كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 271 ـ 280
(271)
    ( وأما الحسن ) بن الحسن المثنى فهو الذي شهد مشهد الطف مع عمه الإمام الطاهر وجاهد وأبلى وارتث بالجراح فلما أرادوا أخذ الرؤوس وجدوا به رمقا فحمله خاله أبو حسان أسماء خارجة الفزاري إلى الكوفة وعالجه حتى برئ.
    ثم لحق بالمدينة (1) ويعرب عن عقيدة الشيعة فيه قول شيخهم الأكبر الشيخ المفيد في إرشاده :
    كان جليلا رئيسا فاضلا ورعا ، وكان يلي صدقات أمير المؤمنين في وقته ، وله مع الحجاج خبر ذكره الزبير بن بكار.. إلخ.
    وعده العلامة الحجة السيد محسن الأمين العاملي ( الذي رد عليه الآلوسي بكلمته هذه ) من أعيان الشيعة وذكر له ترجمة ضافية في ج 21 ص 166 ـ 184.
    فالقول بأن الرافضة تعتقد بارتداده عن دين الاسلام قذف بفرية مقذعة تندى منها جبهة الانسانية.
    ( أما عبد الله ) المحض ابن الحسن المثنى فقد عده شيخ الشيعة أبو جعفر الطوسي في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام ، وزاد أبو داود الباقر عليه السلام ، وقال جمال الدين المهنا في ( العمدة ) 87 : كان يشبه رسول الله ، وكان شيخ بني هاشم في زمانه ، يتولى صدقات أمير المؤمنين بعد أبيه الحسن.
    والأحاديث في مدحه وذمه وإن تضاربت غير أن غاية نظر الشيعة فيها ما اختاره سيد الطائفة السيد ابن طاوس في إقباله ص 51 من صلاحه وحسن عقيدته وقبوله إمامة الصادق عليه السلام ، وذكر من أصل صحيح كتابا للإمام الصادق وصف فيه عبد الله بالعبد الصالح ودعا له ولبني عمه بالأجر والسعادة ، ثم قال : وهذا يدل على أن الجماعة المحمولين [ يعني عبد الله وأصحابه الحسنيين ] كانوا عند مولانا الصادق معذورين و ممدوحين ومظلومين وبحقه عارفين ، وقد يوجد في الكتب : إنهم كانوا للصادقين عليهم السلام مفارقين.
    وذلك محتمل للتقية لئلا ينسب إظهارهم لإنكار المنكر إلى الأئمة الطاهرين ، ومما يدلك على أنهم كانوا عارفين بالحق وبه شاهدين ما رويناه ( وقال بعد ذكر السند وإنهائه إلى الصادق ) : ثم بكا عليه السلام حتى علا صوته وبكينا ثم قال :
    حدثني أبي عن فاطمة بنت الحسين عن أبيه قال : يقتل منك أو يصاب
1 ـ إرشاد المفيد ، عمدة الطالب 86.

(272)
نفر بشط الفرات ما سبقهم الأولون ولا يعدلهم الآخرون. ثم قال :
    أقول : وهذه شهادة صريحة من طرق صحيحة بمدح المأخوذين من بني الحسن عليه وعليهم السلام وأنهم مضوا إلى الله جل جلاله بشرف المقام ، والظفر بالسعادة والاكرام.
    ثم ذكر أحاديث تدل على حسن اعتقاد عبد الله بن الحسن ومن كان معه من الحسنيين فقال :
    أقول : فهل تراهم إلا عارفين بالهدى ، وبالحق اليقين ، ولله متقين ؟ ا ه فأنت عندئذ جد عليم بأن نسبة القول بردته وردة بقية الحسنيين إلى الشيعة بعيدة عن مستوى الصدق.
    ( وأما محمد ) بن عبد الله بن الحسن الملقب بالنفس الزكية فعده الشيخ أبو جعفر الطوسي في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام. وقال ابن المهنا في ( عمدة الطالب ) 91 : قتل بأحجار الزيت ، وكان ذلك مصداق تلقيبه ( النفس الزكية ) لأنه روي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : تقتل بأحجار الزيت من ولدي نفس زكية.
    وذكر سيدنا ابن طاووس في ( الاقبال ) ص 53 تفصيلا برهن فيه حسن عقيدته وإنه خرج للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإنه كان يعلم بقتله ويخبر به ، ثم قال : كل ذلك يكشف عن تمسكهم بالله والرسول صلى الله عليه وآله.
    هذا رأي الشيعة في النفس الزكية ، وهم مخبتون إلى ما في ( مقاتل الطالبيين ) ص 85 من أنه أفضل أهل بيته ، وأكبر أهل زمانه في علمه بكتاب الله وحفظه له ، وفقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه ، والامامية حاشاهم عن قذفه بالردة عن الدين ، والمفتري عليهم به قد احتمل بهتانا وإثما مبينا.
    ( وأما إبراهيم ) بن عبد الله قتيل ( باخمرى ) المكنى بأبي الحسن ، فعده شيخ الطائفة من رجال الصادق ، وقال جمال الدين بن المهنا في ( العمدة ) 95 : كان من كبار العلماء في فنون كثيرة ، وذكره دعبل الخزاعي شاعر الشيعة في تائيته المشهورة ب‍ ( مدارس آيات ) التي رثى بها شهداء الذرية الطاهرة بقوله :
قبور بكوفان وأخرى بطيبة وأخرى بأرض الجوزجان محلها وأخرى بفخ نالها صلواتي وقبر بباخمرى لدى الغربات
    فلولا شهرة إبراهيم عند الشيعة بالصلاح وحسن العقيدة ، واستيائهم بقتله ، و


(273)
كونه مرضيا عند أئمتهم صلوات الله عليهم ، لم يرثه دعبل ولم يقرأ رثائه للإمام علي ابن موسى سلام الله عليه.
    ونحن نقول بما قال أبو الفرج في ( المقاتل ) 112 : كان إبراهيم جاريا على شاكلة أخيه محمد في الدين والعلم والشجاعة والشدة.
    وعده السيد الأمين العاملي من أعيان الشيعة وبسط القول في ترجمته ج 5 ص 308 ـ 324.
    فنسبة القول بردته عن الدين إلى الشيعة بهتان عظيم. ( وأما زكريا ) بن محمد الباقر فإنه لم يولد بعد ، وهو من مخلوقات عالم أوهام الآلوسي ، إذ مجموع أولاد أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام الذكور ستة باتفاق الفريقين ، ولم نجد فيما وقفنا عليه من تآليف العامة والخاصة غيرهم ، وهم : جعفر : عبد الله. إبراهيم. علي. زيد. عبيد الله (1) فنسبة القول بردة زكريا إلى الشيعة باطلة بانتفاء الموضوع.
    ( وأما محمد ) بن عبد الله بن الحسين بن الحسن فإن كان يريد حفيد الحسين الأثرم ابن الإمام المجتبى ؟! فلم يذكر النسابة فيه إلا قولهم : انقرض عقبه سريعا. ولم يسموا له ولدا ولا حفيدا. وإن أراد غيره ؟! فلم نجد في كتب الأنساب له ذكرا حتى تكفره الشيعة أو تؤمن به ، ولم نجد في الإمامية من يكفر شخصا يسمى بهذا الاسم حسنيا كان أو حسينيا.
    ( وأما محمد بن القاسم ) بن الحسن فهو ابن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام يلقب بالبطحاني (2) ، عده شيخ الطائفة في رجاله من أصحاب الصادق سلام الله عليه ، وقال جمال الدين ابن المهنا في ( العمدة ) 57 : كان محمد البطحاني فقيها. ولم نجد لشيعي كلمة غمز فيه حتى تكون شاهدا للفرية المعزوة إلى الشيعة.
    ( أما يحيى بن عمر ) فهو أبو الحسين يحيى بن عمر بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب سلام الله عليهم ، أحد أئمة الزيدية ، فحسبك في الإعراب عن رأي الشيعة فيه ما في ( عمدة الطالب ) لابن المهنا ص 263 من قوله :
1 ـ كذا في ( المجدي ) للنسابة العمري وجملة من المصادر وفي بعضها : عبد الله. مع التعدد.
2 ـ يروى بفتح الموحدة منسوبا إلى ( البطحاء ) ، وبالضم منسوبا إلى ( بحطان ) واد بالمدينة ( عمدة الطالب 57 )



(274)
خرج بالكوفة داعيا إلى الرضا من آل محمد ، وكان من أزهد الناس ، وكان مثقل الظهر بالطالبيات يجهد نفسه في برهن ـ إلى أن قال ـ : فحاربه محمد بن عبد الله بن طاهر فقتل وحمل رأسه إلى سامراء ولما حمل رأسه إلى محمد بن عبد الله بن طاهر جلس بالكوفة ( كذا ) للهنا فدخل عليه أبو هاشم داود ابن القاسم الجعفري وقال : إنك لتهنأ بقتيل لو كان رسول الله صلى الله عليه وآله حيا لعزي فيه (1) فخرج وهو يقول :
يا بني طاهر كلوه مريئا إن وتراً يكون طالبه الل إن لحم النبي غير مري ه لوتر بالفوت غير حري   ا ه‍
    ورثاه جمع من شعراء الشيعة الفطاحل منهم : أبو العباس ابن الرومي رثاه بقصيدتين إحديهما ذات 110 بيتا توجد في ( عمدة الطالب ) ص 220 مطلعها :
أمامك فانظر أي نهجيك ينهج طريقان شتى مستقيم وأعوج
    وجيمية أخرى أولها :
حييت ربع الصبا والخرد الدعج الآنسات ذوات الدل والغنج
    ومنهم : أبو الحسين علي بن محمد الحماني الأفوه رثاه بشعر كثير مرت جملة منه في هذا الجزء ص 61 ، 62 ،.
    هذا صحيح رأي الشيعة في هؤلاء السادة الأئمة ، ولم تقل الشيعة ولا تقول ولن تقول بارتداد أحد منهم عن الدين ولا بارتداد الحسنيين والحسينيين القائلين بإمامة زيد بن علي بن الحسين المنعقدة على الرضا من آل محمد سلام الله عليهم.
    كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلا كذبا.
    ونحن نسائل الرجل عن هؤلاء الذين يدافع عن شرفهم وجلالتهم من ذا الذي قتلهم ؟ واستأصل شأفتهم ؟ وحسبهم في غيابة الجب وأعماق السجون ؟ أهم الشيعة الذين اتهمهم بالقول بردتهم ؟ أم قومه الذين يزعم أنهم يعظمونهم ؟ هلم معي واقرأ صفحة التاريخ فهو نعم المجيب. أما زيد الشهيد فعرفناك قاتله وقاطع رأسه ص 75. وأما يحيى بن زيد فقتله الوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة 125 ، وقاتله سلم
1 ـ وذكره اليعقوبي في تاريخه 3 ص 221.

(275)
بن أحوز الهلالي ، وجهز إليه الجيش نصر بن سيار ، ورماه عيسى مولى عيسى بن سليمان العنزي وسلبه (1) والحسن بن الحسن المثنى كتب وليد بن عبد الملك إلى عامله عثمان بن حيان المري : انظر إلى الحسن بن الحسن فاجلده مائة ضربة ، وقفه للناس يوما ، ولا أراني إلا قاتله ، فلما وصله الكتاب بعث إليه فجيئ به والخصوم بين يديه فعلمه علي بن الحسين عليه السلام بكلمات الفرج ففرج الله عنه وخلوا سبيله (2) فخاف الحسن سطوة بني أمية فأخفى نفسه وبقي مختفيا إلى أن دس إليه السم سليمان بن عبد الملك و قتله سنة 97 (3).
    وعبد الله المحض كان المنصور يسميه : عبد الله المذلة ، قتله في حبسه بالهاشمية سنة 145 لما حبسه مع تسعة عشر من ولد الحسن ثلاث سنين ، وقد غيرت السياط لون أحدهم وأسالت دمه ، وأصاب سوط إحدى عينيه فسالت ، وكان يستسقي الماء فلا يسقى ، فردم عليهم الحبس فماتوا (4) وفي تاريخ اليعقوبي 3 ص 106 : إنهم وجدوا مسمرين في الحيطان.
    ومحمد بن عبد الله النفس الزكية قتله حميد بن قحطبة سنة 145 ، وجاء برأسه إلى عيسى بن موسى وحمله إلى أبي جعفر المنصور فنصبه بالكوفة وطاف به البلاد (5) وأما إبراهيم بن عبد الله فندب المنصور عيسى بن موسى من المدينة إلى قتاله فقاتل بباخمرى حتى قتل سنة 145 ، وجيئ برأسه إلى المنصور فوضعه بين يديه ، وأمر به فنصب في السوق : ثم قال للربيع : احمله إلى أبيه عبد الله في السجن. فحمله إليه (6) وقال النسابة العمري في المجدي : ثم حمل ابن أبي الكرام الجعفري رأسه إلى مصر.
1 ـ تاريخ الطبري 8 ، مروج الذهب 2 ، تاريخ اليعقوبي 3.
2 ـ تاريخ ابن عساكر 4 ص 164.
3 ) الزينبيات.
4 ـ تاريخ الطبري 9 ص 196 ، تذكرة سبط ابن الجوزي ص 126 ، مقاتل الطالبيين ص 71 ، 84 ط ايران.
5 ـ تذكرة سبط ابن الجوزي 129.
6 ـ تاريخ الطبري 9 ص 260 ، تاريخ اليعقوبي 3 ص 112 ـ 114 ، تذكرة السبط ص 230.


(276)
    ويحيى بن عمر أمر به المتوكل فضرب دررا ثم حبسه في دار الفتح بن خاقان فمكث على ذلك ثم أطلق فمضى إلى بغداد فلم يزل بها حتى خرج إلى الكوفة في أيام المستعين فدعى إلى الرضا من آل محمد فوجه المستعين رجلا يقال له : كلكاتكين.
    ووجه محمد بن عبد الله بن طاهر بالحسين بن إسماعيل فاقتتلوا حتى قتل سنة 250 و حمل رأسه إلى محمد بن عبد الله فوضع بين يديه في ترس ودخل الناس يهنونه ، ثم أمر بحمل رأسه إلى المستعين من غد (1).
    3 ـ قال : إن الروافض زعموا أن أصح كتبهم أربعة : الكافي. وفقه من لا يحضره الفقيه. والتهذيب. والاستبصار ، وقالوا : إن العمل بما في الكتب الأربعة من الأخبار واجب ، وكذا بما رواه الإمامي ودونه أصحاب الأخبار منهم ، ونص عليه المرتضى وأبو جعفر الطوسي وفخر الدين الملقب عندهم بالمحقق المحلي (2) ص 55.
    ج ـ تعتقد الشيعة إن هذه الكتب الأربعة أوثق كتب الحديث ، وأما وجوب العمل بما فيها من الأخبار ، أو بكل ما رواه إمامي ودونه أصحاب الأخبار منهم فلم يقل به أحد ، وعلم الهدى المرتضى وشيخ الطائفة أبو جعفر ونجم الدين المحقق الحلي أبرياء مما قذفهم به ، وهذا كتبهم بين أيدينا لا يوجد في أي منها هذا البهتان العظيم ، وأهل البيت أدرى بما فيه.
    ويشهد لذلك رد علماء الشيعة لفريق مما روي من أحاديث لطعن في إسناد أو مناقشة في المتن. ويشهد لذلك تنويعهم الأخبار على أقسام أربعة : الصحيح. الحسن. الموثق. الضعيف.
    منذ عهد العلمين جمال الدين السيد أحمد بن طاوس الحسني ، وتلميذه آية الله العلامة الحلي. وليت الرجل يقف على شروح هذه الكتب وفي مقدمها ( مرآت العقول ) شرح الكافي للعلامة المجلسي ويشاهد كيف يحكم في كل سند بما يأدي إليه اجتهاده من أقسام الحديث. أو كان يراجع الجزء الثالث من المستدرك للعلم الحجة النوري حتى يرشده إلى الحق ويعلمه الصواب وينهاه عن التقول على أمة كبيرة ( الشيعة )
1 ـ تاريخ الطبري 11 ص 89 ، تاريخ اليعقوبي 3 ص 221.
2 ـ فخر الدين لقب شيخنا محمد بن الحسن العلامة الحلي. وأما المحقق فيلقب بنجم الدين وينسب إلى الحلة الفيحاء لا المحل.


(277)
بلا علم وبصيرة في أمرها.
    ثم زيف الكتب الأربعة المذكورة بما فيها من الآحاد ، واشتمال بعض أسانيدها برجال قذفهم بأشياء هم برءاء منها ، وآخرين لا يقدح انحرافهم المذهبي في ثقتهم في الرواية ، وأحاديث هؤلاء من النوع الذي تسميه الشيعة بالموثق ، وهاك أناس يرمون بالضعف لكن خصوص رواياتهم تلك مكتنفة بإمارات الصحة ، وعلى هذا عمل المحدثين من أهل السنة والشيعة في مدوناتهم الحديثية ، فالرجل جاهل بدراية الحديث وفنونه ، أو : راقه أن يتجاهل حتى يتحامل بالوقيعة ، ولو راجع مقدمة ( فتح الباري ) في شرح صحيح البخاري لابن حجر ، وشرحه للقسطلاني ، وشرحه للعيني ، وشرح مسلم للنووي وأمثالها لوجد فيها ما يشفي غلته ، وكف عن نشر الأباطيل مدته (1).
    4 ـ قال : يروي [ الطوسي ] عن ابن المعلم وهو يروي عن ابن مابويه الكذوب صاحب الرقعة المزورة ، ويروي عن المرتضى أيضا.
    وقد طلبا العلم معا وقرءا على شيخهما محمد بن النعمان ، وهو أكذب من مسيلمة الكذاب ، وقد جوز الكذب لنصرة المذهب. ص 57.
    ج ـ إن صاحب التوقيع الذي حسبه الرجل رقعة مزورة هو علي بن الحسين بن موسى بن بابويه ( بالبائين الموحدتين لا المصدرة بالميم ) وهو الصدوق الأول توفي 329 قبل مولد الشيخ المفيد ابن المعلم بسبع أو تسع سنين ، فإنه ولد سنة 336 / 8 فليس من الممكن روايته عنه ، نعم له رواية عن ولده الصدوق أبي جعفر محمد بن علي وليس هو صاحب التوقيع.
    وليتني علمت من ذا الذي أخبر الآلوسي بأن شيخ الأمة المفيد [ المدفون في رواق الإمامين الجوادين صاحب القبة والمقام المكين ] أكذب من مسيلمة الكذاب الكافر بالله ؟ !.
    ما أجرأه على هذه القارصة الموبقة ! ؟ وكيف أحفه ؟! (2) وهذا اليافعي يعرفه في مرآته ج 3 ص 28 بقوله : كان عالم الشيعة وإمام الرافضة صاحب التصانيف الكثيرة
1 ـ المدة : غمس القلم في الدواة مرة للكتابة.
2 ـ أحف الرجل : ذكره بالقبح.


(278)
شيخهم المعروف بالمفيد وبابن المعلم أيضا ، البارع في الكلام والجدل والفقه ، و كان يناظر أهل كل عقيدة مع الجلالة.
    والعظمة في الدولة البويهية ، وقال ابن أبي طي :
    كان كثير الصدقات ، عظيم الخشوع ، كثير الصلاة والصوم ، خشن اللباس.
    وقول ابن كثير في تأريخه 12 ص 15 : كان مجلسه يحضره كثير من العلماء من سائر الطوائف.
    ينم عن أنه شيخ الأمة الإسلامية لا الإمامية فحسب ، فيجب إكباره على أي معتنق بالدين.
    أهكذا أدب العلم والدين ؟ أفي الشريعة والأخلاق مساغ للنيل من أعراض العلماء والوقيعة فيهم والتحامل عليهم بمثل هذه القارصة ؟ أفي ناموس الاسلام ما يستباح به أن يحط بمسلم إلى حضيض يكون أخفض من الكافر مهما شجر الخلاف واحتدم البغضاء ؟! فضلا عن مثل الشيخ المفيد الذي هو من عمد الدين وأعلامه ، و من دعاة الحق وأنصاره ، وهو الذي أسس مجد العراق العلمي وأيقظ شعور أهليها وماذا عليه ؟ غير أنه عرف المعروف الذي أنكره الآلوسي ، وتسنم ذروة من العلم والعمل التي تقاعس عنها المتهجم.
    وليته أشار إلى المصدر الذي أخذ عنه نسبة تجويز الكذب لنصرة المذهب إلى الشيخ المفيد من كتبه أو كتب غيره ، أو إسناد متصل إليه ، أما مؤلفاته فكلها خالية عن هذه الشائنة ، ولا نسبها إليه أحد من علمائنا ، وأما الاسناد فلا تجد أحدا أسنده إليه متصلا كان أو مرسلا ، فالنسبة غير صحيحة ، وتعكير الصفو بالنسب المفتعلة ليس من شأن المسلم الأمي فضلا عن مدعي العلم.
    5 ـ قال تحت عنوان [ تعبد الإمامية بالرقاع الصادرة من المهدي المنتظر ] نعم :
    إنهم أخذوا غالب مذهبهم كما اعترفوا من الرقاع المزورة التي لا يشك عاقل في أنها افتراء على الله ، والعجب من الروافض أنهم سموا صاحب الرقاع بالصدوق وهو الكذوب ، بل : إنه عن الدين المبين بمعزل.
    كان يزعم أنه يكتب مسألة في رقعة فيضعها في ثقب شجرة ليلا فيكتب الجواب عنها المهدي صاحب الزمان بزعمهم ، فهذه الرقاع عند الرافضة من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم ، فتبا ...


(279)
    واعلم أن الرقاع كثيرة منها : رقعة علي بن الحسين بن موسى بن مابويه القمي فإنه كان يظهر رقعة بخط الصاحب في جواب سؤاله ويزعم أنه كاتب أبا القاسم بن أبي الحسين ابن روح أحد السفرة على يد علي بن جعفر بن الأسود أن يوصل له رقعته إلى الصاحب [ أي المهدي ] وأرسل إليه رقعة زعم أنها جواب صاحب الأمر له.
    ومنها : رقاع محمد بن عبد الله بن جعفر بن حسين بن جامع بن مالك الحريري أبو جعفر القمي ، كاتب صاحب الأمر سأله مسائل في الشريعة قال : قال لنا أحمد بن الحسين : وقفت على هذه المسائل من أصلها والتوقيعات بين السطور ، ذكر تلك الأجوبة محمد بن الحسن الطوسي في كتابه ( الغيبة ) وكتاب ( الاحتجاج ).
    والتوقيعات خطوط الأئمة بزعمهم في جواب مسائل الشيعة ، وقد رجحوا التوقيع على المروي بإسناد صحيح لدى التعارض ، قال ابن مابويه في الفقه بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة في [ باب الرجل يوصي إلى الرجلين ] :
    هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد ابن الحسن بن علي ، وفي الكافي للكليني رواية بخلاف ذلك التوقيع عن الصادق ، ثم قال :
    لا أفتي بهذا الحديث بل أفتي بما عندي من خط الحسن بن علي.
    ومنها : رقاع أبي العباس جعفر بن عبد الله بن جعفر الحميري القمي.
    ومنها : رقاع أخيه الحسين ورقاع أخيه أحمد.
    وأبو العباس هذا قد جمع كتابا في الأخبار المروية عنه وسماه [ قرب الاسناد إلى صاحب الأمر ].
    ومنها : رقاع علي بن سليمان بن الحسين بن الجهم بن بكير بن أعين أبو الحسن الرازي ، فإنه كان يدعي المكاتبة أيضا ويظهر الرقاع.
    هذه نبذة مما بنوا عليه أحكامهم ودانوا به ، وهي نغبة من دأماء ، (1) وقد تبين بها حال دعوى الرافضي في تلقي دينهم عن العترة... إلخ. ص 58 ، 61.
    ج ـ كان حقا علي الرجل نهي جمال الدين القاسمي عن أن يظهر كتابه إلى غيره ،
1 ـ النغبة : الجرعة. الدأماء : البحر.

(280)
كما كان على السيد محمد رشيد رضا أن يحرج على الشيعة بل أهل النصفة من قومه أيضا أن يقفوا على رسالته ، إذ الأباطيل المبثوثة في طيهما تكشف عن السوئة ، وتشوه السمعة ، ولا تخفى على أي مثقف ، ولا يسترها ذيل العصبية ، ولا تصلحها فكرة المدافع عنها ، مهما كان القارئ شريف النفس ، حرا في فكرته وشعوره.
    كيف يخفى على الباحث ؟! أن الإمامية لا تتعبد بالرقاع الصادرة من المهدي المنتظر ، وكلام الرجل ومن لف لفه كما يأتي عن القصيمي في [ الصراع بين الاسلام والوثنية ] أوضح ما هناك من السر المستسر في عدم تعبدهم بها ، وعدم ذكر المحامدة الثلاثة (1) مؤلفي الكتب الأربعة التي هي عمدة مراجع الشيعة الإمامية في تلكم التآليف شيئا من الرقاع والتوقيعات الصادرة من الناحية المقدسة ، وهذا يوقظ شعور الباحث إلى أن مشايخ الإمامية الثلاثة كانوا عارفين بما يؤل إليه أمر الأمة من البهرجة وإنكار وجود الحجة ، فكأنهم كانوا منهيين عن ذكر تلك الآثار الصادرة من الناحية الشريفة في تآليفهم مع أنهم هم رواتها وحملتها إلى الأمة ، وذلك لئلا يخرج مذهب العترة عن الجعفرية الصادقة إلى المهدوية ، حتى لا يبقى لرجال العصبية العمياء مجال للقول بأن مذهب الإمامية مأخوذ من الإمام الغائب الذي لا وجود له في مزعمتهم ، وأنهم يتعبدون بالرقاع المزورة في حسبانهم ، وهذا سر من أسرار الإمامة يؤكد الثقة بالكتب الأربعة والاعتماد عليها.
    هذا ثقة الاسلام الكليني مع أن بيئته ( بغداد ) تجمع بينه وبين سفراء الحجة المنتظر الأربعة ، ويجمعهم عصر واحد ، وقد توفي في الغيبة الصغرى سنة 323 ، و ألف كتابه خلال عشرين سنة ، تراه لم يذكر قط شيئا من توقيعات الإمام المنتظر في كتابه ( الكافي ) الحافل المشتمل على ستة عشر ألف حديث ومائة وتسعة وتسعين حديثا ، مع أن غير واحد من تلك التوقيعات يروى من طرقه ، وهو يذكر في كتابه كثيرا من توقيعات بقية الأئمة من أهل بيت العصمة سلام الله عليهم. وهذا أبو جعفر بابويه الصدوق مع روايته عدة من تلك الرفاع الكريمة
1 ـ أبو جعفر محمد بن يعقوب الكليني ، أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي ، أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي.
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس