391
يوم المعاد
    المعاد بمعنى المصير والمرجع ، وهو في الأصل اللغوي مَفْعَل أي مَعْوَد .. مأخوذ من العَود ، ويطلق لغة على المعنى المصدري يعني العَود والرجوع ، وعلى زمان العود فيكون إسم زمان ، كما يطلق على مكان العود فيكون إسم مكان .
    هذا إشتقاقاً وإطلاقاً ، وأمّا تعريفاً فقد عرّفه الشيخ الطريحي بأنّه هو : « بعث الأجسام البشرية وتعلّق أنفسها بها للنفع والإنتصاف والجزاء » (1).
    وعرّفه الفاضل المقداد بأنّه هو : « الوجود الثاني للأشخاص الإنسانية بعد موتها لأخذ الحقّ منها أو إيفائه » (2).
    فالمعاد إذاً هو إعادة جسد الإنسان بروحه وبعثه في القيامة ـ ذلك اليوم الرهيب ـ يوم الحساب العدل والخلود الفصل .
    والإعتقاد بهذا اليوم الأعظم من العقائد الحقّة الأصيلة المهذِّبة للنفوس البشرية ، قال شيخنا الصدوق : « إعتقادنا في البعث أنّه حقّ » (3).
    وقال العلاّمة الحلّي في محكي كتاب أنوار الملكوت الذي هو شرح كتاب الياقوت لأبي إسحاق إبراهيم النوبختي الذي هو من قدماء المتكلّمين ، كما حكاه
(1) مجمع البحرين : (ص319) .
(2) الإرشاد : (ص385) .
(3) إعتقادات الصدوق : (ص64) .



392
في حقّ اليقين : « اتّفق المسلمون على إعادة الأجساد خلافاً للفلاسفة » (1).
    وقال المحقّق الدواني في محكي شرح العقائد العضدية كما حكاه في حقّ اليقين : « والمعاد ـ أي المعاد الجسماني ـ فإنّه المتبادر من إطلاق أهل الشرع إذ هو الذي يجب الإعتقاد به ويكفر من أنكره .. حقّ بإجماع أهل الملل الثلاثة » (2).
    وقال شيخ الإسلام المجلسي رضوان الله تعالى عليه :
    « اعلم أنّ القول بالمعاد الجسماني ممّا اتّفق عليه جميع الملّيين وهو من ضروريات الدين ، ومنكره خارج عن عداد المسلمين ، والآيات الكريمة في ذلك ناصّة لا يعقل تأويلها ، والأخبار فيه متواترة لا يمكن ردّها ولا الطعن فيها ، وقد نفاه أكثر ملاحدة الفلاسفة تمسّكاً بامتناع إعادة المعدوم ، ولم يقيموا دليلا عليه ، بل تمسّكوا تارةً بادّعاء البداهة ، واُخرى بشبهات واهية لا يخفى ضعفها على من نظر فيها بعين البصيرة واليقين وترك تقليد الملحدين من المتفلسفين » (3).
    وقال السيّد الشبّر : « القول بالمعاد الجسماني والروحاني معاً أقوى المذاهب ، وهو الذي دلّت عليه الآيات القرآنية والأحاديث المعصومية وأيّدته المؤيّدات العقلية حيث إنّ الكاسب للطاعات والمعاصي البدن والروح معاً فينبغي عودهما معاً » (4).
    هذا ، والأدلّة القطعيّة والبراهين الجليّة متّفقة في إثبات هذا الأصل الأصيل والأمر الجليل بالكتاب والسنّة والإجماع والعقل ممّا يوجب العلم واليقين لكلّ
(1) حقّ اليقين : (ج2 ص36) .
(2) حقّ اليقين : (ج2 ص37) .
(3) بحار الأنوار : (ج7 ص47) .
(4) حقّ اليقين : (ج2 ص38) .



393
عاقل مستبين .. بل وضوح معناه العرفي وتطابق الأدلّة على عود الروح والبدن يقتضي ضروريته ، والأدلّة هي :
    1 ـ دليل الكتاب :
    ما أكثر الآيات القرآنية والحكم الربّانية في بيان يوم القيامة وشؤون يوم الطامّة حتّى قال بعض أهل المعرفة : إنّها تقارب ألف آية كريمة وإشارة قيّمة .
    وقد أحصاها العلاّمة المجلسي (قدس سره) في أبواب متعدّدة من كتاب العدل والمعاد في المجلّد السابع من بحار الأنوار ، فلاحظ .
    ويكفيك تصديقاً وتأكيداً وتهويلا من الآيات الشريفة المبيّنة للمعاد الآيتان الأوّلتان من سورة الحجّ المباركة ، قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَة عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْل حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ ) (1).
    وتلاحظ لمزيد البيان تفسير القرآن بالنسبة إلى هاتين الآيتين في البرهان (2) ، والصافي (3) ، وكنز الدقائق (4).
    وحسبك دليلا من القرآن الكريم على المعاد بالجسم بالإضافة إلى الروح :
    1 ـ قوله تعالى : ( وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي
(1) سورة الحجّ : (الآيتان 1 و2) .
(2) تفسير البرهان : (ج2 ص698) .
(3) تفسير الصافي : (ج3 ص361) .
(4) تفسير كنز الدقائق : (ج9 ص41) .



394
أَنطَقَ كُلَّ شَيْء ) (1) ، والآية صريحة في بعثة الجلود .
    2 ـ قوله عزّ إسمه : ( قَالَ مَنْ يُحْىِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة وَهُوَ بِكُلِّ خَلْق عَلِيمٌ ) (2) ، وهي صريحة في إحياء العظام .
    3 ـ قوله جلّ وعلا : ( يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (3) ، وهي صريحة في بعثة الأبدان بألسنتهم والأيدي والأرجل .
    4 ـ قوله جلّ شأنه : ( أَيَحْسَبُ الاِْنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ * بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّىَ بَنَانَهُ ) (4) حيث يستفاد إعادة جزئيات الإنسان كالبنان ، وهي الأنامل .
    فليس المعاد بالروح فقط بل بالروح والجسد .
    2 ـ دليل السنّة :
    السنّة المحمّدية غنيّة بالأخبار المعصومية ومتواترة بالأحاديث العلمية التي تفيد اليقين بيوم الدين وتبيّن تفاصيل حشر العالمين ، بل تبيّن مصير الإنسان من يوم موته إلى غاية عاقبته من الجنّة أو النار .
    كما تلاحظ ذلك في الإحتجاج (5) ، والبحار (6) ، ومعالم الزلفى (7).
    وتلاحظ دراسة نموذج من تلك الدرر الغوالي في أحاديث النبي وأهل
(1) سورة فصلت : (الآية 21) .
(2) سورة يس : (الآيتان 78 و79) .
(3) سورة النور : (الآية 24) .
(4) سورة القيامة : (الآية 3 و4) .
(5) الإحتجاج : (ج2 ص97) .
(6) بحار الأنوار : (ج7 أبواب المعاد) .
(7) معالم الزلفى : (ص134 الجملة الرابعة) .



395
البيت (عليهم السلام) فيما يلي :
    1 ـ خطبة أمير المؤمنين (عليه السلام) المعروفة بالغرّاء وقد ورد فيها :
    « حتّى إذا تصرّمت الاُمور ، وتقضّت الدهور ، وأزف النشور أخرجهم من ضرائح القبور ، وأوكار الطيور ، وأوجرة السباع ، ومطارح المهالك سراعاً إلى أمره ، مهطعين إلى معاده » (1).
    2 ـ حديث الإحتجاج عن الإمام الصادق (عليه السلام) في جواب المسائل :
    « ... قال : أفتتلاشى الروح بعد خروجه عن قالبه أم هو باق ؟
    قال (عليه السلام) : بل هو باق إلى وقت ينفخ في الصور ، فعند ذلك تبطل الأشياء ، وتفنى فلا حسّ ولا محسوس ، ثمّ اُعيدت الأشياء ، كما بدأها مدبّرها ، وذلك أربعمائة سنة يسبُت (2) فيها الخلق ، وذلك بين النفختين .
    قال : وأنّى له بالبعث والبدن قد بلى ، والأعضاء قد تفرّقت ! فعضو ببلدة يأكلها سباعها ، وعضو باُخرى تمزّقه هوامها ، وعضو قد صار تراباً بُني به مع الطين حائط ؟
    قال (عليه السلام) : إنّ الذي أنشأه من غير شيء ، وصوّره على غير مثال كان سبق إليه ، قادر أن يعيده كما بدأه .
    قال : أوضح لي ذلك ?
    قال (عليه السلام) : إنّ الروح مقيمة في مكانها ، روح المحسن في ضياء وفسحة ، وروح المسيء في ضيق وظلمة ، والبدن يصير تراباً كما منه خُلق ،
(1) نهج البلاغة : (الخطبة 83) .
(2) من السُبات ، وهو النوم .



396
وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها ، ممّا أكلته ومزّقته ، كلّ ذلك في التراب ، محفوظ عند من لا يعزب عنه مثقال ذرّة في ظلمات الأرض ، ويعلم عدد الأشياء ووزنها ، وإنّ تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب ، فإذا كان حين البعث مطرت الأرض مطر النشور ، فتربو الأرض ثمّ تمخّضوا مخض السقاء ، فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل بالماء ، والزبد من اللبن إذا مخض ، فيجتمع تراب كلّ قالب إلى قالبه ، فينتقل بإذن الله القادر إلى حيث الروح ، فتعود الصور بإذن المصوّر كهيئتها ، وتلج الروح فيها ، فإذا قد استوى لا ينكر من نفسه شيئاً ... » (1).
    3 ـ حديث جامع الأخبار : إنّ فاطمة صلوات الله عليها قالت لأبيها : ياأبت أخبرني كيف يكون الناس يوم القيامة ؟
    قال (صلى الله عليه وآله وسلم) :
    « يافاطمة ! يشغلون فلا ينظر أحد إلى أحد ، ولا والد إلى الولد ولا ولد إلى اُمّه ; قالت : هل يكون عليهم أكفان إذا خرجوا من القبور ؟
    قال : يافاطمة ؟ تبلى الأكفان وتبقى الأبدان ، تستر عورة المؤمن ، وتبدى عورة الكافرين .
    قالت : ياأبت ! ما يستر المؤمنين ؟
    قال : نور يتلألأ لا يبصرون أجسادهم من النور ، قالت : ياأبت ! فأين ألقاك يوم القيامة ، قال : انظري عند الميزان وأنا اُنادي : ربّ أرجح من شهد أن لا إله إلاّ الله ، وانظري عند الدواوين إذا نشرت الصحف وأنا
(1) الإحتجاج : (ج2 ص97 ـ 98) .


397
اُنادي : ربّ ! حاسب اُمّتي حساباً يسيراً ، وانظري عند مقام شفاعتي على جسر جهنّم ، كلّ إنسان يشتغل بنفسه وأنا مشتغل باُمّتي اُنادي : ياربّ ! سلّم اُمّتي ، والنبيّون (عليهم السلام) حولي ينادون : ربّ ! سلّم اُمّة محمّد (صلى الله عليه وآله) .
    وقال (عليه السلام) : إنّ الله يحاسب كلّ خلق إلاّ من أشرك بالله فإنّه لا يحاسب ويؤمر به إلى النار » (1).
    4 ـ حديث ابن مسعود قال : كنت جالساً عند أمير المؤمنين (عليه السلام) فقال :
    « إنّ في القيامة لخمسين موقفاً كلّ موقف ألف سنة ، فأوّل موقف خرج (2) من قبره حبسوا ألف سنة عراة حفاة جياعاً عطاشاً ، فمن خرج من قبره مؤمناً بربّه ومؤمناً بجنّته وناره ومؤمناً بالبعث والحساب والقيامة مقرّاً بالله مصدّقاً بنبيّه (صلى الله عليه وآله) وبما جاء من عند الله عزّوجلّ نجا من الجوع والعطش ، قال الله تعالى : ( فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ) (3) من القبور إلى الموقف اُمماً ، كلّ اُمّة مع إمامهم » إلى آخر الحديث الشريف (4).
    5 ـ حديث حفص بن غياث قال : قال أبو عبدالله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) :
    « ألا فحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا ، فإنّ في القيامة خمسين
(1) بحار الأنوار : (ج7 ص110 ب5 ح41) .
(2) هكذا ورد في البحار وفي مصدر الحديث وهو جامع الأخبار ولعلّ الأصل خرجوا من قبورهم .
(3) سورة النبأ : (الآية 18) .
(4) بحار الأنوار : (ج7 ص111 ب5 ح42) .



398
موقفاً كلّ موقف مثل ألف سنة ممّا تعدّون ، ثمّ تلا هذه الآية : ( فِي يَوْم كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة ) (1) » (2).
    6 ـ حديث ثوير بن أبي فاخته ، عن علي بن الحسين (عليهما السلام) قال : سئل عن النفختين : كم بينهما ؟ قال : ما شاء الله ، فقيل له : فأخبرني يابن رسول الله كيف ينفخ فيه ؟ فقال :
    « أمّا النفخة الاُولى فإنّ الله يأمر اسرافيل فيهبط إلى الدنيا ومعه الصور ، والصور رأس واحد وطرفان وبين طرف كلّ رأس منهما ما بين السماء والأرض ، فإذا رأت الملائكة إسرافيل هبط إلى الدنيا ومعه الصور ، قالت : قد أذن الله في موت أهل الأرض وفي موت أهل السماء ، قال : فيهبط إسرافيل بحظيرة بيت المقدس ويستقبل الكعبة فإذا رأوه أهل الأرض قالوا : قد أذن الله في موت أهل الأرض ، قال : فينفخ فيه نفخة فيخرج الصوت من الطرف الذي يلي الأرض فلا يبقى في الأرض ذو روح إلاّ صعق ومات ، ويخرج الصوت من الطرف الذي يلي السماء فلا يبقى ذو روح في السماوات إلاّ صعق ومات إلاّ إسرافيل ، قال : فيقول الله لإسرافيل : ياإسرافيل ! مُت ، فيموت إسرافيل ، فيمكثون في ذلك ما شاء الله ، ثمّ يأمر الله السماوات أن تمور ويأمر الجبال فتسير وهو قوله : ( يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْراً * وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً ) (3) يعني تنبسط وتبدّل الأرض غير الأرض يعني
(1) سورة المعارج : (الآية 4) .
(2) بحار الأنوار : (ج7 ص126 ب6 ح3) .
(3) سورة الطور : (الآيتان 9 و10) .



399
بأرض لم تكتسب عليها الذنوب ، بارزة ليس عليها جبال ولا نبات كما دحاها أوّل مرّة ، ويعيد عرشه على الماء كما كان أوّل مرّة ، مستقلا بعظمته وقدرته .
    قال : فعند ذلك ينادي الجبّار جلّ جلاله بصوت من قبله جهوري يُسمع أقطار السماوات والأرضين : ( لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ) (1) فلا يجيبه مجيب فعند ذلك يجيب الجبّار ـ وفي نسخة : يقول الجبّار ـ لنفسه ( للهِِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ ) (2) وأنا قهرت الخلائق كلّهم إنّى أنا الله لا إله إلاّ أنا وحدي لا شريك لي ولا وزير وأنا خلقت خلقي بيدي وأنا أمتّهم بمشيتي وأنا اُحييهم بقدرتي ، قال : فينفخ الجبّار نفخة في الصور فيخرج الصوت من أحد طرفيه الذي يلي السماوات فلا يبقى أحد في السماوات إلاّ حَيي وقام كما كان ، ويعود حملة العرش وتحضر الجنّة والنار وتحشر الخلائق للحساب . قال : فرأيت علي ابن الحسين (عليهما السلام) يبكي عند ذلك بكاءاً شديداً » (3).
    3 ـ دليل الإجماع : مضافاً إلى دليل الكتاب القطعي والحديث العلمي دلّت الإجماعات الجليّة بل إجماع جميع الفرق المِليّة على تحقّق يوم المعاد وجزاء جميع العباد .
    بل هو ضروري من ضروريات الدين وبديهيات الشرع المبين بحيث
(1) سورة غافر : (الآية 16) .
(2) سورة غافر : (الآية 16) .
(3) معالم الزلفى : (ص135 ب6 ح1) ، عن تفسير القمّي : (ج2 ص252) .



400
يوجب العلم واليقين كما عرفت ذلك من كلمات العلاّمة الحلّي في محكي أنوار الملكوت ، وشيخ الإسلام المجلسي في سابع البحار ، والمحقّق الدواني في شرح العقائد .
    4 ـ دليل العقل :
    بالإضافة إلى الأدلّة المتقدّمة يحكم العقل السليم والنظر المستقيم بتحقّق يوم المعاد لحساب العباد ، وذلك لوجوه عديدة :
    أوّلا : أنّ الكون كما نراه ونجده مبني على أساس العدل ونظام العدالة ، وبالعدل قامت السماوات والأرض ، وما من خلل يخالف العدل إذا وقع في الكون إلاّ وظهرت مساويه وبدت مفاسده .
    على هذا النظام يُلزم العقل باستقرار العدل بمعاقبة المجرم ، وإثابة المحسن .
    ولا تحصل هذه الحقيقة ولا يتحقّق هذا الحقّ في هذا العالم بالبداهة .. فلابدّ وأن يتشكّل عالم يُقضى فيه بالعدل ويُحكم فيه بالإنصاف ، فينتصف من الظالم وينتصر للمظلوم ، ولولاه لذهبت حقوق العباد ولضاعت الدماء بالفساد ، وهو ظلم لا يقبله العقل في جزء حقير وزمان يسير في هذا الكون ـ فكيف بمرّ الأجيال في الأزمنة الطوال ـ على ظهر جميع الأرض البسيطة وبالنسبة إلى جميع الخلق والخليقة .
    لذلك يحكم العقل على أساس العدل بتحقّق يوم الفصل .
    ثانياً : إنّ الحكمة الإلهية البالغة تقضي بيوم المعاد ومجازاة العباد ، وإلاّ لكان التكليف عبثاً وكان إرسال الأنبياء لغواً وكان الوعد والوعيد باطلا .