كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 51 ـ 60
(51)
لم لا أجرب في الضرائب مرة يا للرجال وأنني لمهند ؟!
    ولا يدري كيف يجيب نفسه على سؤاله ، لأنه لم يكن يدري أن فضائله كلها لا تساوي فتيلا بغير الحيلة والعلم بأساليب الدخول بين الناس ، وإن الحيلة وحدها قد تغني عن فضائله جميعا ولو كان صاحبها لا ينظم شعرا ، ولا ينظر في كتب الفلسفة و الرواية والنجوم.
    حسن إذن تدع الوزارة والولاية والعمالة بعد يأس مضيض يسهل علينا هنا أن نسطره في كلمة عابرة ولكنه لا يسهل على من يعالجه ويشفي بمحنته في ساعة من ساعات حياته ، ندع الوزارة والولاية والعمالة ونقنع بالمثوبة من الوزراء والولاة والعمال إن كانوا يثيبون المادحين ، فهل تراهم يفعلون ؟!
    لا. لأن الحيلة لازمة في استدرار الجوائز والمثوبات لزومها في كل غرض من أغراض المعاش ولا سيما في ذلك الزمان الذي شاعت فيه الفتن والسعايات ، وما كانت تنقضي منه سنة واحدة بغير مكيدة خبيئة تؤدي بحياة خليفة أو أمير أو وزير ، وربما كانت مصانعة الحجاب والتماس مواقع الهوى من نفوس الحاشية والندمان و اللعب بمغامز النفوس الخفية وإضحاك هؤلاء ، وهؤلاء ، أجدى على الشاعر في هذا الباب من بلاغة شعره وغزارة علمه.
    وبسط الكلام في الموضوع إلى ص 235 فقال :
هو وشعراء عصره
    عاصر ابن الرومي في بيئته كثير من الشعراء أشهرهم في عالم الشعر الحسين بن الضحاك ، ودعبل الخزاعي ، والبحتري ، وعلي بن الجهم ، وابن المعتز ، وأبو عثمان الناجم.
    وليس لهؤلاء ولا لغيرهم ممن عاصروه وعرفوه أو لم يعرفوه أثر يذكر في تكوينه غير اثنين فيما نظن هما : الحسين بن الضحاك ، ودعبل الخزاعي
    ( قال الأميني ) وكان بين ابن الرومي والشاعر المفلق ابن الحاجب محمد بن أحمد صلة ومودة وجرت بينهما نوادر منها : أن ابن الحاجب سأله ابن الرومي زيارته في يوم معلوم فصاروا إليه فلم يجدوه فقال ابن الرومي فيه شعرا أوله :


(52)
نجاك يا بن الحاجب الحاجب وليس ينجو مني الهارب
    وأجابه ابن الحاجب بأبيات توجد في معجم المرزباني 453.
    قال : فكان ابن الرومي معجبا بالحسين بن الضحاك يروي شعره ويستملح أخباره ويذكرها لأصحابه ، وكان ابن الرومي يافعا يحضر مجالس الأدب ويتلقى دروسه و الحسين في أوج شهرته يتناشد أشعاره أدباء الكوفة وبغداد ومدن العراق ( ثم ذكر بعض ما رواه ابن الرومي من شعر ابن الضحاك نقلا عن الأغاني ) فقال :
    وقد مات الحسين بن الضحاك وابن الرومي في التاسعة والعشرين ولم نر في تاريخه ولا في تاريخ الحسين ما يشير إلى تلاقيهما في بغداد حيث عاش ابن الرومي معظم حياته ، أو في غير بغداد حيث كان يرحل ابن الضحاك.
    أما دعبل فابن الرومي عارضه في موضعين أحدهما القصيدة الطائية التي نظمها دعبل حين اتهم خالدا بسرقة ديكه وإطعامه لضيوفه وقال في مطلعها :
أسر المؤذن خالد وضيوفه أسر الكمي هفا خلال الماقط (1)
    ولآخر في قصيدة لدعبل مطلعها :
أتيت ابن عمرو فصادفته مريض الخلايق ملتائها
    وكان دعبل فيما عدا ذلك متشيعا لآل علي غاليا في تشيعه (2) فجذب ذلك كله نفس ابن الرومي الفتى نحوه وحبب إليه محاكاته ومجاراته ، وربما كانت الرغبة في مجاراته إحدى دواعيه إلى الهجاء ، ومات دعبل وابن الرومي في الخامسة والعشرين ولا نعلم أنهما تعارفا أو كان بينهما لقاء.
    وأما البحتري وأبو عثمان الناجم فالثابت أن ابن الرومي كان على معرفة و صحبة معهما ، عرف البحتري في بيت الناجم وكان هذا صديقا له بقي على صداقته إلى يوم موته.
    ( قال الأميني ) لابن الرومي قصيدة في البحتري وأدبه وشعره توجد منها أبيات في ثمار القلوب للثعالبي ص 200 و 342.
1 ـ راجع من كتابنا ج 2 ص 379 ط ثاني.
2 ـ عزو باطل لا يشوه به قدس تشيع مثل دعبل.


(53)
    وأما علي بن الجهم المتوفى 249 فقد كان بينه وبين ابن الرومي برزخ واسع من اختلاف المذهب في الدين والشعر ، فابن الرومي متشيع ، وابن الجهم ناصب يذم عليا وآله ( ولا يلتقي الشيعي والناصب ) كما يقول ابن الرومي. وكان ابن الجهم شديد النقمة على المعتزلة وعلى أهل العدل والتوحيد منهم خاصة يهجوهم ويدس لهم ويقول في زعيمهم أحمد بن أبي داود :
ما هذه البدع التي سميتها بالجهل منك العدل والتوحيدا
    وابن الرومي كما مربك من هذه الجماعة ، فمذهبه في الدين ينفره ابن الجهم ولا يرغبه في مجاراته ، ولو تشابها فيما عدا ذلك من المزاح والنزعة ، لقد يهون هذا الفارق ويسهل على ابن الرومي الإغضاء عنه ، وهو ناشيء يتلمس القدوة ، ويخطو في سبيل الشهرة ، ولكنك تقره شعر ابن الجهم في فخره ومزاحه فيخيل إليك أنك تقرأ كلام جندي يتنفج أو يعربد لخلوه من كل عاطفة غير عواطف الجند يقضون أوقاتهم بين الفجر و الضجيج واللهو والسكر ، وليس بين هذه الطبيعة وطبيعة ابن الرومي مسرب للقدوة أو للمقاربة في الميل والاحساس.
    وأما ابن المعتز فقد ولد في سنة سبع وأربعين ومأتين فلما أيفع وبلغ السن التي يقول فيها الشعر كان ابن الرومي قد جاوز الأربعين أو ضرب في حدود الخمسين ، ولما بلغ واشتهر له كلام يروى في مجالس الأدباء كان ابن الرومي قد أوفى على الستين وفرغ من التعلم والاقتباس ، ولو انعكس الأمر وكان ابن المعتز هو السابق في الميلاد لما أخذ منه ابن الرومي شيئا ، أو لكان أفسده سليقته بالأخذ عنه ، لأن ابن المعتز إنما امتاز بين شعراء بغداد في عصره بمزاياه الثلاث وهي : البديع. والتوشيح. والتشبيه بالتحف والنفائس. وابن الرومي لم يرزق نصيبا معدودا من هذه المزايا ولم يكن قط من أصحاب البديع أو أصحاب التشبيهات التي تدور على الزخرف ، وتستفيد نفاستها من نفاسة المشبهات.
    تاريخ وفاته
    قال ابن خلكان : توفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادي الأولى سنة ثلاث و


(54)
ثمانين. وقيل : وسبعين ومأتين ودفن في مقبرة باب البستان. والذين جاؤا بعد ابن خلكان تابعوه في هذا الشك ولا مسوغ لهذا الشك بأمور (1) الأول قوله :
طربت ولم تطرب على حين مطرب وكيـف التصابي بابن ستين أشيب ؟!
    فبملاحظة تاريخ ولادته المتسالم عليه بين أرباب المعاجم يوافق ستين مع سنة 281 فهو لم يمت في سنة 276 على التحقيق. ولا يظن أن الستين هنا تقريبية لضرورة الشعر فإنه ذكر الخمس والخمسين في موضع آخر حيث قال.
كبرت وفي خمس وخمسين مكبر وشبت فألحاظ المها عنك نفر (2)
    الثاني : ما في مروج الذهب ( ج 2 ص 488 ) للمسعودي من أن قطر الندى بنت خمارويه وصلت إلى مدينة السلام ابن الجصاص في ذي الحجة سنة إحدى وثمانين ففي ذلك يقول ابن الرومي.
يا سيد العرب الذي زفت له باليمن والبركات سيدة العجم
    ( قال الأميني ) قال الطبري في تاريخه 11 ص 345 : كان دخولهم بغداد يوم الأحد لليلتين خلتا من المحرم سنة 282.
    الثالث : مقطوعاته التي نظمها الشاعر في العرس الذي احتفل به الخليفة سنة اثنتين وثمانين.
    ( قال الأميني ) ومما ينفي الشك عن عدم وقوع وفاة المترجم سنة 270 قصيدته التي يمدح بها المعتضد بالله أبا العباس أحمد في أيام خلافته وقد بويع له في شهر رجب بعد عمه المعتمد سنة 279 قال فيها :
هنيئا بني العباس إن إمامكم كما بأبي العباس أنشيء ملككم إمام الهدى والبأس والجود أحمد كذا بأبي العـباس أيضا يجدد
    قال العقاد : وأما التاريخين الآخرين : أي سنة ثلاث وأربع وثمانين فعندنا تاريخ اليوم والشهر من أولاهما وليس عندنا مثل ذلك من الثانية وهذا مما يرجح وفاته في سنة ثلاث وثمانين دون أربع وثمانين.
1 ـ نحن نذكر ملخصها.
2 ـ ذكر الخمس والخمسين في هذا البيت لا ينافي تقريبية الستين في سابقه.


(55)
    ( قال الأميني ) لم نعرف وجه الترجيح يذكر تاريخ اليوم والشهر لمجرده مع قطع النظر عما ذكره بعد من مضاهاة التاريخ بقوله :
    ويقوي هذا الترجيح أن مضاهاة التواريخ تثبت لنا أن جمادي الأخرى من سنة ثلاث وثمانين بدأت يوم جمعة فيكون يوم الأربعاء قد جاء لليلتين بقيتا من جمادي الأولى في تلك السنة كما جاء في تاريخ الوفاة ، وقد ضاهينا هذا اليوم على التاريخ الأفرنجي فوجدناه يوافق الرابع عشر من شهر يونيو ، أي يوافق أبان الصيف في العراق ، وابن الرومي مات في الصيف كما يؤخذ من قول الناجم أنه دخل عليه في مرضه الذي مات فيه وبين يديه ماء مثلوج فيجوز لنا على هذا أن نجزم بأن أصح التواريخ الأول و هو : يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادي الأولى سنة ثلاث وثمانين.
    شهادته
    الأقوال بعد ذلك مجمعة على موت ابن الرومي بالسم وأن الذي سمه هو القاسم بن عبيد الله أو أبوه قال ابن خلكان في وفيات الأعيان ( ج 1 ص 386 ) : إن الوزير أبا الحسين القاسم بن عبيد الله بن سليمان بن وهب وزير الإمام المعتضد كان يخاف من هجوه و فلتات لسانه بالفحش فدس عليه ابن فراش فأطعمه خشكنامجه مسمومة وهو في مجلسه فلما أكلها أحس بالسم فقام فقال له الوزير : إلى أين تذهب ؟! فقال : إلى الموضع الذي بعثتني إليه. فقال له : سلم على والدي. فقال له : ما طريقي على النار.
    وقال الشريف المرتضى في أماليه ( ج 2 ص 101 ) : إنه قد اتصل بعبيد الله ابن سليمان بن وهب أمر علي بن العباس الرومي وكثرة مجالسته لأبي الحسين القاسم فقال لأبي الحسين : قد أحببت أن أرى ابن روميك هذا فدخل يوما عبيد الله إلى أبي الحسين وابن الرومي عنده فاستنشده من شعره فأنشده وخاطبه فرآه مضطرب العقل جاهلا فقال لأبي الحسين بينه وبينه : إن لسان هذا أطول من عقله ، ومن هذه صورته لا تؤمن عقار به عند أول عتب ولا يفكر في عاقبته ، فأخرجه عنك. فقال : أخاف حينئذ أن يعلن ما يكتمه في دولتنا ويذيعه في تمكننا. فقال : يا بني ؟ إني لم أرد بإخراجك له طرده فاستعمل فيه بيت أبي حية النميري :


(56)
فقلن لها سرا : فديناك لا يرح سليما ، وإلا تقـتليه فألممي
    فحدث القاسم بن فراس بما جرى وكان أعدى الناس لابن الرومي وقد هجاه بأهاج قبيحة فقال له : الوزير أعزه الله أشار بأن يغتال حتى يستراح منه وأنا أكفيك ذلك. فسمه في الخشكنانج فمات. قال الباقطاني : والناس يقولون : ما قتله ابن فراس وإنما قتله عبيد الله.
    ثم ضعف الرواية الأولى بأن عبيد الله بن سليمان مات سنة 288 بعد وفات ابن الرومي فلا معنى لقول القاسم له : سلم على والدي. ووالده بقيد الحياة . واستشكل في الرواية الثانية بأن عبيد الله كانت له سوابق معرفة مع ابن الرومي فلا يتم ما فيها من طلبه رؤيته.
    وأنت ترى أن التضعيف الثاني ليس في محله إذ الرؤية المطلوبة لعبيد الله كما يظهر من نفس الرواية رؤية اختبار لا مجرد رؤية حتى تنافي التعارف والاجتماع قبلها ، فيحتمل عندئذ أن عبيد الله هو القائل : سلم على والدي. لا ابنه ، والله العالم.


(57)
14 ـ الحماني الأفوه (1)
المتوفى 301
ابن الذي ردت عليه الشمس وابن القسيم النار في مولاهم يوم ( الغدير ) في يوم الحجاب يوم المواقف والحساب برغم مرتاب وآبي (2)
    وله :
قالوا : أبو بكر له فضله نسيتم خطبة ( خم ) وهل إن ( عليا ) كان مولى لمن قلنا لهم : هنأه الله يشبه العبد بمولاه ؟! كان ( رسول الله ) مولاه (2)
( الشاعر )
    أبو الحسين علي بن محمد بن جعفر محمد بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليهم السلام الكوفي الحماني المعروف بالأفوه. وفي لباب الأنساب : يلقب هو ووالده محمد بالحمال. ويقال لأولاده : بنو الحمال.
    حمان بكسر المهملة وتشديد الميم محلة بالكوفة والنسبة إلى حمان قبيلة من تميم وهم : بنو حمان بن عبد العزيز بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم. واسم حمان : عبد العزى. وقد سكن هذه المحلة من نسب إليها وإن لم يكن منها (4) فما في بعض المعاجم ضبطه بالمعجمة تصحيف.
1 ـ تبعا على المؤرخين ذكرناه في هذا القرن.
2 ـ امتدح بها بعض أهل البيت الطاهر ، ذكرها ابن شهر آشوب في المناقب 1 ص 462.
3 ـ ذكرها البياضي في صراطه المستقيم.
4 ـ معجم البلدان 3 ص 335 ، اللباب 1 ص 316.


(58)
    المترجم له في الرعيل الأول من فقهاء العترة ومدرسيهم في عاصمة التشيع بالعراق في القرون الأولى ( الكوفة ) وفي السنام الأعلى من خطباء بني هاشم وشعرائهم المفلقين ، وقد سار بذكره وبشعره الركبان ، وعرفه القريب والبعيد بحسن الصياغة وجودة السرد ، أضف إلى ذلك علمه الغزير ، ومجده الأثيل ، وسؤدده الباهر ، ونسبه العلوي الميمون ، وحسبه الوضاح إلى فضايل جمة تسنمت به إلى ذروة الخطر المنيع. سأل المتوكل ابن الجهم من أشعر الناس ؟ فذكر شعراء الجاهلية والاسلام ، ثم إنه سأل أبا الحسن ( الإمام علي بن محمد الهادي ) فقال : الحماني حيث يقول :
لقد فاخرتنا من قريش عصابة فلما تنازعنا المقال قضى لنا ترانا سكوتا والشهيد بفضلنا فإن رسول الله أحمد جدنا بمد خدود وامتداد أصابع عليهم بما يهوى نداء الصوامع عليهم جهير الصوت في كل جامع ونحن بنوه كالنجوم الطوالع
    قال : وما نداء الصوامع يا أبا الحسن ؟! قال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، جدي أم جدك ؟! فضحك المتوكل ثم قال : هو جدك لا ندفعك عنه.
    هذا الحديث ذكره الجاحظ في [ المحاسن والأضداد ] ص 104 ، والبيهقي في [ المحاسن والمساوي ] 1 ص 74 غير أن فيها : الرضى. مكان أبي الحسن. وأحسبه تصحيف ( المرتضى ) وهو لقب الإمام الهادي سلام الله عليه.
    ورواه شيخ الطايفة في أماليه ص 180 ، وبهاء الدين في [ تاريخ طبرستان ] ص 224 ، وابن شهر آشوب في ( المناقب ) 5 ص 118 ط هند.
    وأثنى عليه المسعودي في ( مروج الذهب ) 2 ص 322 في كلام يأتي له وقال : كان علي بن محمد الحماني مفتيهم بالكوفة وشاعرهم ومدرسهم ولسانهم ، ولم يكن أحد بالكوفة من آل علي بن أبي طالب يتقدمه في ذلك الوقت.
    وذكره النسابة العمري في ( المجدي ) وأطراه بما ملخصه : كان مشهورا بالشعر رثى يحيى بن عمرو كان أشعر ولد أبيه يكنى أبا الحسين. وقال في ترجمة الشريف الرضي : هو أشعر قريش إلى وقتنا وحسبك أن يكون قريش في أولها الحرث بن هشام والعبلي وعمر بن أبي ربيعة وفي آخرها بالنسبة إلى زمانه محمد بن صالح الموسوي وعلي بن محمد الحماني.


(59)
    وذكره الرفاعي في ( صحاح الأخبار ) ص 40 وقال : كان شهما شجاعا شاعرا مفلقا وخطيبا مصقعا. وأثنى عليه بالعلم وجودة الشعر سهل بن عبد الله البخاري النسابة في ( سر السلسلة ) وصاحب ( بحر الأنساب المشجر ) والبيهقي في ( لباب الأنساب ) وابن المهنا في ( عمدة الطالب ) 269 وذكر الأخير : إن له ديوان شعر مشهور.
    وقال الحموي في ( معجم الأدباء ) 5 ص 285 في ترجمة محمد بن أحمد الحسيني العلوي بعد ما أثنى عليه بأنه شاعر مفلق ، وعالم محقق ، شائع الشعر ، نبيه الذكر ، ليس في ولد الحسن من يشبهه ، بل يقاربه علي بن محمد الأفوه.
    وحكى صاحب ( نسمة السحر ) عن الحموي أنه قال : كان المترجم في العلوية من الشهرة والأدب والطبع كعبد الله بن المعتز في العباسية وكان يقول : أنا شاعر وأبي شاعر وجدي شاعر إلى أبي طالب.
    كان سيدنا الحماني ، في جانب عظيم من الآباء والحماسة وقوة القلب ، ورباطة الجاش ، وصراحة اللهجة ، والجرأة على مناوئيه. كل ذلك وراثة من سلفه الطاهر وبيته الرفيع ، قال المسعودي : لما دخل الحسن بن إسماعيل الكوفة وهو صاحب الجيش الذي لقي يحيى بن عمر ( الشهيد سنة 250 ) قعد على سلامه ولم يمض إليه ولم يختلف عن سلامه أحد من آل علي بن أبي طالب الهاشميين ، وكان علي بن محمد الحماني مفتيهم بالكوفة ( إلى أن قال ) : فتفقده الحسن بن إسماعيل وسأل عنه وبعث بجماعة فأحضروه فأنكر الحسن تخلفه فأجابه علي بن محمد بجواب مستقتل آيس من الحياة فقال : أردت أن آتيك مهنا بالفتح وداعيا بالظفر. وأنشد شعرا لا يقوم على مثله من يرغب في الحياة :
قتلت أعز من ركب المطايا وعز علي أن ألقاك إلا ولكن الجناح إذا أهيضت وجئتك أستلينك في الكلام وفيما بيننا حد الحسام قوادمه يرف على الأكام
    فقال له الحسن بن إسماعيل : أنت موتور فلست أنكر ما كان منك. وخلع عليه وحمله إلى منزله (1)
1 ـ مروج الذهب 2 ص 322 وفي طبعة 411.

(60)
    حبسه أبو أحمد الموفق بالله المتوفى 278 مرتين مرة لكفالته بعض أهله. ومرة لسعاية عليه من أنه يريد الخروج على الخليفة فكتب إليه من الحبس :
قد كان جدك عبد الله خير أب فالكف يوهن منها كل أنملة لابني علي حسين الخير والحسن ما كان من أختها الأخرى من الوهن
    فلما وصل إليه الشعر كفل وخلى سبيله ، فلقيه أبو علي وقال له : قد عدت إلى وطنك الذي تلذه ، وإخوانك الذين تحبهم. فقال : يا أبا علي ؟ ذهب الأتراب والشباب والأصحاب وأنشد :
هبني بقيت على الأيام والأبد من لي برؤية من قد كنت آلفه لا فارق الحزن قلبي بعد فرقتهم ونلت ما شيء ت من مال ومن ولد وبالشباب الذي ولى ولم يعد حتى تفرق بين الروح والجسد (1)
    ومن نماذج شعره قوله :
بين الوصي وبين المصطفى نسب كانا كشمس نهار في البروج كما كسيرها انتقلا من طاهر علم تفرقا عند عبد الله واقترنا وذر ذو العرش ذرا طاب بينهما نور تفرع عند البعث فانشعبت هم فتية كسيوف الهند طال بهم قوم لماء المعالي في وجوههم يدعون أحمد إن عد الفخار أبا والمنعمون إذا ما لم تكن نعم أوفوا من المجد والعلياء في قلل ما سود الناس إلا من تمكن في سبط الأكف إذا شيمت مخايلهم تختال فيه المعالي والمحاميد أدارها ثم أحكام وتجويد إلى مطهرة آبائها صيد بعد النبوة توفيق وتسديد فانبث نور له في الأرض تخليد منه شعوب لها في الدين تمهيد على المطاول آباء مناجيد عند التكرم تصويب وتصعيد والعود ينسب في أفنائه العود والذائدون إذا قل المذاويد شم قواعدهن الفضل والجود أحشائه لهم ود وتسويد أسد اللقاء إذا صيد الصناديد

1 ـ مروج الذهب 2 ص 323 ، وفي طبعة 414 ، أنوار الربيع ص 481.
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس