كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: 281 ـ 290
(281)
في تأليفه [ إكمال الدين ] وعقده لها بابا فيه ص 266 لم يذكر شيئا منها في كتابه الحافل [ من لا يحضره الفقيه ].
    نعم : في موضع واحد منه [ على ما وقفت ] يذكر حديثا في مقام الاعتضاد من دون ذكر وتسمية للإمام عليه السلام وذلك في ج 2 ص 41 ط لكهنو قال : الخبر الذي روي فيمن أفطر يوما من شهر رمضان متعمدا أن عليه ثلاث كفارات فإني أفتي به فيمن أفطر بجماع محرم عليه أو بطعام محرم عليه لوجود ذلك في روايات أبي الحسين الأسدي رضي الله عنه فيما ورد عليه من الشيخ أبي جعفر محمد بن عثمان العمري قدس الله روحه.
    وبعدهما شيخ الطايفة أبو جعفر الطوسي فإنه مع روايته توقيعات الأحكام الصادرة من الناحية المقدسة إلى محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري في كتاب ( الغيبة ) ص 184 ـ 214 و 243 ـ 258 لم يورد شيئا منها في كتابيه [ التهذيب والاستبصار ] اللذين يعدان من الكتب الأربعة عمد مصادر الأحكام.
    ألا تراهم ؟ أجمعوا برواية توقيع إسحاق بن يعقوب عن الناحية المقدسة ورواه أبو جعفر الصدوق عن أبي جعفر الكليني في الاكمال ص 266 ، والشيخ أبو جعفر الطوسي بإسناده عن الكليني أيضا في كتاب ( الغيبة ) ص 188 ، وفيه أحكام مسائل ثلاث عنونوها في كتبهم الأربعة واستدلوا عليها بغير هذا التوقيع وليس فيها منه عين ولا أثر ألا وهي :
    1 ـ حرمة الفقاع :
    عنونها الكليني في الكافي 2 ص 197. والشيخ في التهذيب 2 ص 313. وفي الاستبصار 2 ص 245. وتوجد في الفقيه 3 ص 217 ، 361 ، ولها عنوان في الوافي جمع الكتب الأربعة في الجزء الحادي عشر ص 88. وتوجد من أدلة الباب خمسة توقيعات للإمامين : أبي الحسن الرضا وأبي جعفر الثاني. وليس فيها عن التوقيع المهدوي ذكر.
    2 ـ تحليل الخمس للشيعة : عنونها الكليني في الكافي 1 ص 425. والشيخ في التهذيب 1 ص 256 ـ 259


(282)
والاستبصار في الجزء الثاني ص 33 ـ 36 وذكرها الصدوق في الفقيه في الجزء الثاني ص 14 ، وهي معنونة في الوافي في الجزء السادس 45 ـ 48 ، ومن أدلة الباب مكاتبة الإمامين : أبي الحسن الرضا وأبي جعفر الجواد عليهما السلام ، وليس فيها ذكر عن توقيع الحجة.
    3 ـ ثمن المغنية.
    المسألة معنونة في الكافي 1 ص 361. وفي التهذيب 2 ص 107 وفي الاستبصار ج 2 ص 36. وتوجد في الفقيه 3 ص 53 : وهي معنونة في جمعها الوافي في الجزء العاشر ص 32. ولا يوجد فيها إيعاز إلى توقيع الإمام المنتظر.
    فكلمة الآلوسي هذه أرشدتنا إلى جانب مهم ، وعرفتنا بذلك السر المكتوم ، وأرتنا ما هناك من حكمة صفح المشايخ عن تلكم الأحاديث الصادرة من الإمام المنتظر وهي بين أيديهم وأمام أعينهم.
    فأنت جد عليم بأنه لو كان هناك شيئ مذكور منها في تلكم الأصول المدونة لكان باب الطعن على المذهب الحق ( الإمامية ) مفتوحا بمصراعيه ، ولكان تطول عليهم ألسنة المتقولين ، ويكثر عليهم الهوس والهياج ممن يروقه الوقيعة فيهم والتحامل عليهم.
    إذن فهلم معي نسائل الرجل عن همزه ولمزه بمخاريقه وتقولاته وتحكماته وتحرشه بالوقيعة نسائله متى أخذت الإمامية غالب مذهبهم من الرقاع وتعبدوا بها ؟ ومن الذي اعترف منهم بذلك ؟ وأنى هو ؟ وفي أي تأليف اعترف ؟ أم بأي راو ثبت عنده ذلك ؟.
    وأنى للصدوق رقاع ؟ ومتى كتبها ؟ وأين رواها ؟ ومن ذا الذي نسبها إليه ؟ و قد جهل الرجل بأن صاحب الرقعة هو والده الذي ذكره بقوله : منها رقعة علي بن الحسين.
    وما المسوغ لتكفيره ؟ وهو من حملة علم القرآن والسنة النبوية ، ومن الهداة إلى الحق ومعالم الدين ، دع هذه كلها ولا أقل من أنه مسلم يتشهد بالشهادتين ، و يؤمن بالله ورسوله والكتاب الذي أنزل إليه واليوم الآخر ، أهكذا قرر أدب الدين. أدب العلم.
    أدب العفة. أدب الكتاب. أدب السنة ؟ أم تأمره به أحلامه ؟ أبهذا السباب المقذع ، والتحرش بالبذاء والقذف ، يتأتى الصالح العام ؟ وتسعد الأمة الاسلامية ؟


(283)
وتجد رشدها وهداها ؟.
    ثم من الذي أخبره عن مزعمة الصدوق بنيل حاجته من ثقب الأشجار ؟ و الصدوق متى سأل ؟ وعماذا سأل ؟ حتى يكتب ويضع في ثقب شجرة أو غيرها ليلا أو نهارا ويجد جوابه فيها.
    ومن الذي روى عنه تلك الأسئلة ؟ ومن رأى أجوبتها ؟ ومن حكاها ؟ ومتى ثبتت عند الرافضة حتى تكون من أقوى دلائلهم وأوثق حججهم ؟ نعم : فتبا...
    وليتني أقف وقومي على تلك الرقاع الكثيرة وقد جمعها العلامة المجلسي في المجلد الثالث عشر من ( البحار ) في اثنتي عشرة صحيفة من ص 237 ـ 249 والتي ترجع منها إلى الأحكام إنما تعد بالآحاد ولا تبلغ حد العشرات ، فهل مستند تعبد الإمامية من بدء الفقه إلى غايته هذه الصحايف المعدودة ؟ أم يحق أن تكون تلك المعدودة بالآحاد هي مأخذ غالب مذهبهم ؟.
    أنا لا أدري لكن القارئ يدري ، إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله : وليته كان يذكر رقعة علي بن الحسين بن بابويه بنصها حتى تعرف الأمة أنها رقعة واحدة ليست إلا ، وليس فيها ذكر من الأحكام حتى تتعبد بها الإمامية ، وإليك لفظها برواية الشيخ في كتاب ( الغيبة ).
    كتب علي بن الحسين إلى الشيخ أبي القاسم حسين بن روح على يد علي بن جعفر أن يسأل مولانا الصاحب أن يرزقه أولادا فقهاء.
    فجاء الجواب : إنك لا ترزق من هذه وستملك جارية ديلمية وترزق منها ولدين فقيهين (1).
    أترى هذه الرقعة مما يؤخذ منه المذهب ؟! أو فيها مسة بالتعبد ؟ وأما رقاع محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري التي توجد في كتابي ( الغيبة ) و ( الاحتجاج ) فليست هي إلا رقاعا أربعا ذكر الشيخ في ( الغيبة ) منها اثنتين في ص 244 ـ 250 تحتوي إحداهما تسع مسائل والأخرى خمسة عشر سؤالا ، وزادهما الطبرسي في ( الاحتجاج ) رقعتين ، ولو كان المفتري منصفا لكان يشعر بأن عدم إدخال الشيخ هذه المسائل في كتابيه : [ التهذيب والاستبصار ] إنما هو لدحض هذه الشبهة ، وقطع
1 ـ وقد ولد له أبو جعفر محمد وأبو عبد الله الحسين من أم ولد.

(284)
هذه المزعمة.
    وقد خفي على الرجل أن كتاب ( الاحتجاج ) ليس من تآليف الشيخ الطوسي محمد بن الحسن وإنما هو للشيخ أبي منصور أحمد بن علي بن أبي طالب الطبرسي. وفي قوله : والتوقيعات... إلخ.
    جناية كبيرة وتمويه وتدجيل فإنه بعد ما ادعى على الإمامية ترجيح التوقيع على المروي بالإسناد الصحيح لدى التعارض استدل عليه بقوله : قال ابن مابويه في الفقه : بعد ذكر التوقيعات الواردة من الناحية المقدسة في باب [ الرجل يوصي إلى رجل] : هذا التوقيع عندي بخط أبي محمد ابن الحسن بن علي .. إلخ.
    فإنك لا تجد في الباب المذكور من الفقيه توقيعا واحدا ورد من الناحية المقدسة فضلا عن التوقيعات ، وإنما ذكر في أول الباب توقيعا واحدا عن أبي محمد الحسن العسكري ، وقد جعله الرجل أبا محمد بن الحسن ليوافق فريته ذاهلا عن أن كنية الإمام الغائب أبو القاسم لا أبو محمد ، فلا صلة بما هناك لدعوى الرجل أصلا ، وها نحن نذكر عبارة الفقيه حتى يتبين الرشد من الغي.
    قال في الجزء الثالث ص 275 : باب الرجلين يوصى إليهما ؟ فينفرد كل واحد منهما بنصف التركة.
    كتب محمد بن الحسن الصفار رضي الله عنه إلى أبي محمد الحسن ابن علي عليهما السلام : رجل أوصى إلى رجلين أيجوز لأحدهما أن ينفرد بنصف التركة والآخر بالنصف ؟ فوقع عليه السلام : لا ينبغي لهما أن يخالفا الميت ويعملان على حسب ما أمرهما إنشاء الله. وهذا التوقيع عندي بخطه عليه السلام.
    وفي كتاب محمد بن يعقوب الكليني رحمه الله عن أحمد بن محمد عن علي بن الحسن الميثمي عن أخويه محمد وأحمد عن أبيهما عن داود بن أبي يزيد عن بريد بن معاوية قال : إن رجلا مات وأوصى إلى رجلين فقال أحدهما لصاحبه : خذ نصف ما ترك و اعطني النصف مما ترك.
    فأبى عليه الآخر ، فسألوا أبا عبد الله عليه السلام عن ذلك فقال : ذاك له.
    قال مصنف هذا الكتاب رحمه الله : لست أفتي بهذا الحديث ، بل : أفتي بما عندي بخط الحسن بن علي عليه السلام. ا ه‍.
    إقرأ واحكم. وأما رقاع أبي العباس والحسين وأحمد وعلي فإنها لم توجد قط في مصادر


(285)
الشيعة ، ولا يذكر منها شيئ في أصول الأحكام ، ومراجع الفقه الإمامية ، ولعمري لو كان المفتري يجد فيها شيئا منها لأعرب عنه بصراخه.
    وأبو العباس كنيه عبد الله بن جعفر الحميري وهو صاحب ( قرب الاسناد ) لا جعفر بن عبد الله كما حسبه المغفل ، وإنما جعفر ومحمد الذي ذكره قبل [ ولم يعرفه ] والحسين وأحمد إخوان أربعة أولاد أبي العباس المذكور ، ولم ير في كتب الشيعة برمتها لغير محمد بن عبد الله المذكور أثر من الرقاع المنسوبة إليهم ، ولم يحفظ التاريخ لهم غير كلمة المؤلفين في تراجمهم :
    إن لهم مكاتبة.
    هذه حال الرقاع عند الشيعة وبطلان نسبة ابتناء أحكامهم عليها.
    وهناك أغلاط للرجل في كلمته هذه تكشف عن جهله المطبق وإليك ما يلي : موسى بن مابويه ( في غير موضع ) والصحيح : موسى بن بابويه أبا القاسم بن أبي الحسين والصحيح : أبا القاسم الحسين مالك الحريري. الفقه والصحيح : مالك الحميري. الفقيه أبي العباس جعفر بن عبد الله والصحيح : أبي العباس عبد الله سليمان بن الحسين والصحيح : سليمان بن الحسن أبو الحسن الرازي والصحيح : أبو الحسن الزراري عجبا للرجل حين جاء ينسب وينقد ويرد ويفند وهو لا يعرف شيئا من عقايد القوم وتعاليم مذهبهم ، ومصادر أحكامهم ، وبرهنة عقايدهم ، ولا يعرف الرجال وأسماءهم ، ويجهل الكتب ونسبها ، ولا يفرق بين والد ولا ولد ، ولا بين مولود و بين من لم يولد بعد ، ولو كان يروقه صيانة ماء وجهه لكف القلم فهو أستر لعورته.
    6 ـ ذكر في ص 64 ، 65 عدة من عقايد الشيعة ، جملة منها مكذوبة عليهم كشتمهم جمهور أصحاب رسول الله وحكمهم بارتدادهم إلا العدد اليسير ، وقولهم : بأن الأئمة يوحى إليهم (1).
    وإن موت الأئمة باختيارهم. وإنهم اعتقدوا بتحريف القرآن ونقصانه وإنهم يقولون. بأن الحجة المنتظر إذا ذكر في مجلس حضر فيقومون
م ـ (1) يأتي البحث عن هذا وما يليه في الجزء الخامس إنشاء الله تعالى ).

(286)
له (1) وإنكارهم كثيرا من ضروريات الدين.
    قال الأميني : نعم : الشيعة لا يحكمون بعدالة الصحابة أجمع ، ولا يقولون إلا بما جاء فيهم في الكتاب والسنة وسنوقفك على تفصيله في النقد على كتاب ( الصراع بين الاسلام والوثنية ).
    وأما بقية المذكورات فكلها تحامل ومكابرة بالإفك ، ثم جاء بكلمة عوراء ، وقارصة شوهاء ، ألا وهي قوله في ص 65 ، 66 :
    وما تكلم ( يعني السيد محسن الأمين ) به في المتعة يكفي لإثبات ضلالهم ، و عندهم متعة أخرى يسمونها [ المتعة الدورية ] ويروون في فضلها ما يروون ، وهي : أن يتمتع جماعة بامرأة واحدة ، فتكون لهم من الصبح إلى الضحى في متعة هذا ، ومن الضحى إلى الظهر في متعة هذا ، ومن الظهر إلى العصر في متعة هذا ، ومن العصر إلى المغرب في متعة هذا.
    ومن المغرب إلى العشاء في متعة هذا ، ومن العشاء إلى نصف الليل في متعة هذا ، ومن نصف الليل إلى الصبح في متعة هذا.
    فلا بدع ممن جوز مثل هذا النكاح أن يتكلم بما تكلم به ويسميه ( الحصون المنيعة ) إلخ (2) نسبة المتعة الدورية وقل : الفاحشة المبينة إلى الشيعة إفك عظيم تقشعر منه الجلود ، وتكفهر منه الوجوه ، وتشمئز منه الأفئدة ، وكان الأحرى بالرجل حين أفك أن يتخذ له مصدرا من كتب الشيعة ولو سوادا على بياض من أي ساقط منهم ، بل نتنازل معه إلى كتاب من كتب قومه يسند ذلك إلى الشيعة ، أو سماع عن أحد لهج به ، أو وقوف منه على عمل ارتكبه أناس ولو من أوباش الشيعة وأفنائهم ، لكن المقام قد أعوزه عن كل ذلك لأنه أول صارخ بهذا الإفك الشائن ، ومنه أخذ القصيمي في [ الصراع بين الاسلام والوثنية ] وغيره.
    وليت الشيعة تدري متى كانت هذه التسمية ؟ وفي أي عصر وقعت ؟ ومن أول من سماها ؟ ولم خلت عنها كتب الشيعة برمتها ؟. أنا أقول ( وعند جهينة الخبر
1 ـ قيام الشيعة عند ذكر الإمام ليس لحضوره كما زعمه الآلوسي وإنما هو لما جاء عن الإمامين الصادق والرضا عليهما السلام من قيامهما عند ذكره وهو لم يولد بعد ، وليس هو إلا تعظيما له كالقيام عند ذكر رسول الله المندوب عند أهل السنة كما في ( السيرة الحلبية ) 1 ص 90.
2 ـ يوافيك بسط القول في المتعة في الجزء السادس إنشاء الله تعالى.


(287)
اليقين ) : هو هذا العصر الذهبي ، عصر النور ، عصر الآلوسي ، وهو أول من سماها بعد أن اخترعها ، والشيعة لم تعلمها بعد.
    وليت الرجل ذكر شيئا من تلك الروايات التي زعم أن الشيعة ترويها في فضل المتعة الدورية ، وليته دلنا على من رواها ، وعلى كتاب أو صحيفة هي مودعة فيها ، نعم : الحق معه في عدم ذكر ذلك كله لأن الكذب لا مصدر له إلا القلوب الخائنة ، والصدور المملوكة بالوسواس الخناس.
    وأما العلم الحجة سيدنا المحسن الأمين ( صاحب الحصون المنيعة ) الذي يزعم الرجل أنه يجوز مثل هذا النكاح ففي أي من تآليفه جوز ذلك ؟ ولمن شافهه به ؟ ومتى قاله ؟ وأنى نوه به ؟ وها هو حي يرزق ( مد الله في عمره ) وهل هو إلا رجل هم (1) علم من أعلام الشريعة ، وإمام من أئمة الاصلاح.
    لا يتنازل إلى الدنايا ، و لا يقول بالسفاسف ، ولا تدنس ساحة قدسه بهذه القذائف والفواحش ؟.
    هذه نبذة يسيرة من الأفائك المودعة في رسالة ( السنة والشيعة ) وهي مع أنها رسالة صغيرة لا تعدو صفحاتها 132 لكن فيها من البوائق ما لعل عدتها أضعاف عدد الصفحات ، وحسبك من نماذجها ما ذكرناه.
إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم
بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم
والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم

سورة النور : 11

1 ـ أي ذو همة يطلب معالي الأمور.

(288)
10
الصراع
بين الاسلام والوثنية
تأليف عبد الله على القصيمي نزيل القاهرة
    لعل في نفس هذا الاسم دلالة واضحة على نفسيات مؤلفه وروحياته وما أودعه في الكتاب من الخزايات : فأول جنايته على المسلمين عامة تسميته بالوثنية أمما من المسلمين يعد ؟ كل منها بالملائين ، وفيهم الأئمة والقادة والعلماء والحكماء والمفسرون والحفاظ و الادلاء على دين الله الخالص ، وفي مقدمهم أمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان.
    فهل ترى هذه التسمية تدع بين المسلمين ألفة ؟ وتذر فيهم وئاما ؟ وتبقى بينهم مودة ؟ وهل تجد لو اطردت أمثالها كلمة جامعة تتفيأ الأمة بظلها الوارف ؟ نعم : هي التي تبذر بين الملأ الديني بذور الفرقة ، وتبث فيهم روح النفرة ، تتضارب من جراءها الآراء ، وتتباين الفكر ، وربما انقلب الجدال جلادا ، كفى الله المسلمين شرها.
    فإلى الدعة والسلام ، وإلى الإخاء والوحدة أيها المسلمون جميعا من غير اكتراث لصخب هذا المعكر للصفو ، والمقلق للسلام ، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء ، لا تتبعوا خطوات الشيطان ، ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر.
    وأما ما في الكتاب من السباب المقذع والتهتك والقذائف والطامات والأكاذيب والنسب المفتعلة فلعلها تربو على عدد صفحاته البالغة 1600 وإليك نماذج منها :
    1 ـ قال : من الظرائف أن شيخا من الشيعة إسمه بيان كان يزعم إن الله يعنيه بقوله : هذا بيان للناس. وكان آخر منهم يلقب بالكسف فزعم هو وزعم له أنصاره إنه المعني بقول الله : وإن يروا كسفا من السماء. الآية. ص ع و 538.
    ج ـ إن هي إلا أساطير الأولين التي اكتتبها قلم ابن قتيبة في تأويل مختلف الحديث ص 87 ، وإن هي إلا من الفرق المفتعلة التي لم تكن لها وجود وما وجدت بعد ،


(289)
وإنما اختلقتها الأوهام الطائشة ، ونسبتها إلى الشيعة ألسنة حملة العصبية العمياء نظراء ابن قتيبة والجاحظ والخياط ، ممن شوهت صحائف تآليفهم بالإفك الفاحش ، وعرفهم التاريخ للمجتمع بالاختلاق والقول المزور ، فجاء القصيمي بعد مضي عشرة قرون على تلك التافهات والنسب المكذوبة يجددها ويرد بها على الإمامية اليوم ، ويتبع الذين قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ، فذرهم و ما يفترون.
    هب أن للرجلين [ بيان وكسف ] وجودا خارجيا ومعتقدا كما يزعمه القائل وإنهما من الشيعة ـ وأني له بإثبات شيء منها ـ فهل في شريعة الحجاج ، وناموس النصفة ، وميزان العدل ، نقد أمة كبيرة بمقالة معتوهين يشك في وجودهما أولا ، وفي مذهبهما ثانيا ، وفي مقالتهما ثالثا ؟..
    2 ـ قال : ذكر الأمير الجليل شكيب أرسلان في كتاب [ حاضر العالم الاسلامي ] (1) إنه التقى بأحد رجال الشيعة المثقفين البارزين فكان هذا الشيعي يمقت العرب أشد المقت ويزري بهم أيما إزراء ، ويغلو في علي بن أبي طالب وولده غلوا يأباه الاسلام والعقل فعجب الأمير الجليل لأمره وسأله كيف تجمع بين مقت العرب هذا المقت و حب علي وولده هذا الحب ؟ وهل علي وولده إلا من ذروة العرب وسنامها الأشم ؟ فانقلب الشيعي ناصبيا واهتاج وأصبح خصما لعلي وبنيه وقال ألفاظا في الاسلام و العرب مستكرهة ص 14.
    جهذا النقل الخرافي يسف بأمير البيان إلى حضيض الجهل والضعة ، حيث حكم بثقافة إنسان وبروزه والى أناسا وغلا في حبهم ردحا من الزمن وهو لا يعرف عنصرهم ، أو كان يحسب أنهم من الترك أو الديلم ؟ وهل تجد في المسلمين جاهلا لا يعرف أن محمد وآله صلوات الله عليه وعليهم من ذروة العرب وسنامها الأشم ؟ وقد من عليه الأمير حيث لم يخبره بأن مشرف العترة الرسول الأعظم هو المحبتي على تلك الذروة وذلك السنام لئلا يرتد المثقف إلى المجوسية ، ولا أرى سرعة إنقلاب المثقف
1 ـ كتاب يفتقر جدا إلى نظارة التنقيب. ينم عن قصور باع مؤلفه ، وعدم عرفانه بمعتقدات الشيعة ، وجهله بأخبارهم وعاداتهم ، غير ما لفقه قومه من أباطيل ومخاريق فأخذه حقيقة راهنة ، وسود به صحائف كتابه بل صحايف تاريخه.

(290)
البارز إلا معجزة للأمير في القرن العشرين ( لا القرن الرابع عشر ).
    هذا عند من يصدق القصيمي ( المصارع ) في نقله ، وأما المراجع كتاب الأمير [ حاضر العالم الاسلامي ] فيجد في الجزء الأول ص 164 ما نصه :
    كنت أحادث إحدى المرار رجلا من فضلائهم [ يعني الشيعة ] ومن ذوي المناصب العالية في الدولة الفارسية ، فوصلنا في البحث إلى قضية العرب والعجم ، و كان محدثي على جانب عظيم من الغلو في التشيع إلى حد أني رأيت له كتابا مطبوعا مصدرا بجملة [ هو العلي الغائب ] فقلت في نفسي : لا شك أن هذا الرجل لشدة غلوه في آل البيت ، ولعلمه أنهم من العرب ، لا يمكنه أن يكره العرب الذين آل البيت منهم ، لأنه يستحيل الجمع بين البغض والحب في مكان واحد ، ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ، ولقد أخطأ ظني في هذا أيضا ، فإني عندما سقت الحديث إلى مسألة العربية والعجمية وجدته انقلب عجميا صرفا ونسي ذلك الغلو كله في علي عليه السلام وآله ، بل قال لي هكذا وكان يحدثني بالتركية : [ ايران بر حكومت إسلامية دكلدر يالكزدين إسلامي اتخاذ ايتمش بر حكومتدر ] أي إيران ليست بحكومة إسلامية وأنما هي حكومة اتخذت لنفسها دين الاسلام.
    إقرأوا عجب من تحريف الكلم عن مواضعه ، هكذا يفعل القصيمي بكلمات قومه فكيف بما خطته يد من يضاده في المبدء.
    والقارئ جد عليم بأن الأمير [ شكيب أرسلان ] قد غلت أيضا في فهم ما صدر الشيعي الفاضل به كتابه من جملة [ هو العلي الغالب ] واتخاذه دليلا على الغلو في التشيع ، فإنهما كلمة مطردة تكتب وتقال كقولهم : [ هو الواحد الأحد ] وما يجري مجراه ، تقصد بها أسماء الله الحسنى ، وهي كالبسملة في التيمن بافتتاح القول بها.
    وأنت لا تجد في الشيعة من يبغض العروبة ، وهو يعتنق دينا عربيا صدع به عربي صميم ، وجاء بكتاب عربي مبين وفي طيه :
    أأعجمي وعربي ؟ (1) وقد خلفه على أمر الدين والأمة سادات العرب ، ولا يستنبط أحكام الدين إلا بالمأثورات العربية عن أولئك الأئمة الطاهرين صلوات الله عليهم المنتهية علومهم إلى مؤسس
1 ـ سورة فصلت آية 44.
كتاب الغدير ـ الجزء الثالث ::: فهرس