كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 11 ـ 20
(11)
مجانب عن الحق والحقيقة ، كل ذلك باسم كتاب ( حياة محمد )
    ألا ؟ وهو الأستاذ إميل در منغم.
    إن الرجل لما شاهد أن الاسلام علا هتافه اليوم ، ودوخ أرجاء العالم صيته ، وأطلت سمائه على الأرض كلها شرقا وغربا ، وشع نوره في كل طلل ووهد ، و عمت أشعته كل طارف وتليد ، وملأ الكون صراخ قومه بالثناء البالغ على الاسلام المقدس ونبيه الأقدس ، وكثر إعجابهم بكتابه السماوي ، وقانونه الاجتماعي ، وشرعه السوي ، وحكمه السياسي ، ودستوره الإصلاحي ، ومشعبه الحق المشعب.
    عز عليه كما عز على سلفه الغوغاء أن يشاهد هذا السلطان العالمي العظيم ، وهذه السيطرة الباهرة ، وهذه الشرعة العادلة الجبارة القاهرة للأكاسرة والتابعة والقياصرة والفراعنة ، الحاكمة على آراء الأقباط والأقسة وآباء الكنائس وزعماء البيع ومعتقداتهم.
    عز عليه أن يرى في بيئته الغربية بزوغ الاسلام الشرقي ، وتنور أفكار المثقفين من قومه بلمعات القرآن العربي المجيد ، وانتشار معارف الاسلام الخالدة في عواصم أوروبا كالسيل الجارف لأصول الضلال ، وأهواء الغرب ، وما هناك من فساد الخلايق ، ومضلات البدع.
    عز عليه أن يسمع بأذنيه من قلب العالم الأوربي بألسنة فلاسفتها نداء أن محمدا قاوم الوثنية بعزم واحد طول الحياة ولم يتردد لحظة واحدة بينها وبين عبادة الواحد الأحد (1).
    أو أن يسمع عن آخر منهم وهو ينادي : إن القرآن هو القانون العام لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فهو صالح لكل مكان وزمان (2)
    أو أن يسمع عن ثالث من قومه وقد ملأ الدنيا صوته وهو يقول : استقرت قواعد الاسلام على أساس مكين من الآيات البينات التي أنزلت تباعا وكان ختامها : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتمت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا ) (3)
1 ـ كلمة الكونت هنري دي كاستري.
2 ـ كلمة مسيو سنايس.
3 ـ كلمة الدكتور نجيب الارمنازى.


(12)
    أو أن يسمع بأذنيه القرآن العزيز وهو يتلى في الإذاعات كل يوم بكرة و عشيا ، وتقرع آية مسامع خلق الدنيا دون كتاب قومه وكتاب أي ملة.
م ونادى لسان الكون في الأرض رافعا أعباد عيسى إن عيسى وحزبه عقيرته في الخافقين ومنشدا وموسى جميعا يخدمون محمدا (1)
    فهناك تعصب الرجل وتشزر ، وشزر إلى الاسلام وكتابه ونبيه ، ونظر إليها بصدر عينه (2) وتشذر للدفاع عن نحلته والذب عن مبدءه الباطل ، فعلى نحيمه بصدر واغر على الحق ، وهو يشوب ولا يروب (2) وشرع يدعو إلى النصرانية باسم الاسلام وحياة محمد ، ويرى النبي محمدا جاء بكتاب عربي كما لو كان نصرانيا ذاكرا أنه واحدا من الأنبياء ص 100.
    ويرى للنصرانية أثرا في محمد ويزعم أن النصارى قد أيقظت شعور النبي الديني قبل بعثه ص 100. ويجد في القرآن أصول النصرانية ص 106.
    ويرى تأييد روح القدس لعيسى ذاتيا دون موسى ومحمد.
    ويعتقد لعيسى من عصمة ما لم تكن لمحمد ويراه قد جاء في القرآن (4) 107 ويرى النصرانية تشمل الاسلام وتضيف إليه بعض الشيء 118.
    ويرى المسيح ابن الله الوحيد بمعنى عرفاني يلائم الذوق الخرافي 110.
    ويرى القرآن يدعو إلى النصرانية الصحيحة وهو القول بألوهيته وبشريته و كون الطبيعين في شخص واحد 107 ، 112.
    ويعزو آراءه السخيفة جلها إلى القرآن المقدس ، ويرى القرآن لم يحط بكل ما هو حق في الأمر 109.
    ويرى آخر مصحف اعتمد عليه صنع الحجاج بن يوسف الثقفي ، وإمكان تلاوة المصحف الشريف على غير ما هو عليه.
1 ـ من أبيات للشاعر المفلق أبي الوفاء راجح الحلي المتوفى 627 ).
2 ـ مثل مشهور يضرب.
3 ـ الشوب : الخلط. والروب : الاصلاح. مثل يضرب.
4 ـ ليته دلنا على الآية الدالة عليه.


(13)
    ويرى علماء التوحيد قائلين بألوهية المسيح 109.
    ويرى الهوة بين المسلمين والنصارى نتيجة سوء التفاهم.
    ويرى التباعد بين الملتين من فكرة مفسري القرآن وعلماء الاسلام.
    ويرى العقل والتاريخ يستغربان عدم صلب المسيح.
    ويرى اعتقاد المسلمين بعدم صلب المسيح باطلا والآية الدالة عليه غامضة 111.
    ويؤول قوله تعالى : وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم. بما يلائم تعاليم النصرانية 112.
    ويعد من ضلال جزيرة العرب إنكار ألوهية المسيح والقول ببشريته فحسب 113 ويرى النبي قد وضع نفسه فوق جميع المعتقدات ما دام على غير علم بالنصرانية الصحيحة 114.
    ويعبر عن النبي الأعظم ب‍ ( البدوي الحمس ) 115.
    فهذه جملة من خرافاته الراجعة إلى التبشير والدعوة إلى النصرانية ، وبها يقف الباحث على غاية الكاتب وقيمة كتابه ، ويعرف أنه يحط في هواه ، ويحطب في حبله (1) جاهلا يأن حماة الدين ( دين البدوي الحمس ) نابهون يحومون حول الحمى ، ويعرفون حول الصلبان الزمزمة (2) ويدافعون عن بيضة الاسلام المقدسة كل سخب وصخب ولغط وكذب وإفك وقول زور ، وينزهون ساحته عن أرجاس الجاهلية وأنجاسها ، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون.
    ولو أردت الوقوف على الحقيقة في كل ما لفقه الرجل من إفك شائن فعليك بكتاب الهدى إلى دين المصطفى ، وكتاب الرحلة المدرسية وغيرهما من تآليف شيخنا العلم المجاهد الحجة الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي وما ألفه غيره من أعلام الأمة.
تسافل الشرق أو انحطاط العرب
    لا أحسب أن بسطاء الأمة الإسلامية فضلا عن أعلامها تخفى عليهم الغايات المتوخاة في أمثال هذه الكتب المزورة ، ولا تأمرهم أحلامهم قط بنشر ما خطته تلكم
1 ـ مثل ساير.
2 ـ مثل يضرب لمن يروم الشيء ولا يظهر مرامه.


(14)
الأقلام المستأجرة لزعانفة الجاهلية ، ولا يحسب أي حامل حساسات الحيابين جنبيه إن في تلكم التآليف فائدة طائلة قصرت عنها يد الشرق التي هي عاصمة علم الدنيا ، و مرتكز لواء كل فضيلة ومحمدة اجتماعية.
    ولا يهجس في خلد أي محنك أن في طي تلكم الكلم مقيلا من ظل الحقيقة ، أو أن أحدا من أولئك الأساتذة المستشرقين قد أتى بفكرة صالحة جديدة في إصلاح المجتمع من شؤون اجتماعية. أخلاقية. سياسية. أدبية. روحية لم يأت بها نبي الاسلام في كتابه وسنته ، حاشا نبي الاصلاح المبعوث لتتميم مكارم الأخلاق.
    فما حاجة الأمة العربية الآخذة بناصية الشرق إلى ترجمة هذه التآليف الفارغة عن أدب الدين ، أدب العلم. أدب النزاهة. أدب العفة. أدب الصدق والأمانة. أدب الحق والحقيقة ؟!
    وما هذا الانحطاط والتسافل البالغ في العروبة ، وقد أصبحت ( العياذ بالله ) في مسيس الحاجة إلى هذه الكتب المخزية تأليف كل خائر بائر ، تأليف من صفرت يداه عن كل خير ، والضلال سجيته وقرواه ؟!
    كيف تفتقر الأمة الإسلامية ( ولا تفتقر ولن تفتقر ) إلى تلك الكتب ! ؟ ولها كتابها العربي المقدس ، كتابها الاجتماعي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، كتابها الذي لا ريب فيه ، هدى للمتقين ، كتابها الباحث عن الآداب الاجتماعية وشؤون الصالح العام التي قوامها الحكمة ، وأساسها العدل والاحسان ، وجامعها العفة و القداسة والحنان.
    وكيف تفتقر وهي حاملة السنة النبوية ؟! تلك السنة الطافحة بغرر الحكم الاجتماعية ، والأحكام الحقوقية ، والجزائية ، والمدنية ، والدفاعية ، وما به انتظام الكون في قمع المظالم ، وصيانة الحقوق ، ودستور المعاش والمعاد ، وحفظ الصحة ، والمصالح العامة ، ومباني الترقي ، ومنقذات البشر من مخالب الجهل والضلال ، ودروس التقدم في عالم الرشد والصلاح.
    تلك السنة المؤسسة للحياة السياسية ، وروح الوحدة الاجتماعية ، والجوامع الأخلاقية ، والفضايل النفسية ، والحقوق النوعية والشخصية التي عليها مدار نظام حياة


(15)
النوع الانساني ، وتدبير شؤون المجتمع البشري في جميع أدوار الدنيا ، وقرونها المتكثرة.
    وكيف تفتقر ؟! وبين يديها برنامج الاصلاح الحيوي المشتمل لموجبات الأمن والدعة والسلام والوءام والنزوع إلى كل صالح ، والانحياز عن كل ما يفكك عرى المدنية الصحيحة ، والحضارة الراقية ، والدين المبين ، ألا وهو كتاب نهج البلاغة ( للإمام أمير المؤمنين تأليف الشريف الرضي ) الذي تراه فلاسفة الدنيا دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.
    يا أمه اثكليه
    هلم معي أيها الشرقي الاسلامي نسائل أستاذ فلسطين محمد عادل زعيتر [ وهو يدب مع القراد (1) وقد أساء القول وأساء العمل ] عن ترجمة هذا الكتاب [ حياة محمد ] الطافح بالضلال.
    نسائله عن جنايته الكبيرة على الأمة العربية بقوله في مقدمة ترجمته : قد تجنى المستشرقون على الحقائق في سيرة الرسول الأعظم لا ريب ، وقد كان تجنيهم هذا عاملا في زهد كتاب العرب عن نقل ما ألفوه إلى العربية على ما يحتمل ، ولكن عطل اللغة العربية من ذلك يعد نقصا في حركتنا العلمية على كل حال.
    كيف عطل اللغة العربية مما جنته يد الجاهلية وقد تجنت على الحقائق يعد نقصا في حركتنا العلمية التي تدور مع الكتاب والسنة ؟! وهما مدار علم العالم ، و بصيرة كل متنور ، ومرمى كل مثقف ، وضالة كل حكيم ، ومقصد كل فيلسوف شرقي أو غربي. وهذا نفس المؤلف يقول في مقدمة الكتاب : وأهم المصادر لتبيان حياة محمد هو القرآن وكتب الحديث والسيرة ، والقرآن أصح هذه المصادر وإن كان أو جزها.
    ليته كان يتبع كتاب العرب في زهدهم عن نقل ما ألفته يد الضلال إلى العربية ، ويتوقى قلمه عن نشر كلم الفساد في المجتمع الاسلامي من دون أي تعليق عليها ، وأي تنبيه للقارئ بفسادها وهو يقول : لا يظن القارئ أنني أشاطر المؤلف جميع ما ذهب إليه من الأمور التي أرى الحقيقة غابت عنه في كثير منها.
1 ـ مثل يضرب للرجل الشرير.

(16)
    اثكليه يا أمه ؟ بأي ثمن بخس أو خطير باع شرف أمته ، وعز نحلته ، و عظمة قومه ، وقداسة كتابه وسنته ؟ !.
    ولأي مرمى بعيد جعل نفسه مع [ إميل در منغم ] في بردة أخماس (1) ؟! وجاء يعاند الاسلام بنشر تلكم الأباطيل والأضاليل المضادة مع نحلته ، ويشوه سمعة مصره العزيزة ، وجامعها الأزهر ، وأساتذتها النزهاء ، وكتابها القادرين بنشر تلك التافهات المضلة في مطابعها المأسوف عليها وهو يقول في المقدمة : المؤلف مع ما ساده من حسن النية لم تخل سوانحه وأراؤه من زلات.
    ليتني أدري وقومي : ما حاجتنا إلى حسن نية مؤله المسيح عيسى بن مريم وجاعله ابن الله الوحيد ؟! وما الذي يعرب عن حسن نيته ؟ ! وكل صحيفة من كتابه أهلك من ترهات البسابس (2) وقلت صحيفة ليست فيها هنات تنم عن سوء طويته ، وفساد نيته ، وخبث رأيه.
    نعم : والذي أراه ( والمؤمن ينظر بنور الله ) إن المترجم راقه ما في الكتاب من الأكاذيب والمخاريق المعربة عن النزعات والأهواء الأموية فبذلك غدا الذئب للضبع (3) وجاء وقد أدبر غريره وأقبل هريرة (4) ووافق شن طبقة.
    نعم : راقه سلقه أهل بيت النبي الطاهر بسقطات القول وكذب الحديث وسرد تاريخ مفتعل يمس كرامة النبي الأقدس وناموس عترته مما يلائم الروح الأموية الخبيثة ، ويمثل آل الله للملأ بصورة مصغرة ، ويشوه سمعتهم بما لا يتحمله ناموس الطبيعة ، وشرف الانسانية ، من شراسة الخلق ، وسيئ العشرة ، وقبح المداراة. قال :
    كانت فاطمة عابسة دون رقية جمالا ، ودون زينب ذكاء ، ولم تدار فاطمة حينما أخبرها أبوها من وراء الستر أن علي بن أبي طالب ذكر اسمها ، وكانت فاطمة تعد عليا دميما محدودا مع عظيم شجاعته ، وما كان علي أكثر رغبة فيها من رغبتها فيه مع ذلك ص 197.
1 ـ ضرب من برود اليمن. وهو مثل يضرب للرجلين تحابا وتقاربا وفعلا فعلا واحدا.
2 ـ الترهات : الطرق الصغار ، البسابس جمع بسبس : الصحراء الواسعة.
3 ـ مثل يضرب لقريني سوء.
4 ـ الغرير : الخلق الحسن. الهرير ما يكره من سوء الخلق.


(17)
    وكان علي غير بهي الوجه لعينيه الكبيرتين الفاترتين وانخفاض قصبة أنفه و كبر بطنه وصلعه ، وذلك كله إلى أن عليا كان شجاعا تقيا صادقا وفيا مخلصا صالحا مع توان وتردد..
    وكان علي ينهت فيستقي الماء لنخيل أحد اليهود في مقابل حفنة تمر فكان إذا ما عاد بها قال لزوجته عابسا : كلي وأطعمي الأولاد..
    وكان علي يحرد بعد كل منافرة ويذهب لينام في المسجد وكان حموه يربته على كتفه ويعظه ويوفق بينه وبين فاطمة إلى حين ، ومما حدث أن رأى النبي ابنته في بيته ذات مرة وهي تبكي من لكم علي لها.
    إن محمدا مع امتداحه قدم علي في الاسلام إرضاء لابنته كان قليل الالتفات إليه. وكان صهر النبي الأمويان : عثمان الكريم وأبو العاصي أكثر مدارة للنبي من علي. وكان علي يألم من عدم عمل النبي على سعادة ابنته ، ومن عد النبي له غير قوام بجليل الأعمال ، فالنبي وإن كان يفوض إليه ضرب الرقاب كان يتجنب تسليم قيادة إليه. ص 199.
    وأسوأ من ذلك ما كان يقع عند مصاقبة علي وفاطمة لعدواتهما أزواج النبي وتنازع الفريقين ، فكانت فاطمة تعتب على أبيها متحسرة لأنه كان لا ينحاز إلى بناته. إلى غير ذلك من جنايات تاريخية سود بها الرجل صحيفة كتابه.
ما أساء من أعقب
    أنا لا ألوم المؤلف جدع الله مسامعه وإن جاء بأذني عناق (1) إذ هو من قوم حناق على الاسلام ، وهو مع ذلك جرف منهال وسحاب منجال (2) ينم كتابه عن عجره وبجره. وإنما العتب كل العتب على المترجم الجاني على الاسلام والشرق والعرب وهو يحسب نفسه منها نعم : جدب السوء يلجئ إلى نجعة سوء (3) والجنس إلى الجنس يميل.
1 ـ أي جاء بالكذب والباطل ، مثل ساير.
2 ـ مثل يضرب. يراد أنه لا يطمع في خيره
3 ـ مثل دائر. يعني أن الأمور كلها تنشأ كل في الجودة والرداءة.


(18)
    كل ما في الكتاب من تلكم الأقوال المختلقة ، والنسب المفتعلة إن هي إلا كلم الطائش ، تخالف التاريخ الصحيح ، وتضاد ما أصفقت عليه الأمة الإسلامية ، وما أخبر به نبيها الأقدس.
    هل تناسب تقولاته في فاطمة مع قول أبيها صلى الله عليه وآله وسلم : فاطمة حوراء إنسية كلما اشتقت إلى الجنة قبلتها ؟! (1).
    أو قوله صلى الله عليه وآله : ابنتي فاطمة حوراء آدمية ؟! (2).
    أو قوله صلى الله عليه وآله : فاطمة هي الزهرة ؟! (3).
    أو قول أم أنس بن مالك ؟! : كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر أو الشمس كفر غماما ، إذا خرج من السحاب بيضاء مشربة حمرة ، لها شعر أسود ، من أشد الناس برسول الله صلى الله عليه وسلم شبها ، والله كما قال الشاعر :
بيضاء تسحب من قيام شعرها فكأنها فيه نهار مشرق وتغيب فيه وهو جثل أسحم (4) وكأنه ليل عليها مظلم (5)
    ولقبها الزهراء المتسالم عليه يكشف عن جلية الحال.
    وهل يساعد تلك التحكمات في ذكاء فاطمة وخلقها قول أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها : كانت فاطمة تحدث في بطن أمها ، ولما ولدت فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدة رافعة إصبعها ؟! (6)
    أو يلائمها قول عايشة : ما رأيت أحدا أشبه سمتا ودلا وهديا وحديثا برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة ، وكانت إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبلها ورحب بها ، وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه ؟! (7).
1 ـ تاريخ الخطيب البغدادي 5 ص 86.
2 ـ الصواعق ص 96 ، إسعاف الراغبين ص 172 نقلا عن النسائي.
3 ـ نزهة المجالس 2 ص 222.
4 ـ جثل الشعر : كثر والتف واسود فهو جثل. سحم فهو أسحم : أسود.
5 ـ مستدرك الحاكم 3 ص 161.
6 ـ سيرة الملا ، ذخاير العقبى 45 ، نزهة المجالس 2 ص 227.
7 ـ أخرجه الحافظ ابن حبان كما في ذخاير العقبى 40 م والحافظ الترمذي وحسنه ، والحافظ العراقي في التقريب كما في شرحه له ولابنه 1 ص 150 ، وابن عبد ربه في العقد الفريد 2 ص 3 ، وابن طلحة في مطالب السئول ص 7 ) ، إسعاف الراغبين 171.


(19)
    م ـ وفي لفظ البيهقي في السنن 7 ص 101 : ما رأيت أحدا أشبه كلاما وحديثا من فاطمة برسول الله صلى الله عليه وسلم. الحديث ].
    وهل توافق مخاريقه في الإمام علي صلوات الله عليه ، وعدم بهاء وجهه ، وعد فاطمة له دميما وكونه عابسا مع ما جاء في جماله البهي : أنه كان حسن الوجه كأنه قمر ليلة البدر ، وكأن عنقه إبريق فضة (1) ضحوك السن (2) فإن تبسم فعن مثال اللؤلؤ المنظوم ؟! (3).
    وأين هي من قول أبي الأسود الدؤلي من أبيات له ؟!
إذا استقبلت وجه أبي تراب رأيت البدر حار الناظرينا (4)
    نعم :
حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله كضرائر الحسناء قلن لوجهها فالناس أعداء له وخصوم حسدا وبغضا : إنه لدميم
    أو يخبرك ضميرك الحر في علي ما سلقه الرجل به من ( التواني والتردد ) ؟! و علي ذلك المتقحم في الأحوال ، والضارب في الأوساط والأعراض في المغازي والحروب ، وهو الذي كشف الكرب عن وجه رسول الله في كل نازلة وكارسة منذ صدع بالدين الحنيف ، إلى أن بات على فراشه وفداه بنفسه ، إلى أن سكن مقره الأخير.
    أليس علي هو ذلك المجاهد الوحيد الذي نزل فيه قوله تعالى : ( أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله ). وقوله تعالى : ( ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضاة الله ) ؟! (5)
    فمتى خلى علي عن مقارعة الرجال والذب عن قدس صاحب الرسالة حتى يصح أن يعزى إليه توان أو تردد في أمر من الأمور ؟! غير أن القول الباطل لأحد له ولا أمد.
1 ـ كتاب صفين 262 ، الاستيعاب 2 ص 469 ، الرياض النضرة 2 ص 155 ، نزهة المجالس 2 ص 204.
2 ـ تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي.
3 ـ حلية الأولياء 1 ص 84 ، تاريخ ابن عساكر 7 ص 35 ، المحاسن والمساوي 1 ص 32.
4 ـ تذكرة السبط ص 104.
5 ـ راجع الجزء الثاني من كتابنا ص 47 ، 53 ط ثاني.


(20)
    وهل يتصور في أمير المؤمنين تلك العشرة السيئة مع حليلته الطاهرة ؟! والنبي يقول له : أشبهت خلقي وخلقي وأنت من شجرتي التي أنا منها (1)
    وكيف يراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل أمته أعظمهم حلما ، وأحسنهم خلقا ، ويقول : علي خير أمتي أعلمهم علما وأفضلهم حلما ؟! (2)
    ويقول لفاطمة : إني زوجتك أقدم أمتي سلما ، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما ؟! (3)
    ويقول لها : زوجتك أقدمهم سلما ، وأحسنهم خلقا ؟! (4)
    يقول هذه كلها وعشرته تلك كانت بمرئى منه ومسمع ، أفك الدجالون ، كان علي عليه السلام كما أخبر به النبي الصادق الأمين.
    وهل يقبل شعورك ما قذف به الرجل [ فض الله فاه ] عليا بلكم فاطمة بضعة المصطفى ؟! وعلي هو ذاك المقتص أثر الرسول وملأ مسامعه قوله صلى الله عليه وآله لفاطمة : إن الله يغضب لغضبك ، ويرضى لرضاك (5)
    وقوله صلى الله عليه وآله وهو آخذ بيدها : من عرف هذه فقد عرفها ، ومن لم يعرفها فهي بضعة مني ، هي قلبي وروحي التي بين جنبي ، فمن آذاها فقد آذاني (6)
    وقوله صلى الله عليه وآله : فاطمة بضعة مني ، يريبني ما رابها ، ويؤذيني ما آذاها (7)
1 ـ تاريخ بغداد للخطيب 11 ص 171.
2 ـ الطبري ، الخطيب ، الدولابي. كما في كنز العمال 6 ص 153 ، 392 ، 398.
3 ـ مسند أحمد 5 ص 26 ، الرياض النضرة 2 ص 194 ، ذخاير العقبى ص 78 ، مجمع الزوائد 9 ص 101 ، 114 وصححه ووثق رجاله.
4 ـ أخرجه أبو الخير الحاكمي كما في الرياض النضرة 2 ص 182.
5 ـ مستدرك الحاكم 3 ص 154 وصححه ، ذخاير العقبى ص 39 ، تذكرة السبط 175 مقتل الخوارزمي 1 ص 52 ، كفاية الطالب ص 219 ، شرح المواهب للزرقاني 3 : 202 ، كنوز الدقائق للمناوي ص 30 ، أخبار الدول للقرماني هامش الكامل 1 ص 185 ، كنز العمال 7 ص 111 عن الحاكم وابن النجار ، تهذيب التهذيب 12 ص 443 ، الإصابة 4 ص 378 ، الصواعق 105 ، الاسعاف 171 عن الطبراني ، ينابيع المودة 173.
6 ـ الفصول المهمة 150 ، نزهة المجالس 2 ص 228 ، نور الأبصار ص 45.
7 ـ صحاح البخاري ومسلم والترمذي ، مسند أحمد 4 ص 328 ، الخصايص للنسائي ص 35 ، الإصابة 4 ص 378.
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس