كتاب الغدير ـ الجزء الأول ::: 311 ـ 320
(311)
الجميع على ما يدعونه من الإمامة الكبرى والزعامة العظمى. وقال في ج 2 ص 350 : قال الذهبي : إنه صحيح. ونقل عن الذهبي أيضا أنه قال : إن من كنت مولاه. متواتر يتيقن أن رسول الله قاله ، وأما أللهم ؟ وال من والاه : فزيادة قوية الاسناد.
    41 ـ الشيخ محمد الحوت البيروتي الشافعي المتوفى 1276 ، قال في أسنى المطالب ص 227 : حديث : من كنت مولاه فعلي مولاه. رواه أصحاب السنن غير أبي داود ورواه أحمد وصححوه. وروي بلفظ : من كنت وليه فعلي وليه. ورواه أحمد والنسائي والحاكم وصححه.
    42 ـ المولوي ولي الله اللكهنوي ، قال في ـ مرآة المؤمنين في مناقب أهل بيت سيد المرسلين ـ بعد ذكر الحديث بغير واحد من طرقه ما تعريبه : وليعلم أن هذا الحديث صحيح وله طرق عديدة ، وقد أخطأ من تكلم في صحته إذ أخرجه جمع من علماء الحديث مثل الترمذي والنسائي ، ورواه جمع من الصحابة وشهدوا به لعلي في أيام خلافته ، ثم ذكر حديث المناشدة وإصابة الدعوة.
    43 ـ الحافظ المعاصر شهاب الدين أبو الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الحضرمي ، قال في كتابه : تشنيف الآذان ص 77 : وأما حديث : من كنت مولاه فعلي مولاه. فتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم من رواية نحو ستين شخصا لو أوردنا أسانيد الجميع لطال بنا ذلك جدا ، ولكن : نشير إلى مخرجيها تتميما للفائدة ، ومن أراد الوقوف على طرقها وأسانيدها فليرجع إلى كتابنا في المتواتر فنقول :
    رواه أحمد في مسنده وابن أبي عاصم في السنة عن علي وثلاثة عشر رجلا من الصحابة ، ورواه النسائي في الخصايص عن علي وبضعة عشر رجلا ، ورواه عنه وعن جماعة معه أيضا الطحاوي في مشكل الآثار والبزار في المسند وابن عساكر وآخرون ، ورواه ابن راهويه في المسند وابن جرير في تهذيب الآثار وابن أبي عاصم في السنة و الطحاوي في مشكل الآثار والمحاملي في الأمالي وابن عقدة والخطيب من حديث ابن عباس ، ورواه أحمد والنسائي في الكبرى والخصايص وابن ماجة والحسن بن سفيان و الدولابي في الكنى وابن عساكر في التاريخ من حديث البراء بن عازب ، ورواه أحمد والترمذي والنسائي في الكبرى وابن حبان في الصحيح والبزار والدولابي في الكنى و


(312)
الطبراني والحاكم وآخرون عن زيد بن أرقم ، ورواه أحمد والنسائي في الكبرى و الخصائص وسمويه في فوائده وعثمان بن أبي شيبة وابن جرير في التهذيب وابن حبان والحاكم والطبراني في الصغير وأبو نعيم في الحلية وتاريخ إصبهان والفضايل وابن عقدة وابن عساكر من طرق تبلغ حد التواتر عن بريدة ، ورواه أحمد والنسائي في الكبرى والطبراني من حديث أبي أيوب ، ورواه الترمذي وابن عقدة والطبراني والدارقطني و من طريقه ابن عساكر من حديث حذيفة بن أسيد إلا أنه عند الترمذي على الشك ، و رواه النسائي وابن ماجة وسعيد بن منصور وابن جرير في التهذيب والبزار وابن عقدة وابن عساكر من حديث سعد بن أبي وقاص ، ورواه ابن أبي شيبة والبزار في مسنديهما و أبو يعلى والطبراني في الأوسط وابن عقدة ، ورواه الطبراني في الصغير وابن عقدة وأبو نعيم في الحلية والتاريخ والخطيب وابن عساكر من حديث أنس بن مالك ، ورواه الحاكم والطبراني في الأوسط وأبو نعيم في التاريخ وابن عساكر من حديث أبي سعيد ، ورواه عثمان بن أبي شيبة والنسائي في سننهما وابن عقدة وأبو يعلى والطبراني والبانياسي في جزئه وأبو نعيم في تاريخ إصبهان وابن عساكر في تاريخ دمشق من حديث جابر بن عبد الله ، ورواه الطبراني من حديث عمرو بن ذي مر ، ورواه عثمان بن أبي شيبة في سننه وابن عقدة والطبراني وابن عدي ومن طريقه ابن عساكر من حديث ابن عمر ، ورواه ابن عقدة والطبراني وابن عساكر من حديث مالك بن الحويرث ، ورواه أبو نعيم في الحلية والطبراني و أبو طاهر المخلص وابن قانع وابن عساكر عن حبشي بن جنادة ، ورواه الطبراني وابن عقدة من حديث جرير بن عبد الله البجلي ، ورواه البزار من حديث عمارة ، والطبراني وابن عقدة وابن عساكر من حديث عمار بن ياسر ، وابن عساكر من حديث رباح بن الحارث ، ومن حديث عمر ابن الخطاب ، ومن حديث نبيط بن شريط ، ورواه ابن عقدة وابن عساكر من حديث سمرة بن جندب ، ورواه الطوسي في أماليه من حديث أبي ليلي ، ورواه أبو نعيم في الصحابة من حديث جندب الأنصاري ، ورواه ابن عقدة في كتاب الموالاة من حديث جماعة بأسانيد متعددة منهم : حبيب بن بديل ، وقيس بن ثابت ، وزيد بن شرحبيل ، والعباس بن عبد المطلب ، والحسن بن علي وأخوه ، وعبد الله بن جعفر ، وسلمة بن الأكوع ، وزيد بن أبي ثابت ، وأبو ذر ، وسلمان الفارسي ، ويعلى بن مرة ، وخزيمة بن ثابت ، وسهل بن حنيف ، وأبو


(313)
رافع ، وزيد بن حارثة ، وجابر بن سمرة ، وضمرة الأسلمي ، وعبد الله بن أبي أوفى ، وعبد الله بن بسر المازني ، وعبد الرحمن بن يعمر الديلمي ، وأبو الطفيل ، وسعد بن جنادة ، وعامر بن عميرة ، وحبة بن جوين ، وأبو أمامة ، وعامر بن ليلى ، ووحشي بن حرب ، وعايشة ، وأم سلمة ، ورواه الحاكم من حديث طلحة بن عبيد الله.
وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته
وهو السميع العليم وإن تطع أكثر من في
الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون
إلا الظن وإن هم إلا يخرصون

( سورة الأنعام 115 ، 116 )


(314)
محاكمة
حول سند الحديث
وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهوائهم
( سورة المائدة )
    لقد أوقفك البحث والتنقيب البالغان على زرافات من علماء الأمة وحفاظ الحديث ورؤساء المذهب ( ألسنة والجماعة ) رووا حديث الغدير وأخبتوا وسكنوا إليه. وعلى آخرين رووا عنه كل ريبة وشك ، وحكموا بصحة أسانيد جمة من طرقه ، وحسن طرق أخرى ، وقوة طايفة منها ، وهناك أمة من فطاحل العلماء حكموا بتواتر الحديث ، وشنعوا على من أنكر ذلك ، ولقد علمت أن من رواه من الصحابة في ما وقفنا على روايته مائة وعشرة صحابي ، ومر ص 155 : أن الحافظ السجستاني رواه عن مائة و عشرين صحابيا. وأسلفنا ص 158 عن الحافظ أبي العلاء الهمداني : إنه رواه بمائتي و وخمسين طريقا. وعليه فقس رواية التابعين ومن بعدهم في الأجيال المتأخرة. فلن تجد فيما يؤثر عن رسول الله صلى الله عليه وآله حديثا يبلغ هذا المبلغ من الثبوت و اليقين والتواتر. وقد أفرد شمس الدين الجزري ( المترجم ص 129 ) رسالة في إثبات تواتره ونسب منكره إلى الجهل ، فهو كما مر ص 307 عن الفقيه ضياء الدين المقبلي : إن لم يكن معلوما فما في الدين معلوم. وص 295 عن العاصمي : حديث تلقته الأمة بالقبول ، وهو موافق بالأصول. وص 296 عن الغزالي : إنه أجمع الجمهور على متنه. وص 295 : إتفق عليه جمهور أهل السنة. وص 309 عن البدخشي : حديث صحيح مشهور ولم يتكلم في صحته إلا متعصب جاحد لا اعتبار بقوله. وص 297 : إنه حديث متفق على صحته ، وإن صدره متواتر يتيقن أن رسول الله قاله ، وذيله زيادة قوية الاسناد. وص 311 : إنه حديث صحيح قد أخطأ من تكلم في صحته. وص 310 :


(315)
إنه حديث مشهور كثير الطرق جدا. وص 310 من قول الآلوسي : نعم ثبت عندنا إنه صلى الله عليه وسلم قاله في حق علي. وص 302 ، حديث صحيح لا مرية فيه. وص 299 ، 301 : إنه متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم ومتواتر عن أمير المؤمنين أيضا ، رواه الجم الغفير ، ولا عبرة بمن حاول تضعيفه ممن لا إطلاع له في هذا العلم ( يعني علم الحديث ). وص 304 : إنه حديث صحيح لا مرية فيه ولا شك ينافيه ، ولا يلتفت إلى قول من تكلم في صحته ، و لا إلى قول من نفى الزيادة. وص 299 : إنه متواتر لا يلتفت إلى من قدح في صحته و صح عن جماعة ممن يحصل القطع بخبرهم. وص 295 عن الاصبهاني : حديث صحيح ثابت لا أعرف له علة ، قد رواه نحو مائة نفس منهم العشرة المبشرة. إلى كلمات أخرى ذكرت مفصلة.
    لكن بين ثنايا العصبية ومن وراء ربوات الأحقاد حثالة حدى بهم الانحياز عن مولانا أمير المؤمنين صلوات الله عليه إلى تعكير هذا الصفو وإقلاق تلك الطمأنينة بكل جلبة ولغط ، فمن منكر صحة صدور الحديث (1) معللا بأن عليا كان باليمن وما كان مع رسول الله في حجته تلك. إلى آخر ينكر صحة صدر الحديث (2) ويقول : لم يروه أكثر من رواه. إلى ثالث يضعف ذيله (3) ويقول : لا ريب أنه كذب. ورابع يطعن في أصله ، ويعتبر الدعاء الملحق به (4) ويقول : لم يخرج غير أحمد إلا الجزء الأخير من قوله صلى الله عليه وسلم أللهم ؟ وال من والاه ... إلخ.
    وقد عرفت تواتر الجميع والاتفاق على صحته ونصوص العلماء على اعتبار هذه كلها ، غير آبهين بكل ما هناك من الصخب واللغب ، فالإجماع قد سبق المهملجين و لحقهم حتى لم يبق لهم في مستوى الاعتبار مقيلا.
    وهناك من يقول تارة : إنه لم يروه علمائنا (5) وأخرى : إنه لا يصح من طريق
1 ـ حكاه الطحاوي وغيره عن بعض وأجابوا عنه كما سبق ص 294 و 300.
2 ـ التفتازاني في المقاصد ص 290 وقلده بعض من تأخر عنه.
3 ـ ابن تيمية في منهاج السنة 4 ص 85.
4 ـ محمد محسن الكشميري في نجاة المؤمنين.
5 ـ قاله ابن حزم في المفاضلة بين الصحابة.


(316)
الثقات (1) وقلده بعض مقلدي المتأخرين وقال : لم يذكره الثقات من المحدثين (2) وهو بنفسه يقول بتواتره في موضع آخر من كتابه. ونحن لا نقابل البادي والتابع إلا بالسلام كما أمرنا الله سبحانه بذلك (3).
    وأنا لا أدري أن قصر الباع لم يدع الباري يعرف علماء أصحابه ؟ أو أن يقف على الصحاح والمسانيد ؟ أو أنه لا يقول بثقة كل أولئك الأعلام ؟
فإن كان لا يدري فتلك مصيبة وإن كان يدري فالمصيبة أعظم
    وفي القوم من يلوك بين أشداقه أنه ما أخرجه إلا أحمد في مسنده (4) وهو مشتمل على الصحيح والضعيف. فكأنه لم يقف على تأليف غير مسند أحمد ، أوأنه لم يوقفه السير على الأسانيد الجمة الصحيحة والقوية في الصحاح والمسانيد والسنن وغيرها ، وكأنه لم يطلع على ما أفرده الأعلام بالتأليف حول أحمد ومسنده ، أو لم يطرق سمعه ما يقوله السبكي في طبقاته ج 1 ص 201 من أنه ألف ( أحمد ) مسنده وهو أصل من أصول هذه الأمة ، قال الإمام الحافظ أبو موسى المديني المترجم ص 116 : مسند الإمام أحمد أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث ، إنتقى من أحاديث كثيرة ومسموعات وافرة ، فجعل إماما ومعتمدا وعند التنازع ملجأ و ومستندا على ما أخبرنا والدي وغيره بأن المبارك بن عبد الجبار كتب إليهما من بغداد قال : أخبرنا. ثم ذكر السند من طريق الحافظ ابن بطة إلى أحمد إنه قال : إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا ، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله فارجعوا إليه فإن كان فيه وإلا ليس بحجة. و قال عبد الله : قلت لأبي : لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند ؟ فقال : عملت هذا الكتاب إماما إذا اختلف الناس في سنة عن رسول الله رجع إليه. وقال : قال أبو موسى المديني : ولم يخرج إلا عمن ثبت عنده صدقه وديانته دون من طعن في أمانته. وقال
1 ـ حكاه عن ابن حزم ابن تيمية في منهاج السنة 4 ص 86.
2 ـ الهروي سبط ميرزا مخدوم بن عبد الباقي في السهام الثاقبة.
3 ـ في محكم كتابه بقوله : وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.
4 ـ قاله محمد محسن الكشميري في نجاة المؤمنين.


(317)
أبو موسى : ومن الدليل على أن ما أودعه الإمام أحمد قد احتاط فيه إسنادا ومتنا لم يورد فيه إلا ما صح سنده. ثم ذكر دليل مدعاه. إنتهى ملخصا.
    وكأنه لم يقف على ما يقول الحافظ الجزري المترجم ص 129 من قصيدة له يمدح بها الإمام أحمد ومسنده وذكرها في [ المصعد الأحمد في ختم مسند أحمد ] ص 45 :
وإن كتاب المسند البحر للرضى حوى من الحديث المصطفى كل جوهر فما من صحيح كالبخاري جامعا فتى حنبل للدين أية مسند وجمع فيه كل در منضد ولا مسند يلفى كمسند أحمد
    وهذا الحافظ السيوطي يقول في ديباجة جمع الجوامع كما في كنز العمال ج 1 ص 3 : وكل ما في مسند أحمد فهو مقبول ، فإن الضعيف الذي فيه يقرب من الحسن. فهب أنا سالمنا الرجل على ما يقول ولكن ما ذنب أحمد ؟ وما التبعة على المسند ؟ إن كان هذا الحديث من قسم الصحاح من رواياته. على أنه ليس من الممكن مسالمته على تخصيص الرواية بأحمد وأولئك رواته أمم من الأئمة أدرجوه في الصحاح والمسانيد وأخرجوه ثقة عن ثقة ورجال كثير من أسانيده رجال الصحيحين.
    وجاء آخر يقول (1) : نقل [ حديث الغدير ] في غير الكتب الصحاح. ذاهلا عن أن الحديث أخرجه الترمذي في صحيحه ، وابن ماجة في سننه ، والدارقطني بعدة طرق ، وضياء الدين المقدسي في المختارة و و و ... م ـ وسمعت في ص 311 قول الشيخ محمد الحوت : رواه أصحاب السنن غير أبي داود ورواه أحمد وصححوه. وأصحابه يقولون : إنها كتب صحاح فالعز وإليها معلم بالصحة.
    وبهذا تعرف قيمة قول من قدح (2) في صحته بعدم رواية الشيخين في صحيحيهما وجاء آخر يصححه ويثبت حسنه وينقل اتفاق جمهور أهل السنة عليه ويقول : و كم حديث صحيح ما أخرجه الشيخان كما مر ص 304 : ونحن نقول : حتى أن الحاكم النيسابوري استدرك عليهما كتابا ضخما لا يقل عن الصحيحين في الهجم ، وصافقه على
1 ـ حسام الدين السهارنپوري في مرافض الروافض.
2 ـ القاضي عضد الإيجي في المواقف والتفتازاني في شرح المقاصد.


(318)
كثير مما أخرجه الذهبي في الملخص ، وتجد في تراجم العلماء مستدركات أخرى على الصحيحين.
    وهذا الحاكم النيسابوري يقول في المستدرك 1 ص 3 : لم يحكما [ يعني البخاري ومسلم ] ولا واحد منهما بأنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجاه. وقد نبغ في عصرنا هذا جماعة من المبتدعة يشمتون برواة الآثار بأن جميع ما يصح عندكم من الحديث لا يبلغ عشرة آلاف حديث ، وهذه الأسانيد المجموعة المشتملة على ألف جزء أو أقل أو أكثر منه كلها سقيمة غير صحيحة.
    وقد سألني جماعة من أعيان أهل العلم بهذه المدينة وغيرها أن أجمع كتابا يشتمل على الأحاديث المروية بأسانيد يحتج محمد بن إسماعيل [ البخاري ] ومسلم بن الحجاج بمثلها ، إذ لا سبيل إلى إخراج ما لا علة له فإنهما رحمهما الله لم يدعيا ذلك لأنفسهما.
    وقد خرج جماعة من علماء عصرهما ومن بعدهما عليهما أحاديث قد أخرجاها و هي معلولة وقد جهدت في الذب عنها في المدخل إلى الصحيح بما رضيه أهل الصنعة ، و أنا أستعين الله على إخراج أحاديث رواتها ثقات قد احتج بمثلها الشيخان رضي الله عنهما أو أحدهما ، وهذا شرط الصحيح عند كافة فقهاء أهل الاسلام ، إن الزيادة في الأسانيد و المتون من الثقات مقبولة.
    وقال الحافظ الكبير العراقي في فتح المغيث ص 17 في شرح قوله في ألفية الحديث :
ولم يعماه ولكن قل ما عند ابن الأخرم منه قد فاتهما
    أي لم يعم البخاري ومسلم كل الصحيح ، يريد لم يستوعباه في كتابيهما ولم يلتزما ذلك ، وإلزام الدارقطني وغيره إياهما بأحاديث ليس بلازم ، قال الحاكم في خطبة المستدرك : ولم يحكما ولا واحد منها إنه لم يصح من الحديث غير ما أخرجاه. قال البخاري : ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطول. وقال مسلم : ليس كل صحيح وضعته هنا إنما وضعت هنا ما أجمعوا عليه. يريد ما وجد عنده فيها شرايط المجمع عليه وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم. وقال العراقي أيضا ص 19 في شرح قوله :


(319)
وخذ زيادة الصحيح إذ تنص بجمعه نحو ابن حبان الزكي صحته أو من مصنف ينص وابن خزيمة وكالمستدرك
    لما تقدم أن البخاري ومسلما لم يستوعبا إخراج الصحيح فكأنه قيل : فمن أين يعرف الصحيح الزايد على ما فيهما ؟ فقال : خذه إذ تنص صحته. أي حيث ينص على صحته إمام معتمد كأبي داود والترمذي والنسائي والدارقطني والخطابي والبيهقي في مصنفاتهم المعتمدة كذا قيده ابن الصلاح بمصنفاتهم ولم أقيده بها بل إذا صح الطريق إليهم أنهم صححوه ولو في غير مصنفاتهم ، أو صححه من لم يشتهر له تصنيف من الأئمة كيحيى بن سعيد القطان وابن معين ونحوهما فالحكم كذلك على الصواب ، وإنما قيده ابن الصلاح بالمصنفات لأنه ذهب إلى أنه ليس لأحد في هذه الأعصار أن يصحح الأحاديث فلهذا لم يعتمد على صحة السند إلى من صححه في غير تصنيف مشهور. ويؤخذ الصحيح أيضا من المصنفات المختصة بجمع الصحيح فقط كصحيح أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ، وصحيح أبي حاتم محمد بن حبان ، وكتاب المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم ، وكذلك ما يوجد في المستخرجات على الصحيحين من زيادة أو تتمة لمحذوف فهو محكوم بصحته. إنتهى.
    ولا يخفى على الباحث أن القرون الأولى لم يكن يوجد فيها شيء من كل هذا اللغط أمام ما أصحر به نبي الاسلام يوم الغدير. نعم كان هناك شرذمة من أهل الحنق والأحقاد على آل الله ، وكانوا ينحتون له قضية شخصية واقعة بين أمير المؤمنين وزيد بن حارثة ، كل ذلك تصغيرا لموقعه العظيم في النفوس ، إلى أن جاء المأمون الخليفة العباسي وأحضر أربعين من فقهاء عصره وناظرهم في ذلك ، وأثبت عليهم حق القول في الحديث كما مر ص 210 ، ثم في القرن الرابع تلقته الأمة بالقبول ، وأخبت به الحفاظ الاثبات من دون غمز فيه رادين عنه قول من يقدح فيه ممن لا يعرف باسمه ورسمه : بأن عليا ما كان مع رسول الله في حجته تلك كما مر ص 295.
    وقد أسلفنا لك صريح كلمات الأعلام باتفاق جمهور أهل السنة على صحة الحديث وأقوالهم في تواتره. وهناك أعاظم مشايخ الشيخين ( البخاري ومسلم ) قد رووه بأسانيد صحاح وحسان ، مخبتين إليه وفيهم جمع من الذين يروي عنهم الشيخان بأسانيدهم في


(320)
الصحيحين من مشيخة القرن الثالث.
    ألا ؟ وهم :

يحيى بن آدم المتوفّى 203 شبابة بن سوار المتوفّى 206 أسود بن عامر المتوفّى 208
عبدالرزّاق بن همام 211 عبد الله بن يزيد 212 عبيد الله بن موسى 213
حجاج بن منهال 217 فضل بن دكين 218 عفان بن مسلم 219
علي بن عياش 219 محمد بن كثير 223 موسى بن إسماعيل 223
قيس بن حفص 227 هدبة بن خالد 235 عبد الله بن أبي شيبة 235
عبيد الله بن عمر 235 إبراهيم بن المنذر 236 ابن راهويه إسحاق 237
عثمان بن أبي شيبة 239 قتيبة بن سعيد 240 حسين بن حريث 244
أبو الجوزاء أحمد 246 أبو كريب محمد 248 يوسف بن عيسى 249
نصر بن علي 251 محمد بن بشار 252 محمد بن المثنى 252
يوسف بن موسى 253 محمد صاعقة 255

وغيرهم. (1)
    فعدم إخراج البخاري ومسلم هذا الحديث المتفق على صحته وتواتره والحال هذه لا يكون قدحا في الحديث إن لم يكن نقصا في الكتابين ومؤلفيهما. وكأن الشيخ محمود القادري فطن بهذا وحاول بقوله المذكور ص 304 : وكم حديث صحيح ما أخرجه الشيخان. تقديس ساحة الكتابين ومؤلفيهما عن هذا النقص. لا أنه أراد إثبات صحة الحديث بذلك ، كيف ؟ وهو يقول ؟ إتفق على ما ذكرنا جمهور أهل السنة.
    وغير خاف على النابه البصير أن البادي بخلاف الإجماع في رد الحديث هو ابن حزم الأندلسي (2) وهو يقول : إن الأمة لا تجتمع على خطأ. ثم تبعه في ذلك ابن تيمية وجعل قوله مدرك قدحه في الحديث ولم يجد غميزة فيه غيره بيد أنه زاد عليه قوله : نقل عن البخاري وإبراهيم الحراني وطائفة من أهل العلم بالحديث أنهم طعنوا فيه وضعفوه. ذاهلا عن قوله في منهاج السنة 4 ص 13 : إن قصة الغدير كانت في مرتجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع وقد أجمع الناس على هذا. ثم قلدهما من راقه الانحياز عن الحق الثابت من نظراء التفتازاني والقاضي الايجي والقوشجي و
1 ـ سبقت تراجم هؤلاء جميعا من ص 82 ـ 93.
2 ـ ستقف على الرأي العام فيه بعد تمام المحاكمة.
كتاب الغدير ـ الجزء الأول ::: فهرس