كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 171 ـ 180
(171)
مزعمة ابن تيمية ؟ فما منكم من أحد عنه حاجزين ، وإنه لتذكرة للمتقين ، وإنا لنعلم إن منكم مكذبين.
    ( ورابعا ) إن القائلين بأن فيها آية أو آيات مكية كالحسن وعكرمة و الكلبي وغيرهم مصرحون بأن الآيات المتعلقة بقصة الاطعام مدنية.
    ( وخامسا ) لا ملازمة بين القول بمكيتها وبين نزولها قبل الهجرة إذ من الممكن نزولها في حجة الوداع ، بعد صحة إرادة عموم قوله : وأسيرا.
    للمؤمن الداخل فيه المملوك كما قاله ابن جبير ، والحسن ، والضحاك ، وعكرمة ، وعطا ، وقتادة ، واختاره ابن جرير وجمع آخرون.
    16 ـ قال : قوله ( يعني العلامة الحلي ) : إيجاب مودة أهل البيت بقوله تعالى : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.
    غلط ومما يدل على هذا أن الآية مكية ولم يكن علي بعد وقد تزوج بفاطمة ولا ولد لهما أولاده. 2 ص 118.
    وقال في ص 250 : أما قوله ( يعني العلامة ) : وأنزل الله فيهم : قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى.
    فهذا كذب فإن هذه الآية في سورة الشورى وهي مكية بلا ريب نزلت قبل أن يتزوج علي بفاطمة ، وقبل أن يولد له الحسن الحسين ( إلى أن قال ) :
    وقد ذكر طائفة من المصنفين من أهل السنة والجماعة والشيعة من أصحاب أحمد وغيرهم حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن هذه الآية لما نزلت قالوا : يا رسول الله ؟ من هؤلاء ؟! قال : علي وفاطمة وابناهما.
    وهذا كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث ، ومما يبين ذلك أن هذه الآية نزلت بمكة باتفاق أهل العلم فإن سورة الشورى جميعها مكية بل جميع ال حميم كلهن مكيات. ثم فصل تاريخ ولادة السبطين الحسنين إثباتا لاطلاعه وعلمه بالتاريخ.
    ج لو لم يكن في كتاب الرجل إلا ما في هذه الجمل من التدجيل والتمويه على أجر صاحب الرسالة ، والقول المزور ، والفرية الشائنة ، والكذب الصريح ، لكفى عليه عارا وشنارا. لم يصرح أحد بأن الآية مكية فضلا عن الاتفاق المكذوب على أهل العلم ، وإنما حسب الرجل ذلك من إطلاق قولهم : إن السورة مكية. فحق المقال فيه ما


(172)
قدمناه ج 1 ص 255 ـ 258 وفي هذا الجزء ص 69 ـ 171.
    ودعوى كون جميع سورة الشورى مكية تكذبها استثنائهم قوله تعالى : أم يقولون افترى على الله كذبا. إلى قوله : خبير بصير. وهي أربع آيات. واستثناء بعضهم قوله تعالى : والذين إذا أصابهم البغي. إلى قوله. من سبيل. وهي عدة آيات (1) فضلا عن آية المودة.
    ونص القرطبي في تفسيره 16 ص 1 ، والنيسابوري في تفسيره ، والخازن في تفسيره 4 ص 49 ، والشوكاني في ( فتح القدير ) 4 ص 510 وغيرهم عن ابن عباس و قتادة على أنها مكية إلا أربع آيات أولها : قبل لا أسألكم عيه أجرا.
    وأما حديث إن الآية نزلت في علي وفاطمة وابناهما وإيجاب مودتهم بها فليس مختصا بآية الله العلامة الحلي ولا بأمته من الشيعة بل أصفق المسلمون على ذلك إلا شذاذ من حملة الروح الأموية نظراء ابن تيمية وابن كثير ، ولم يقف القارئ ولن يقف على شيء من الاتفاق المكذوب على أهل المعرفة بالحديث ، ليت الرجل دلنا على بعض من أولئك المجمعين ، أو على شيء من تآليفهم ، أو على نزر من كلماتهم وقد أسلفنا في ج 2 ص 306 ـ 311 ما فيه بلغة وكفاية نقلا عن جمع من الحفاظ والمفسرين من أعلام القوم وهم :
    الإمام أحمد ، ابن المنذر ، ابن أبي حاتم ، الطبري ، الطبراني ، ابن مردويه ، الثعلبي ، أبو عبد الله الملا ، أبو الشيخ ، النسائي ، الواحدي ، أبو نعيم ، البغوي ، البزار ، ابن المغازلي ، الحسكاني ، محب الدين ، الزمخشري ، ابن عساكر ، أبو الفرج ، الحموي ، النيسابوري ، ابن طلحة ، الرازي ، أبو السعود ، أبو حيان ، ابن أبي الحديد ، البيضاوي ، النسفي ، الهيثمي ، ابن الصباغ ، الكنجي ، المناوي ، القسطلاني ، الزرندي ، الخازن ، الزرقاني ، ابن حجر ، السمهودي ، السيوطي ، الصفوري ، الصبان ، الشبلنجي ، الحضرمي ، النبهاني
1 ـ تفسير الخازن 5 ص 94 ، الاتقان 1 ص 27.

(173)
وقول الإمام الشافعي في ذلك مشهور قال.
يا أهل بيت رسول الله حبكم كفاكم من عظيم القدر أنكم فرض من الله في القرآن أنزله من لم يصل عليكم لا صلاة له
    ذكرهما له ابن حجر في ( الصواعق ) 87 ، الزرقاني في شرح ( المواهب ) 7 ص 7 ، الحمزاوي المالكي في ( مشارق الأنوار ) 88 ، الشبراوي في ( الإتحاف ) 29 ، الصبان في الاسعاف 119.
    م ـ وقال العجلوني (1) في ( كشف الخفاء ) ص 19 ج 1 : وفي هذا مع زيادة قلت :
لقد حاز آل المصطفى أشرف الفخر فحبهم فرض على كل مؤمن ومن يدعي من غيرهم نسبة له وقد خص منهم نسل زهراء الأشرف ويغنيهم عن لبس ما خصهم به ولم يمتنع من غيرهم لبس أخضر وقد صححوا عن غيره حرمة الذي بنسبتهم ؟ للطاهر الطيب الذكر أشار إليه الله في محكم الذكر فذلك ملعون أتى أقبح الوزر بأطراف تيجان من السندس الخضر وجوه لهم أبهى من الشمس والبدر على رأي من يعزى لأسيوط ذي الخبر رآه مباحا فاعلم الحكم بالسبر]
    وأما إن تزويج علي بفاطمة عليهما السلام كان من حوادث العهد المدني ، و قد ماشينا الرجل على نزول الآية في مكة فإنه لا ملازمة بين إطباق الآية بهما وبأولادهما وبين تقدم تزويجهما على نزولها كما لا منافاة بينه وبين تأخر وجود أولادهما على فرضه ، فإن مما لا شبهة فيه كون كل منهما من قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعمومة والنبوة ، و أما أولادهما فكان من المقدر في العلم الأزلي أن يخلقوا منهما ، كما أنه كان قد قضى بعلقة التزويج بينهما ، وليس من شرط ثبوت الحكم بملاك عام يشمل الحاضر والغابر وجود موضوعه الفعلي بل إنما يتسرب إليه الحكم مهما وجد ومتى وجد وأنى وجد.
    على أن من الممكن أن تكون قد نزلت بمكة في حجة الوداع وعلي قد تزوج بفاطمة وولد الحسنان ، ولا ملازمة بين نزولها بمكة وبين كونه قبل الهجرة. ويرى
1 ـ الشيخ إسماعيل بن محمد العجلوني الجراحي المتوفى 1162 توجد ترجمته في ( سلك الدرر ) للمرادي.

(174)
الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق.
    17 ـ قال : أما حديث المؤاخاة ( إن عليا وأخاه رسول الله ) فباطل موضوع ، فإن النبي لم يواخ أحدا ولا آخى بين المهاجرين بعضهم من بعض ولا بين الأنصار بعضهم من بعض ، ولكن آخى بين المهاجرين والأنصار كما آخى بين سعد بن الربيع و عبد الرحمن بن عوف ، وآخى بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء كما ثبت ذلك في الصحيح 2 ص 119.
    ج ـ إن حكم الرجل يبطلان حديث المواخاة الثابت بين المسلمين على بكرة أبيهم بكشف عن جهله المطبق بالحديث والسيرة ، أو عن حنقه المحتدم على أمير المؤمنين عليه السلام فلا يسعه أن ينال منه إلا بإنكار فضايله ، فكأنه آلى على نفسه أن لا يمر بفضيلة إلا وأنكرها وفندها ولو بالدعوى المجردة.
    فقد أوضحنا في ص 112 ـ 125 أن قصة المواخاة وقعت بين أفراد الصحابة قبل الهجرة مرة ، وبين المهاجرين والأنصار بعدها مرة أخرى ، وفي كل منهما وآخى هو صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين عليه السلام ، وحسب الرجل ما في فتح الباري 7 ص 217 للحافظ ابن حجر العسقلاني قال بعد بيان كون المواخاة مرتين وذكر جملة من أحاديثهما :
    وأنكر ابن تيمية في كتاب الرد (1) على ابن المطهر الرافضي في المؤاخاة بين المهاجرين وخصوصا مؤاخاة النبي لعلي قال :
    لأن المؤاخاة شرعت لإرفاق بعضهم بعضا ، ولتأليف قلوب بعضهم على بعض ، فلا معنى لمؤاخاة النبي لأحد منهم ولا لمؤاخاة مهاجري لمهاجري.
    وهذا رد للنص بالقياس وإغفال عن حكمة المؤاخاة ، لأن بعض المهاجرين كان أقوى من بعض بالمال والعشيرة والقوى ، فآخى بين الأعلى والأدنى ، ليرتفقن الأدنى بالأعلى ، ويستعين الأعلى بالأدنى ، وبهذا نظر في مؤاخاته لعلي لأنه هو الذي كان يقوم به من عهد الصبا من قبل البعثة واستمر ، وكذا مؤاخاة حمزة وزيد بن حارثة لأن زيدا مولاهم فقد ثبت أخوتهما وهما من المهاجرين وسيأتي في عمرة القضاء قول زيد بن حارثة : إن بنت حمزة بنت أخي.
    وأخرج الحاكم وابن عبد البر بسند حسن عن أبي الشعثاء عن ابن عباس :
    آخى النبي صلى الله عليه وسلم بين الزبير و ابن مسعود وهما من المهاجرين ( قلت ) : وأخرجه الضياء في المختارة من المعجم الكبير للطبراني وابن تيمية يصرح بأن أحاديث المختارة أصح وأقوى من أحاديث المستدرك.
1 ـ هو كتاب منهاج السنة الذي نتكلم حوله.

(175)
وقصة المواخاة الأولى ( ثم ذكر حديثها الصحيح من طريق الحاكم الذي أسلفناه ).
    وذكر العلامة الزرقاني في شرح ( المواهب ) 1 ص 373 جملة من الأحاديث والكلمات الواردة في كلتا المرتين من المؤاخاة وقال : وجاءت أحاديث كثيرة في مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم لعلي. ثم أوعز إلى مزعمة ابن تيمية ورد عليه بكلام الحافظ ابن حجر المذكور. إتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء.
    18 ـ قال : الحديث الذي ذكر ( العلامة ) عن النبي صلى الله عليه وسلم : إن فاطمة أحصنت فرجها فحرمها الله وذريتها على النار. كذب باتفاق أهل المعرفة بالحديث. ويظهر كذبه لغير أهل الحديث أيضا فإن قوله : إن فاطمة أحصنت فرجها.. إلخ.
    باطل قطعا فإن سارة أحصنت فرجها ولم يحرم الله جميع ذريتها على النار ، وأيضا فصفية عمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحصنت فرجها ومن ذريتها محسن وظالم ، وفي الجملة : اللواتي حصين فروجهن لا يحصي عددهن إلا الله ومن ذريتهن البر والفاجر والمؤمن والكافر.
    وأيضا ففضيلة فاطمة ومزيتها ليست بمجرد إحصان الفرج فإن هذا تشارك فيه فاطمة وجمهور نساء المؤمنين 2 ص 126.
    ج ـ عجبا لهذا الرجل وهو يحسب أن الإجماعات والاتفاقات طوع إرادته ، فإذا لم يرقه تأويل آية أو حديث أو مسألة أو اعتقاد يقول في كل منها للملأ العلمي : اتفقوا. فتلبيه الأحياء والأموات ، ثم يحتج باتفاقهم. ولعمر الحق لو لم يكن الانسان منهيا عن الكذب ولغو الحديث لما يأتي منهما فوق ما أتى به الرجل.
    ليت شعري كيف يكون هذا الحديث متفقا على بطلانه وكذبه ؟! وقد أخرجته جماعة من الحفاظ وصححه غير واحد من أهل المعرفة بالحديث ، وليته أوعز إلى من شذ منهم بالحكم بكذبه ، ودلنا على تآليفهم وكلماتهم ، غير أنه لم يجد أحدا منهم فكون الاتفاق بالإرادة كما قلناه. وقد خرجه.
    الحاكم ، الخطيب البغدادي ، البزار ، أبو يعلى ، العقيلي الطبراني ، ابن شاهين ، أبو نعيم ، المحب الطبري ، ابن حجر السيوطي ، المتقي الهندي ، الهيثمي ، الزرقاني ، الصبان البدخشي.


(176)
    إذا ثبتت صحة الحديث فأي وزن يقام للمناقشة فيه بأوهام وتشكيكات ، و استحسانات واهية ، واستبعادات خيالية ؟! كما هو دأب الرجل في كل ما لا يرتضيه من فضايل أهل البيت عليهم السلام ، وأي ملازمة بين إحصان الفرج وتحريم الذرية على النار ؟! حتى يرد بالنقض بمثل سارة وصفية والمؤمنات ، غير أن هذه فضيلة اختصت بها سيدة النساء فاطمة ، وكم لها من فضايل تخص بها ولم تحظ بمثلها فضليات النساء من سارة إلى مريم إلى حواء وغيرهن ، فلا غضاضة إذا تفرد ذريتها بفضيلة لم يحوها غيرهم ، وكم لهم من أمثالها.
    وقال العلامة الزرقاني المالكي في شرح ( المواهب ) 3 : 203 في نفي هذه الملازمة : الحديث أخرجه أبو يعلى والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود وله شواهد ، وترتيب التحريم على الاحصان من باب إظهار مزية شأنها في ذلك الوصف مع الإلماح ببنت عمران ولمدح وصف الاحصان ، وإلا فهي محرمة على النار بنص روايات أخر (1) ويؤيد هذا الحديث بأحاديث أخرى منها حديث ابن مسعود : إنما سميت فاطمة لأن الله قد فطمها وذريتها عن النار يوم القيامة (2).
    وقوله صلى الله عليه وآله : لفاطمة إن الله غير معذبك ولا أحد من ولدك (3).
    وقوله صلى الله عليه وآله لعلي : إن الله قد غفر لك ولذريتك. راجع ص 78.
    وقوله صلى الله عليه وآله : وعدني ربي في أهل بيتي : من أقر منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ أنه لا يعذبهم (4).
    19 ـ قال : حديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : علي مع الحق ، والحق يدور معه حيث دار ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض. من أعظم الكلام كذبا وجهلا ، فإن هذا الحديث لم يروه أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ، وهل
1 ـ يأتي تمام كلام الزرقاني في النقد على كتاب ( الصراع بين الاسلام والوثنية ).
2 ـ تاريخ ابن عساكر ، الصواعق 96 ، المواهب اللدنية كما في شرحه للزرقاني 3 ص 203.
3 ـ أخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات ، وابن حجر صححه في الصواعق 96 ، 140.
4 ـ أخرجه الحاكم في المستدرك 3 ص 150 وجمع آخرون نظراء الحافظ السيوطي.


(177)
يكون أكذب ممن يروي ( يعني العلامة الحلي ) عن الصحابة والعلماء أنهم رووا حديثا والحديث لا يعرف عن أحد منهم أصلا ؟ بل هذا من أظهر الكذب ، ولو قيل : رواه بعضهم وكان يمكن صحته لكان ممكنا وهو كذب قطعا على النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كلام ينزه عنه رسول الله. 167 ، 168.
    ج ـ أما الحديث فأخرجه جمع من الحفاظ والأعلام منهم : الخطيب في التأريخ ج 14 ص 321 من طريق يوسف بن محمد المؤدب قال : حدثنا الحسن بن أحمد بن سليمان السراج : حدثنا عبد السلام بن صالح : حدثنا علي بن هاشم بن البريد عن أبيه عن أبي سعيد التميمي عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال : دخلت على أم سلمة فرأيتها تبكي وتذكر عليا وقالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : علي مع الحق والحق مع علي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة.
    هذه أم المؤمنين أم سلمة سيدة صحابية ، وقد نفى الرجل أن يكون أحد الصحابة قد رواه كما نفى أن يكون أحد من العلماء يرويه إلا أن يقول : إن الخطيب وهو هو ليس من العلماء ، أو لم يعتبر أم المؤمنين صحابية ، وهذا أقرب إلى مبدأ ابن تيمية لأنها علوية النزعة. علوية الروح. علوية المذهب.
    وحديث أم سلمة سمعه سعد بن أبي وقاص في دارها قال سمعت : رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : علي مع الحق. أو : الحق مع علي حيث كان : قاله في بيت أم سلمة فأرسل أحد إلى أم سلمة فسألها فقالت : قد قاله رسول الله في بيتي. فقال الرجل لسعد : ما كنت عندي قط ألوم منك الآن. فقال ولم ؟! قال : لو سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم لم أزل خادما لعلي حتى أموت.
    أخرجه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد 7 ص 236 وقال : رواه البزار وفيه سعد بن شعيب ولم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح.
    ( قال الأميني ) : الرجل الذي لم يعرفه الهيثمي هو سعيد بن شعيب الحضرمي قد خفي عليه لمكان التصحيف ، ترجمه غير واحد بما قال شمس الدين إبراهيم الجوزجاني : إنه كان شيخا صالحا صدوقا. كما في خلاصة الكمال 318 ، وتهذيب التهذيب 4 ص 48. وكيف يحكم الرجل بأن الحديث لم يروه أحد من الصحابة والعلماء أصلا


(178)
وهذا الحافظ ابن مردويه في ( المناقب ) والسمعاني في ( فضائل الصحابة ) أخرجا بالإسناد عن محمد بن أبي بكر عن عايشة أنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
    وأخرج ابن مردويه في ( المناقب ) والديلمي في ( الفردوس ) أنه لما عقر جمل عايشة ودخلت دارا بالبصرة أتى إليها محمد بن أبي بكر فسلم عليها فلم تكلمه فقال لها : أنشدك الله أتذكرين يوم حدثتيني عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال : الحق لن يزال مع علي وعلي مع الحق لن يختلفا ولن يفترقا ؟ فقالت : نعم.
    وروى ابن قتيبة في ( الإمامة والسياسة ) 1 ص 68 عن محمد بن أبي بكر أنه دخل على أخته عائشة رضي الله عنها قال لها :
    أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : علي مع الحق ، والحق مع علي ؟! ثم خرجت تقاتلينه.
    وروى الزمخشري في ( ربيع الأبرار ) قال : استأذن أبو ثابت مولى علي على أم سلمة رضي الله عنها فقالت : مرحبا بك يا أبا ثابت ، أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها ؟ قال : تبع علي بن أبي طالب.
    قالت : وفقت والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : علي مع الحق والقرآن ، والحق والقرآن مع علي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
    وبهذا اللفظ أخرجه أخطب الخطباء الخوارزمي في ( المناقب ) من طريق الحافظ ابن مردويه.
    وكذا شيخ الاسلام الحموي في ( فرائد السمطين ) في الباب ال‍ 37 عن طريق الحافظين أبي بكر البيهقي والحاكم أبي عبد الله النيسابوري.
    وأخرج ابن مردويه في ( المناقب ) عن أبي ذر أنه سئل عن اختلاف الناس فقال :
    عليك بكتاب الله والشيخ علي بن أبي طالب عليه السلام فإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : علي مع الحق والحق معه وعلى لسانه ، والحق يدور حيثما دار علي.
    ويوقف القارئ على شهرة الحديث عند الصحابة احتجاج أمير المؤمنين به يوم الشورى بقوله : أنشدكم بالله أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : ألحق مع علي و علي مع الحق يزول الحق مع علي كيفما زال ؟ قالوا : أللهم نعم (1).
1 ـ مر الكلام في حديث المناشدة ج 1 ص 159 ـ 163.

(179)
    وهنا نسأل الرجل عن أن هذا الكلام لماذا لا يمكن صحته ؟ أفيه شيء من المستحيلات العقلية كاجتماع النقيضين أو ارتفاعهما ؟ أو اجتماع الضدين أو المثلين ؟ و كأن الرجل يزعم أن الحقيقة العلوية غير قابلة لأن تدور مع الحق وأن يدور الحق معها.
    كبرت كلمة تخرج من أفواههم.
    وقد مر ج 1 ص 305 ، 308 من طريق الطبراني وغيره بإسناد صحيح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم :
    أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ( إلى قوله ) : و أدر الحق معه حيث دار (1) : وصح عنه صلى الله عليه وآله قوله : رحم الله عليا أللهم أدر الحق معه حيث دار (2).
    وقال الرازي في تفسيره 1 ص 111. وأما أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه كان يجهر بالتسمية فقد ثبت بالتواتر ، ومن اقتدى في دينه بعلي بن أبي طالب فقد اهتدى والدليل عليه قوله عليه السلام : أللهم أدر الحق مع علي حيث دار.
    وحكي الحافظ الكنجي في ( الكفاية ) ص 135 ، وأخطب خوارزم في ( المناقب ) 77 عن مسند زيد قوله صلى الله عليه وآله لعلي : إن الحق معك والحق على لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي.
    وأخرج غير واحد عن أبي سعيد الخدري عنه صلى الله عليه وآله إنه قال مشيرا إلى علي : الحق مع ذا ، الحق مع ذا (3) وفي لفظ ابن مردويه عن عايشة عنه صلى الله عليه وآله : الحق مع ذا يزول معه حيثما زال.
    وأخرج ابن مردويه والحافظ الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) 9 ص 134 عن أم سلمة أنها كانت تقول : كان علي على الحق ، من اتبعه اتبع الحق ، ومن تركه ترك الحق ، عهدا معهودا قبل يومه هذا (4).
1 ـ وبهذا اللفظ رواه الشهرستاني في نهاية الإقدام ص 493.
2 ـ مستدرك الحاكم 3 ص 125 ، جامع الترمذي 2 ص 213 ، الجمع بين الصحاح لابن الأثير ، كنز العمال 6 ص 157 ، نزل الأبرار 24.
3 ـ مسند أبي يعلى ، سنن سعيد بن منصور ، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 7 ص 35 وقال : رواه أبو يعلى ورجاله ثقات.
4 ـ في لفظ الهيثمي : عهد معهود.


(180)
    ومر في ج 1 ص 166 من طريق شيخ الاسلام الحموي قوله صلى الله عليه وآله وسلم في أوصيائه :
    فإنهم مع الحق ، والحق معهم لا يزايلونه ولا يزايلهم.
    وليت شعري هذا الكلام لماذا ينزه عنه رسول الله صلى الله عليه وآله ألاشتماله على كلمة إلحادية ؟! أو إشراك بالله العظيم ؟! أو أمر خارج عن نواميس الدين المبين ؟!
    أنا أقول عنه لماذا : لأنه في فضل مولانا أمير المؤمنين والرجل لا يروقه شيء من ذلك. ونعم الحكم الله ، والخصيم محمد.
    ولا يذهب على القارئ أن هذا الحديث عبارة أخرى لما ثبتت صحته عن أم سلمة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم :
    علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض (1).
    وكلا الحديثين يرميان إلى مغزى الصحيح المتواتر الثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله :
    إني تارك أو : مخلف فيكم الثقلين ، أو : الخليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض.
    فإذا كان ما يراه ابن تيمية غير ممكن الصدور عن مبدأ الرسالة فهذه الأحاديث كلها مما يغزو مغزاه يجب أن ينزه صلى الله عليه وآله عنها ، ولا أحسب أن أحدا يقتحم ذلك الثغر المخوف إلا من هو كمثال ابن تيمية لا يبالي بما يتهور فيه ، فدعه وتركاضه ، ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون. 20 قال : حديث إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يا فاطمة ؟ إن الله يغضب لغضبك و يرضى لرضاك.
    فهذا كذب منه ، ما رووا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف هذا في شيء من كتب الحديث المعروفة ، ولا الاسناد معروف عن النبي صلى الله عليه وسلم لا صحيح ولا حسن.
    20 ص 170 ج ليتني عرفت هل المقحم للرجل في أمثال هذه الورطة جهله المطبق وضيق حيطته عن الوقوف على كتب الحديث ؟! ثم إن الرعونة تحدوه إلى تكذيب ما لم يجده
1 ـ مستدرك الحاكم 3 ص 124 صححه هو وأقره الذهبي ، المعجم الأوسط للطبراني وحسن سنده ، الصواعق 74 ، 75 ، الجامع الصغير 2 ص 140 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي 116 ، فيض القدير 4 ص 358.
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس