301
الأشخاص ؟
    من الذي يعرف المصلِحَ من المفسد حتّى يختار من يكون فيه الصلاح الدائم بحيث لا يعتريه فساد تفسد به الطبقات البشرية الموجودة معه والأجيال الآتية بعده ؟
    وأخيراً هل يستطيع البشر العاجز المخطئ الظلوم تعيين ذلك ؟
    كلاّ ! ثمّ ألف كلاّ !! لا يقدر على ذلك إلاّ الله تعالى الذي هو الخالق للبشر ، والعالم بسرائرهم وضمائرهم ، والخبير بمطاوي نفوسهم وعواقبهم ، والمالك لأمرهم ، والحكيم في تدبيرهم ، والعارف بإحتياجاتهم .. ( وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ ) (1).
    ومن المعلوم أنّ ديناً كدين الإسلام الذي تقرّرت فيه جميع الأحكام والشرعيّات حتّى السنن والمرغّبات ، وكلّ جانب من جوانب الحياة لا يمكن أن يكون أهمل مسألة تعيين الإمام والخليفة بعد الرسول على أهمّيتها ، أو يكون أوكلَها إلى إختيار الاُمّة بما فيها الحثالة الجاهلة ، كأبي عبيدة الجرّاح الذي لا يميّز الهرّ من البرّ ، ولا يعرف خير نفسه فكيف بخير الآخرين .
    وقد تضمّنت أخبار السقيفة من كتب السيرة والحديث شناعة حاله ، كما أفاده في التنقيح (2) ، وهو من أعداء أمير المؤمنين (عليه السلام) (3).
    وحديث حسّان الجمّال في الفقيه (4) يدلّ على ذمّه ونفاقه ، فلاحظ .
(1) سورة البقرة : (الآية 220) .
(2) تنقيح المقال : (ج2 ص114 عند ترجمته تحت عنوان عامر بن الجرّاح) .
(3) معجم رجال الحديث : (ج10 ص216) .
(4) من لا يحضره الفقيه : (ج2 ص559 ح3144) .



302
    لا يمكن من الله الحكيم في تدبيره ، ولا من الرسول الرؤوف باُمّته أن يكون أهمل الخلافة بعده .
    ومن الحوار اللطيف أنّه سأل أبو الحسن الرّفا من ابن رامين الفقيه ـ وكلاهما من علماء العامّة ـ أنّه : لمّا خرج النبي (صلى الله عليه وآله) من المدينة ما استخلف عليها أحداً ؟
    قال : بلى إستخلف عليّاً .
    قال : وكيف لم يقل لأهل المدينة اختاروا فانّكم لا تجتمعون على الضلال !
    قال : خاف عليهم الخلف والفتنة .
    قال : فلو وقع بينهم فساد لأصلحه عند عودته .
    قال : هذا أوثق .
    قال : فاستخلف أحداً بعد موته ؟
    قال : لا .
    قال : فموته أعظم من سفره ، فكيف أمن على الاُمّة بعد موته ما خافه في سفره وهو حي عليهم ؟ فقطعه (1).
    البشر ليس بقادر على التشخيص المصيب لمن هو اللائق لهذا المنصب العظيم ..
    ويشهد لذلك عدم قدرتهم على نصب اللائق من جميع الجهات في الاُمور الدنيوية ، والمناصب الموقتة اليسيرة ، فكيف يمكنهم التصدّي لذلك المنصب الديني الدائمي الحسّاس ؟
    وكم رأينا أهل العقل والتدبير اتّفقوا على تعيين شخص لإنجاز أمر تبيّن لهم بعد ذلك خطأهم في تعيينه فغيّروه وبدّلوه .
(1) بحار الأنوار : (ج23 ص75) نقلا عن كتاب المناقب لابن شهر آشوب .


303
    بل الأعاظم الكُمّلين لا يمكن أن يكون إختيارهم كخيرة الله تعالى .. ألا ترى أنّ النبي موسى (عليه السلام) مع جلالة قدره وعزيميّة رسالته إختار من قومه لميقات ربّه سبعين رجلا ، ثمّ قالوا له : أرِنا الله جهرةً .
    سلّمنا قدرتهم على إنتخاب اللائق ، لكن الاُمّة لا تتّفق في الإختيار لزعم كلّ جماعة منهم أنّ هذا هو الأصلح دون ذاك ، فلا يتسنّى لهم إتّفاق الآراء مع إختلاف الأهواء .
    فكيف يمكن تفويض إختيار الإمام إليهم ، ألا يؤدّي ذلك إلى التشاجر والتنافر المنتهي إلى الفتنة والفساد ؟!
    ثمّ إنّ الإمامة كما تقدّم هي منصب إلهي يكون بجعل الله وتشريعه ، كالرسالة ، وليست إعتباراً عرفيّاً أو عقلائياً حتّى يجعلها العرف والعقلاء ، كما وأنّها ليست مرتبة علميّة مجرّدة حتّى يحوزها العلماء ، فلابدّ أن ينتهي تعيينها إلى من له التشريع فيقلّدها من اصطفاه من خُلّص عباده الصالحين ، وأوليائه المقرّبين .
    ثمّ إنّ نفس مقتضى منصب الخلافة والوصاية والولاية في الإمام هو أن يكون بجعل الله تعالى ، إذ لا تتحقّق الخلافة بدون إستخلاف ، ولا تكون الوصاية بدون إيصاء ، ولا تكون الولاية بدون التولية .. ولا معنى أن يكون أحد خليفة لشخص مع إستخلافه من قِبَل الآخرين .
    وحيث كانت الرسالة من الله فلا يصحّ أن تكون خلافتها ووصايتها والتولّي عنها إلاّ من قِبَل الله تعالى ..
    على أنّه بالإضافة إلى ذلك يدلّ على كون تعيين الإمام بيد الله تعالى : الكتاب والسنّة والعقل .


304
    1 ـ أمّا الكتاب فمثل :
    1 ـ قوله تعالى : ( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (1).
    حيث يستفاد منه أنّ المختار في اُمور الدين والدنيا هو الله تعالى دون خلقه ، ولا إختيار في التصرّف في ذلك .. خصوصاً مع تقديم الربّ بقوله : ( وَرَبُّكَ ) في نسبة الخلق والإختيار إليه ونفيه عن المخلوقين .
    إذ الإختيار يلزم أن يكون مع العلم بأحوال من يقع عليه الإختيار .. ولا يعلم غير الله تعالى جميع أحوال المختار حتّى يكون له الخيرة .
    ويستفاد هذا الملاك من تلو هذه الآية التي قالت بعد ذلك ( وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ ) (2) ، وفي هذا دلالة على أنّ من لا يعلم السرّ والجهر فلا إختيار له ، كما أفاده الشيخ الطبرسي في التفسير (3).
    وقد روى العلاّمة المجلسي (4) حديث أنس بن مالك ، عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) في تفسير هذه الآية الشريفة بقوله :
    « إنّ الله اختارني وأهل بيتي على جميع الخلق فانتجَبَنا ، فجعلني الرسول ، وجعل علي بن أبي طالب (عليه السلام) الوصيّ ، ثمّ قال : « ما كان لهم الخيرة » يعني ما جعلت للعباد أن يختاروا ، ولكنّي أختار من أشاء ، فأنا وأهل بيتي صفوة الله وخيرته من خلقه » .
(1) سورة القصص : (الآية 68) .
(2) سورة القصص : (الآية 69) .
(3) مجمع البيان : (ج7 ص263) .
(4) بحار الأنوار : (ج23 ص74 ب3 ح22) .



305
    2 ـ قوله تعالى : ( وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَات فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) (1).
    حيث يستفاد منه أنّ جاعل الإمامة هو الله تعالى ، وأنّها عهد من الله تعالى ، وأنّ هذا العهد لا ينال الظالم ، ومن المعلوم أنّ العهد يكون بين الطرفين المتعاهدين فقط دون غيرهم .. وتقديم « إنّي » في الخطاب بقوله : « إنّي جاعلك » ، لا « جعلتك » يفيد إنحصار الجعل به تعالى .
    وقد فسّر هذا العهد بالإمامة من قبل الخاصّة والعامّة ، فقد روي ذلك عن الإمامين الهمامين أبي جعفر الباقر وأبي عبدالله الصادق (عليهما السلام) ، كما فسّره بها مجاهد بن جبر المكّي من العامّة ، فيما حكاه الشيخ الطوسي في التبيان (2).
    3 ـ قوله تعالى : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الاَْرْضِ خَلِيفَةً ) (3) حيث يستفاد منه أيضاً أنّ الخلافة الإلهية تكون بجعل الله تعالى ونصبه ، وأنّ هذا الجعل من شؤون الله تعالى شأنه ، مع أنّ مقتضى نفس الإستخلاف هو أن لا يكون إلاّ من المستخلف لا من غيره .. وخليفة الربّ يلزم أن يُنصب من جانب الربّ لا من جانب الناس ، وهذا معنى ظاهر ، لا شكّ فيه ولا رادّ عليه .
    2 ـ وأمّا السنّة :
    فهي دالّة أيضاً على لزوم كون تعيين الإمام من الله الملك العلاّم ، في أحاديث مثل :
(1) سورة البقرة : (الآية 124) .
(2) تفسير التبيان : (ج1 ص448) .
(3) سورة البقرة : (الآية 30) .



306
    1 ـ حديث عبدالعزيز بن مسلم ، عن الإمام الرضا (عليه السلام) الذي ورد فيه :
    « إنّ الإمامة خلافة الله وخلافة الرسول ... فمن ذا الذي يبلغ معرفة الإمام أو يمكنه إختياره ؟! هيهات ! هيهات ! ضلّت العقول وتاهت الحلوم .. » (1).
    2 ـ حديث سعد بن عبدالله القمّي المتقدّم عن الإمام الحجّة عجّل الله تعالى فرجه (2).
    3 ـ حديث عمرو بن الأشعث قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : ونحن عنده في البيت نحو من عشرين رجلا ، فأقبل علينا وقال :
    « لعلّكم ترون أنّ هذا الأمر في الإمامة إلى الرجل منّا يضعه حيث يشاء ، والله إنّه لعهد من الله نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) إلى رجال مسمّين رجل فرجل حتّى ينتهي إلى صاحبها » (3).
    3 ـ وأمّا العقل :
    فإنّه حاكم بتعيّن نصب الإمام والخليفة والوصي ممّن هو العارف بالأفضل ومن يؤمَن في إختياره من الخطأ والزلل ، ومن له الحقّ الأكمل ، وهو البصير الخبير .
    وقد ثبت أنّ الإمامة من المناصب الإتّخاذية كالرسالة ، لا من المراتب الإدراكية كالعلم ، والعقل يحكم في هكذا منصب أن يكون جعله بيد الجاعل .
(1) اُصول الكافي : (ج1 ص198 ح1) ، وقد تقدّم تفصيله .
(2) بحار الأنوار : (ج23 ص68 ب3 ح3) ، وتقد تقدّم في ص236 من هذا الكتاب فراجع .
(3) بحار الأنوار : (ج23 ص75 ب3 ح25) .



307
    على أنّ العقل يرى بداهة لزوم تعيين إمام الشريعة من قبل صاحب تلك الشريعة ، وتعيين الخليفة من قبل نفس المستخلِف ، وتعيين الوصيّ من قبل شخص الموصي .. ولا معنى عقلا لتصدّي الغير للنصب فضولة .
    بل يقبح أن ينصب الغير أحداً إماماً ، ثمّ يسلّطه على رقاب المسلمين ، لما عرفت من وقوع الظلم والفساد وحصول التنافر والتشاجر المبغوض عند العقل والعقلاء .
    فيتعيّن أن يكون نصب الإمام والخليفة والوصي بيد الله تعالى العالم الخبير ، والقادر البصير ، والعارف بصلاح أمرهم وسبيل خيرهم .. وقد خلق الخلق ليرحمهم فينصب الأفضل الأكمل لهم .
    واللابديّة الشرعيّة والعقليّة تقضي بأنّ الله تعالى قد عيّن الإمام للخليقة ونصبه للرعيّة بواسطة نبيّه الأمين صلوات الله عليه وآله أجمعين .. شأن سائر الاُمور التي يحتاجون إليها ممّا قد بلّغ النبي إيّاها .. وإلاّ لكان الدين ناقصاً من هذه الجهة ، وحاشا الدين الكامل عن النقص الذي هو بديهي البطلان ومخالف لقول ذاته المقدّسة ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الاِْسْلاَمَ دِيناً ) (1).
    فالحقّ المحقّق هو أنّ الله تعالى قد أتمّ الحجّة البالغة وأكمل النعمة السابغة بنصب أمير المؤمنين ثمّ من بعده أولاده الأئمّة المعصومين صلوات الله عليهم وعلى اُمّهم الصدّيقة الطاهرة وعلى أبيها سيّد العترة الغرر الميامين .. كما تعرفه في الفصل الآتي .
(1) سورة المائدة : (الآية 3) .


308
    الفصل الثالث :
في بيان انحصار الإمامة في الهداة الغرر المعصومين الإثني عشر
(سلام الله عليهم أجمعين)
    بعد أن ثبت إحتياج الخلق إلى الإمام ، وثبت كون تعيينه بيد الخالق العلاّم ، فالحقيقة الحقّة التي لا يعتريها ريب ولا يدانيها شكّ ، هي انّ الذين إصطفاهم الله تعالى للإمامة ، وإختارهم للخلافة ، وعيّنهم للوصاية هم السادة الغرر الأئمّة الإثنا عشر .
    أوّلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الحسين سيّد الشهداء (عليه السلام) ، ثمّ الإمام السجّاد علي بن الحسين (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الباقر محمّد بن علي (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الصادق جعفر بن محمّد (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الكاظم موسى بن جعفر (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الرضا علي بن موسى (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الجواد محمّد بن علي (عليه السلام) ، ثمّ الإمام الهادي علي بن محمّد (عليه السلام) ، ثمّ الإمام العسكري الحسن بن علي (عليه السلام) ، ثمّ خاتمهم الإمام الثاني عشر والوليّ المنتظر الحجّة بن الحسن المهدي صلوات الله عليهم .
    وقد دلّ على ذلك الدليل القاطع والبرهان الساطع ، كتاباً وسنّةً وعقلا وإعجازاً بالبيان التالي ذكره في الأدلّة الأربعة .


309
    مضافاً إلى قاعدة السنخيّة الثابتة ، وملاحظة الحكمة البارعة ، ولزوم المسانخة بين الخليفة والمستخلف ، وبين النبي ووصيّه الذي هو قائم مقامه ..
    فالسنخيّة موجودة في جميع الأشياء ، وواضحة في الاُمور بلا خفاء ، في الأفعال والأقوال وفي كلّ مجال .
    لذلك قال الله تعالى : ( وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ ) (1).
    وقال عزّ إسمه : ( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (2).
    وهذه السنخية نحسّها بوضوح فيما نشاهدها في حياتنا الطبيعية ، والعلاقات البشرية ..
    وممّا لا شكّ فيه أنّ الذي هو مسانخ لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في ذاته وصفاته ، وعلمه وأخلاقه ، وشجاعته ونزاهته ، ومكارمه وفضائله ، واُخوّته وقرابته هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا غيره .. فهو الذي يليق بوصاية الرسول الأعظم ، ويتعيّن لخلافة النبي الأكرم ، ويجدر أن يكون سيّد الاُمم .
    وأمّا الأدلّة الأربعة على إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) فهو كما يلي :
   1 ـ دليل الكتاب :
    وقد دلّت منه آيات بيّنات ودلائل واضحات على إمامة أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب (عليه السلام) والأئمّة المعصومين من أولاده الطاهرين ، باتّفاق الفريقين ، نقطتف منها زهرة واحدة بها الكفاية والحجّة البالغة وهو قوله تعالى : ( إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ
(1) سورة النور : (الآية 26) .
(2) سورة فاطر : (الآية 10) .



310
اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1).
    وقد اتّفقت الاُمّة ولم تختلف منها الكلمة في نزول هذه الآية المباركة في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أرواحنا فداه .
    وهذه الآية الشريفة صريحة في إختصاص الإمامة الكبرى والولاية العظمى به صلوات الله عليه .
    بيان ذلك : أنّ الولي وإن اُطلق في اللغة على المحبّ والناصر والصديق وغيرها أيضاً من المعاني إلاّ أنّ المعنى الشائع المنصرف إليه هو المعنى اللغوي والعرفي المعهود فيه ، وهو مالك الأمر ، والأولى بالتصرّف ، والأحقّ بالشيء ، والذي يلي تدبير الأمر ، ومنه قولهم : وليّ اليتيم ، أي الذي يلي أمره ويقوم بكفايته ، ووليّ المرأة : أي الذي يلي عقد النكاح عليها ، وولي الدم : أي الذي له حقّ المطالبة بالقصاص ..
    وحقيقة الولاية هو معنى تولّي الأمر كما في المفردات (2).
    والمولى حقيقة في الاُولى كما في العمدة (3).
    وقال أبو عبيدة معمّر بن المثنّى في كتاب المجاز : « أنّ معنى مولاكم : أولى بكم » كما حكاه في التلخيص (4).
    وقال المبرّد في كتاب العبارة: «أصل الوليّ: الذي هو أولى أي أحقّ ، ومثله
(1) سورة المائدة : (الآية 55) .
(2) المفردات للراغب : (533) .
(3) العمدة لابن بطريق : (ص55) .
(4) تلخيص الشافي : (ج2 ص177) .