كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: 131 ـ 140
(131)
6 ـ خطبة أمير المؤمنين بعد التحكيم
    لما خرجت الخوارج وهرب أبو موسى إلى مكة ورد علي عليه السلام ابن عباس إلى البصرة قام في الكوفة خطيبا فقال : الحمد لله ، وإن أتى الدهر بالخطب الفادح ، والحدث الجليل ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ليس معه إله غيره ، وأن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وآله ـ أما بعد ـ : فإن معصية الناصح الشفيق العالم المجرب ، تورث الحسرة ، وتعقب الندامة ، وقد كنت أمرتكم في هذه الحكومة أمري ، ونحلت لكم مخزون رأيي ، لو كان يطاع لقصير أمر (1) فأبيتم علي إباء المخالفين الجفاة ، والمنابذين العصاة ، حتى ارتاب الناصح بنصحه ، وضن الزند بقدحه ، فكنت أنا وإياكم كما قال أخو هوازن (2) :
أمرتكم أمري بمنعرج اللوى فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد
    ألا ؟ إن هذين الرجلين : ( عمرو بن العاص وأبا موسى الأشعري ) اللذين اخترتموهما حكمين قد نبذا حكم القرآن وراء ظهورهما ، وأحييا ما أمات القرآن ، و أماتا ما أحيى القرآن ، واتبع كل واحد منهما هواه بغير هدى من الله ، فحكما بغير حجة بينة ، ولا سنة ماضية ، واختلفا في حكمهما ، وكلاهما لم يرشد (3) ، فبرئ الله منهما ورسوله وصالح المؤمنين ، واستعدوا وتأهبوا للمسير إلى الشام.
    الإمامة والسياسة 1 ص 119 ، تاريخ الطبري 6 ص 45 ، مروج الذهب 2 ص 35 ، نهج البلاغة 1 ص 44 ، كامل ابن الأثير 3 ص 146.
    ذكر ابن كثير في تاريخه 7 ص 286 هذه الخطبة ولما لم يعجبه ذكر أهل العيث والفساد بما هم عليه ، أولم يره صادرا من أهله في محله ، أولم يرض أن تطلع الأمة الإسلامية على حقيقة عمرو بن العاص وصويحبه فبتر الخطبة وذكرها إلى
1 ـ قصير هو مولى جذيمة الأبرش ، وكان قد أشار على سيده أن لا يأمن الزباء ملكة الجزيرة ، وقد دعته إليها ليزوجها ، فخالفه وقصد إليها فقتلته فقال قصير : لا يطاع لقصير أمر. فذهب مثلا.
2 ـ دريد بن الصمة.
3 ـ في الإمامة والسياسة : لم يرشدهما الله.


(132)
آخر البيت فقال : ثم تكلم فيما فعله الحكمان فرد عليهما ما حكما به وأنبهما ، و قال ما فيه حط عليهما. ا ه‍
     وهناك لأمير المؤمنين عليه السلام في خطبه كلمات كثيرة حول الرجل مثل قوله : قد سار إلى مصر ابن النابغة عدو الله وولي من عادى الله. وقوله : إن مصرا افتتحها الفجرة أولو الجور والظلم الذين صدوا عن سبيل الله وبغوا الاسلام عوجا. (1) نضرب عنها صفحا روما للاختصار.

7 ـ قنوت أمير المؤمنين بلعن عمرو
    م ـ أخرج أبو يوسف القاضي في ( الآثار ) ص 71 من طريق إبراهيم قال : إن عليا رضي الله عنه قنت يدعو على معاوية رضي الله عنه حين حاربه فأخذ أهل الكوفة عنه ، وقنت معاوية يدعو على علي فأخذ أهل الشام عنه ].
    وروى الطبري في تاريخه 6 ص 40 قال : كان علي إذا صلى الغداة يقنت فيقول : أللهم ؟ العن معاوية ، وعمرا ، وأبا الأعور السلمي ، وحبيبا ، وعبد الرحمن بن خالد ، والضحاك بن قيس ، والوليد. فبلغ ذلك معاوية فكان إذا قنت لعن عليا ، وابن عباس ، والأشتر ، وحسنا ، وحسينا.
    ورواه نصر بن مزاحم في كتاب صفين ص 302 وفي ط مصر ص 636 وفيه : كان علي إذا صلى الغداة والمغرب وفرغ من الصلاة يقول : أللهم ؟ العن معاوية ، و عمرا ، وأبا موسى ، وحبيب بن سلمة. إلى آخر الحديث باللفظ المذكور ، غير أن فيه : قيس بن سعد مكان الأشتر.
    م ـ وقال ابن حزم في المحلى 4 : 145 : كان علي يقنت في الصلوات كلهن ، و كان معاوية يقنت أيضا ، يدعو كل واحد منهما على صاحبه ].
    ورواه الوطواط في ( الخصايص ) ص 330 وزاد فيه : ولم يزل الأمر على ذلك برهة من ملك بني أمية إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة فمنع من ذلك. وذكره ابن الأثير في ( أسد الغابة ) 3 ص 144 بلفظ الطبري.
    م ـ وقال أبو عمر في ( الاستيعاب ) في الكنى في ترجمة أبي الأعور السلمي : كان
1 ـ تاريخ الطبري 6 ص 61 و 62.

(133)
هو وعمرو بن العاص مع معاوية بصفين ، وكان من أشد من عنده على علي رضي الله عنه ، وكان علي رضي الله عنه يذكره في القنوت في صلاة الغداة يقول : أللهم عليك به. مع قوم يدعو عليهم في قنوته. وذكره على لفظ الطبري أبو الفدا في تاريخه 1 : 179 ].
    م ـ وقال الزيلعي في نصب الراية 2 : 131 : قال إبراهيم : وأهل الكوفة إنما أخذوا القنوت عن علي ، قنت يدعو على معاوية حين حاربه ، وأهل الشام أخذوا القنوت عن معاوية قنت يدعو على علي ].
    ورواه أبو المظفر سبط ابن الجوزي الحنفي في تذكرته ص 59 بلفظ الطبري حرفيا إلى قنوت معاوية وزاد فيه : محمد بن الحنفية ، وشريح بن هاني. وذكره ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة 1 ص 200 نقلا عن كتابي صفين لابن ديزيل ( المترجم له ج 1 ص 73 ) ونصر بن مزاحم. وذكره الشبلنجي في ( نور الأنصار ) ص 110.

8 ـ دعاء عايشة على عمرو
    لما بلغ عايشة قتل محمد بن أبي بكر جزعت عليه جزعا شديدا وجعلت تقنت وتدعو في دبر الصلاة على معاوية وعمرو بن العاص.
    رواه الطبري في تاريخه 6 ص 60 ، ابن الأثير في ( الكامل ) 3 ص 155 ، ابن كثير في تاريخه 7 ص 314 ، ابن أبي الحديد في شرح النهج 2 : 33.

9 ـ الإمام الحسن الزكي وعمرو
    روى الزبير بن بكار في كتاب ( المفاخرات ) قال : اجتمع عند معاوية عمرو بن العاص ، والوليد بن عقبة بن أبي معيط ، وعتبة بن أبي سفيان بن حرب ، والمغيرة بن شعبة ، وقد كان بلغهم عن الحسن بن علي عليه السلام قوارص (1) وبلغه عنهم مثل ذلك فقالوا : يا أمير المؤمنين ؟ إن الحسن قد أحيا أباه وذكره ، وقال فصدق ، وأمر فأطيع ، وخفقت له النعال ، وإن ذلك لرافعه إلى ما هو أعظم منه ، ولا يزال يبلغنا عنه ما يسوءنا. قال معاوية : فما تريدون : ؟ قالوا : ابعث عليه فليحضر لنسبه ونسب أباه ونعبره ونوبخه ونخبره أن أباه قتل عثمان ونقرره بذلك ، ولا يستطيع أن
1 ـ الكلمة القارصة : التي تنغص وتؤلم. جمع قوارص.

(134)
يغير علينا شيئا من ذلك. قال معاوية : إني لا أرى ذلك ولا أفعله. قالوا : عزمنا عليك يا أمير المؤمنين ؟ لتفعلن. فقال : ويحكم لا تفعلوا فوالله ما رأيته قط جالسا عندي إلا خفت مقامه وعيبه لي. قالوا : ابعث إليه على كل حال. قال : إن بعثت إليه لأنصفنه منكم. فقال عمرو بن العاص : أتخشى أن يأتي باطله على حقنا ؟ أو يربي قوله على قولنا ؟ قال معاوية : أما إني إن بعثت إليه لآمرنه أنه يتكلم بلسانه كله. قالوا : مره بذلك. قال : أما إذا عضيتموني وبعثتم إليه وأبيتم إلا ذلك فلا تمرضوا له في القول واعلموا أنهم أهل بيت لا يعيبهم العائب ، ولا يلصق بهم العار ، ولكن اقذفوه بحجره تقولون له : إن أباك قتل عثمان ، وكره خلافة الخلفاء من قبله.
    فبعث إليه معاوية فجاءه رسوله فقال : إن أمير المؤمنين يدعوك. قال : من عنده ؟ فسماهم ، فقال الحسن عليه السلام : ما لهم خر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون. ثم قال : يا جارية ؟ ابغيني ثيابي ، أللهم ؟ إني أعوذ بك من شرورهم ، وأدرأ بك في نحورهم ، وأستعين بك عليهم ، فاكفنيهم كيف شئت وأنى شئت بحول منك وقوة يا أرحم الراحمين. ثم قام فدخل على معاوية. إلى أن قال : فتكلم عمرو بن العاص فحمد الله وصلى على رسوله ثم ذكر عليا عليه السلام فلم يترك شيئا يعيبه به إلا قاله ، وقال : إنه شتم أبا بكر وكره خلافته وامتنع من بيعته ثم بايعه مكرها ، وشرك في دم عمر ، وقتل عثمان ظلما ، وادعى من الخلافة ما ليس له : ثم ذكر الفتنة يعيره بها وأضاف إليه مساوي.
    وقال : إنكم يا بني عبد المطلب ؟ لم يكن الله ليعطيكم الملك على قتلكم الخلفاء واستحلالكم ما حرم الله من الدماء ، وحرصكم على الملك ، وإتيانكم ما لا يحل ، ثم إنك يا حسن ؟ تحدث نفسك إن الخلافة صائرة إليك ، وليس عندك عقل ذلك ولا لبه ، كيف ترى الله سبحانه ، سلبك عقلك ، وتركك أحمق قريش يسخر منك ويهزأ بك ، وذلك لسوء عمل أبيك ، وإنما دعوناك لنسبك وأباك ، فأما أبوك فقد تفرد الله به وكفانا أمره ، وأما أنت فإنك في أيدينا نختار فيك الخصال ، ولو قتلناك ما كان علينا إثم من الله ، ولا عيب من الناس ، فهل تستطيع أن ترد علينا وتكذبنا ؟ فإن كنت ترى أنا كذبنا في شيء فاردده علينا فيما قلنا ، وإلا فاعلم أنك وأباك ظالمان.


(135)
    فتكلم الحسن بن علي عليهما السلام فحمد الله وأثنى عليه وصلى على رسوله ( إلى أن قال لعمرو بعد جمل ذكرت ص 122 ) : وقاتلت رسول الله صلى الله عليه وآله في جميع المشاهد ، وهجوته وآذيته بمكة ، وكدته كيدك كله ، وكنت من أشد الناس له تكذيبا وعداوة ، ثم خرجت تريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكة ، فلما أخطأك ما رجوت ، ورجعك الله خائبا ، وأكذبك واشيا ، جعلت حسدك على صاحبك عمارة بن الوليد فوشيت به إلى النجاشي حسدا لما ارتكب من حليلته ففضحك الله وفضح صاحبك ، فأنت عدو بني هاشم في الجاهلية والاسلام ، ثم إنك تعلم وكل هؤلاء الرهط يعلمون : أنك هجوت رسول الله صلى الله عليه وآله بسبعين بيتا من الشعر ، فقال رسول الله : أللهم ؟ إني لا أقول الشعر ولا ينبغي لي ، أللهم العنه بكل حرف ألف لعنة. فعليك إذن من الله ما لا يحصى من اللعن.
    وأما ما ذكرت من أمر عثمان فأنت سعرت عليه الدنيا نارا ثم لحقت بفلسطين فلما أتاك قتله قلت : أنا أبو عبد الله إذا نكأت ( أي : قشرت ) قرحة أدميتها. ثم حبست نفسك إلى معاوية ، وبعت دينك بدنياه ، فلسنا نلومك على بغض ، ولا نعاتبك على ود ، وبالله ما نصرت عثمان حيا ، ولا غضبت له مقتولا ، ويحك يا بن العاص ؟ ألست القائل ؟ في بني هاشم لما خرجت من مكة إلى النجاشي :
تقول ابنتي : أين هذا الرحيل ؟ فقلت : ذريني فإني امرؤ لأكويه عنده كية وشانئ أحمد من بنيهم وأجري إلى عتبة جاهدا ولا أنثني عن بني هاشم فإن قبل العتب مني له وما السير مني بمستنكر أريد النجاشي في جعفر أقيم بها نخوة الأصعر وأقولهم فيه بالمنكر ولو كان كالذهب الأحمر وما اسطعت في الغيب والمحضر وإلا لويت له مشفري (1)
    تذكرة سبط ابن الجوزي ص 14 ، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 103 ، جمهرة الخطب ج 2 ص 12.
1 ـ لوى الحبل : فتله. لوت الناقة بذنبها والوت : حركته. المشفر : الشدة والمنعة.

(136)
     ( بيان ) قوله عليه السلام : لتأتي بجعفر وأصحابه إلى مكة. يشير إلى هجرته الثانية إلى الحبشة وقد هاجر إليها من المسلمين نحو ثلاثة وثمانين رجلا وثمان عشر امرأة. وكان من الرجال جعفر بن أبي طالب ، ولما رأت قريش ذلك أرسلت في أثرهم عمرو بن العاص وعمارة الوليد بهدايا إلى النجاشي وبطارقته ليسلم المسلمين ، فرجعا خائبين ، وأبى النجاشي أن يخفر ذمته.
    قوله عليه السلام : لما ارتكب من حليلته. ذلك : إن عمرا وعمارة ركبا البحر إلى الحبشة وكان عمارة جميلا وسيما تهواه النساء ، وكان مع عمرو بن العاص امرأته ، فلما صاروا في البحر ليالي أصابا من خمر معها فانتشى عمارة فقال لامرأة عمرو : قبليني. فقال لها عمرو : قبلي ابن عمك. فقبلته ، فهواها عمارة وجعل يراودها عن نفسها ، فامتنعت منه ، ثم إن عمرا أجلس على منجاف (1) السفينة يبول فدفعه عمارة في البحر ، فلما وقع عمرو سبح حتى أخذ بمنجاف السفينة ، وضغن على عمارة في نفسه ، وعلم أنه كان أراد قتله ، ومضيا حتى نزلا الحبشة ، فلما اطمأنا بها لم يلبث عمارة أن دب لامرأة النجاشي فأدخلته فاختلف إليها ، وجعل إذا رجع من مدخله ذلك يخبر عمرا بما كان من أمره فيقول عمرو : لا أصدقك إنك قدرت على هذا ، إن شأن هذا المرأة أرفع من ذلك ، فلما أكثر عليه عمارة بما كان يخبره ورأى عمرو من حاله وهيئته ومبيته عندها حتى يأتي إليه من السحر ما عرف به ذلك قال له : إن كنت صادقا فقل لها : فلتدهنك بدهن النجاشي الذي لا يدهن به غيره ، فإني أعرفه وآتني بشئ منه حتى أصدقك. قال : أفعل. فسألها ذلك فدهنته منه وأعطته شيئا في قارورة ، فقال عمرو ، أشهد أنك قد صدقت لقد أصبت شيئا ما أصاب أحد من العرب مثله قط : امرأة الملك. ما سمعنا بمثل هذا ، ثم سكت عنه حتى اطمأن ودخل على النجاشي فأعلمه شأن عمارة وقدم إليه الدهن. فلما أثبت أمره دعا بعمارة ودعا نسوة أخر فجردوه من ثيابه ، ثم أمرهن ينفخن في إحليله حتى خلى سبيله فخرج هاربا. عيون الأخبار لابن قتيبة 1 ص 37 ، الأغاني 9 ص 56 ، شرح النهج لابن أبي الحديد 2 ص 107 ، قصص العرب 1 ص 89.
1 ـ منجاف السفينة : سكانها الذي تعدل به.

(137)
10 ـ كتاب ابن عباس إلى عمرو
    كتب ابن عباس مجيبا إلى عمرو بن العاص : أما بعد : فإني لا أعلم رجلا من العرب أقل حياءا منك ، إنه مال بك معاوية إلى الهوى ، وبعته دينك بالثمن اليسير ، ثم خبطت بالناس في عشوة طمعا في الملك ، فلما لم تر شيئا ، أعظمت الدنيا إعظاما أهل الذنوب وأظهرت فيها نزهة أهل الورع ، لا تريد بذلك إلا تمهيد الحرب ، وكسر أهل الدين ، فإن كنت تريد الله بذلك فدع مصر ، وارجع إلى بيتك ، فإن هذه الحرب ليس فيها معاوية كعلي ، بدأها علي بالحق ، وانتهى فيها إلى العذر ، وبدأها معاوية بالغي ، وانتهى فيها إلى السرف ، وليس أهل العراق فيها كأهل الشام ، بايع أهل العراق عليا وهو خير منهم ، وبايع أهل الشام معاوية وهم خير منه ، ولست أنا وأنت فيها بسواء ، أردت الله ، وأردت أنت مصر ، وقد عرفت الشيئ الذي باعدك مني ، وأعرف الشيئ الذي قربك من معاوية ، فإن ترد شرا لا نسبقك به ، وإن ترد خيرا لا تسبقنا إليه ، ثم دعا الفضل بن عباس فقال له : يا بن أم ؟ أجب عمرا. فقال الفضل :
يا عمرو حسبك من خدع ووسواس إلا تواتر طعن في نحوركم هذا الدواء الذي يشفي جماعتكم أماعلي فإن الله فضله إن تعقلوا الحرب نعقلها مخيسة (2) قد كان منا ومنكم في عجاجتها قتلى العراق بقتلى الشام ذاهبة لا بارك الله في مصر لقد جلبت يا عمرو إنك عار من مغانمها فاذهب فليس لداء الجهل من آس (1) يشجي النفوس ويشفي نخوة الراس حتى تطيعوا عليا وابن عباس بفضل ذي شرف عال على الناس أو تبعثوها فإنا غير أنكاس ما لا يررد وكرل عرضة الباس هذا بهذا وما بالحق من باس شرا وحظك منها حسوة الكاس (3) والراقصات ومن يوم الجزا كاس
    الإمامة والسياسة 1 ص 95 ، كتاب صفين ص 219 ، شرح ابن أبي الحديد
1 ـ أسا أسوا وأسا الجرح : داواه.
2 ـ خيس : ذلل. يقال : خيس الجمل : راضه وذلله بالركوب.
3 ـ الحسوة المرة من حساء : الجرعة الواحدة ج حسوات.


(138)
2 ص 288.
    وهناك أبيات تعزى إلى حبر الأمة ابن عباس في كتاب ( صفين ) لابن مزاحم ص 300 ذكر فيها عمرا بكل قول شائن.

11 ـ ابن عباس وعمرو
    حج عمرو بن العاص فمر بعبد الله بن عباس فحسده مكانه وما رأى من هيبة الناس له ، وموقعه من قلوبهم ، فقال له : يا بن عباس ؟ مالك إذا رأيتني وليتني قصرة (1) كأن بين عينيك دبرة (2) وإذا كنت في ملأ من الناس كنت الهوهاة (3) الهمزة ؟ (4) فقال ابن عباس : لأنك من اللئام الفجرة ، وقريش من الكرام البررة ، لا ينطقون بباطل جهلوه ، ولا يكتمون حقا علموه ، وهم أعظم الناس أحلاما ، وأرفع الناس أعلاما ، دخلت في قريش ولست منها ، فأنت الساقط بين فراشين ، لا في بني هاشم رحلك ، ولا في بني عبد شمس راحلتك ، فأنت الأثيم الزنيم ، الضال المضل ، حملك معاوية على رقاب الناس ، فأنت تسطو بحمله ، وتسعو بكرمه. فقال عمرو : أما والله إني لمسرور بك فهل ينفعني عندك ؟ قال ابن عباس : حيث مال الحق ملنا ، وحيث سلك قصدنا.
العقد الفريد 2 ص 136.

12 ـ ابن عباس وعمرو
    حضر عبد الله بن جعفر مجلس معاوية وفيه عبد الله بن عباس ، وعمرو بن العاص ، فقال عمرو : قد جاءكم رجل كثير الخلوات بالتمني ، والطربات بالتغني ، محب للقيان ، كثير مزاحه ، شديد طماحه ، صدود عن الشبان ، ظاهر الطيش ، رخي العيش ، أخاذ بالسلف منفاق بالسرف. فقال ابن عباس : كذبت والله أنت وليس كما ذكرت ولكنه : لله ذكور ولنعمائه شكور ، وعن الخنا زجور ، جواد كريم ، سيد حليم ، إذا رمى أصاب ، وإذا سئل أجاب ، غير حصر ولا هياب ، ولا عيابة مغتاب ، حل من قريش في كريم
1 ـ القصر والقصرة بفتح الصاد : الكسل.
2 ـ الدبر بفتح المهملة والموحدة : قرحة الدابة تحدث من الرحل ونحوه ج دبرو ادبار.
3 ـ الهوهاة : ضعيف القلب. أحمق.
4 ـ همز الشيطان الانسان : همس في قلبه وسواسا.


(139)
النصاب ، كالهزبر الضرغام ، الجرئ المقدام ، في الحسب القمقام ، ليس بدعي ولا دنئ ، لا كمن اختصم فيه من قريش شرارها ، فغلب عليه جزارها ، فأصبح ألأمها حسبا ، وأدناها منصبا ، ينوء منها بالذليل ، ويأوي منها إلى القليل ، مذبذب بين الحيين ، كالساقط بين المهدين ، لا المضطر فيهم عرفوه ، ولا الظاعن عنهم فقدوه ، فليت شعري بأي قدر تتعرض للرجال ؟ وبأي حسب تعتد به تبارز عند النضال ؟ أبنفسك ؟ وأنت : الوغد اللئيم ، والنكد الذميم ، والوضيع الزنيم ، أم بمن تنمي إليهم ؟ وهم : أهل السفه و الطيش ، والدناءة في قريش ، لا بشرف في الجاهلية شهروا ، ولا بقديم في الاسلام ذكروا ، جعلت تتكلم بغير لسانك ، وتنطق بالزور في غير أقرانك ، والله لكان أبين للفضل ، و أبعد للعدوان أن ينزلك معاوية منزلة البعيد السحيق ، فإنه طالما سلس داؤك ، و طمح بك رجاؤك إلى الغاية القصوى التي لم يخضر فيها رعيك ، ولم يورق فيها غصنك. فقال عبد الله بن جعفر : أقسمت عليك لما أمسكت فإنك عني ناضلت ، ولي فاوضت. فقال ابن عباس : دعني والعبد ، فإنه قد يهدر خاليا إذ لا يجد مراميا ، وقد أتيح له ضيغم شرس ، للاقران مفترس ، وللأرواح مختلس ، فقال عمرو بن العاص : دعني يا أمير المؤمنين أنتصف منه فوالله ما ترك شيئا. قال ابن عباس : دعه فلا يبقي المبقي إلا على نفسه ، فوالله إن قلبي لشديد ، وإن جوابي لعتيد ، وبالله الثقة ، وأني لكما قال نابغة بني ذبيان :
وقدما قد قرعت وقارعوني يصد الشاعر العراف عني فما نزر الكلام ولا شجاني صدود البكر عن قرم هجان
    هذا الحديث أخرجه الجاحظ في ( المحاسن والأضداد ) ص 101 ، والبيهقي في ( المحاسن والمساوي ) 1 ص 68 ، وقد مر ص 125 عن ابن عساكر لعبد الله بن أبي سفيان نحوه ، وفي بعض ألفاظه تصحيف يصحح بهذا.
13 ـ معاوية وعمرو
    لما علم معاوية أن الأمر لم يتم له إن لم يبايعه عمرو فقال له : يا عمرو ؟ اتبعني. قال. لماذا ؟ للآخرة ؟ فوالله ما معك آخرة ، أم للدنيا ؟ فوالله لا كان حتى أكون شريكك فيها. قال : فأنت شريكي فيها. قال : فاكتب لي مصر وكورها. فكتب له مصر وكورها ،


(140)
وكتب في آخر الكتاب : وعلى عمرو السمع والطاعة. قال عمرو : واكتب : إن السمع والطاعة لا ينقصان من شرطه شيئا. قال معاوية : لا ينظر الناس إلى هذا. قال عمرو : حتى تكتب. قال : فكتب ، ووالله ما يجد بدا من كتابتها ، ودخل عتبة بن أبي سفيان على معاوية وهو يكلم عمرا في مصر وعمرو يقول له : إنما أبايعك بها ديني. فقال عتبة : إئتمن الرجل بدينه فإنه صاحب من أصحاب محمد. وكتب عمرو إلى معاوية :
معاوي لا أعطيك ديني ولم أنل وما الدين والدنيا سواء وإنني فإن تعطني مصرا فأربح صفقة به منك دنيا فانظرن كيف تصنع لآخذ ما تعطي ورأسي مقنع أخذت بها شيخا يضر وينفع
العقد الفريد 2 ص 291.

14 ـ معاوية وعمرو
بصورة مفصلة
    كتب أمير المؤمنين عليه السلام إلى معاوية بن أبي سفيان يدعوه إلى بيعته ، فاستشار معاوية بأخيه عتبة بن أبي سفيان فقال له : استعن بعمرو بن العاص ، فإنه من قد علمت في دهائه ورأيه ، وقد اعتزل أمر عثمان في حياته ، وهو لأمرك أشد اعتزالا إلا أن تثمن له بدينه فسيبيعك ، فإنه صاحب دنيا ، فكتب إليه معاوية وهو بالسبع من فلسطين : ـ أما بعد ـ : فإنه قد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك ، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في رافضة (1) أهل البصرة ، وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي ، وقد حبست نفسي عليك حتى تأتيني ، أقبل أذاكرك أمرا. فلما قرأ الكتاب استشار ابنيه عبد الله ومحمد فقال لهما : ما تريان ؟ فقال عبد الله : أرى أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض وهو عنك راض والخليفتان من بعده ، وقتل عثمان وأنت عنه غايب ، فقر في منزلك فلست معجولا خليفة ، ولا تريد أن تكون حاشية لمعاوية على دنيا قليلة أوشك أن تهلك فتشقى فيها. وقال محمد : أرى أنك شيخ قريش وصاحب أمرها ، وأن تصرم هذا الأمر وأنت فيه خامل تصاغر أمرك ، فألحق بجماعة أهل الشام فكن يدا من أيديها وأطلب بدم عثمان ، فإنك قد استلمت فيه إلى بني أمية. فقال
1 ـ الرافضة : كل جند تركوا قايدهم.
كتاب الغدير ـ الجزء الثاني ::: فهرس