كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 21 ـ 30
(21)
    وقوله صلى الله عليه وآله : فاطمة بضعة مني ، فمن أغضبها فقد أغضبني (1)
    وقوله صلى الله عليه وآله : فاطمة بضعة مني ، يقبضني ما يقبضها ، ويبسطني ما يبسطها (2)
    وهل يقصر امتداح النبي عليا بقدم إسلامه ؟! حتى يتفلسف في سره ويكون ذلك إرضاء لابنته ، على أن امتداحه بذلك لو كان لتلك المزعمة لكان يقتصر صلى الله عليه وآله على قوله لفاطمة في ذلك وكان يتأتى الغرض به ، فلماذا كان يأخذ صلى الله عليه وآله بيد علي في الملأ الصحابي تارة ويقول : إن هذا أول من آمن بي ، وهذا أول من يصافحني يوم القيامة ؟ ولما ذا كان يخاطب أصحابه أخرى بقوله : أولكم واردا علي الحوض أولكم اسلاما علي بن أبي طالب ؟!
    وكيف خفي هذا السر المختلق على الصحابة الحضور والتابعين لهم بإحسان فطفقوا يمدحونه عليه السلام بهذه الأثارة كما يروى عن سلمان الفارسي. أنس بن مالك. زيد بن أرقم. عبد الله بن عباس. عبد الله بن حجل. هاشم بن عتبة. مالك الأشتر. عبد الله بن هاشم. محمد بن أبي بكر. عمرو بن الحمق. أبو عمرة عدي بن حاتم. أبو رافع. بريدة. جندب بن زهير. أم الخير بنت الحريش (3)
    وهل القول بقلة التفات النبي إلى علي يساعده القرآن الناطق بأنه نفس النبي الطاهر ؟!
    أو جعل مودته أجر رسالته ؟! أو قوله صلى الله عليه وآله في حديث الطير المشوي الصحيح المروي في الصحاح والمسانيد : أللهم أئتني بأحب خلقك إليك ليأكل معي ؟!
    أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعايشة : إن عليا أحب الرجال إلي ، وأكرمهم علي ، فاعرفي له حقه وأكرمي مثواه ؟! (4)
    أو قوله صلى الله عليه وآله : أحب الناس إلي من الرجال علي ؟! (5)
1 ـ صحيح البخاري ، خصايص النسائي ص 35.
2 ـ مسند أحمد 4 ص 323 ، 332 ، الصواعق 112.
3 ـ سيأتي في هذا الجزء نص كلماتهم.
4 ـ أخرجه الحافظ الخجندي كما في الرياض 2 ص 161 ، وذخاير العقبى 62.
5 ـ وفي لفظ : أحب أهلي. من حديث أسامة.


(22)
    أو قوله صلى الله عليه وآله : علي خير من أتركه بعدي ؟! (1).
    أو قوله صلى الله عليه وآله : خير رجالكم علي بن أبي طالب ، وخير نساءكم فاطمة بنت محمد ؟! (2).
    أو قوله صلى الله عليه وآله : علي خير البشر فمن أبى فقد كفر ؟! (3).
    أو قوله صلى الله عليه وآله : من لم يقل علي خير الناس فقد كفر ؟ (4).
    أو قوله صلى الله عليه وآله : في حديث الراية المتفق عليه : لا عطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله؟
    أو قوله صلى الله عليه وآله : علي مني بمنزلة الرأس ( رأسي ) من بدني أو جسدي ؟ (5).
    أو قوله صلى الله عليه وآله : علي مني بمنزلتي من ربي ؟ (6).
    أو قوله صلى الله عليه وآله : علي أحبهم إلي وأحبهم إلى الله (7).
    أو قوله صلى الله عليه وآله لعلي : أنا منك وأنت مني.
    أو : أنت مني وأنا منك ؟ (8).
    أو قوله صلى الله عليه وآله : علي مني وأنا منه ، وهو ولي كل مؤمن بعدي ؟ (9).
    أو قوله صلى الله عليه وآله في حديث البعث بسورة البراءة المجمع على صحته : لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه (10)
1 ـ مواقف الأيجي 3 ص 276 ، مجمع الزوائد 9 ص 113.
2 ـ تاريخ بغداد للخطيب 4 ص 392.
3 ـ تاريخ الخطيب عن جابر ، كنوز الحقايق هامش الجامع الصغير 2 ص 16 ، كنز العمال 6 ص 159.
4 ـ تاريخ الخطيب البغدادي 3 ص 192 عن ابن مسعود ، كنز العمال 6 ص 159.
5 ـ تاريخ الخطيب 7 ص 12 ، الرياض النضرة 2 ص 162 ، الصواعق 75 م الجامع الصغير للسيوطي ، شرح العزيزي 2 ص 417 ، فيض الغدير 4 ص 357 ) ، نور الأبصار 80. مصباح الظلام 2 ص 56.
6 ـ الرياض النضرة 2 ص 163 ، السيرة الحلبية 3 ص 391.
7 ـ تاريخ الخطيب 1 ص 160.
8 ـ مسند أحمد 5 ص 204 ، خصايص النسائي 36 و 51.
9 ـ مسند أحمد 5 ص 356 وأخرجه جمع من الحفاظ بإسناد صحيح يأتي.
10 ـ خصايص النسائي 8 ، راجع ج 1 ص 48 من كتابنا.


(23)
    أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم : لحمك لحمي ودمك دمي والحق معك ؟ (1).
    أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
    ما من نبي إلا وله نظير في أمته وعلي نظيري ؟ (2).
    أو ما صححه الحاكم وأخرجه الطبراني عن أم سلمة قالت :
    كان رسول الله إذا أغضب لم يجترئ أحد أن يكلمه غير علي ؟ (3).
    أو قول عايشة : والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله من علي ولا في الأرض امرأة كانت أحب إليه من امرأته ؟ (4).
    أو قول بريدة وأبي : أحب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من النساء فاطمة ومن الرجال علي ؟! (5).
    أو حديث جميع بن عمير ؟ قال : دخلت مع عمتي على عايشة فسألت أي الناس أحب إلى رسول الله ؟! قالت : فاطمة. فقيل : من الرجال ؟ قالت زوجها ، إن كان ما علمت صواما قواما (6).
    وكيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقدم الغير على علي في الالتفات إليه ؟! وهو أول رجل اختاره الله بعده من أهل الأرض لما اطلع عليهم كما أخبر به صلى الله عليه وآله لفاطمة بقوله : إن الله اطلع على أهل الأرض فاختار منه أباك فبعثه نبيا ، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك فأوحى إلي فأنكحته واتخذته وصيا (7)
1 ـ المحاسن والمساوي 1 ص 31 ، كفاية الطالب ؟ 135 ، مناقب الخوارزمي 76 ، 83 ، 87 ، فرايد السمطين في الباب 2 و 27.
2 ـ الرياض النضرة 2 ص 164.
3 ـ مستدرك الحاكم 3 ص 130 ، الصواعق 73 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي 116.
4 ـ مستدرك الحاكم 3 ص ، 154 وصححه ، العقد الفريد 2 ص 275 ، خصائص النسائي 29 ، الرياض النضرة 2 ص 161.
5 ـ خصايص النسائي 29 ، مستدرك الحاكم 3 ص 155 صححه هو والذهبي ، جامع الترمذي 2 ص 227.
6 ـ جامع الترمذي 2 ص 227 ط هند ، مستدرك الحاكم 3 ص 157 ، وجمع آخر
7 ـ أخرجه الطبراني عن أبي أيوب الأنصاري كما في إكمال كنز العمال 6 ص 153 ، و أخرجه الهيثمي في مجمع الزوائد 9 ص 165 عن علي الهلالي.


(24)
    وبقوله صلى الله عليه وآله : إن الله اختار من أهل الأرض رجلين أحدهما أبوك والآخر زوجك (1)
    وإني لا يسعني المجال لتحليل كلمة الرجل : وكان صهرا النبي الأمويان.... إلخ : وحسبك في مداراة عثمان الكريم حديث أنس عن رسول الله لما شهد دفن رقية ابنته العزيزة وقعد على قبرها ودمعت عيناه فقال : أيكم لم يقارف الليلة أهله ؟! فقال أبو طلحة : أنا. فأمره أن ينزل في قبرها.
    قال ابن بطال : أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يحرم عثمان النزول في قبرها وقد كان أحق الناس بذلك لأنه كان بعلها وفقد منها علقا لا عوض منه لأنه حين قال عليه السلام : أيكم لم يقارف الليلة أهله ؟! سكت عثمان ولم يقل : أنا. لأنه قد قارف ليلة ماتت بعض نسائه ، ولم يشغله الهم بالمصيبة وانقطاع صهره من النبي صلى الله عليه وسلن عن المقارفة فحرم بذلك ما كان حقا له وكان أولى به من أبي طلحة وغيره. وهذا بين في معنى الحديث ولعل النبي صلى الله عليه وسلم قد كان علم ذلك بالوحي فلم يقل له شيئا لأنه فعل فعلا حلالا غير أن المصيبة لم تبلغ منه مبلغا يشغله حتى حرم ما حرم من ذلك بتعريض غير صريح. ( الروض الأنف 2 ص 107 )
    وما عساني أن أقول في أبي العاص الذي كان على شركه إلى عام الحديبية ، واسر مع المشركين مرتين ، وفرق الاسلام بينه وبين زوجته زينب بنت النبي صلى الله عليه وآله ست سنين ، وهاجرت مسلمة وتركته لشركه ، ولم ترد قط بعد إسلامه كلمة تعرب عن صلته مع النبي ومداراته له فضلا عن مقايسته بعلي. أبي ذريته وسيد عترته.
    وقد اتهم الرجل نبي الاسلام بعدم العمل على سعادة ابنته الطاهرة المطهرة بنص الكتاب العزيز ، ويقذف عليا بالتألم من ذلك ، وكان صلى الله عليه وآله إذا أصبح أتى باب علي وفاطمة وهو يقول : يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا. وكان لم يزل يقول : فاطمة أحب الناس إلي.
    ويقول : أحب الناس إلي من النساء فاطمة.
    ويقول : أحب أهلي إلي فاطمة.
1 ـ المواقف للأيجي ص 8 راجع من كتابنا ج 2 ص 318 ط 2.

(25)
    وكان عمر يقول لفاطمة : والله ما رأيت أحدا أحب إلى رسول الله منك (1)
    وما أقبح الرجل في تقوله على النبي صلى الله عليه وآله بعده لعلي غير قوام بجليل الأعمال. وقد وازره وناصره وعاضده بتمام معنى الكلمة بكل حول وطول من بدء دعوته إلى آخر نفس لفظه ، فصار بذلك له نفسا وأخا ووزيرا ووصيا وخليفة ووارثا ووليا بعده ، وكان قائده الوحيد في حروبه ومغازيه ، وهو ذلك الملقب بقائد الغر المحجلين وحيا من الله العزيز في ليلة أسرى بنبيه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى (2)
    وأسوء من ذلك كله عد الرجل أزواج النبي عدوات علي وفاطمة وقد ذكر تنازع عايشة معهما وأم سلمة وبسط القول في ذلك بنقل حادثة موضوعة ، وشكل هناك حزبين منهن : ( دمقراطي ) و ( رستودمقراطي ) ، وتقول بما يمس ناموس النبي وكرامة أزواجه أمهات المؤمنين ، ويمثل آل الله بكل جلافة وسلافة.
    ليت شعري كيف يروق المترجم عد عايشة عدوة لفاطمة وهي تقول : ما رأيت أحدا قط أفضل من فاطمة غير أبيها م ـ أخرجه الطبراني في الأوسط بسند صحيح على شرط الشيخين كما في شرح المواهب 3 ص 202 و ] الشرف المؤبد ص 58.
    وهي كانت تقبل رأس فاطمة وتقول : يا ليتني شعرة في رأسك ( نزهة المجالس 2 ص 227 ).
    وكيف يرتضي قومه نشر هذه القارصة والقرآن أوجب على الأمة مودة العترة النبوية (1) ومن المتسالم عليه بين المسلمين إن آية الإيمان والنفاق في شرعة النبي المحبوب حب علي وبغضه كما يأتي حديثه. وقد اتفقت الأمة على ما مر في حديث الغدير من قول رسول الله صلى الله عليه وآله في علي : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه. وصح عن النبي صلى الله عليه وآله قوله : من أحب عليا فقد أحبني ، ومن أبغض عليا فقد أبغضني ،
1 ـ مستدرك الحاكم 3 ص 150 وصححه.
2 ـ مستدرك الحاكم 3 ص 138 وصححه ، الرياض النضرة 2 ص 177 ، شمس الأخبار 39 ، أسد الغابة 1 ص 69 ، مجمع الزوايد 9 ص 121.
1 ـ راجع من كتابنا ج 2 ص 306 ـ 311 ط ثاني.


(26)
ومن آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله (1) وأخبر صلى الله عليه وآله عن جبرئيل أنه أخبره بأن السعيد كل السعيد من أحب عليا في حياتي وبعد مماتي ، ألا وإن الشقي كل الشقي من أبغض عليا في حياتي وبعد مماتي (2)
    وكيف خفي على هذا الرجل أن عزو عداء سيد العترة وسيدتها إلى زوجات النبي قذف مقذع ، وسب شائن إن عرض على محكمة العدل الاسلامي وأخذ بقوله صلى الله عليه وآله في عترته : لا يحبهم إلا سعيد الجد طيب المولد ، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ردئ الولادة (3) أو بما ورد من طريق الثقات من : أن عليا لا يبغضه أحد قط إلا وقد شارك إبليس أباه في رحم أمه (4)
    أو بما أخرجه الحافظ الجزري عن عبادة الصامت قال : كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا وإنه لغير رشده. ثم قال الحافظ : وهذا مشهور من قديم وإلى اليوم أنه ما يبغض عليا رضي الله عنه إلا ولد زنا. ( أسنى المطالب ص 8 )
    هذه نبذ من مخاريق كتاب ( حياة محمد ) وكم لها من نظير حول القرآن وتحريفه ، وهناك قذف الشيعة بما هي بريئة منه ، والعجب أن عادل زعيتر يحسب نفسه معذورا في بث هذه الأباطيل المضلة في المجتمع بقوله في مقدمة الكتاب : وقد كنت أود أن أعلق عليها بعض حواش لو لم أر أن ذلك يخرجني عن دائرة الترجمة
    أمن العدل سقاية روح الملأ الديني بهذه السموم القتالة والاعتذار بمثل هذا التافه ؟! أهكذا خلق الانسان جهولا ؟!
إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا
لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة

سورة النور 19

1 ـ الاستيعاب 2 ص 461 ، ذخاير العقبى 65 ، الإصابة 3 ص 103 ، نزهة المجالس 2 ص 207.
2 ـ الرياض النضرة 3 ص 215 ، الفصول المهمة 124 ، مجمع الزوائد 9 ص 132 ، كنز العمال 6 ص 400 ، نزهة المجالس 2 ص 207.
3 ـ الرياض 2 ص 189.
4 ـ تاريخ الخطيب 3 ص 289.


(27)
حادث شوه صحايف التأليف
    هناك فكرة غير صالحة ، وإن شيء ت قلت : بدعة سيئة فتحت على الأمة باب التقول بمصراعيه ، وعنها تتشعب شجنة الإفك في الحديث ، وينبعث القول المزور : وإليها يستند كل بهرجة وسفسطة. ألا وهي : هذه الخطة الحديثة في التأليف ، واتخاذ هذا الأسلوب الحديث الذي يروق بسطاء الأمة ويسمونه تحليلا ، ويرونه حسنا في الكتابة.
    هذه الفكرة هي التي خفت بها وطأة التأليف ، وطأة حزونته ، وكثر بذلك المؤلفون فجاء لفيف من الناس يؤلف وكل منهم سلك وادي تضلل (1) ولا يخفق على جرته (2) ويرمي القول على عواهنه ، وينشر في الملأ ما ليس للمجتمع فيه درك ، فيتحكم في آراءه ، ويكذب في حديثه ، ويخون في نقله ، ويحرف الكلم عن مواضعه ، و يقذف من خالف نحلته ، وينسبه إلى ما شائه هواه ، ويسلقه بالبذاء ، ولا يكفف عنه لغبه.
    هذه الفكرة هي التي جرت على الأمة شية العار ، ووصمة الشنار ، ورمتها بثالثة الأثافي ، ومدت يد الفحشاء على التأليف ، وأبدت في صفحاته وصمات سوء ، فراح شرف الاسلام ، وأدب الدين ، وأمانة النقل ، ومكانة الصدق ، ضحية الميول والشهوات ، ضحية الأهواء والنزعات الباطلة ، ضحية الأقلام المستأجرة.
    هذه الفكرة هي التي شوهت وجه التأليف ، وجنت بها الأقلام ، وولدت في القلوب ضغاين ، فجاء المفسر يأول القرآن برأيه ، والمحدث يختلق حديثا يوافق ذوقه ، و المتكلم يذكر فرقا مفتعلة ، والفقيه يفتي بما يحبذه ، والمؤرخ يضع في التاريخ ما يرتضيه ، كل ذلك قولا بلا دليل ، وتحكما بلا بينة ، وتكلما بلا مأخذ ، ودعوى بلا برهان ، وتقولا بلا مصدر ، وكذبا بلا مبالاة ، وإفكا بلا تحاشي ، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.
1 ـ مثل يضرب لمن عمل شيئا فأخطأ فيه.
2 ـ مثل يضرب لمن يعجز عن كتمان ما في نفسه.


(28)
    والقارئ يجد مثال هذه كلها نصب عينيه في طي كتاب الصراع بين الاسلام و الوثنية ، والوشيعة في الرد على الشيعة ، وفجر الاسلام وضحاه وظهره ، والجولة في ربوع الشرق الأدنى ، والمحاضرات للخضري ، والسنة والشيعة ، والاسلام الصحيح ، والعقيدة في الاسلام ، وخلفاء محمد ، وحياة محمد لهيكل ، وفي مقدمها كتاب ( حياة محمد ) لإميل در منغم.
    فخلو تأليف الشرقي المسلم عن ذكر المصادر نساية للكتاب والسنة ، وإضاعة لأصول العلم ، وجناية على السلف ، وتفويت لمآثر الاسلام ، وعمل مخدج ، وسعي أبتر ، وليس من صالح الأمة ، ولا من صلاح المجتمع الاسلامي ، وسيأتيه يوم و هو يقرع سن نادم.
    وإن تأليفا هو هكذا لا يمثل في علومه ومعارفه إلا نفسية مؤلفه وأنظاره ولا يراه القارئ إلا كرواية لا تقوم إلا بقائلها.
    خذ إليك في موضوع واحد كتابين هما مثالان لأكثر ما ارتأينا في هذا البحث ألا وهما :
    1 ـ كتاب الإمام علي تأليف الأستاذ أبي نصر عمر.
    2 ـ كتاب الإمام علي تأليف الأستاذ عبد الفتاح عبد المقصود.
    فهما على وحدة الموضوع والنزعة والبيئة والدراسة والهوى السائد طالما اختلفا في الأبحاث والنظريات ، فهذا الأستاذ أبو نصر أخذ آراء الخضري الأموية ومن يضاهيه فيها ، وصبها في بوتقة تأليفه ، فجاء في كتابه بكل شنئاء شوهاء إلتقت بها حلقة البطان.
    وأما الأستاذ عبد الفتاح فإنه جد وثابر على جهود جبارة ، وأخذ زبدة المخض من الحقايق الناصعة ، غير أنه ضيع أتعابه بإهمال المصادر ، فلم يأت كتابه إلا كنظرية شخصية ، ولو ازدان تأليفه بذكر هافي التعاليق وأرداف ذلك النقل الواضح بما ارتئاه من الرأي السديد لكان أبلغ في تمثيل أفكار الجامعة ، والاعراب عن نظريات الملأ الديني ، وإن كان ما ثابره الآن مشفوعا بشكر جزيل.
ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرا لهم وأشد تثبيتا
سورة النساء 66


(29)
13 ـ ابن الرومي
المتوفى 283
يا هند لم أعشق ومثلي لا يرى لكن حبي للوصي مخيم فهو السراج المستنير ومن به وإذا تركت له المحبة لم أجد قل لي : أأترك مستقيم طريقه وأراه كالتبر المصفى جوهرا ومحله من كل فضل بين قال النبي له مقالا لم يكن من كنت مولاه فذا مولى له وكذاك إذ منع البتول جماعة وله عجائب يوم سار بجيشه ردت عليه الشمس بعد غروبها عشق النساء ديانة وتحرجا في الصدر يسرح في الفؤاد تولجا سبب النجاة من العذاب لمن نجا يوم القيامة من ذنوبي مخرجا جهلا وأتبع الطريق الأعوجا ؟! وأرى سواه لناقديه مبهرجا عال محل الشمس أو بدر الدجا يوم ( الغدير ) لسامعيه ممجمجا : مثلي وأصبح بالفخار متوجا خطبوا وأكرمه بها إذ زوجا يبغي لقصر النهروان المخرجا بيضاء تلمع وقدة وتأججا (1)
( الشاعر )
    أبو الحسن علي بن عباس بن جريح (2) مولى عبيد الله بن عيسى بن جعفر البغدادي الشهير بابن الرومي. مفخرة من مفاخر الشيعة ، وعبقري من عباقرة الأمة ، وشعره الذهبي الكثير الطافح برونق البلاغة قد أربى على سبائك التبر حسنا وبهائا ، وعلى
1 ـ مناقب ابن شهر آشوب 1 ص 531 ط ايران.
2 ـ كذا في فهرست ابن النديم ، وتاريخ الخطيب ، وكثير من المعاجم. وفي مروج الذهب : سريج. وفي معجم المرزباني : جورجس. وفي تاريخ ابن خلكان : قبل : جور جيس. وفي بعض المعاجم : جرجيس.


(30)
كثر النجوم عددا ونورا ، برع في المديح والهجاء والوصف والغزل من فنون الشعر فقصر عن مداه الطامحون ، وشخصت إليه الأبصار ، فجل عن الند كما قصر عن مزاياه العد.
    وله في مودة ذوي القربى من آل الرسول صلوات الله عليه وعليهم أشواط بعيدة ، واختصاصه بهم ومدائحه لهم ودفاعه عنهم من أظهر الحقايق الجلية ، وقد عده ابن الصباغ المالكي المتوفى 855 في فصوله المهمة ص 302 ، والشبلنجي في نور الأبصار 166 من شعراء الإمام الحسن العسكري صلوات الله عليه.
    وكان مجموع شعره غير مرتب على الحروف : رواه عنه المسيبي علي بن عبيد الله ابن المسيب ، ومثقال غلام ابن الرومي في مائة ورقة ، ورواه عن مثقال أبو الحسن علي بن العصب الملحي ، وكتب أحمد بن أبي قسر الكاتب من شعره مائة ورقة ، وخالد الكاتب كذلك ، فرتبه الصولي على الحروف في مائتي ورقة ، جمع شعره أبو الطيب وراق بن عبدوس من جميع النسخ فزاد على كل نسخة مما هو على الحروف وغيرها نحو ألف بيت.
    وللخالديين : أبي بكر محمد وأبي عثمان سعيد كتاب في أخبار شعر المترجم (1) وانتخب ابن سينا ديوانه وشرح مشكلات شعره كما في ( كشف الظنون ) 1 ص 498 ، وعن ابن سينا : أن مما كلفني استادي في الأدب حفظ ديوان ابن الرومي فحفظته مع عدة كتب في ستة أيام ونصف يوما.
    ويروي بعض شعره أبو الحسين علي بن جعفر الحمداني ، وإسماعيل بن علي الخزاعي ، وأبو الحسن جحظة الذي مدحه ابن الرومي بقصيدة توجد في ديوانه 168.
    تجد ذكره والثناء عليه في فهرست ابن النديم 235 ، تاريخ بغداد 12 ص 23 ، معجم الشعراء 289 ، 453 ، أمالي الشريف المرتضى 2 ص 101 ، مروج الذهب 2 ص 495 ، العمدة لابن رشيق 1 ص 56 ، 61 ، 91 ، معالم العلماء لابن شهر آشوب ، وفيات الأعيان 1 ص 385 ، مرآة الجنان لليافعي 2 ص 198 ، شذرات الذهب 2 ص 188 ، معاهد التنصيص 1 ص 38 ، كشف الظنون 1 ص 498 ، روضات الجنات 473 ، نسمة السحر فيمن تشيع وشعر ، دائرة المعارف للبستاني 1 ص 494 ، دائرة المعارف الإسلامية
1 ـ راجع فهرست ابن النديم ص 235 و 241.
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس