461
(9) ـ الأعمال
    بالإضافة إلى أنّ أعمال العباد برمّتها ورُمّتهم محفوظة عند الله تعالى الذي لا يغيب عنه مثقال ذرّة في السماوات والأرض ، وكفى بالله شهيداً ..
    ومضافاً إلى أنّ جميع الأفعال مشهودة منظورة قامت عليها شهادة العدل المعصوم كما قال عزّ إسمه : ( لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) (1).
    ومضافاً إلى رقابة الملائكة الموكّلين كما قال تعالى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْل إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (2).
    فضلا عن هذا توفّى جميع أعمال وأقوال ونوايا الخلق ضمن أسناد موثوقة لا يتطرّق إليها خلل ولا زلل .
    فتوفّى الأعمال بإحدى الطرق التالية :
    1 ـ تطاير الكتب :
    قال عزّ إسمه : ( وَكُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
(1) سورة الحجّ : (الآية 78) .
(2) سورة ق : (الآية 18) .



462
كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً * اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً ) (1).
    2 ـ إعطاء الصحف :
    قال عزّ شأنه : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً * وَأَمَّا مَنْ أُوتِىَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً * وَيَصْلَى سَعِيراً ) (2).
    3 ـ إنطاق الجوارح :
    قال جلّ وعلا : ( الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) (3).
    فالكتاب العزيز صريح في بيان موافاة الأعمال ، كما وأنّ السنّة الشريفة أيضاً ناطقة بذلك في أحاديث متعدّدة تلاحظها في بحار الأنوار وقد ذكر في بابه إثنين وعشرين حديثاً ، منها ما يلي :
    1 ـ رواية أبي الجارود ، عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في قوله : ( وَكُلَّ إِنسَان أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ ) (4) يقول :
    « خيره وشرّه معه حيث كان لا يستطيع فراقه حتّى يعطى كتابه يوم
(1) سورة الإسراء : (الآيتان 13 و14) .
(2) سورة الإنشقاق : (الآيات 7 ـ 12) .
(3) سورة يس : (الآية 65) .
(4) سورة الإسراء : (الآية 13) .



463
    القيامة بما عمل » (1).
    2 ـ حديث القمّي في تفسير آية : ( حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) (2) قال إنّها نزلت في قوم يعرض عليهم أعمالهم فينكرونها فيقولون : ما عملنا منها شيئاً ، فيشهد عليهم الملائكة الذين كتبوا عليهم أعمالهم ، قال الإمام الصادق (عليه السلام) :
    « فيقولون لله : ياربّ هؤلاء ملائكتك يشهدون لك ، ثمّ يحلفون بالله ما فعلوا من ذلك شيئاً ، وهو قول الله : ( يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ ) (3) وهم الذين غصبوا أمير المؤمنين ، فعند ذلك يختم الله على ألسنتهم وينطق جوارحهم فيشهد السمع بما سمع ممّا حرّم الله ، ويشهد البصر بما نظر به إلى ما حرّم الله ، وتشهد اليدان بما أخذتا ، وتشهد الرجلان بما سعَتا ممّا حرّم الله ، وتشهد الفرج بما ارتكبت ممّا حرّم الله ، ثمّ أنطق الله ألسنتهم فيقولون هم لجلودهم : ( لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا ) فيقولون : ( أَنطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْء وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّة وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ ) (4) أي من الله ( أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ ) والجلود والفروج ( وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ ) (5) » (6).
(1) بحار الأنوار : (ج7 ص312 ب16 ح1) .
(2) سورة فصلت : (الآية 20) .
(3) سورة المجادلة : (الآية 18) .
(4) سورة فصلت : (الآيتان 21 و22) .
(5) سورة فصلت : (الآية 22) .
(6) بحار الأنوار : (ج7 ص312 ـ 313 ب16 ح4) .



464
    3 ـ حديث أبي معمّر السعدي قال : قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) في صفة يوم القيامة :
    « يجتمعون في موطن يستنطق فيه جميع الخلق فلا يتكلّم أحد إلاّ من أذن له الرحمن وقال صواباً ، فيقام الرُسل فيسأل فذلك قوله لمحمّد (صلى الله عليه وآله) : ( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً ) (1) وهو الشهيد على الشهداء ، والشهداء هم الرسل (عليهم السلام) » (2).
    4 ـ حديث خالد بن يحيى (نجيح ظ) ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في قوله : ( اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ ) (3).
    قال :
    « يذكّر العبد جميع ما عمل وما كتب عليه حتّى كأنّه فعله تلك الساعة ، فلذلك قوله : ( يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا ) (4) » (5).
    5 ـ حديث معاوية بن وهب قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول :
    « إذا تاب العبد توبة نصوحاً أحبّه الله فستر عليه في الدنيا والآخرة ، فقلت : كيف يستر عليه ؟ قال : يُنسي ملكيه ما كتبا عليه من الذنوب ، ويوحي إلى جوارحه : اكتمي عليه ذنوبه ، ويوحي إلى بقاع الأرض :
(1) سورة النساء : (الآية 41) .
(2) بحار الأنوار : (ج7 ص313 ب16 ح5) .
(3) سورة الإسراء : (الآية 14) .
(4) سورة الكهف : (الآية 49) .
(5) بحار الأنوار : (ج7 ص314 ـ 315 ب16 ح9) .



465
اكتمي عليه ما كان يعمل عليك من الذنوب ; فيلقى الله حين يلقاه وليس شيء يشهد عليه بشيء من الذنوب » (1).
(1) بحار الأنوار : (ج7 ص317 ـ 318 ب16 ح12) .


466
(10) ـ الوسيلة
    الوسيلة في أصل اللغة بمعنى ما يُتقرّب ويُتوصّل به إلى الشيء برغبة ، وهي أخصّ من الوصيلة ، لتضمّن الوسيلة معنى الرغبة كما يستفاد من المفردات (1).
    قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ) (2) أي القربه إلى الله تعالى كما في المجمع (3).
    ورسول الله وأهل بيته سلام الله عليهم هم الوسيلة إلى الله والوُصلة إلى عفوه ، كما في المرآة (4).
    والوسيلة في الآخرة التي وعد الله تعالى بها نبيّه (صلى الله عليه وآله) ، هو المقام المحمود .. أعلى درجة في الجنّة ، ونهاية غاية الاُمنيّة ، وذروة ذوائب الزلفة ، لها ألف مرقاة مُشرفة على الجنان كلّها ، ورسول الله قاعد يومئذ عليها وقد أشرق بنوره الموقف ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) في الدرجة الرفيعة عنده ، والأنبياء والرسل على المراقي ، كما في حديث المرآة (5).
(1) مفردات الراغب : (ص525) .
(2) سورة المائدة : (الآية 35) .
(3) مجمع البحرين : (ص500) .
(4) مرآة الأنوار : (ص220) .
(5) مرآة الأنوار : (ص220) .



467
    ففي ذلك اليوم الرهيب والمشهد العجيب يظهر من منزلة النبي وأهل بيته صلوات الله عليهم ما يُبهر العقول ولا تدركه الأفكار من حيث كرامة الله لهم ، وتسليم لواء الحمد إليهم ، وبلوغ المقام المحمود منهم ، وإرتياد كوثرهم ، ونيل شفاعتهم وغيرها ..
    قال في حقّ اليقين : « وقد تواترت بذلك الأخبار من طرق العامّة والخاصّة بل كاد أن يكون من ضروريات الدين ، فالإيمان بذلك واجب » (1).
    والدليل على ذلك قطعي :
    أوّلا من الكتاب : مثل قوله تعالى : ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) (2).
    ومثل قوله تعالى : ( وَلَلآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنْ الاُْولَى * وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ) (3).
    ثانياً من السنّة :
    كالأحاديث الكثيرة الواردة في بحار الأنوار بما يبلغ خمسة وثلاثين حديثاً منها ما يلي :
    1 ـ حديث ابن سنان ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
    « كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول : إذا سألتم الله فاسألوا لي الوسيلة ،
(1) حقّ اليقين : (ج2 ص125) .
(2) سورة الإسراء : (الآية 79) .
(3) سورة الضحى : (الآيتان 4 و5) .



468
فسألنا النبي (صلى الله عليه وآله) عن الوسيلة ؟
    فقال : هي درجتي في الجنّة ، وهي ألف مرقاة جوهر ، إلى مرقاة زبرجد ، إلى مرقاة لؤلؤة ، إلى مرقاة ذهب ، إلى مرقاة فيؤتى بها يوم القيامة حتّى تنصب مع درجة النبيّين ، فهي في درجة النبيّين كالقمر بين الكواكب ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا شهيد ولا صدّيق إلاّ قال : طوبى لمن كانت هذه درجته ! فينادي المنادي ـ ويسمع النداء جميع النبيّين والصدّيقين والشهداء والمؤمنين ـ : هذه درجة محمّد (صلى الله عليه وآله) .
    فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : فأقبِلُ يومئذ مُتّزراً بريطة من نور (1) ، عليَّ تاج الملك وإكليل الكرامة وعلي بن أبي طالب أمامي وبيده لوائي وهو لواء الحمد ، مكتوب عليه : لا إله إلاّ الله محمّد رسول الله المفلحون هم الفائزون بالله ; فإذا مررنا بالنبيّين قالوا : هذان ملكان لم نعرفهما ولم نرهما ، وإذا مررنا بالملائكة قالوا : هذان نبيّان مرسلان ; حتّى أعلوا الدرجة وعليٌّ يتبعني ، فإذا صرت في أعلى الدرجة منها وعليٌّ أسفل منّي بيده لوائي ، فلا يبقى يومئذ نبي ولا مؤمن إلاّ رفعوا رؤوسهم إليّ يقولون : طوبى لهذين العبدين ! ما أكرمهما على الله !
    فينادي المنادي ـ يسمع النبيّون وجميع الخلائق ـ : هذا حبيبي محمّد ، وهذا وليّي علي بن أبي طالب ، طوبى لمن أحبّه ! وويل لمن أبغضه وكذب عليه !
    ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ياعلي ! فلا يبقى يومئذ في مشهد القيامة أحد
(1) الرّيطة هي المُلاءة إذا كانت قطعة واحدة كما يستفاد من مجمع البحرين : (ص362) .


469
يحبّك إلاّ استروح إلى هذا الكلام ، وابيضّ وجهه ، وفرح قلبه ، ولا يبقى أحد ممّن عاداك ونصب لك حرباً أو جحد لك حقّاً إلاّ اسودّ وجهه ، واضطربت قدماه ، فبينا أنا كذلك إذا ملكان قد أقبلا إليّ ، أمّا أحدهما فرضوان خازن الجنّة ، وأمّا الآخر فمالك خازن النار .
    4فيدنو رضوان ويسلّم عليّ ويقول : السلام عليك يارسول الله ! فأردّ عليه وأقول : أيّها الملك الطيّب الريح ، الحسن الوجه ، الكريم على ربّه ، من أنت ؟ فيقول : أنا رضوان خازن الجنّة ، أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح الجنّة فخذها يامحمّد ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما أنعم به عليّ ، إدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب ، فيدفعها إلى علي ويرجع رضوان .
    ثمّ يدنو مالك خازن النار فيسلّم ويقول : السلام عليك ياحبيب الله ! فأقول له : وعليك السلام أيّها الملك ما أنكر رؤيتك وأقبح وجهك ! من أنت ؟ فيقول : أنا مالك خازن النار ، أمرني ربّي أن آتيك بمفاتيح النار ، فأقول : قد قبلت ذلك من ربّي ، فله الحمد على ما أنعم به عليّ وفضّلني به ، إدفعها إلى أخي علي بن أبي طالب ، فيدفعها إليه ، ثمّ يرجع مالك .
    فيقبل علي ومعه مفاتيح الجنّة ومقاليد النار حتّى يقعد على عجزة جهنّم ويأخذ زمامها بيده وقد علا زفيرها ، واشتدّ حرّها ، وكثر تطاير شررها ، فينادي جهنّم : ياعلي ! جُزني قد أطفأ نورك لهبي ، فيقول علي لها : ذري هذا وليّي ، وخذ هذا عدوّي ، فلَجهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة لعلي من غلام أحدكم لصاحبه ، فإن شاء يذهب بها يمنة وإن


470
شاء يذهب بها يسرة ، ولجهنّم يومئذ أشدّ مطاوعة لعلي من جميع الخلائق ، وذلك أنّ علياً (عليه السلام) يومئذ قسيم الجنّة والنار » (1).
    2 ـ حديث سماعة بن مهران قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) :
    « إذا كان يوم القيامة وُضع منبر يراه جميع الخلائق ، فيصعد عليه رجل فيقوم عن يمينه ملك ، وعن يساره ملك ، ينادي الذي عن يمينه : يامعشر الخلائق ! هذا علي بن أبي طالب يُدخل الجنّة من يشاء ; وينادي الذي عن يساره : يامعشر الخلائق ! هذا علي بن أبي طالب يُدخل النار من يشاء » (2).
    3 ـ حديث الحسين بن سعيد مسنداً عن الإمام جعفر الصادق ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال النبي (صلى الله عليه وآله) :
    « إنّ الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود وهو واف لي به ، إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتّى أعلوا فوقه فيأتيني جبرئيل (عليه السلام) بلواء الحمد فيضعه في يدي ، ويقول : يامحمّد ! هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فأقول لعلي : إصعد ، فيكون أسفل منّي بدرجة ، فأضع لواء الحمد في يده .
    ثمّ يأتي رضوان بمفاتيح الجنّة فيقول : يامحمّد ! هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فيضعها في يدي فأضعها في حِجر علي بن أبي طالب .
(1) بحار الأنوار : (ج7 ص326 ـ 327 ب17 ح2) .
(2) بحار الأنوار : (ج7 ص329 ب17 ح4) .