321
    ثمّ إنّه تلاحظ أخبار الغدير ونصوصه الجليلة المائة وخمسة بمسالك الإستدلال السبعة في بحار الأنوار (1) ممّا لا يبقى معها مجال لأدنى شكّ وأقلّ ريب في هذه الحقيقة التي هي أظهر من الشمس وأبين من الأمس .. بعد كلماتهم الدرّية ، وبعد إعتراف جميع البريّة من المؤالف والمخالف .
    وهذا الحديث الشريف كاف في الإستدلال مع أنّ بجنبه الأحاديث القطعيّة المتواترة الاُخرى المتّفق عليها بين الفريقين كحديث الثقلين ، وحديث المنزلة ، وحديث المواساة ، وحديث السفينة ، وحديث الأمان ، وحديث العشيرة وغيرها ممّا تلاحظها من الطريقين في غاية المرام ، وإحقاق الحقّ ، ودلائل الصدق ومجلّدات الإمامة من بحار الأنوار .
    ممّا يحصل معها القطع واليقين بإنحصار الإمامة في أهل البيت الطيّبين صلوات الله عليهم أجمعين .
    مضافاً إلى آية إطاعة اُولي الأمر النازلة في علي وأولاده المعصومين (عليهم السلام)في أحاديث الخاصّة والعامّة كما تلاحظها في غاية المرام (2).
    مع التنصيصات على إمامة الأئمّة الإثني عشر التي تلاحظها في الإرشاد للشيخ المفيد ، وإثبات الهداة للحرّ العاملي بل أسنده أحمد بن حنبل عن ابن عمر في أربعة وثلاثين طريقاً (3) وتلاحظ نصوصها في فرائد السمطين (4).
    هذا من جهة .. ومن جهة اُخرى لم يكن ولم يمكن لأحد من شيوخ
(1) بحار الأنوار : (ج37) .
(2) غاية المرام : (ص263 ـ 268 ب58 و59) .
(3) إثبات الهداة : (ج1 ص706) .
(4) فرائد السمطين : (ج2 ص213) .



322
المخالفين إقامة نصّ واحد يذكر أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عيّنهم لإمامة أو خلافة أو وصاية ..
    وعمدة ما استدلّوا به على خلافة أبي بكر هو دعوى إجماع أهل الحلّ والعقد .. لكنّه باطل من وجوه ثمانية :
    الأوّل : انّه لو كانت مشروعية الخلافة منوطة بهذا الدليل فلماذا لم يكن إجماع أهل الحلّ والعقد في خلافة عمر وعثمان أيضاً .
    الثاني : انّ الخلافة والإمامة والوصاية هي من الاُمور الإنتصابيّة كما عرفت ، لا من الاُمور الإنتخابية حتّى تتحقّق بانتخاب أهل الحلّ والعقد .
    الثالث : انّ اللازم على دعواهم أن يكون أبو بكر خليفة الناس لا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كما يدّعونه ، فنسأل أنّه : أي حجّة للناس في اتّباع من اختاروه هم بأنفسهم خليفة ؟ وهل يصير بانتخابهم خليفة للرسول ؟!
    الرابع : فرضنا حصول الإجماع بحسب دعواهم لكن نقول : إنّ من البديهي كون الإجماع على بيعة أبي بكر في كافّة بلاد المسلمين لم يحصل دفعةً واحدة .. بل لابدّ وأنّه بدأ بالآحاد الذين التفّوا حوله ثمّ تدرّج شيئاً فشيئاً إلى البلدان أطراف المدينة ، فنورد بأنّه أي شيء كان دليلا ومجوّزاً للطائفة الاُولى في إقدامهم على تلك البيعة قبل حصول إجماع مسلمي البلدان أو أهل الحلّ والعقد منهم ؟! فأيّ كتاب وأيّة سنّة جوّزت لهم ذلك ؟!
    الخامس : فرضنا تحقّق الإجماع على بيعة أبي بكر وإنتخابه .. لكن نطالب بالدليل على حجّية هذا الإجماع ؟
    لابدّ وأنّهم يدّعون كون دليل إعتباره هو ما نسبوه إلى رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله من أنّه قال : « ما كان الله ليجمع اُمّتي على ضلال » .
    لكن غير خفيّ إنّ هذا القول موضوع مجعول مختلق ، ويشهد على ذلك ما


323
يلي :
    1 ـ إنّه قد دفع صحّته جماعة من أهل النظر والإعتبار من نفس المخالفين وأنكره إمام المعتزلة وشيخها إبراهيم بن سيّار النظام ، كما حكاه الشيخ المفيد (قدس سره) (1).
    2 ـ إنّ عدم إجتماع الاُمّة على الضلال لا يصحّ إطلاقاً ، بل يندفع قطعاً بالأخبار الصحيحة المنقولة من الفريقين مثل :
    أ ) قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) :
    « لتتبعنّ سنن من كان قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتّى لو دخلوا في جُحر ضبٍّ لاتّبعتموهم . فقالوا : يارسول الله ! اليهود والنصارى ؟! قال : فمن إذاً ؟ » (2).
    ب ) قوله صلوات الله وسلامه عليه وآله في حجّة الوداع لأصحابه :
    « ألا لأعرفنّكم ترتدّون بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض ، ألا إنّي قد شهدت وغبتم » (3).
    ج ) قوله عليه وآله الصلاة والسلام :
    « إنّكم محشورون إلى الله تعالى يوم القيامة حفاة عراة ، وإنّه سيُجاء برجال من اُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : ياربّ ! أصحابي فيقال : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، إنّهم لا يزالون مرتدّين على
(1) الإفصاح : (ص47) .
(2) مسند أحمد بن حنبل : (ج2 ص511) .
(3) صحيح البخاري : (ج7 ص182) .



324
أعقابهم منذ فارقتهم » (1).
    وغيرها من الأخبار التي تصرّح بإرتداد الاُمّة وكفر بعضهم وضلالتهم ، فكيف لا يجتمعون على ضلال ؟
    وتلاحظها مفصّلة في أخبار الخاصّة الواردة في باب إفتراق الاُمّة وإرتدادهم عن الدين بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (2).
    وهذه الأخبار الحجّة عندهم تدفع أيضاً ما افتري على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال :
    « أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم » .
    فكيف يُهتدى بهم وفيهم مَن صار من أصحاب الشمال ، وارتدّ إرتداد كفر ؟!
    3 ـ تدفعه أيضاً إخبار الله تعالى عن ردّة الاُمّة بعد نبيّها في صريح قوله عزّ إسمه : ( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ ) (3).
    أي إرتددتم كفّاراً بعد إيمانكم ، فسمّي الإرتداد إنقلاباً على العقب وهو الرجوع القهقري لأنّ الردّة خروج إلى أقبح الأديان كما أنّ الإنقلاب خروج إلى أقبح ما يكون من المشي (4).
(1) صحيح مسلم : (ج4 ص58) .
(2) بحار الأنوار : (ج28 ص2 ب1 الأحاديث) .
(3) سورة آل عمران : (الآية 144) .
(4) مجمع البيان : (ج2 ص514) .



325
    ولا يخفى أنّ الإستفهام في المقام إنكاري متضمّن للإخبار كما صرّح به في مجمع البيان ، ويستفاد أيضاً من حديث ابن أبي المقدام في البرهان (1).
    السادس : أنّه كيف تحقّق الإجماع مع إنكار صفوة المسلمين وأرحام الرسول الأمين يعني بني هاشم ، ومخالفة الأنصار ، وخلاف وجوه الأصحاب كسلمان الفارسي ، وأبي ذرّ الغفاري ، والمقداد بن الأسود ، وعمّار بن ياسر ، وبريدة الأسلمي ، والزبير بن العوّام ، وخالد بن سعيد بن العاص ، وحذيفة بن اليمان ، واُبي بن كعب ، وخزيمة بن ثابت ذي الشهادتين ، وأبي الهيثم بن التيهان ، وسهل بن حنيف ، وأخيه عثمان بن حنيف ، وجابر بن عبدالله الأنصاري ، وأبي أيّوب الأنصاري ، وقيس بن سعد بن عبادة ، وغيرهم ، مع عدم حضور الجمع الكثير والجمّ الغفير من المهاجرين والأنصار الذين كانوا قد خرجوا مع جيش اُسامة .. خصوصاً مع قول ابن سعد في كتاب الطبقات أنّه لم يبق أحد من وجوه المهاجرين الأوّلين والأنصار إلاّ انتدب في تلك الغزوة (2).
    فكيف يتحقّق الإجماع مع مخالفة هؤلاء وإنكارهم أو عدم حضورهم ..
    مع أنّ الإجماع عند أكثر متقدّميهم كالقاضي عبدالجبّار المعتزلي وإمام الحرمين الجويني وأبي حامد الغزالي ، هو اتّفاق اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، كما حكاه في حقّ اليقين (3).
    السابع : أنّه ليس فقط لم يتحقّق إجماع الاُمّة بل لم يتحقّق إختيار أهل الحلّ والعقد ، بل لم يكن التعيين إلاّ من الجماعة التي حضرت السقيفة ، ثمّ أخذت البيعة
(1) تفسير البرهان : (ج1 ص197) .
(2) أعيان الشيعة : (ج1 ص346) .
(3) حقّ اليقين : (ج1 ص142) .



326
من الناس لأبي بكر بالقهر والغلبة ، والسوط والسيف .. مع تهديد « من لم يبايع ضربت عنقه » فهل هذا هو الإجماع ؟!
    الثامن : أنّه حتّى نفس شيخ السقيفة الذي حمل السيف وأخذ البيعة إعترف بعدم الإجماع في بيعة أبي بكر ووقوعها فلتة (1) ، في قوله : « كانت بيعة أبي بكر فلتة وقى الله المسلمين شرّها ، فمن عاد لمثلها فاقتلوه » ، كما اعترف به جمع من أكابرهم كالبخاري في صحيحه ، وأحمد في مسنده ، والطبري في تاريخه ، وابن الأثير في كامله ، وابن هشام في سيرته ، وابن أبي الحديد في شرحه (2).
    فالحقيقة المكشوفة أنّ شيخ السقيفة وأعوانه هم الذين عيّنوا في مقابل الله خليفةً لرسول الله وجعلوا الخلافة فيمن اعترف هو بنفسه بعدم لياقته في قوله : « أقيلوني ، أقيلوني لست بخيركم وعليّ فيكم » كما صرّح بكلامه هذا ابن حجر في الصواعق ، وابن قتيبة في الإمامة والسياسة ، والطبري في الرياض ، والمتّقي في الكنز (3).
    وعلى الجملة ; لم يكن أي دليل ولو بعنوان جزئي على أدنى إستحقاق في تصدّي الخلافة ممّن تصدّاها ظلماً .
    مضافاً إلى أنّه لا مجال لها أساساً بصريح قوله تعالى : ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي
(1) الفلتة : هي الأمر الفجأة من غير تدبّر ولا رويّة .
(2) صحيح البخاري : (ج10 ص44) ، ومسند أحمد : (ج1 ص55) ، وتاريخ الطبري : (ج3 ص200) ، وتاصيخ ابن الأثير : (ج2 ص135) ، وسيرة ابن هشام : (ج4 ص338) ، وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : (ج2 ص26) .
(3) الصواعق المحرقة : (ص30) ، والإمامة والسياسة : (ص14) ، والرياض النضرة : (ج1 ص175) ، وكنز العمّال : (ج3 ص132) .



327
الظَّالِمِينَ ) (1) فليست هذه الخلافة من الله في شيء .. ولا من رسول الله في موضع .. ولم يرض بها الخليفة الحقّ ، وأهل بيت العصمة ، بل استنكروها أبلغ إنكار عند وفاة الرسول وبعد الوفاة ويوم الشورى وأيّام عثمان ويوم الرُحبة ويوم صفّين ويوم الجمل وغيرها ممّا تلاحظها مع إحتجاج بني علي وبني هاشم والأصحاب ، بأحاديث الفريقين في كتاب الغدير (2) ، وبأحاديثنا في كتاب الإحتجاج (3) ، ويكفيك في ذلك خطبته الشقشقية المعروفة (4).
    3 ـ دليل العقل
    العقل يحكم بقبح تقديم المفضول ، ولزوم تقديم الأفضل ، حتّى لا يلزم خفض وإنحطاط لمرتبة الفضل والفضيلة والسداد .
    ومن الواضح عدم استواء مرتبة من يعلم ومن لا يعلم ، وأنّ العقل حاكم بتقديم الأعلم ..
    ومعلوم أنّ الأفضل والأعلم واللائق للإمامة بحكم العقل والعقلاء وباعتراف الخصماء هو علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
    سُئل الخليل بن أحمد الفراهيدي : ما الدليل على أنّ عليّاً إمام الكلّ في الكلّ ؟
(1) سورة البقرة : (الآية 124) .
(2) الغدير : (ج1 ص159) .
(3) الإحتجاج : (ج1 ص157) .
(4) نهج البلاغة : (ص25 من الطبعة المصرية الخطبة3) .



328
    فأجاب : لإحتياج الكلّ إليه ، واستغنائه عن الكلّ (1).
    وهذه الأفضليّة ثابتة لجميع الأئمّة من أهل البيت فإنّهم ورثوا العلم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولم يأخذوا العلم من أحد ، ولم يحتاجوا إلى أحد ، وفاقوا جميع الخلق وكانوا أفضل الخليقة فيحكم العقل بتقديمهم ولزوم إمامتهم .. بالإضافة إلى النصوص المستفيضة في إمامتهم .
    وقد استقصى العلم العلاّمة أعلى الله مقامه ، الأدلّة العقليّة على إمامة أمير المؤمنين في كتاب الألفين ، فلاحظ .
    4 ـ دليل الإعجاز
    كما كانت المعاجز من أدلّة صدق النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ومن قبله من الأنبياء والمرسلين ، كذلك تكون من أدلّة إمامة الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) .
    فإنّهم سلام الله عليهم أخبروا بإمامتهم ووصايتهم عن الله تعالى مقروناً بمعاجزهم الساطعة وآياتهم اللامعة التي هي شواهد قطعيّة ، ودلائل وجدانية على صدق كلامهم ، وصحّة إمامتهم ، وحقيقة إنتصابهم من قبل ربّهم .. وإلاّ لم يكونوا قادرين على إتيان ما لم يقدر عليه إلاّ ربّ العالمين .. ولمّا كانوا مؤيّدين بالآيات التي تكشف عن كونها من آيات الحقّ المبين .
    وقد جُمعت تلك المعجزات الباهرات في الأجزاء الثلاثة من كتاب إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات للمحدّث الحرّ العاملي ، وكتاب مدينة المعاجز للسيّد البحراني ، وكتاب الثاقب في المناقب للفقيه ابن حمزة الطوسي ، والمجلّد الحادي والأربعين والثاني والأربعين من بحار الأنوار لشيخ الإسلام المجلسي ..
(1) تنقيح المقال : (ج1 ص403) .


329
    ونحن نختار منها ونتشرّف عندها بالإشارة الموجزة إلى بعض معجزات سيّد العترة وأبي الأئمّة سيّد الوصيّين وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب سلام الله عليه وعلى أبنائه الكرام ..
    من ذلك ما ظهر حين ولادته في الكعبة المعظّمة حيث سجد على الأرض وهو يقول :
    « أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله وأشهد أنّ عليّاً وصي محمّد رسول الله وبمحمّد يختم الله النبوّة ، وبي يُتِمُّ الوصيّة وأنا أمير المؤمنين » .
    ثمّ حينما خرج من الكعبة المشرّفة وأخذه والده أبو طالب (عليه السلام) ثمّ أخذ بيد اُمّه فاطمة بنت أسد (عليها السلام) وخرج إلى الأبطح اُلقي إلى أبي طالب (عليه السلام) لوح أخضر مكتوب فيه هذان البيتان :

خُصّصتُمـا بالوَلَد الزكيِّ      والطاهــر المنتجب الوصيِّ
فاسمُهُ من شامخ عليِّ      علــيٌّ اشتُقَّ مِــنَ العليِّ

    ومن ذلك مظهر الإعجاز في نفس بدنه المقدّس بما منحه الله تعالى من القوّة الإلهيّة والقدرة الربّانية .. ويكفي في ذلك ما ظهر منه في يوم خيبر حيث ضَرَب (عليه السلام) بسيفه مرحَب على رأسه بما فيها العمامة والخوذة وما عليه من الجوشن والحِلَق من قُدّام وخلف حتّى قدّها بنصفين تماماً ..
    ثمّ حمل بعده على اليهود فانهزموا إلى حصن قموص ، وأغلقوا على أنفسهم الباب ، فتقدّم علي (عليه السلام) إلى باب الحصن وهزّ الباب فارتعد الحصن حتّى ظنّوا وقوع زلزلة ، ثمّ هزّه اُخرى فقَلَعه ورمى به في الهواء أربعين ذراعاً ، ثمّ حمله واقتحم الحصن ، وتترّس بالباب وضارَبَ الأقران حتّى غلب عليهم .. ثمّ جعله جسراً على الخندق الذي كان قد حفره اليهود فعبر عليه عسكر المسلمين وكانوا


330
ثمانية آلاف وسبع مئة رجل ، وحيث كان طول ذلك الباب أقلّ من عَرض الخندق جَعَل علي (عليه السلام) أحد جانبي الباب على حافّة الخندق والجانب الآخر على يده ليعبر عليه المسلمون إلى الحصن ..
    فقال أحد الصحابة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ما عجبنا يارسول الله من قوّته في حمله ورميه وإتراسه وإنّما عجبنا من جعله جسراً وإحدى طرفيه على يده . فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ياهذا ! نظرتَ إلى يده ، فانظُر إلى رجليه .. فوجدهما معلّقتين في الهواء .
    فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ليستا على الهواء ، وإنّما هما على جناحي جبرئيل .
    علماً بأنّ ذلك الباب كان أربعة أذرع في خمسة أشبار في أربع أصابع عمقاً حَجَراً صلداً ، وكان لا يقدر على غلقه إلاّ عشرون رجلا منهم .
    ومن ذلك ما ظهر من إعجازه في الأشياء مثل :
    آيته في إحياء الموتى كشمعون بن حمّون وصي عيسى بن مريم وتسليمه على الإمام علي (عليه السلام) في صفّين بقوله الذي سمعه الأصحاب : « السلام عليك ياأمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته ، مرحباً بوصي خاتم النبيّين ، وقائد الغرّ المحجّلين ، والعالم المؤمن ، والفاضل الفائق ، ميراث الصدّيقين ، وسيّد الوصيّين » .
    وكذلك إحياؤه بإذن الله تعالى امرأةً قتلت في محبّته تسمّى اُمّ فروة ، فذهب (عليه السلام) إلى قبرها وقال : « ياأمة الله ! قومي بإذن الله تعالى » فخرجت اُمّ فروة من القبر ورُدّت إلى زوجها ووَلدت بعد ذلك غلامين ، وعاشت إلى ما بعد شهادة أمير المؤمنين (عليه السلام) بستّة أشهر ..
    وكذلك تكلّمه مع جُمجمة ميّت في أرض بابل وسؤاله منها : من أنت ؟ فأجابت : أنا فلان بن فلان ملك بلد فلان .. وقصّت خبرها .