471
    ثمّ يأتي مالك ، خازن النار ، فيقول : يامحمّد ! هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، هذه مفاتيح النار أدخل عدوّك وعدوّ اُمّتك النار ، فآخذها وأضعها في حِجر علي بن أبي طالب ، فالنار والجنّة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها ، فهي قول الله تعالى : ( أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّار عَنِيد ) (1) ألق يامحمّد ياعلي عدوّكما في النار .
    ثمّ أقوم واُثني على الله ثناءاً لم يثن عليه أحد قبلي ، ثمّ اُثني على الملائكة المقرّبين ، ثمّ اُثني على الأنبياء والمرسلين ، ثمّ اُثني على الاُمم الصالحين ، ثمّ أجلس فيثني الله عليّ ، ويثني عليّ أنبياؤه ورسله ، ويثني عليّ ملائكته ، ويثني عليّ الاُمم الصالحة .
    ثمّ ينادي مناد من بطنان العرش : يامعشر الخلائق ! غضّوا أبصاركم حتّى تمرّ بنت حبيب الله إلى قصرها فتمرّ فاطمة بنتي ، عليها ريطتان خضراوان ، وحولها سبعون ألف حوراء ، فإذا بلغت إلى باب قصرها وجدَت الحسن قائماً والحسين قائماً مقطوع الرأس ، فتقول للحسن : من هذا ؟ يقول : هذا أخي ، إنّ اُمّة أبيك قتلوه وقطعوا رأسه ، فيأتيها النداء من عند الله : يابنت حبيب الله ! إنّي إنّما أريتك ما فعلت به اُمّة أبيك لأنّي ذخرت لك عندي تعزية بمصيبتك فيه ، إنّي جعلت لتعزيتك بمصيبتك أنّي لا أنظر في محاسبة العباد حتّى تدخلي الجنّة أنت وذرّيتك وشيعتك ومن أولاكم معروفاً ممّن ليس هو من شيعتك قبل أن أنظر في محاسبة العباد . فتدخل فاطمة إبنتي الجنّة وذرّيتها وشيعتها ومن أولاها معروفاً ممّن ليس هو من
(1) سورة ق : (الآية 24) .


472
شيعتنا ، فهو قول الله تعالى في كتابه : ( لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الأَكْبَرُ ) (1) قال : هو يوم القيامة ( وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ ) (2) هي والله فاطمة وذرّيتها وشيعتها ومن أولاهم معروفاً ممّن ليس هو من شيعتها » (3).
    4 ـ حديث ابن البطائني ، عن أبيه ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « إذا كان يوم القيامة يؤتى بك ياعلي على ناقة من نور ، وعلى رأسك تاج له أربعة أركان ، على كلّ ركن ثلاثة أسطر : لا إله إلاّ الله ، محمّد رسول الله ، علي مفتاح الجنّة . ثمّ يوضع لك كرسي يعرف بكرسي الكرامة فتقعد عليه ، يجمع لك الأوّلون والآخرون في صعيد واحد ، فتأمر بشيعتك إلى الجنّة وبأعدائك إلى النار ، فأنت قسيم الجنّة وأنت قسيم النار .
    لقد فاز من تولاّك وخاب وخسر من عاداك ، فأنت في ذلك اليوم أمين الله وحجّته الواضحة » (4).
    5 ـ حديث ابن عبّاس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « أتاني جبرئيل وهو فرح مستبشر ، فقلت : حبيبي جبرئيل ! ـ مع ما أنت فيه من الفرح ـ ما منزلة أخي وابن عمّي علي بن أبي طالب عند
(1) سورة الأنبياء : (الآية 103) .
(2) سورة الأنبياء : (الآية 102) .
(3) بحار الأنوار : (ج7 ص335 ـ 336 ب17 ح21) .
(4) بحار الأنوار : (ج7 ص329 ب17 ح30) .



473
ربّه ؟ فقال : والذي بعثك بالنبوّة واصطفاك بالرسالة ما هبطت في وقتي هذا إلاّ لهذا ، يامحمّد الله (العلي خل) الأعلى يقرأ عليكما السلام وقال : محمّد نبي رحمتي ، وعلي مقيم حجّتي ، لا اُعذّب من والاه وإن عصاني ، ولا أرحم من عاداه وإن أطاعني .
    قال : ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إذا كان يوم القيامة يأتيني جبرئيل ومعه لواء الحمد وهو سبعون شقّة ـ الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ـ وأنا على كرسي من كراسي الرضوان ، فوق منبر من منابر القدس ، فآخذه وأدفعه إلى علي بن أبي طالب .
    فوثب عمر بن الخطاب فقال : يارسول الله ! وكيف يطيق علي حمل اللواء وقد ذكرت أنّه سبعون شقّة ، الشقّة منه أوسع من الشمس والقمر ؟!
    فقال النبي (صلى الله عليه وآله) : إذا كان يوم القيامة يعطي الله عليّاً من القوّة مثل قوّة جبرئيل ، ومن النور مثل نور آدم ، ومن الحلم مثل حلم رضوان ، ومن الجمال مثل جمال يوسف ، ومن الصوت ما يداني صوت داود ، ولولا أن يكون داود خطيباً لعلي في الجنان لاُعطي مثل صوته ، وإنّ عليّاً أوّل من يشرب من السلسبيل والزنجبيل ، لا تجوز لعلي قدم على الصراط إلاّ وثبتت له مكانها اُخرى ، وإنّ لعلي وشيعته من الله مكاناً يغبطه به الأوّلون والآخرون » (1).
    6 ـ حديث أبان عن الإمام أبي عبدالله جعفر بن محمّد (عليهما السلام) قال :
    « إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش : أين خليفة الله في
(1) بحار الأنوار : (ج8 ص3 ب18 ح3) .


474
أرضه ؟ فيقوم داود النبي (عليه السلام) ، فيأتي النداء من عند الله عزّوجلّ : لسنا إيّاك أردنا وإن كنت لله تعالى خليفة ; ثمّ ينادي ثانية : أين خليفة الله في أرضه ؟ فيقوم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) .
    فيأتي النداء من قِبَل الله عزّوجلّ : يامعشر الخلائق ! هذا علي بن أبي طالب خليفة الله في أرضه ، وحجّته على عباده ، فمن تعلّق بحبله في دار الدنيا فليتعلّق بحبله في هذا اليوم يستضيء بنوره وليتبعه إلى الدرجات العلى من الجنّات .
    قال : فيقوم الناس الذين قد تعلّقوا بحبله في الدنيا فيتّبعونه إلى الجنّة . ثمّ يأتي النداء من عند الله جلّ جلاله :
    ألا من ائتمّ بإمام في دار الدنيا فليتّبعه إلى حيث يذهب به ، فحينئذ ( تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنْ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوْا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمْ الاَْسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمْ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَات عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْ النَّارِ ) (1) » (2).
(1) سورة البقرة : (الآيتان 166 و167) .
(2) بحار الأنوار : (ج8 ص10 ب19 ح3) .



475
(11) ـ الحوض
    من مكارم النبي والوصي وأهل البيت (عليهم السلام) في يوم القيامة ، ومن مفاخر شيعتهم ومحبّيهم حوض الكوثر الذي يسقون منه أولياءهم ويُروون منه شيعتهم في يوم الظمأ الأكبر .
    قال الشيخ الصدوق : « إعتقادنا في الحوض أنّه حقّ ، وأنّ عرضه ما بين أيلة (1) وصنعاء (2) ، وهو حوض النبي (صلى الله عليه وآله) وأنّ فيه من الأباريق عدد نجوم السماء وأنّ الوالي عليه يوم القيامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، يَسقي منه أولياءه ، ويذود عنه أعداءه ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً » (3).
    وقد دلّ عليه الكتاب والسنّة :
    أمّا الكتاب :
    فقوله تعالى : ( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (4).
(1) أيلة : بالفتح ، مدينة على ساحل بحر قلزم ممّا يلي الشام ، وقيل : هي آخر الحجاز وأوّل الشام كما في معجم البلدان : (ج1 ص292) .
(2) صنعاء : هي المدينة المعروفة في اليمن ، وصنعاء اُخرى قرية بالغوطة من دمشق كما في معجم البلدان : (ج3 ص426) .
(3) إعتقادات الصدوق : (ص65) .
(4) سورة الكوثر : (الآية 1).



476
    ففي مجمع البيان (1) تفسيره بحوض النبي الذي يكثر الناس عليه يوم القيامة ، وبمعنى نهر الجنّة ، وبمعنى كثرة النسل والذرّية التي ظهرت في نسله من ولد فاطمة الزهراء (عليها السلام) حتّى لا يحصى عددهم واتّصل إلى يوم القيامة مددهم .. إلى سائر المعاني الثمانية التي تلاحظها في التفسير ، وقد كان منها المعنى المقصود بالبحث .
    وأمّا السنّة :
    فالأحاديث المتظافرة الثلاثة والثلاثون ، منها ما يلي :
    1 ـ ما تقدّم من حديث أبي الورد قال : سمعت أبا جعفر محمّد بن علي الباقر (عليهما السلام) جاء فيه :
    « إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد من الأوّلين والآخرين ... فيقوم رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيتقدّم أمام الناس كلّهم حتّى ينتهي إلى حوض طوله ما بين أيلة وصنعاء ; فيقف عليه ثمّ ينادي بصاحبكم ، فيقوم أمام الناس فيقف معه ثمّ ، يؤذن للناس فيمرّون .
    ثمّ قال أبو جعفر محمّد بن علي بن الحسين (عليهم السلام) : فكم من باك يومئذ وباكية ينادون : يامحمّداه ! إذا رأوا ذلك ; قال : فلا يبقى أحد يومئذ كان يتولاّنا ويحبّنا إلاّ كان في حزبنا ومعنا وورد حوضنا » (2).
    2 ـ حديث عبدالله بن عبّاس قال : لمّا نزل على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ( إِنَّا
(1) مجمع البيان : (ج10 ص549) .
(2) بحار الأنوار : (ج8 ص17 و18 ب20 ح1) .



477
أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) (1) قال له علي بن أبي طالب : ما هو الكوثر يارسول الله ؟
    قال :
    « نهر أكرمني الله به ، قال علي : إنّ هذا النهر شريف فانعته لنا يارسول الله ! قال : نعم ياعلي ! الكوثر نهر يجري تحت عرش الله تعالى ، ماؤه أشدّ بياضاً من اللّبن ، وأحلى من العسل ، وألين من الزبد . وحصاه (حصباؤه خل) الزبرجد والياقوت والمرجان ، حشيشه الزعفران ، ترابه المسك الأذفر (2)، قواعده تحت عرش الله عزّوجلّ .
    ثمّ ضرب رسول الله (صلى الله عليه وآله) يده في جنب علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال : ياعلي ! إنّ هذا النهر لي ولك ولمحبّيك من بعدي » (3).
    3 ـ حديث الحسين بن خالد ، عن الإمام علي بن موسى الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال :
    « قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي » (4).. الخبر .
    4 ـ حديث المفضّل ، عن الإمام الصادق ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « من أراد أن يتخلّص من هول القيامة فليتولّ وليّي ، وليتّبع وصيّي
(1) سورة الكوثر : (الآية 1).
(2) الأذفر : بمعنى الجيّد ، من ذفر المسك إذا اشتدّ طيبه .
(3) بحار الأنوار : (ج8 ص18 ب20 ح2) .
(4) بحار الأنوار : (ج8 ص19 ب20 ح4) .



478
وخليفتي من بعدي علي بن أبي طالب ، فإنّه صاحب حوضي ; يذود عنه أعداءه ، يسقي أولياءه ، فمن لم يُسق منه لم يزل عطشاناً ولم يرو أبداً ، ومن سقى منه شربة لم يشقّ ولم يظمأ أبداً » (1).. الخبر .
    5 ـ حديث القمّي في التفسير ، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) في حجّة الوداع في مسجد الخيف :
    « إنّي فرَطكم وأنتم واردون عليّ الحوض ; حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء ، فيه قدحان من فضّة عدد النجوم » (2).. الخبر .
    6 ـ ما في حديث الأربعمائة .
    قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :
    « أنا مع رسول الله ومعي عترته على الحوض ، فمن أرادنا فليأخذ بقولنا وليعمل بعلمنا ، فإنّ لكلّ أهل بيت نجيب (نجيباً ـ خل) ولنا شفاعة ، ولأهل مودّتنا شفاعة ، فتنافسوا في لقائنا على الحوض فإنّا نذود عنه أعداءنا ونسقي منه أحبّاءنا وأولياءنا ، ومن شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً ; حوضنا متّرع (3) فيه مثعبان (مثقبان ـ خل) (4) ينصبّان من الجنّة ، أحدهما من تسنيم والآخر من مَعين ، على حافتيه الزعفران ، وحصاه اللؤلؤ والياقوت ، وهو الكوثر » (5).. الخبر.
(1) بحار الأنوار : (ج8 ص19 ب20 ح6) .
(2) بحار الأنوار : (ج8 ص19 ب20 ح7) .
(3) من الإتّراع بمعنى الإمتلاء .
(4) المثعب هو مسيل الماء .. وفي الخصال : شِعبان .
(5) بحار الأنوار : (ج8 ص19 ب20 ح9) .



479
    وتلاحظ وصف الكوثر في حديث مسمع كردين مفصّلا (1) رزقنا الله تعالى الارتواء من ذلك الحوض المبارك .. الذي هو الملتقى لورود الكتاب والعترة على النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) كما في حديث الثقلين ، وهو المنهل العذب لورود الجنّة ونعيم الآخرة .
(1) بحار الأنوار : (ج44 ص289 ب34 ح31) .


480
(12) ـ الشفاعة
    من المقامات الحميدة والدرجات المزيدة ، الزاهية في علوّ شأن النبي وآله الطاهرين يوم القيامة ، هي شفاعتهم إلى الله تعالى .
    والشفاعة في اللغة ، هي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم ، كما في المجمع (1).
    والشفاعة تنبئ عن كرامة أهل البيت (عليهم السلام) وتكريم الله لهم في ذلك اليوم بعد مجهوليّة حقّهم في الدنيا ، وقد أعطاهم الله المقام المحمود والعطاء المسعود ، كما عرفته في آيات الذكر الحكيم .
    وتبتني الشفاعة على عفو الله تعالى وهو حَسَن ، إذ أنّ كلّ إحسان حَسَن ، والعقاب حقّه تعالى فجاز إسقاطه ، وقد قال الله تعالى : ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَة لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ ) (2). وقال تعالى : ( إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ) (3).
    كما أفاده به العلاّمة أعلى الله مقامه (4).
(1) مجمع البحرين : (ص383) .
(2) سورة الرعد : (الآية 6) .
(3) سورة النساء : (الآية 48) .
(4) نهج المسترشدين : (ص82) .