كتاب الغدير ـ الجزء الأول ::: 241 ـ 250
(241)
ابن المنذر ( فيه تصحيف ) الفهري : هذا شيء قلته من عندك ؟ أو شيء أمرك به ربك ؟ قال : لا. بل أمرني به ربي. فقال : أللهم ؟ أنزل ( كذا في النسخ ) علينا حجارة من السماء. فما بلغ رحله حتى جاءه حجر فأدماه فخر ميتا فأنزل الله تعالى : سأل سائل بعذاب واقع. (1)
    وقال حدثنا أبو عبد الله الشيرازي قال : حدثنا أبو بكر الجرجاني ، قال : حدثنا أبو أحمد البصري ، قال : حدثنا محمد بن سهل ، قال : حدثنا زيد بن إسماعيل مولى الأنصار قال : حدثنا محمد بن أيوب الواسطي ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد الصادق عن آبائه عليهم السلام : لما نصب رسول الله عليا يوم غدير خم وقال : من كنت مولاه ، طار ذلك في البلاد فقدم على النبي صلى الله عليه وسلم النعمان بن الحرث الفهري فقال : أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وإنك رسول الله وأمرتنا بالجهاد والحج و الصوم والصلاة والزكاة فقبلناها ثم لم ترض حتى نصبت هذا الغلام فقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا شيء منك ؟ أو أمر من عند الله ؟ فقال : والله الذي لا إله إلا هو أن هذا من الله. فولى النعمان بن الحرث وهو يقول : أللهم ؟ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء. فرماه الله بحجر على رأسه فقتله وأنزل الله تعالى : سأل سائل بعذاب واقع. الآيات.
    5 ـ أبو بكر يحيى القرطبي المتوفى 567 ( المترجم 115 ) قال في تفسيره في سورة المعارج : لما قال النبي صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. قال النضر بن الحارث (2) لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمرتنا بالشهادتين عن الله فقبلنا منك ، وأمرتنا بالصلاة والزكاة ، ثم لم ترض حتى فضلت علينا ابن عمك آلله أمرك ؟ أم من عندك ؟ فقال : والذي لا إله إلا هو إنه من عند الله. فولى وهو يقول : أللهم ؟ إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر
ربعي بن حراش أبو مريم الكوفي المتوفى 100 / 1 / 4 من رجال الصحيحين قال الذهبي في تذكرته ج 1 ص 60 : متفق على ثقته وإمامته والاحتجاج به.
1 ـ إسناد هذا الحديث صحيح رجاله كلهم ثقات.
2 ـ هو النضر بن الحارث بن كلدة بن عبد مناف بن كلدار ، وفى الحديث تصحيف ، إذ النضر أخذ أسيرا يوم بدر الكبرى ، وكان شديد العداوة لرسول الله فأمر بقتله ، فقتله أمير المؤمنين صبرا ، كما في سيرة ابن هشام 2 ص 286 ، وتأريخ الطبري 2 ص 286 ، وتاريخ اليعقوبي 2 ص 34 وغيرها.


(242)
علينا حجارة من السماء. فوقع عليه حجر من السماء فقتله.
    6 ـ شمس الدين أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 ، رواه في تذكرته ص 19 قال : ذكر أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره بإسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال ذلك ( يعني حديث الولاية ) طار في الأقطار وشاع في البلاد والأمصار فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري فأتاه على ناقة له فأناخها على باب المسجد (1) ثم عقلها وجاء فدخل في المسجد فجثا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ؟ إنك أمرتنا أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلنا منك ذلك ، وأنك أمرتنا أن نصلي خمس صلوات في اليوم والليلة ونصوم رمضان ونحج البيت ونزكي أموالنا فقبلنا منك ذلك ، ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك وفضلته على الناس وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه. فهذا شيء منك أو من الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد احمرت عيناه : والله إن كان ما يقول محمد حقا فأرسل من السماء علينا حجارة أو ائتنا بعذاب أليم. قال : فوالله ما بلغ ناقته حتى رماه الله من السماء بحجر فوقع على هامته فخرج من دبره و مات وأنزل الله تعالى : ( سأل سائل بعذاب واقع ) الآيات.
    7 ـ الشيخ إبراهيم بن عبد الله اليمني الوصابي الشافعي ، روى في كتابه ـ الاكتفاء في فضل الأربعة الخلفاء ـ حديث الثعلبي المذكور ص 240.
    8 ـ شيخ الاسلام الحمويني المتوفى 722. روى في فرايد السمطين في الباب الثالث عشر قال : أخبرني الشيخ عماد الدين الحافظ بن بدران بمدينة نابلس فيما أجاز لي أن أرويه عنه ، إجازة عن القاضي جمال الدين عبد القاسم بن عبد الصمد الأنصاري ، إجازة عن عبد الجبار بن محمد الحواري البيهقي ، إجازة عن الإمام أبي الحسن علي بن أحمد الواحدي قال : قرأت على شيخنا الأستاذ أبي إسحاق الثعلبي في تفسيره : أن سفيان بن عيينة سئل عن قوله عز وجل : سأل سائل بعذاب واقع. فيمن نزلت ؟ فقال. الحديث إلى آخر لفظ الثعلبي المذكور ص 240.
    9 ـ الشيخ محمد الزرندي الحنفي المترجم ص 125 ، ذكره في كتابيه معارج
1 ـ لعله مسجد رسول الله بغدير خم بقرينة ساير الأحاديث.

(243)
الوصول و ودرر السمطين.
    10 ـ شهاب الدين أحمد دولت آبادي المتوفى 849 ، روى في كتابه ـ هداية السعداء ـ في الجلوة الثانية من الهداية الثامنة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم ؟ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله. فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج (1) فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ؟ هذا من عندك أو من عند الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : هذا من عند الله. فخرج الكافر من المسجد وقام على عتبة الباب وقال : إن كان ما يقوله ( محمد ) حقا فأنزل علي حجرا من السماء. قال فنزل حجر ورضخ رأسه فنزلت : سأل سائل.
    11 ـ نور الدين ابن الصباغ المالكي المكي المتوفى 855. رواه في كتابة الفصول المهمة ص 26.
    12 ـ السيد نور الدين الحسني السمهودي الشافعي المتوفى 911 ( المترجم ص 133 ) رواه في جواهر العقدين.
    13 ـ أبو السعود العمادي (2) المتوفى 982 ، قال في تفسيره 8 ص 292 : قيل : هو ( أي سائل العذاب ) الحرث بن النعمان الفهري ، وذلك أنه لما بلغه قول رسول الله عليه السلام في علي رضي الله عنه : من كنت مولاه فعلي مولاه. قال : أللهم ؟ إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء. فما لبث حتى رماه الله تعالى بحجر فوقع على دماغه فخرج من أسفله فهلك من ساعته.
    14 ـ شمس الدين الشربيني القاهري الشافعي المتوفى 977 ( المترجم ص 135 ) قال : في تفسيره السراج المنير 4 ص 364 : اختلف في هذا الداعي فقال ابن عباس : هو النضر بن الحرث.
    وقيل : هو الحرث بن النعمان. وذلك أنه لما بلغه قول النبي صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. ركب ناقته فجاء حتى أناخ راحلته الأبطح ثم قال :
1 ـ أراد من الخوارج المعنى الأعم من محارب لحجة وقته أو مجابهه برد ، نبيا كان أو خليفة.
2 ـ المولى محمد بن محمد بن مصطفى الحنفي ولد 898 بقرية قريبة من قسطنطينية و أخذ العلم وقلد القضاء والفتيا وتوفي بقسطنطينية مفتيا 982 ترجمه أبو الفلاح في شذرات الذهب 8 ص 398 ـ 400.


(244)
يا محمد ؟ أمرتنا عن الله أن نشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقبلناه منك ، وأن نصلي خمسا ونزكي أموالنا فقبلنا منك ، وأن نصوم شهر رمضان في كل عام فقبلناه منك ، وأن نحج فقبلناه منك ، ثم لم ترض حتى فضلت ابن عمك علينا ، أفهذا شيء منك أم من الله تعالى ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والذي لا إله إلا هو ما هو إلا من الله. فولى الحرث وهو يقول : أللهم إن كان ما يقول محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. فوالله ما وصل إلى ناقته حتى رماه الله تعالى بحجر فوقع على دماغه فخرج من دبره فقتله فنزلت : سأل سائل. الآيات.
    16 ـ السيد جمال الدين الشيرازي المتوفى 1000 ، قال في كتابه ـ الأربعين في مناقب أمير المؤمنين ـ : الحديث الثالث عشر عن جعفر بن محمد عن آبائه الكرام : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان بغدير خم نادى الناس فاجتمعوا فأخذ بيد علي وقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، أللهم ؟ وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحق معه حيث كان. وفي رواية : أللهم ؟ أعنه وأعن به ، و ارحمه وارحم به ، وانصره وانصر به. فشاع ذلك وطار في البلاد فبلغ ذلك الحرث بن النعمان الفهري فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ناقة له. وذكر إلى آخر حديث الثعلبي.
    17 ـ الشيخ زيد الدين المناوي الشافعي المتوفى 1031 ( المترجم ص 138 ) رواه في كتابه فيض القدر في شرح الجامع الصغير 6 ص 218 في شرح حديث الولاية.
    18 ـ السيد ابن العيدروس الحسيني اليمني المتوفى 1041 ( المترجم ص 138 ) ذكره في كتابه ـ العقد النبوي والسر المصطفوي ـ.
    19 ـ الشيخ أحمد بن باكثير المكي الشافعي المتوفى 1047 ( المترجم 139 ) نقله في تأليفه ـ وسيلة المآل في عد مناقب الآل ـ.
    20 ـ الشيخ عبد الرحمن الصفوري ، روى في نزهته 2 ص 242 حديث القرطبي.
    21 ـ الشيخ برهان الدين علي الحلبي الشافعي المتوفى 1044 ، روى في السيرة الحلبية 3 ص 302 وقال : لما شاع قوله صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. في ساير الأمصار وطار في جميع الأقطار بلغ الحرث بن النعمان الفهري فقدم المدينة فأناخ راحلته عند باب المسجد فدخل والنبي جالس وحوله أصحابه فجاء حتى جثا بين يديه ، ثم قال :


(245)
يا محمد ؟ إلى آخر لفظ سبط ابن الجوزي المذكور ص 221.
    22 ـ السيد محمود بن محمد القادري المدني ، قال في تأليفه ـ الصراط السوي في مناقب النبي ـ : قد مر مرارا قوله صلى الله عليه وسلم : من كنت مولاه فعلي مولاه. الحديث قالوا : وكان الحارث بن النعمان مسلما فلما سمع حديث : من كنت مولاه فعلي مولاه. شك في نبوة النبي ثم قال : أللهم ؟ إن كان ما يقوله محمد حقا فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم. ثم ذهب ليركب راحلته فما مشى نحو ثلث خطوات حتى رماه الله عز وجل بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره فقتله فأنزل الله تعالى : ( سأل سائل بعذاب واقع ) الآيات.
    23 ـ شمس الدين الحفني الشافعي المتوفى 1181 ( المترجم ص 144 ) قال : في شرح الجامع الصغير للسيوطي 2 ص 387 في شرح قوله صلى الله عليه وآله : من كنت مولاه فعلي مولاه. لما سمع ذلك بعض الصحابة قال : أما يكفي رسول الله أن نأتي بالشهادة وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ... إلخ. حتى يرفع علينا ابن أبي طالب ؟ فهل هذا من عندك أم من عند الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : والله الذي لا إله إلا هو أنه من عند الله. فهو دليل على عظم فضل علي عليه السلام.
    24 ـ الشيخ محمد صدر العالم سبط الشيخ أبي الرضا ، قال في كتابه ـ معارج العلى في مناقب المرتضى ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوما : أللهم ؟ من كنت مولاه فعلي مولاه ، أللهم ؟ وال من والاه ، وعاد من عاداه. فسمع ذلك واحد من الكفرة من جملة الخوارج فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ؟ هذا من عندك أو من عند الله ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا من عند الله فخرج الكافر من المسجد وقام على عتبة الباب وقال : إن كان ما يقوله حقا فأنزل علي حجرا من السماء ، قال : فنزل حجر فرضخ رأسه.
    25 ـ الشيخ محمد محبوب العالم. رواه في تفسيره الشهير بتفسير شاهي.
    26 ـ أبو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفى 1122 ، حكاه في [ شرح المواهب اللدنية ] 7 ص 13.
    27 ـ الشيخ أحمد بن عبد القادر الحفظي الشافعي. ذكره في كتابه ـ ذخيرة المآل في شرح عقد جواهر اللآل ـ.


(246)
    28 ـ السيد محمد بن إسماعيل اليماني المتوفى 1182 ، ذكره في كتابه ـ الروضة الندية في شرح التحفة العلوية ـ.
    29 ـ السيد مؤمن الشبلنجي الشافعي المدني ، ذكره في كتابه ـ نور الأبصار في مناقب آل بيت النبي المختار ـ ص 78.
    30 ـ الأستاذ الشيخ محمد عبدة المصري المتوفى 1323 ، ذكره في تفسير المنار ج 6 ص 464 عن الثعلبي ، ثم استشكل عليه بمختصر ما أورد عليه ابن تيمية وستقف على بطلانه وفساده.
وإن تكذبوا
فقد كذب أمم من قبلكم وما على الرسول
إلا البلاغ المبين

سورة العنكبوت


(247)
( نظرة في الحديث )
    قد عرفت مصافقة التفسير والخبر في سبب نزول الآية الكريمة ، ومطابقة النصوص والأسانيد في إثبات الحديث والإخبات إليه ، وقد أفرغته الشعراء في بوتقة النظم منذ عهد متقادم كأبي محمد العوني الغساني المترجم في شعراء القرن الرابع في قوله :
يقول رسول الله : هذا لأمتي فقال جحود ذو شقاق منافق : أعن ربنا هذا أم أنت اخترعته فقال عدو الله : للهم إن يكن فعوجل من أفق السماء بكفره هو اليوم مولى رب ما قلت فاسمع ينادي رسول الله من قلب موجع ؟ فقال : معاذ الله لست بمدع ؟ كما قال حقا بي عذابا فأوقع بجندلة فانكب ثاو بمصرع
    وقال آخر في أرجوزته :
وما جرى لحارث النعمان على اختياره لأمر الأمه حتى أتى النبي بالمدينة وقال ما قال من المقال في أمره من أوضح البرهان فمن هناك سائه وغمه محبنطئا من شدة الضغينة فباء بالعذاب والنكال
    ولم نجد من قريب أو مناوء غمزا فيه أو وقيعة في نقله مهما وجدوا رجال إسناده ثقاتا فأخبتوا إليه ، عدا ما يؤثر عن ابن تيمية (1) في منهاج السنة ج 4 ص 13 فقد ذكر وجوها في إبطال الحديث كشف بها عن سوءته كما هو عادته في كل مسألة تفرد بالتحذلق فيها عند مناوئة فرق المسلمين ، ونحن نذكرها مختصرة ونجيب عنها.
    ( الوجه الأول ) : إن قصة الغدير كانت في مرتجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة
1 ـ ابن تيمية الداعب على إنكار الضروريات ، والمتجري على الوقيعة في المسلمين ، وعلى تكفيرهم وتضليلهم ، ولذلك عاد غرضا لنبال الجرح من فطاحل علماء أهل السنة منذ ظهرت مخاريقه وإلى هذا اليوم ، وحسبك قول الشوكاني في البدر الطالع 2 ص 260 : صرح محمد البخاري الحنفي المتوفى 841 بتبديعه ثم تكفيره ثم صار يصرح في مجلسه : إن من أطلق القول على ابن تيمية : إنه شيخ الاسلام. فهو بهذا الإطلاق كافر.

(248)
الوداع وقد أجمع الناس على هذا ، وفي الحديث : أنها لما شاعت في البلاد جائه الحارث وهو بالابطح بمكة وطبع الحال يقتضي أن يكون ذلك بالمدينة فالمفتعل للرواية كان يجهل تاريخ قصة الغدير.
    ( الجواب ) : أولا : ما سلف في رواية الحلبي في السيرة ، وسبط ابن الجوزي في التذكرة ، والشيخ محمد صدر العالم في معارج العلى ، من أن مجيئ السائل كان في المسجد ـ إن أريد منه مسجد المدينة ـ ونص الحلبي على أنه كان بالمدينة ، لكن ابن تيمية عزب عنه ذلك كله ، فطفق يهملج في تفنيد الرواية بصورة جزمية.
    ثانياً : فإن مغاضاة الرجل عن الحقايق اللغوية ، أو عصبيته العمياء التي أسدلت بينه وبينها ستور العمى : ورطته في هذه الغمرة ، فحسب إختصاص الأبطح بحوالي مكة. ولو كان يراجع كتب الحديث ومعاجم اللغة والبلدان والأدب لوجد فيها نصوص أربابها بأن الأبطح كل مسيل فيه دقاق الحصى ، وقولهم في الإشارة إلى بعض مصاديقه : ومنه بطحاء مكة. وعرف أنه يطلق على كل مسيل يكون بتلك الصفة ، وليس حجرا على أطراف البلاد وأكناف المفاوز أن تكون فيها أباطح.
    روى البخاري في صحيحه 1 ص 181 ، ومسلم في صحيحه 1 ص 382 عن عبد الله ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بالبطحاء بذي الحليفة فصلى بها.
    وفي الصحيحين عن نافع : أن ابن عمر كان إذا صدر عن الحج أو العمرة أناخ بالبطحاء التي بذي الحليفة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم ينيخ بها.
    وفي صحيح مسلم 1 ص 382 عن عبد الله بن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى في معرسه (1) بذي الحليفة فقيل له : إنك ببطحاء مباركة. وفي إمتاع المقريزي و غيره : أن النبي إذا رجع من مكة دخل المدينة من معرس الأبطح ، فكان في معرسه في بطن الوادي فقيل له : إنك ببطحاء مباركة.
    وفي صحيح البخاري 1 ص 175 عن ابن عمر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل بذي الحليفة حين يعتمر ، وفي حجته حين حج تحت سمرة في موضع المسجد الذي بذي الحليفة ، وكان إذا رجع من غزو ـ كان في تلك الطريق ـ أو حج أو عمرة هبط ببطن واد
1 ـ التعريس : نزول المسافر آخر الليل نزلة للنوم والاستراحة.

(249)
فإذا ظهر من بطن أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية فعرس ثم حتى يصبح وكان ثم خليج يصلي عبد الله عنده ، وفي بطنه كثب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يصلي فدحا فيه السيل بالبطحاء. الحديث. وفي رواية ابن زبالة : فإذا ظهر النبي من بطن الوادي أناخ بالبطحاء التي على شفير الوادي الشرقية.
    وفي مصابيح البغوي 1 ص 83 : قال القاسم بن محمد : دخلت على عايشة رضي الله عنها فقلت : يا أماه ؟ اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة (1) ولا لاطئة مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء.
    وروى السمهودي في وفاء الوفاء 2 ص 212 من طريق ابن شبة والبزار عن عايشة عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال : بطحان على ترعة من ترع الجنة.
    وقبل هذه الأحاديث كلها ما ورد في حديث الغدير من طريق حذيفة بن أسيد وعامر بن ليلى قالا : لما صدر رسول الله من حجة الوداع ولم يحج غيرها أقبل حتى كان بالجحفة نهى عن سمرات متقاربات بالبطحاء أن لا ينزل تحتهن أحد. الحديث ، راجع ص 26 ، 26 ، 46.
    وأما معاجم اللغة والبلدان ففي معجم البلدان 2 ص 213 : البطحاء في اللغة مسيل فيه دقاق الحصى. والجمع : الأباطح والبطاح على غير قياس ـ إلى أن قال ـ : قال أبو الحسن محمد بن علي بن نصر الكاتب : سمعت عوادة تغني في أبيات طريح بن إسماعيل الثقفي في الوليد بن يزيد بن عبد الملك وكان من أخواله :
أنت ابن مسلنطح البطاح ولم تطرق عليك الحني والولج (2)
    فقال بعض الحاضرين : ليس غير بطحاء مكة ، فما معنى الجمع ؟ فثار البطحاوي العلوي فقال : بطحاء المدينة ، وهو أجل من بطحاء مكة وجدي منه ، وأنشد له :
وبطحاء المدينة لي منزل فيا حبذا ذاك من منزل
    فقال : فهذان بطحاوان فما معنى الجمع ؟ قلنا : العرب تتوسع في كلامها وشعرها
1 ـ أصله من الشرف : العلو. واللاطئة من لطئ بالأرض : لزق.
2 ـ الحنى : ما انخفض من الأرض. الولج ج ولاج بالكسر : النواحي. الازقة. ما اتسع من الأودية. أي لم تكن بينهما فيخفى حسبك.


(250)
فتجعل الاثنين جمعا ، وقد قال بعض الناس : إن أقل الجمع اثنان ، ومما يؤكد أنها بطحاوان قول الفرزدق :
وأنت ابن بطحاوي قريش فإن تشأ تكن في ثقيف سيل ذي أدب عفر
    ثم قال : قلت أنا : وهذا كله تعسف.
    وإذا صح بإجماع أهل اللغة أن البطحاء : الأرض ذات الحصى فكل قطعة من تلك الأرض بطحاء ، وقد سميت : قريش البطحاء ، وقريش الظواهر. في صدر الجاهلية ولم يكن بالمدينة منهم أحد. وأما قول الفرزدق وابن نباتة فقد قالت العرب : الرقمتان ورامتان. وأمثال ذلك كثير تمر في هذا الكتاب قصدهم بها إقامة الوزن فلا اعتبار له. البطاح بالضم : منزل لبني يربوع وقد ذكره لبيد فقال :
تربعت الأشراف ثم تصيفت حساء البطاح وانتجعن السلائلا
    وقيل : البطاح ماء في ديار بني أسد ، وهناك كانت الحرب بين المسلمين وأميرهم خالد بن الوليد وأهل الردة ، وكان ضرار بن الأزور الأسدي ، قد خرج طليعة لخالد ابن الوليد ، وخرج مالك بن نويرة طليعة لأصحابه ، فالتقيا بالبطاح فقتل ضرار مالكا فقال أخوه متمم يرثيه :
سأبكي أخي ما دام صوت حمامة تورق في وادي البطاح حماما
    وقال وكيع بن مالك يذكر يوم البطاح :
فلما أتانا خالد بلوائه تخطت إليه بالبطاح الودايع
    وقال في ص 215 : البطحاء : أصله المسيل الواسع فيه دقاق الحصى. وقال النضر : الأبطح والبطحاء بطن الميثاء والتلعة والوادي. هو التراب السهل في بطونها مما قد جرته السيول يقال : أتينا أبطح الوادي وبطحاءه مثله وهو ترابه وحصاه السهل اللين. والجمع الأباطح ، وقال بعضهم : البطحاء كل موضع متسع. وقول عمر رضي الله عنه : بطحوا المسجد. أي ألقوا فيه الحصى الصغار. وهو موضع بعينه قريب من ذي قار. و بطحاء مكة وأبطحها ممدود. وكذلك بطحاء ذي الحليفة ، قال ابن إسحاق : خرج النبي صلى الله عليه وسلم غازيا فسلك نقب بني دينار فنزل تحت شجرة ببطحاء ابن أزهر يقال لها : ذات الساق ، فصلى تحتها فثم مسجده ، وبطحاء أيضا مدينة بالمغرب قرب تلمسان.
كتاب الغدير ـ الجزء الأول ::: فهرس