481
    والشفاعة من الحقائق الناصعة والأنوار الساطعة في الكتاب والسنّة ، فقد ثبتت بقطعي الكتاب وتواتر الأحاديث .
    وهي من العقائد الحقّة والإعتقادات الصادقة النزيهة عن كلّ ريب والمتعالية عن كلّ عيب ، فلا يمكن إنكارها أو استبعادها .
    قال الشيخ الصدوق : « إعتقادنا في الشفاعة أنّها لمن ارتضى الله دينه من أهل الكبائر والصغائر ، فأمّا التائبون من الذنوب فغير محتاجين إلى الشفاعة ... والشفاعة لا تكون لأهل الشكّ والشرك ، ولا لأهل الكفر والجحود ، بل تكون للمذنبين من أهل التوحيد » (1).
    وأفاد العلاّمة المجلسي : « يلزم الإعتقاد بشفاعة النبي الأكرم وأهل بيته الطاهرين ، وهي مختصّة بالمؤمنين » (2).
    وقال الشيخ الطبرسي : « وهي ـ يعني الشفاعة ـ ثابتة عندنا للنبي ولأصحابه المنتجبين والأئمّة من أهل بيته الطاهرين ولصالح المؤمنين وينجّي الله تعالى بشفاعتهم كثيراً من الخاطئين » (3).
    وقال السيّد الشبّر : « لا خلاف بين المسلمين في ثبوت الشفاعة لسيّد المرسلين في اُمّته بل في سائر الاُمم الماضية ، بل ذلك من ضروريات الدين » (4).
    وتعرف من عبارة السيّد أنّ الشفاعة ثابتة لا عند الخاصّة فحسب بل حتّى عند العامّة .. وهو كذلك .
(1) إعتقادات الصدوق : (ص66) .
(2) إعتقادات المجلسي : (ص42) .
(3) مجمع البيان : (ج1 ص103) .
(4) حقّ اليقين : (ج2 ص134) .



482
    فقد قال النووي في شرح صحيح مسلم : « قال القاضي عياض : مذهب أهل السنّة جواز الشفاعة عقلا ، ووجوبها سمعاً بصريح الآيات ، وبخبر الصادق ، وقد جاءت الاثار التي بلغت بمجموعها التواتر بصحّة الشفاعة في الآخرة لمذنبي المؤمنين ، وأجمع السلف الصالح من بعدهم من أهل السنّة عليها » (1).
    ثمّ إنّ الدليل على الشفاعة ثابت بالأدلّة العلميّة من الكتاب الكريم والسنّة المتواترة .
    أمّا الكتاب فمثل :
    1 ـ قوله تعالى : ( لاَ يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلاَّ مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً ) (2).
    2 ـ قوله تعالى : ( يَوْمَئِذ لاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلا ) (3).
    3 ـ قوله تعالى : ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) (4).
    .. إلى غير ذلك من آي الكتاب الكريم .
(1) بحار الأنوار : (ج8 ص62) .
(2) سورة مريم : (الآية 87) .
(3) سورة طه : (الآية 109) .
(4) سورة الأنبياء : (الآية 28) .



483
    وأمّا السنّة :
    فالأحاديث المتظافرة المتواترة التي تفوق على مئة حديث قد وردت في المصادر المعتمدة وجمعت في بحار الأنوار في بابين ، أحدهما : باب الشفاعة من كتاب العدل والمعاد ، ويشتمل على ستّة وثمانين حديثاً ، وثانيهما : باب الصفح عن الشيعة وشفاعة أئمّتهم من كتاب الإيمان والكفر ، ويشتمل على سبعة وتسعين حديثاً .
    فلاحظ من هذه الأحاديث المباركة التي تفيد العلم بثبوت الشفاعة للنبي وآله الطاهرين سلام الله عليهم أجمعين ما يلي :
    1 ـ حديث الحسين بن خالد ، عن الإمام الرضا ، عن أبيه ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « من لم يؤمن بحوضي فلا أورده الله حوضي ، ومن لم يؤمن بشفاعتي فلا أناله الله شفاعتي .
    ثمّ قال (عليه السلام) : إنّما شفاعتي لأهل الكبائر من اُمّتي ، فأمّا المحسنون فما عليهم من سبيل .
    قال الحسين بن خالد : فقلت للرضا (عليه السلام) : يابن رسول الله ! فما معنى قول الله عزّوجلّ : ( وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى ) (1) ؟
    قال : لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى الله دينه » (2).
    2 ـ حديث سماعة ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :
    « سألته عن شفاعة النبي يوم القيامة ؟
(1) سورة الأنبياء : (الآية 28) .
(2) بحار الأنوار : (ج8 ص34 ب21 ح4) .



484
    قال : يلجم الناس يوم القيامة العرق (1) ، فيقولون : انطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا (عند ربّه ـ خل) ، فيأتون آدم فيقولون : اشفع لنا عند ربّك ، فيقول : إنّ لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح ، فيأتون نوحاً فيردّهم إلى من يليه ، ويردّهم كلّ نبي إلى من يليه حتّى ينتهون إلى عيسى فيقول : عليكم بمحمّد رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وعلى جميع الأنبياء ـ فيعرضون أنفسهم عليهم ويسألونه فيقول : انطلقوا ، فينطلق بهم إلى باب الجنّة ويستقبل باب الرحمن ويخرّ ساجداً فيمكث ما شاء الله .
    فيقول الله عزّوجلّ : ارفع رأسك واشفع تُشفّع وسَل تُعطَ ، وذلك قوله : ( عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ) (2) » (3).
    3 ـ حديث القلانسي ، عن الإمام الصادق جعفر بن محمّد ، عن أبيه ، عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « إذا قمتُ المقام المحمود تشفّعت في أصحاب الكبائر من اُمّتي فيشفّعني الله فيهم ، والله لا تشفّعت فيمن آذى ذرّيتي » (4).
    4 ـ حديث محمّد بن عمارة المتقدّم ، عن أبيه قال : قال الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) :
(1) قال في مجمع البحرين : (ص537) : ألجمهم العرق أي سال منهم إلى أن يصل إلى قرب أفواههم فكأنّما ألجمهم .
(2) سورة الإسراء : (الآية 79) .
(3) بحار الأنوار : (ج8 ص35 ـ 36 ب21 ح7) .
(4) بحار الأنوار : (ج8 ص37 ب21 ح12) .



485
    « من أنكر ثلاثة أشياء فليس من شيعتنا : المعراج ، والمساءلة في القبر ، والشفاعة » (1).
    5 ـ حديث تفسير القمّي عند قوله تعالى : ( وَلاَ تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ) (2) ، قال : لا يشفع أحد من أنبياء الله ورسله يوم القيامة حتّى يأذن الله له إلاّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، فإنّ الله قد أذن له في الشفاعة من قبل يوم القيامة .
    والشفاعة له وللأئمّة من ولده ، ثمّ بعد ذلك للأنبياء صلوات الله وعلى محمّد وآله وعليهم .
    قال : حدّثني أبي ، عن ابن أبي عمير ، عن معاوية بن عمّار ، عن أبي العبّاس المكبّر قال : دخل مولى لامرأة علي بن الحسين صلوات الله عليهما على أبي جعفر (عليه السلام) يقال له : أبو أيمن ، فقال : ياأبا جعفر ! تغرّون الناس وتقولون : شفاعة محمّد ، شفاعة محمّد ! فغضب أبو جعفر (عليه السلام) حتّى تربّد وجهه (3)، ثمّ قال :
    « ويحك ياأبا أيمن ! أغرّك أن عفّ بطنك وفرجك ؟
    أما لو قد رأيت أفزاع القيامة لقد احتجت إلى شفاعة محمّد (صلى الله عليه وآله) ، ويلك ! فهل يشفع إلاّ لمن وجبت له النار ؟
    ثمّ قال : ما أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ وهو محتاج إلى شفاعة محمّد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة .
    ثمّ قال أبو جعفر (عليه السلام) : إنّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله) الشفاعة في اُمّته ، ولنا شفاعة في شيعتنا ، ولشيعتنا شفاعة في أهاليهم .
(1) بحار الأنوار : (ج8 ص37 ب21 ح13) .
(2) سورة سبأ : (الآية 23) .
(3) تربّد وجهه : أي تغيّر من الغضب .



486
    ثمّ قال : وإنّ المؤمن ليشفع في مثل ربيعة ومضر ، وإنّ المؤمن ليشفع حتّى لخادمه ، ويقول : ياربّ ! حقّ خدمتي كان يقيني الحرّ والبرد » (1).
    6 ـ حديث داود بن سليمان ، عن الإمام الرضا ، عن آبائه ، عن أمير المؤمنين (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
    « إذا كان يوم القيامة وُلّينا حساب شيعتنا ، فمن كانت مظلمته فيما بينه وبين الله عزّوجلّ حكمنا فيها فأجابنا ، ومن كانت مظلمته بينه وفيما بين الناس استوهبناها فوهبت لنا ، ومن كانت مظلمته فيما بينه وبيننا كنّا أحقّ من عفا وصفح » (2).
    7 ـ حديث علي بن أبي حمزة قال : قال رجل لأبي عبدالله (عليه السلام) :
    « إنّ لنا جاراً من الخوارج يقول : إنّ محمّداً يوم القيامة همّه نفسه فكيف يشفع ؟
    فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : ما أحد من الأوّلين والآخرين إلاّ وهو يحتاج إلى شفاعة محمّد (صلى الله عليه وآله) يوم القيامة » (3).
    8 ـ حديث تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) في قول الله عزّوجلّ : ( وَاتَّقُوا يَوْماً لاَ تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْس شَيْئاً ) (4).
    « لا يدفع عنها عذاب قد استحقّته عند النزع ( وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا
(1) بحار الأنوار : (ج8 ص38 ب21 ح16) .
(2) بحار الأنوار : (ج8 ص40 ب21 ح24) .
(3) بحار الأنوار : (ج8 ص42 ب21 ح31) .
(4) سورة البقرة : (الآية 48) .



487
شَفَاعَةٌ ) (1) يشفع لها بتأخير الموت عنها ( وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ ) (2) لا يقبل فداء مكانه يمات ويترك هو .
    قال الصادق (عليه السلام) : وهذا يوم الموت ، فإنّ الشفاعة والفداء لا يغني فيه (عنه ـ خل) فأمّا في يوم القيامة فإنّا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كلّ جزاء ليكوننّ على الأعراف بين الجنّة محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) ، والطيّبون من آلهم ، فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات فمن كان منهم مقصّراً في بعض شدائدها فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذرّ وعمّار ونظرائهم في العصر الذي يليهم وفي كلّ عصر إلى يوم القيامة ، فينقضّون عليهم كالبزاة والصقور ويتناولونهم كما يتناول البزاة والصقور صيدها فيزفّونهم إلى الجنّة زفّاً .
    وإنّا لنبعث على آخرين (من ـ خل) محبّينا من خيار شيعتنا كالحمام فيلتقطونهم من العرصات كما يلتقط الطير الحبّ وينقلونهم إلى الجنان بحضرتنا .
    وسيؤتى بالواحد من مقصّري شيعتنا في أعماله بعد أن صان (قد حاز ـ خل) الولاية والتقيّة وحقوق إخوانه ويوقف بإزائه ما بين مئة وأكثر من ذلك إلى مئة ألف من النصّاب فيقال له : هؤلاء فداؤك من النار ، فيدخل هؤلاء المؤمنون الجنّة واُولئك النصّاب النار ، وذلك ما قال الله تعالى : ( رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) يعني بالولاية ( لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ ) (3) في الدنيا منقادين للإمامة ليجعل مخالفوهم من النار
(1 ـ 2) سورة البقرة : (الآية 48) .
(3) سورة الحجر : (الآية 2) .



488
فداؤهم » (1).
    9 ـ حديث محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر [ الباقر ] (عليه السلام) يقول :
    « لفاطمة وقفة على باب جهنّم ، فإذا كان يوم القيامة كُتب بين عيني كلّ رجل مؤمن أو كافر ، فيؤمر بمحبّ قد كثرت ذنوبه إلى النار فتقرأ بين عينيه محبّاً ، فتقول : إلهي وسيّدي ! سمّيتني فاطمة وفطمت بي من تولاّني وتولّى ذرّيتي من النار ، ووعدك الحقّ وأنت لا تخلف الميعاد .
    فيقول الله عزّوجلّ : صدقت يافاطمة ! إنّي سمّيتك فاطمة وفطمت بك من أحبّك وتولاّك وأحبّ ذرّيتك وتولاّهم من النار ، ووعدي الحقّ وأنا لا اُخلف الميعاد ، وإنّما اُمرت بعبدي هذا إلى النار لتشفعي فيه فاُشفّعك ليتبيّن لملائكتي وأنبيائي ورسلي وأهل الموقف موقفك منّي ومكانتك عندي . فمن قرأت بين عينه مؤمناً فجذبت بيده وأدخلته الجنّة » (2).
    10 ـ حديث تفسير الإمام العسكري (عليه السلام) عن النبي (صلى الله عليه وآله) قال :
    « أما إنّ من شيعة علي (عليه السلام) لمن يأتي يوم القيامه وقد وضع له في كفّة سيّئاته من الآثام ما هو أعظم من الجبال الرواسي والبحار السيّارة ، تقول الخلائق : هلك هذا العبد ، فلا يشكّون أنّه من الهالكين وفي عذاب الله من الخالدين ، فيأتيه النداء من قبل الله تعالى : ياأيّها العبد الجاني ! هذه الذنوب الموبقات فهل بإزائها حسنة تكافئها وتدخل الجنّة برحمة الله ، أو تزيد عليها فتدخلها بوعد الله ؟ يقول العبد : لا
(1) بحار الأنوار : (ج8 ص44 ـ 45 ب21 ح45) .
(2) بحار الأنوار : (ج8 ص51 ب21 ح58) .



489
أدري .
    فيقول منادي ربّنا عزّوجلّ : إنّ ربّي يقول : نادِ في عرصات القيامة : ألا إنّ فلان بن فلان من بلد كذا وكذا وقرية كذا وكذا قد رهن بسيّئاته كأمثال الجبال والبحار ولا حسنة بإزائها ، فأي أهل هذا المحشر كانت لي عنده يد أو عارفة (1) فليغثني بمجازاتي عنها ، فهذا أوان شدّة حاجتي إليها ، فينادي الرجل بذلك ، فأوّل من يجيبه علي بن أبي طالب : لبّيك لبّيك لبّيك أيّها الممتحن في محبّتي ، المظلوم بعداوتي .
    ثمّ يأتي هو ومن معه عدد كثير وجمّ غفير وإن كانوا أقلّ عدداً من خصمائه الذين لهم قبله الظلامات فيقول ذلك العدد : ياأمير المؤمنين ! نحن إخوانه المؤمنون ، كان بنا بارّاً ولنا مكرماً ، وفي معاشرته إيّانا مع كثرة إحسانه إلينا متواضعاً ، وقد نزلنا له عن جميع طاعاتنا وبذلناها له .
    فيقول علي (عليه السلام) : فبماذا تدخلون جنّة ربّكم ؟ فيقولون : برحمة الله الواسعة التي لا يعدمها من والاك ووالى آلك ياأخا رسول الله !
    فيأتي النداء من قبل الله تعالى : ياأخا رسول الله ! هؤلاء إخوانه المؤمنون قد بذلوا له فأنت ماذا تبذل له ؟ فإنّي أنا الحكم ، ما بيني وبينه من الذنوب قد غفرتها له بموالاته إيّاك ، وما بينه وبين عبادي من الظلامات فلابدّ من فصلي بينه وبينهم ، فيقول علي (عليه السلام) : ياربّ ! أفعل ما تأمرني .
    فيقول الله : ياعلي ! اضمن لخصمائه تعويضهم عن ظلاماتهم قبله ;
(1) العارفة هو : المعروف .


490
فيضمن لهم علي (عليه السلام) ذلك ويقول لهم : اقترحوا عليَّ (1) ما شئتم اُعطكم عوضاً عن ظلاماتكم قبله ، فيقولون : ياأخا رسول الله ! تجعل لنا بإزاء ظلامتنا قبله ثواب نَفَس من أنفاسك ليلة بيتوتتك على فراش محمّد (صلى الله عليه وآله) ، فيقول علي (عليه السلام) : قد وهبت ذلك لكم .
    فيقول الله عزّوجلّ : فانظروا ياعبادي الآن إلى ما نلتموه من علي ، فداءً لصاحبه من ظلاماتكم ; ويظهر لهم ثواب نَفَس واحد في الجنان من عجائب قصورها وخيراتها فيكون ذلك ما يرضي الله به خصماء اُولئك المؤمنين ، ثمّ يريهم بعد ذلك من الدرجات والمنازل ما لا عين رأت ، ولا اُذن سمعت ، ولا خطر على بال بشر ; يقولون : ياربّنا ! هل بقي من جنانك شيء ؟ إذا كان هذا كلّه لنا فأين تحلّ سائر عبادك المؤمنين والأنبياء والصدّيقين والشهداء والصالحين ؟ ويخيّل إليهم عند ذلك أنّ الجنّة بأسرها قد جعلت لهم .
    فيأتي النداء من قبل الله تعالى : ياعبادي ! هذا ثواب نَفَس من أنفاس علي بن أبي طالب الذي إقترحتموه عليه ، قد جعله لكم فخذوه وانظروا ، فيصيرون هم وهذا المؤمن الذي عوّضه علي (عليه السلام) في تلك الجنان ، ثمّ يرون ما يضيفه الله عزّوجلّ إلى ممالك علي (عليه السلام) في الجنان ما هو أضعاف ما بذله عن وليّه الموالي له ممّا شاء من الأضعاف التي لا يعرفها غيره .
    ثمّ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أذلك خير نُزلا أم شجرة الزقّوم المعدّة لمخالفي أخي ووصيّي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ » (2).
(1) يقال : اقترح عليه كذا أي اشتهى أن يصنعه له .
(2) بحار الأنوار : (ج8 ص61 ب21 ح82) .