كتاب الغدير ـ الجزء الأول ::: 341 ـ 350
(341)
وكم قد سمعنا من المصطفى وفي يوم خم رقى منبرا فأمنحه إمرة المؤمنين وفي كفه كفه معلنا وقال : فمن كنت مولى له وصايا مخصصة في علي وبلغ والصحب لم ترحل من الله مستخلف المنحل ينادي بأمر العزيز العلي علي له اليوم نعم الولي
    ومن أولئك : كميت بن زيد الأسدي الشهيد 126 حيث يقول :
ويوم الدوح دوح غدير خم ولكن الرجال تبايعوها أبان له الولاية لو أطيعا فلم أر مثلها خطرا مبيعا
    ومنهم : السيد إسماعيل الحميري المتوفى 179 في شعره الكثير الآتي ومنه :
لذلك ما اختاره ربه فقام بخم بحيث الغدير وقم له الدوح ثم ارتقى ونادى ضحى باجتماع الحجيج فقال وفي كفه حيدر ألا ؟ إن من أنا مولى له فهل أنا بلغت ؟ قالوا : نعم يبلغ حاضركم غائبا فقوموا بأمر مليك السما فقاموا لبيعته صافقين فقال : إلهي ؟ وال الولي وكن خاذلا للأولى يخذلون فكيف ترى دعوة المصطفى أحبك يا ثاني المصطفى لخير الأنام وصيا ظهيرا وحط الرحال وعاف المسيرا على منبر كان رحلا وكورا فجاءوا إليه صغيرا كبيرا يليح إليه مبينا مشيرا : فمولاه هذا قضا لن يجورا فقال : اشهدوا غيبا أو حضورا وأشهد ربي السميع البصيرا يبايعه كل عليه أميرا أكفا فأوجس منهم نكيرا وعاد العدو له والكفورا وكن للأولى ينصرون نصيرا مجابا بها أم هباءا نثيرا ؟ ومن أشهد الناس فيه الغديرا
    ومنهم : العبدي الكوفي من شعراء القرن الثاني في بائيته الكبيرة بقوله.
وكان عنها لهم في خم مردجر لما رقى أحمد الهادي على قتب



(342)
وقال والناس من دان إليه ومن قم يا علي ؟ فإني قد أمرت بأن إني نصبت عليا هاديا علما فبايعوك وكل باسط يده ثاو لديه ومن مصغ ومرتقب : أبلغ الناس والتبليغ أجد ربي بعدي وإن عليا خير منتصب إليك من فوق قلب عنك منقلب
    ومنهم شيخ العربية والأدب أبو تمام المتوفى 231 في رائيته بقوله :
ويوم الغدير استوضح الحق أهله أقام رسول الله يدعوهم بها يمد بضبعيه ويعلم : أنه يروح ويغدو بالبيان لمشعر فكان لهم جهر بإثبات حقه بضحياء لا فيها حجاب ولا ستر ليقربهم عرف وينآهم نكر ولي ومولاكم فهل لكم خبر ؟ يروح بهم غمر ويغدو بهم غمر وكان لهم في بزهم حقه جهر
    وتبع هؤلاء جماعة من بواقع العلم والعربية الذين لا يعدون مواقع اللغة ، و لا يجهلون وضع الألفاظ ، ولا يتحرون إلا الصحة في تراكيبهم وشعرهم ، كدعبل الخزاعي. والحماني الكوفي. والأمير أبي فراس. وعلم الهدى المرتضى. والسيد الشريف الرضي. والحسين بن الحجاج. وابن الرومي. وكشاجم. والصنوبري. و المفجع. والصاحب بن عباد. والناشي الصغير. والتنوخي. والزاهي. وأبي العلا السروي. والجوهري. وابن علوية. وابن حماد. وابن طباطبا. وأبي الفرج. والمهيار. والصولي النيلي. والفنجكردي. إلى غيرهم من أساطين الأدب وأعلام اللغة ، ولم يزل أثرهم مقتصا في القرون المتتابعة إلى يومنا هذا ، وليس في وسع الباحث أن يحكم بخطأ هؤلاء جميعا وهم مصادره في اللغة ومراجع الأمة في الأدب.
    وهنالك زرافات من الناس فهموا من اللفظ هذا المعنى وإن لم يعربوا عنه بقريض لكنهم أبدوه في صريح كلماتهم ، أو أنه ظهر من لوائح خطابهم ، ومن أولئك الشيخان وقد أتيا أمير المؤمنين عليه السلام مهنئين ومبايعين وهما يقولان : أمسيت يا بن أبي طالب ؟ مولى كل مؤمن ومؤمنة (1) فليت شعري أي معنى من معاني المولى الممكنة تطبيقه على مولانا لم يكن قبل ذلك اليوم حتى تجدد به فأتيا يهنئانه لأجله ويصارحانه
1 ـ مر حديث التهنئة بأسانيده وتفاصيله ص 270 ـ 283.

(343)
بأنه أصبح متلفعا به يوم ذاك ؟ أهو معنى النصرة أو المحبة اللتين لم يزل أمير المؤمنين عليه السلام متصفا بهما منذ رضع ثدي الإيمان مع صنوه المصطفى صلى الله عليه وآله ؟ أم غيرهما مما لا يمكن أن يراد في خصوص المقام ؟ لاها الله لا ذلك ولا هذا ، وإنما أرادا معنى فهمه كل الحضور من أنه أولى بهما وبالمسلمين أجمع من أنفسهم وعلى ذلك بايعاه وهنئاه.
    ومن أولئك : الحارث بن النعمان الفهري ( أو : جابر ) المنتقم منه بعاجل العقوبة يوم جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وهو يقول : يا محمد ؟ أمرتنا بالشهادتين و الصلاة والزكاة والحج ثم لم ترض بهذا حتى رفعت بضبعي ابن عمك ففضلته علينا وقلت : من كنت مولاه فعلي مولاه. وقد سبق حديثه ص 239 ـ 247 فهل المعنى الملازم للتفضيل الذي استعظمه هذا الكافر الحاسد ، وطفق يشكك أنه من الله أم أنه محاباة من الرسول ، يمكن أن يراد به أحد ذينك المعنيين أو غيرهما ؟ أحسب أن ضميرك الحر لا يستبيح لك ذلك ، ويقول لك بكل صراحة : إنه هو تلك الولاية المطلقة التي لم يؤمن بها طواغيت قريش في رسول الله صلى الله عليه وآله إلا بعد قهر من آيات باهرة ، وبراهين دامغة ، وحروب طاحنة ، حتى جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا. فكانت هي في أمير المؤمنين أثقل عليهم وأعظم ، وقد جاهر بما أضمره غيره الحارث بن النعمان فأخذه الله أخذ عزيز مقتدر.
    ومن أولئك : النفر الذين وافوا أمير المؤمنين عليه السلام في رحبة الكوفة قائلين : السلام عليك يا مولانا. فاستوضح الإمام عليه السلام الحالة لإيقاف السامعين على المعنى الصحيح وقال : كيف أكون مولاكم وأنتم رهط من العرب ؟ فأجابوه إنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول يوم غدير خم : من كنت مولاه فعلي مولاه (1) عرف القارئ الكريم أن المولوية المستعظمة عند العرب الذين لم يكونوا يتنازلون بالخضوع لكل أحد ليست هي المحبة والنصرة ولا شيء من معاني الكلمة و إنما هي الرياسة الكبرى التي كانوا يستصعبون حمل نيرها إلا بموجب يخضعهم لها و هي التي استوضحها أمير المؤمنين عليه السلام للملأ باستفهام فكان من جواب القوم : أنهم
1 ـ راجع ما أسلفناه من أسانيد هذا الحديث ومتنه ص 187 ـ 191.

(344)
فهموها من نص رسول الله صلى الله عليه وآله.
    وهذا المعنى غير خاف حتى على المخدرات في الحجال فقد أسلفنا ص 208 عن الزمخشري في ربيع الأبرار عن الدارمية الحجونية التي سألها معاوية عن سبب حبها لأمير المؤمنين عليه السلام وبغضها له فاحتجت عليه بأشياء منها : إن رسول الله عقد له الولاية بمشهد منه يوم غدير خم ، وأسند بغضها له إلى أنه قاتل من هو أولى بالأمر منه وطلب ما ليس له. ولم ينكره عليها معاوية.
    وقبل هذه كلها مناشدة أمير المؤمنين عليه السلام واحتجاجه به يوم الرحبة وقد أوقفناك على تفصيل أسانيده وطرقه الصحيحة المواترة ص 166 ـ 185 ، وكان ذلك لما نوزع في خلافته وبلغه اتهام الناس له فيما كان يرويه من تفضيل رسول الله صلى الله عليه وآله له وتقديمه إياه على غيره كما مر ص 183 و 300 و 301 و 304 و 309 ، وقال برهان الدين الحلبي في سيرته 3 ص 303 : احتج به بعد أن آلت إليه الخلافة ردا على من نازعه فيها. أفترى والحالة هذه معنى معقولا للمولى غير ما نرتأيه وفهمه هو عليه السلام ومن شهد له من الصحابة ومن كتم الشهادة إخفاءا لفضله حتى رمي بفاضح من البلاء ، ومن نازعه حتى أفحم بتلك الشهادة ؟ وإلا فأي شاهد له في المنازعة بالخلافة في معنى الحب والنصرة وهما يعمان ساير المسلمين ؟ إلا أن يكونا على الحد الذي سنصفه إنشاء الله وهو معنى الأولوية المطلوبة.
    والواقف على موارد الحجاج بين أفراد الأمة وفي مجتمعاتها وفي تضاعيف الكتب منذ ذلك العهد المتقادم إلى عصورنا هذه جد عليم بأن القوم لم يفهموا من الحديث إلا المعنى الذي يحتج به للإمامة المطلقة وهو الأولوية من كل أحد بنفسه وماله في دينه ودنياه الثابت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وللخلفاء المنصوصين عليهم من بعده ، نحيل الوقوف على ذلك على حيطة الباحث وطول باع المتتبع فلا نطيل بإحصاؤها المقام.

( مفعل بمعنى أفعل )
    أما إن لفظ مولى يراد به لغة الأولى ، أو إنه أحد معانيه ، فناهيك من البرهنة


(345)
عليه ما مجده في كلمات المفسرين والمحدثين من تفسير قوله تعالى في سورة الحديد : فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأويكم النار هي مولاكم و بئس المصير. فمنهم من حصر التفسير بأنها أولى بكم ، ومنهم من جعله أحد المعاني في الآية ، فمن الفريق الأول :
    1 ـ ابن عباس في تفسيره من تفسير الفيروز آبادي ص 342.
    2 ـ الكلبي (1) حكاه عنه الفخر الرازي في تفسيره 8 ص 93.
    3 ـ الفراء يحيى بن زياد الكوفي النحوي المتوفى 207 ، حكاه عنه الفخر الرازي في تفسيره 8 ص 93.
    4 ـ أبو عبيدة معمر بن مثنى البصري المتوفى 210 ، ذكره عنه الرازي في تفسيره 8 ص 93 وذكره استشهاده ببيت لبيد :
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه مولى المخافة خلفها وأمامها
    وذكره عنه ، شيخنا المفيد في رسالته في معنى المولى ، والشريف المرتضى في الشافي من كتابه غريب القرآن وذكر استشهاده ببيت لبيد ، واحتج الشريف الجرجاني في شرح المواقف 3 ص 271 بنقل ذلك عنه ردا على الماتن.
    5 ـ الأخفش الأوسط أبو الحسن سعيد بن مسعدة النحوي المتوفى 215 ، نقله عنه الفخر الرازي في نهاية العقول وذكر استشهاده ببيت لبيد.
    6 ـ أبو زيد سعد بن أوس اللغوي البصري المتوفى 215 ، حكاه عنه صاحب الجواهر العبقرية.
    7 ـ البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل المتوفى 215 ، قاله في صحيحه 7 ص 240.
    8 ـ ابن قتيبة المتوفى 276 ( المترجم ص 96 ) قاله في القرطين 2 ص 164 واستشهد ببيت لبيد.
    9 ـ أبو العباس ثعلب أحمد بن النحوي الشيباني المتوفى 291 ، قال القاضي الزوزني حسين بن أحمد المتوفى 486 في شرح السبع المعلقة في بيت لبيد المذكور
1 ـ محمد بن سائب المفسر النسابة المتوفى 146 بالكوفة.

(346)
قال ثعلب : إن المولى في هذا البيت بمعنى الأولى بالشيء كقوله : مأويكم النار هي موليكم. أي هي أولى بكم.
    10 ـ أبو جعفر الطبري المتوفى 310 ، ذكره في تفسيره 9 ص 117.
    11 ـ أبو بكر الأنباري محمد بن القاسم اللغوي النحوي المتوفى 328 ، قاله في تفسيره ـ مشكل القرآن ـ نقله عنه الشريف المرتضى في الشافي وذكر استشهاده ببيت لبيد ، وابن بطريق في العمدة ص 55.
    12 ـ أبو الحسن الرماني علي بن عيسى المشهور بالوراق النحوي المتوفى 384 / 82 ، ذكره عنه الفخر الرازي في نهاية العقول.
    13 ـ أبو الحسن الواحدي المتوفى 468 ( المترجم ص 111 ) ففي الوسيط : مأويكم النار هي مولاكم.
    هي أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب ، والمعنى : إنها هي التي تلي عليكم لأنها قد ملكت أمركم فهي أولى بكم من كل شيء.
    14 ـ أبو الفرج ابن الجوزي المتوفى 597 ( المترجم ص 117 ) نقله في تفسيره زاد المسير عن أبي عبيدة مرتضيا له.
    15 ـ أبو سالم محمد بن طلحة الشافعي المتوفى 652 ، قاله في مطالب السئول ص 16.
    16 ـ شمس الدين سبط ابن الجوزي الحنفي المتوفى 654 ، قاله في التذكرة ص 19.
    17 ـ محمد بن أبي بكر الرازي ، صاحب مختار الصحاح قال في غريب القرآن ( فرغ منه 668 ) : المولى : الذي هو أولى بالشيء ومنه قوله : مأويكم النار هي مولاكم ، أي هي أولى بكم ، والمولى في اللغة على ثمانية أوجه ( وعد منها ). الأولى بالشئ.
    18 ـ التفتازاني المتوفى 791 ، ذكره في شرح المقاصد ص 288 نقلا عن أبي عبيدة.
    19 ـ ابن الصباغ المالكي المتوفى 855 ( المترجم ص 131 ) عد في الفصول المهمة ص 28 ، الأولى بالشيء من معاني المولى المستعملة في الكتاب العزيز.


(347)
    20 ـ جلال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي المتوفى 854 ، في تفسير الجلالين.
    21 ـ جلال الدين أحمد الخجندي ، ففي ـ توضيح الدلايل على ترجيح الفضايل ـ عنه أنه قال : المولى يطلق على معان ، ومنها : الأولى في قوله تعالى : هي مولاكم. أي أولى بكم.
    22 ـ علاء الدين القوشجي المتوفى 879 ، ذكره في شرح التجريد.
    23 ـ شهاب الدين أحمد بن محمد الخفاجي الحنفي المتوفى 1069 ، قاله في حاشية تفسير البيضاوي مستشهدا ببيت لبيد.
    24 ـ السيد الأمير محمد الصنعاني ، قاله في الروضة الندية نقلا عن الفقيه حميد المحلي.
    25 ـ السيد عثمان الحنفي المكي المتوفى 1268 ، قاله في تاج التفاسير 2 ص 196.
    26 ـ الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي المتوفى 1303 ، قال في النور الساري ـ هامش صحيح البخاري ـ 7 ص 240 : هي مولاكم : أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم.
    27 ـ السيد محمد مؤمن الشبلنجي ، ذكره في نور الأبصار ص 78.
( ومن الفريق الثاني )
    28 ـ أبو إسحاق أحمد الثعلبي المتوفى 427 ، قال في الكشف والبيان : مأويكم النار هي مولاكم. أي صاحبتكم وأولى وأحق بأن تكون مسكنا لكم ، ثم استشهد ببيت لبيد المذكور.
    29 ـ أبو الحجاج يوسف بن سليمان الشنتميري المتوفى 476 ، قاله في ـ تحصيل عين الذهب ـ ( ط تعليق كتاب سيبويه ) ج 1 ص 202 في قوله لبيد واستشهد بالآية الكريمة.
    30 ـ الفراء حسين بن مسعود البغوي المتوفى 510 ، قاله في معالم التنزيل.
    31 ـ الزمخشري المتوفى 538 ، ذكره في الكشاف 2 ص 435 ، واستشهد


(348)
ببيت لبيد ، ثم قال : لا يجوز أن يراد هي ناصركم .. إلخ.
    32 ـ أبو البقاء محب الدين العكبري البغدادي المتوفى 616 ، قاله في تفسيره ص 135.
    33 ـ القاضي ناصر الدين البيضاوي المتوفى 692 ، ذكره في تفسيره 2 ص 497 واستشهد ببيت لبيد.
    34 ـ حافظ الدين النسفي المتوفى 701 / 710 ، ذكره في تفسيره ( هامش تفسير الخازن ) 4 ص 229.
    35 ـ علاء الدين علي بن محمد الخازن البغدادي المتوفى 741 ، قاله في تفسيره 4 ص 229.
    36 ـ ابن سمين أحمد بن يوسف الحلبي المتوفى 856 ، قال في تفسيره ـ المصون في علم الكتاب المكنون ـ : هي مولاكم.
    يجوز أن يكون مصدرا أي ولايتكم أي ذات ولايتكم ، وأن يكون مكانا أي مكان ولايتكم. وأن يكون أولى بكم كقولك : هو مولاه.
    37 ـ نظام الدين النيسابوري ، قاله في تفسيره ( هامش تفسير الرازي ) 8.
    38 ـ الشربيني الشافعي المتوفى 977 ، قاله في تفسيره 4 ص 200 واستشهد ببيت لبيد.
    39 ـ أبو السعود محمد بن محمد الحنفي القسطنطيني المتوفى 972 ، ذكر في تفسيره ( هامش تفسير الرازي ) 8 ص 72 ، ثم ذكر بقية المعاني.
    40 ـ الشيخ سليمان جمل ، ذكر في تعليقه على تفسير الجلالين الذي أسماه بالفتوحات الإلهية وفرغ منه سنة 1198.
    41 ـ المولى جار الله الله آبادي ، قال في حاشية تفسير البيضاوي : المولى مشتق من الأولى بحذف الزايد.
    42 ـ محب الدين أفندي ، قاله في شرح بيت لبيد في كتابه [ تنزيل الآيات على الشواهد من الأبيات ] ط سنة 1281.
    ولولا أن هؤلاء وهم أئمة العربية وبواقع اللغة عرفوا أن هذا المعنى من معاني


(349)
اللفظ اللغوية لما صح لهم تفسيره ، وأما قول البيضاوي بعد أن ذكر معنى الأولى : وحقيقته محراكم أي مكانكم الذي يقال فيه : هو أولى بكم كقولك : هو مئنة الكرم أي مكان قول القائل : إنه الكريم. أو : مكانكم عما قريب ، من الولي وهو القرب. أو ناصركم على طريقة قوله : تحية بينهم ضرب وجيع. أو متوليكم يتولاكم كما توليتم موجباتها في الدنيا.
    فإنه لا يعني به الحقيقة اللغوية التي نص بها أولا وإنما يريد الحاصل من المعنى ، ويشعر إلى ذلك تقديم قوله : هي أولى بكم. واستشهاده ببيت لبيد الذي لم يحتمل فيه غير هذا المعنى. وقوله أخيرا : مكانكم الذي يقال فيه. إلخ. وإنه أخذ في تقريب بقية المعاني بأنحاء من العناية يناسب كل منها واحدا منهن إلا معنى ـ الأولى ـ فإنه لم يقربه من الوجهة اللغوية ، بل أثبته بتقديمه والاستشهاد بالشعر ، وإنما طفق يقربه من وجهة القصد والإرادة. ويقرب منه ما في تفسير النسفي.
    وقال الخازن : هي مولاكم أي وليكم. وقيل : أولى بكم لما أسلفتم من الذنوب. والمعنى هي التي تلي عليكم لأنها ملكت أمركم وأسلمتم إليها ، فهي أولى بكم من كل شيء ، وقيل : معنى الآية : لا مولى لكم ولا ناصر ، لأن من كانت النار مولاه فلا مولى له.
    أما تفسيره بالولي فلا منافاة فيه لما نرتأيه لما ثبت من مساوقة الولي مع المولى في جملة من المعاني ، ومنها : الأولى بالأمر ، وسيوافيك إيضاح ذلك إنشاء الله ، فيكون القولان محض تغاير في التعبير لا تباينا في الحقيقة. وما استرسل بعد ذلك من البيان فهو تقريب لإرادة المعنى كما أسلفناه. والقول الثالث هو ذكر لازم المعنى سواء كان هو الولي أو الأولى ، فلا معاندة بينه وبين ما تقدمه من تفسير اللفظ. وهناك آيات أخرى استعمل فيها المولى أيضا بمعنى الأولى بالأمر منها :
    قوله تعالى في سورة البقرة : أنت مولانا. قال الثعلبي في [ الكشف والبيان ] أي ناصرنا وحافظنا وولينا وأولى بنا.
    وقوله تعالى في سورة آل عمران : بل الله مولاكم. قال أحمد بن الحسن الزاهد الدرواجكي في تفسيره المشهور بالزاهدي : أي الله أولى بأن يطاع.


(350)
    وقوله تعالى في سورة التوبة : ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون. قال أبو حيان في تفسيره 5 ص 52 : قال الكلبي : أي أولى بنا من أنفسنا في الموت والحياة. وقيل : مالكنا وسيدنا فلهذا يتصرف كيف شاء. وقال السجستاني العزيزي في [ غريب القرآن ] ص 154 : أي ولينا ، والمولى على ثمانية أوجه المعتق بالكسر والمعتق بالفتح والولي. والأولى بالشئ. وابن العم. والصهر. والجار. والحليف.

( كلام الرازي في مفاد الحديث )
    أقبل الرازي يتتعتع ويتلعثم بشبه يبتلعها طورا ، ويجترها تارة ، وأخذ يصعد ويصوب في الاتيان بالشبه بصورة مكبرة فقال بعد نقله معنى الأولى عن جماعة ما نصه :
    قال تعالى : مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير. وفي لفظ المولى هيهنا أقول : أحدها : قال ابن عباس : مولاكم أي مصيركم. وتحقيقه أن المولى موضع الولي وهو القرب ، فالمعنى : إن النار هي موضعكم الذي تقربون منه وتصلون إليه. والثاني : قال الكلبي : يعني أولى بكم. وهو قول الزجاج والفراء وأبي عبيدة. و أعلم أن هذا الذي قالوه معنى وليس بتفسير اللفظ لأنه لو كان مولى وأولى بمعنى واحد في اللغة لصح استعمال كل واحد منهما في مكان الآخر فكان يجب أن يقال : هذا مولى من فلان. ولما بطل ذلك علمنا أن الذي قالوه معنى وليس بتفسير ، وإنما نبهنا على هذه الدقيقة لأن الشريف المرتضى لما تمسك في إمامة علي بقوله عليه السلام : من كنت مولاه فعلي مولاه. قال : أحد معاني مولى إنه أولى. واحتج في ذلك بأقوال أئمة اللغة في تفسيره هذه الآية بأن مولى معناه أولى ، وإذا ثبت أن اللفظ محتمل له وجب حمله عليه لأن ما عداه إما بين الثبوت ككونه ابن العم (1) والناصر ، أو بين الانتفاء كالمعتق والمعتق فيكون على التقدير الأول عبثا ، وعلى
1 ـ هذه غفلة عجيبة وسيوافيك أن النبي صلى الله عليه وآله كان ابن عم جعفر وعقيل وطالب وآل أبي طالب كلهم ولم يكن أمير المؤمنين ابن عم لهم فإنه كان أخاهم ، فهذا مما يلزم منه الكذب لو أريد من لفظ المولى لا مما هو بين الثبوت.
كتاب الغدير ـ الجزء الأول ::: فهرس