ونحن كلمة التقوى ، والعروة الوثقى ، ونحن شهداء الله وأعلامه في بريّته ، بنا يمسك الله السماوات والأرض أن تزولا ، وبنا ينزّل الغيث ، وينشر الرحمة ، لا تخلو الأرض من قائم منّا ظاهر أو خاف ، ولو خلت يوماً بغير حجّة لماجت بأهلها كما يموج البحر (4) بأهله » (5).
    وكلامهم الشريف هذا إرشاد إلى نور العقل وإثارة لدفائن العقول .. وبتدبّر ذوي الألباب يدرك العقل صدق كلامهم ، ويصدق اللبّ حقيقة بيانهم ، ويستيقن بنعمة الإمامة وفيض الإمام .
(1) بحار الأنوار : (ج23 ص19 ب1 ح14) .
(2) ساخت الأرض أي خسفت .
(3) بحار الأنوار : (ج23 ص29 ب1 ح43) .
(4) يقال : ماج البحر أي إضطرب موجه .
(5) بحار الأنوار : (ج23 ص35 ب1 ح59) .



300
    الفصل الثاني
الإمامة انتصابية لا انتخابية وتعيينها بيد الخالق لا المخلوق
    من الواضح أنّ من يُنصب لأجل إمامة الخلق بعد الرسول ، ولتصدّي رئاسة الدين ، وزعامة الدنيا ، وحفظ الشرع ، وإصلاح المجتمع ، وإقامة الأحكام ، وتربية المسلمين ، وتنظيم شؤون البشر ، وإدارة اُمورهم ، وتهذيب نفوسهم ، وتضمين سعادتهم يلزم أن يكون أفضلهم وأعلمهم وأعقلهم والأرجح منهم .. معصوماً من الخطأ ، ومحفوظاً عن الزلل ، حتّى لا يلزم أن يعطي الشيء فاقده ، أو يهب الفضيلة من هو متخلٍّ منها .. ولئلاّ يكون مخطئاً فيلزم من خطأه إنحطاط المجتمع البشري وإنهيار معالم الإنسانية .
    وإذا حصلت هذه المزايا والملاكات في شخص كان لائقاً وجديراً بأن يتصدّى هذه الاُمور ، وطبيعي أنّ الفوز والنجاح يكون حليفه في هذه الشؤون .. وهنا نسأل أنّه من هو الذي يعرف الأفضل والأعلم والأعقل والأرجح والأصلح من الخلق حتّى يختاره وينصبه لهذا الأمر الجليل لتحمّل أعباء هذه الاُمور الجسيمة ؟
    ومن الذي يعلم السرائر ويطّلع على الضمائر حتّى يعرف عواقب