الغدير ـ الجزء الخامس ::: 121 ـ 130
(121)
كلامه ] : واحتج أيضا من قال بالمشروعية بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج في جميع الأزمان على تباين الديار واختلاف المذاهب الوصول إلى المدينة المشرفة لقصد زيارته ويعدون ذلك من أفضل الأعمال ، ولم ينقل أن أحدا أنكر ذلك عليهم فكان إجماعا.
    34 ـ قال الشيخ محمد أمين ابن عابدين المتوفى 1253 ، في [ رد المحتار على الدر المختار ] عند العبارة المذكورة ج 2 ص 263 : مندوبة بإجماع المسلمين كما في ( الباب ) [ إلى أن قال ] : وهل تستحب زيارة قبره صلى الله عليه وسلم للنساء ؟ الصحيح : نعم ، بلا كراهة بشروطها على ما صرح به بعض العلماء ، أما على الأصح من مذهبنا و هو قول الكرخي وغيره من أن الرخصة في زيارة القبور ثابتة للرجال والنساء جميعا فلا إشكال ، وأما على غيره فذلك نقول بالاستحباب لإطلاق الأصحاب. [ بل قيل : واجبة ] ذكره في شرح اللباب ، وقال : كما بينته في ( الدرة المضية في الزيارة المصطفوية ) وذكره أيضا الخير الرملي في حاشية ( المنح ) عن ابن حجر وقال : وانتصر له. نعم عبارة اللباب والفتح وشرح المختار أنها قريبة من الوجوب لمن له سعة. [ إلى أن قال ] : قال ابن الهمام : والأولى فيما يقع عند العبد الضعيف : تجريد النية لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام ، ثم يحصل له إذا قدم زيارة المسجد ، أو يستمنح فضل الله تعالى في مرة أخرى ينويها لأن في ذلك زيادة تعظيمه صلى الله عليه وسلم وإجلاله ويوافقه ظاهر ما ذكرناه من قوله صلى الله عليه وسلم : من جاءني زائرا لا تعمله حاجة إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون شفيعا له يوم القيامة. ا ه‍. ونقل الرحمتي عن العارف الملاجامي : إنه أفرز الزيارة عن الحج حتى لا يكون له مقصد غيرها في سفره ثم ذكر حديث : لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد. فقال : والمعنى كما أفاده في ( الإحياء ) إنه لا تشد الرحال لمسجد من المساجد إلا لهذه الثلاثة لما فيها من المضاعفة بخلاف بقية المساجد فإنها متساوية في ذلك ، فلا يرد أنه قد تشد الرحال لغير ذلك كصلة رحم وتعلم علم ، وزيارة المشاهد كقبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبر الخليل عليه السلام وسائر الأئمة.
    35 ـ قال الشيخ محمد بن السيد درويش الحوت البيروتي المتوفى 1276 ، في تعليق ( حسن الأثر ) ص 246 : زيارة النبي صلى الله عليه وسلم مطلوبة لأنه واسطة الخلق ، و


(122)
زيارته بعد وفاته كالهجرة إليه في حياته ، ومن أنكرها فإن كان ذلك إنكارا لها من أصلها فخطاؤه عظيم ، وإن كان لما يعرض من الجهلة مما لا ينبغي فليبين ذلك.
    36 ـ قال الشيخ إبراهيم الباجوري الشافعي المتوفى 1277 في حاشيته على شرح ابن الغزي على متن الشيخ أبي شجاع في الفقه الشافعي ج 1 ص 347 : ويسن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ولو لغير حاج ومعتمر كالذي قبله ، ويسن لمن قصد المدينة الشريفة لزيارته صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الصلاة والسلام عليه في طريقه ، ويزيد في ذلك إذا رأى حرم المدينة وأشجارها ، ويسأل الله أن ينفعه بهذه الزيارة ويتقبلها منه. ثم ذكر جملة كثيرة من آداب الزيارة وألفاظها.
    37 ـ جعل الشيخ حسن العدوي الحمزاوي الشافعي المتوفى 1303 خاتمة في كتابه [ كنز المطالب ] ص 179 ـ 239 لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم وفصل فيها القول وذكر مطلوبيتها كتابا وسنة وإجماعا وقياسا ، وبسط الكلام في شد الرحال إلى ذلك القبر الشريف ، وذكر جملة من آداب الزائر ووظايف الزيارة وقال في ص 195 بعد نقل جملة من الأحاديث الواردة في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع سلام زائريه ويرد عليهم : إذا علمت ذلك علمت أن رده صلى الله عليه وسلم سلام الزائر عليه بنفسه الكريمة صلى الله عليه وسلم أمر واقع لا شك فيه ، وإنما الخلاف في رده على المسلم عليه من غير الزائرين ، فهذه فضيلة أخرى عظيمة ينالها الزائرون لقبره صلى الله عليه وسلم ، فيجمع الله لهم بين سماع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصواتهم من غير واسطة وبين رده عليهم سلامهم بنفسه ، فأنى لمن سمع لهذين بل بأحدهما أن يتأخر عن زيارته صلى الله عليه وسلم ؟! أو يتوانى عن المبادرة إلى المثول في حضرته صلى الله عليه وسلم ؟! تالله ما يتأخر عن ذلك مع القدرة عليه إلا من حق عليه البعد من الخيرات ، والطرد عن مواسم أعظم القربات ، أعاذنا الله تعالى من ذلك بمنه وكرمه آمين. وعلم من تلك الأحاديث أيضا أنه صلى الله عليه وسلم حي على الدوام ، إذ من المحال العادي أن يخلو الوجود كله عن واحد يسلم عليه في ليل أو نهار ، فنحن نؤمن ونصدق بأنه صلى الله عليه وسلم حي يرزق ، وإن جسده الشريف لا تأكله الأرض ، وكذا سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والاجماع على هذا.
    م 38 ـ قال السيد محمد بن عبد الله الجرداني الدمياطي الشافعي المتوفى 1307 في


(123)
( مصباح الظلام ) ج 2 ص 145 : قال بعضهم : ولزائر قبر النبي صلى الله عليه وسلم عشر كرامات : إحداهن يعطى أرفع المراتب. الثانية : يبلغ أسنى المطالب. الثالثة : قضاء المآرب. الرابعة : بذل المواهب. الخامسة : الأمن من المعاطب. السادسة : التطهير من المعايب. السابعة : تسهيل المصائب. الثامنة : كفاية النوائب. التاسعة : حسن العواقب. العاشرة : رحمة رب المشارق والمغارب. وما أحسن ما قيل :
هنيئا لمن زار خير الورى فإن السعادة مضمونة وحـط عن النفس أوزارها لمن حل طيبة أوزارها
    وبالجملة فزيارة قبره صلى الله عليه وسلم من أعظم الطاعات وأفضل القربات حتى أن بعضهم جرى على أنها واجبة ، فينبغي أن يحرص عليها وليحذر كل الحذر من التخلف عنها مع القدرة وخصوصا بعد حجة الاسلام لأن حقه صلى الله عليه وسلم على أمته عظيم ، ولو أن أحدهم يجئ على رأسه أو على بصره من أبعد موضع من الأرض لزيارته صلى الله عليه وسلم لم يقم بالحق الذي عليه لنبيه جزاه الله عن المسلمين أتم الجزاء.
زر من تحب وإن شطت بك الدار لا يمنعنك بعد عن زيارته وحال من دونه ترب وأحجار إن المحب لمن يهـواه زوار
    ويسن لمن قصد المدينة الشريفة ( إلخ ) ، ثم فصل القول في آداب الزيارة ، وذكر التسليم على الشيخين وزيارة السيدة فاطمة وأهل البقيع والمزارات المشهورة وهي نحو ثلاثين موضعا كما قال ].
    39 ـ قال الشيخ عبد الباسط بن الشيخ علي الفاخوري مفتي بيروت في [ الكفاية لذوي العناية ] ص 125 : الفصل الثاني عشر في زيارة النبي صلى الله عليه وسلم وهي متأكدة مطلوبة ومستحبة محبوبة ، وتسن زيارته في المدينة كزيارته حيا وهو في حجرته حي يرد على من سلم عليه السلام ، وهي من أنجح المساعي وأهم القربات وأفضل الأعمال وأزكى العبادات ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : من زار قبري وجبت له شفاعتي ، ومعنى ( وجبت ) ثبتت بالوعد الصادق الذي لا بد من وقوعه وحصوله ، وتحصل الزيارة في أي وقت وكونها بعد تمام الحج أحب ، ويجب على من أراد الزيارة التوبة من كل شئ يخالف طريقته وسننه صلى الله عليه وسلم ثم ذكر شطرا وافرا من آداب الزيارة والزيارة الأولى الآتية في الآداب ، فقال : ومن


(124)
عجز عن حفظ هذا فليقتصر على بعض وأقله ، السلام عليك يا رسول الله. ثم ذكر زيارة الشيخين إلى أن قال : ويستحب التبرك بالاسطوانات التي لها فضل وشرف وهي ثمانية : اسطوانة محل صلاته صلى الله عليه وسلم. واسطوانة عائشة رضي الله عنها وتسمى اسطوانة القرعة ، واسطوانة التوبة محل اعتكافه صلى الله عليه وسلم. واسطوانة السرير. واسطوانة علي رضي الله عنه. واسطوانة الوفود. واسطوانة جبريل عليه السلام. واسطوانة التهجد.
    40 ـ قال الشيخ عبد المعطي السقا في ( الارشادات السنية ) ص 260 : زيارة النبي صلى الله عليه وسلم. إذا أراد الحاج أو المعتمر الانصراف من مكة أدام الله تشريفها وتعظيمها طلب منه أن يتوجه إلى المدينة المنورة للفوز بزيارته عليه الصلاة والسلام فإنها من أعظم القربات وأفضل الطاعات وأنجح المساعي المشكورة ، ولا يختص طلب الزيارة بالحاج غير أنها في حقه آكد ، والأولى تقديم الزيارة على الحج إذا اتسع الوقت فإنه ربما يعوقه عنها عائق ، وقد ورد في فضل زيارته صلى الله عليه وسلم أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم : من زار قبري وجبت له شفاعتي. وينبغي الحرص عليها وعدم التخلف عنها عند القدرة على أدائها خصوصا بعد حجة الاسلام لأن حقه صلى الله عليه وسلم على أمته عظيم. وينبغي لمريد الزيارة أن يكثر من الصلاة والسلام عليه صلى الله عليه وسلم في طريق ذهابه إليها ، وإذا وصلها استحب له أن يغتسل ثم يتوضأ أو يتيمم عند فقد الماء ، ثم ذكر جملة من آداب الزيارة ولفظا مختصرا من زيارة النبي صلى الله عليه وسلم والشيخين.
    41 ـ قال الشيخ محمد زاهد الكوثري في [ تكملة السيف الصقيل ] ص 156 : والأحاديث في زيارته صلى الله عليه وسلم في الغاية من الكثرة ، وقد جمع طرقها الحافظ صلاح الدين العلائي في جزء كما سبق ، وعلى العمل بموجبها استمرت الأمة إلى أن شذ ابن تيمية عن جماعة المسلمين في ذلك ، قال علي القاري في شرح ( الشفاء ) : وقد فرط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرم السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم كما أفرط غيره حيث قال : كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة ، وجاحده محكوم عليه بالكفر ، ولعل الثاني أقرب إلى الصواب لأن تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفرا لأنه فوق تحريم المباح المتفق عليه. فسعيه في منع الناس من زيارته صلى الله عليه وسلم ، يدل على ضغينة كامنة فيه نحو الرسول


(125)
صلى الله عليه وسلم ، وكيف يتصور الاشراك بسبب الزيارة والتوسل في المسلمين الذين يعتقدون في حقه عليه السلام إنه عبده ورسوله وينطقون بذلك في صلاتهم نحو عشرين مرة في كل يوم على أقل تقدير إدامة لذكرى ذلك ؟ ولم يزل أهل العلم ينهون العوام عن البدع في كل شؤونهم ، ويرشدونهم إلى السنة في الزيارة وغيرها إذا صدرت منهم بدعة في شئ ، ولم يعدهم في يوم من الأيام مشركين بسبب الزيارة أو التوسل ، كيف ؟ وقد أنقذهم الله من الشرك وأدخل في قلوبهم الإيمان ، وأول من رماهم بالاشراك بتلك الوسيلة هو ابن تيمية وجرى خلفه من أراد استباحة أموال المسلمين ودماءهم لحاجة في النفس ، ولم يخف ابن تيمية من الله في رواية عد السفر لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة عن الإمام ابن الوفاء ابن عقيل الحنبلي ـ وحاشاه عن ذلك ـ راجع كتاب ( التذكرة ) له تجد فيه مبلغ عنايته بزيارة المصطفى صلى الله عليه وسلم والتوسل به كما هو مذهب الحنابلة. ثم ذكر كلامه وفيه القول باستحباب قدوم المدينة وزيارة النبي صلى الله عليه وآله وكيفية زيارته وزيارة الشيخين وكيفية زيارتهما وإتيان مسجد قبا والصلاة فيه وإتيان قبور الشهداء وزيارتهم وإكثار الدعاء في تلك المشاهد. ثم قال : وأنت رأيت نص عبارته في المسألة على خلاف ما يعزو إليه ابن تيمية.
    42 ـ قال فقهاء المذاهب الأربعة المصريين في [ الفقه على المذاهب الأربعة ] ج 1 ص 590 : زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل المندوبات ، وقد ورد فيها أحاديث.
    ثم ذكروا ستة من الأحاديث وجملة من أدب الزائر وزيارة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرى للشيخين.
هدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد
الحج 24
فروع ثلاثة
    هذه الفروع تعطينا درس التسالم من أئمة المذاهب على رجحان زيارة النبي صلى الله عليه وآله واستحبابها ومحبوبية شد الرحال إليها من أرجاء الدنيا ألا وهي :
    1 ـ اختلفت الآراء من فقهاء المذاهب الأربعة في تقديم أي من الحج و والزيارة على الآخر. فقال تقي الدين السبكي في ( شفاء السقام ) ص 42 : اختلف


(126)
السلف رحمهم الله في أن الأفضل البداءة بالمدينة قبل مكة ، أو بمكة قبل المدينة ، و ممن نص على هذه المسألة وذكر الخلاف فيها الإمام أحمد رحمه الله في كتاب المناسك الكبير من تأليفه. وهذه المناسك رواها الحافظ أبو الفضل [ بإسناده (1) ] عن عبد الله بن أحمد عن أبيه وفي هذه المناسك سئل عمن يبدأ بالمدينة قبل مكة ؟ فذكر بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد وعطاء ومجاهد أنهم قالوا : إذا أردت مكة فلا تبدأ بالمدينة وابدأ بمكة ، وإذا قضيت حجك فامرر بالمدينة إن شئت. وذكر بإسناده عن الأسود قال : أحب أن يكون نفقتي وجهازي وسفري أن أبدأ بمكة ، وعن إبراهيم النخعي : إذا أردت مكة فاجعل كل شيئ لها تبعا. وعن مجاهد : إذا أردت الحج أو العمرة فابدأ بمكة واجعل كل شيئ لها تبعا. وعن إبراهيم : قال إذا حججت فابدأ بمكة ثم مر بالمدينة بعد.
    وذكر الإمام أحمد أيضا بإسناده عن عدي بن ثابت أن نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يبدأون بالمدينة إذا حجوا يقولون : فهل من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وذكر ابن أبي شيبة في فضيلة هذا الأمر أيضا وذكر بإسناده عن علقمة والأسود و عمرو بن ميمون : إنهم بدأوا بالمدينة قبل مكة. إلى أن قال : وممن نص على هذه المسألة من الأئمة أبو حنيفة رحمه الله وقال : والأحسن أن يبدأ بمكة.
    وقال الشيخ علي القاري في شرح ( المشكاة ) 3 ص 284 : الأنسب أن تكون الزيارة بعد الحج كما هو مقتضى القواعد الشرعية من تقديم الفرض على السنة (2) وقد روى الحسن عن أبي حنيفة تفصيلا حسنا وهو : أنه إن كان الحج فرضا فالأحسن للحاج أن يبدأ بالحج ثم يثني بالزيارة ، وإن بدأ بالزيارة جاز. وإن كان الحج نفلا فهو بالخيار فيبدأ بأيهما شاء. ثم قال : والأظهر أن الابتداء بالحج أولى لإطلاق الحديث (3) ولتقديم حق الله على حقه صلى الله عليه وسلم ولذا تقدم تحية المسجد
1 ـ ذكره كملا ونحن حذفناه روما للاختصار.
2 ـ هذه القاعدة إنما تؤخذ في موارد تزاحم الأمرين لا مطلقا والمقام ليس منها كما لا يخفى فإن الحج فريضة موقوتة فلا باس بتقديم المندوب عليها قبل ظرفها.
3 ـ يعني الحديث الثالث من أحاديث الزيارة وقد مر في صفحة 98.


(127)
النبوي على زيارة المشهد المصطفوي.
    2 ـ من المتسالم عليه بين فرق المسلمين سلفا وخلفا جواز استنابة النائب و استيجار الأجير لزيارة النبي صلى الله عليه وسلم لمن عاقه عنها عذر ، وقد استفاض عن عمر بن عبد العزيز : إنه كان يبرد إليه صلى الله عليه وسلم البريد من الشام ليقرأ السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع. وفي لفظ : كان يبعث بالرسول قاصدا من الشام إلى المدينة.
    ذكره البيهقي في شعب الإيمان. وأبو بكر أحمد بن عمرو النيلي المتوفى 287 في مناسكه. والقاضي عياض في ( الشفاء ). والحافظ ابن الجوزي في [ مثير الغرام الساكن ] وتقي الدين السبكي في ( شفاء السقام ) ص 41. وغيرهم.
    وقال يزيد بن أبي سعيد مولى المهري قدمت على عمر بن عبد العزيز فلما ودعته قال : لي إليك حاجة إذا أتيت المدينة سترى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاقرأ مني السلام [ الشفاء للقاضي. والشفاء للسبكي ص 41 ].
    وقال أبو الليث السمرقندي الحنفي في الفتاوى في باب الحج : قال أبو القاسم : لما أردت الخروج إلى مكة قال القاسم بن غسان : إن لي إليك حاجة إذا أتيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فاقرأه مني السلام. فلما وضعت رجلي في مسجد المدينة ذكرت. [ شفاء السقام ص 41 ].
    قال عبد الحق بن محمد الصقلي المالكي المتوفى 466 في ( تهذيب الطالب ) : رأيت في بعض المسائل التي سئل عنها الشيخ أبو محمد بن أبي زيد قيل له في رجل استؤجر بمال ليحج به وشرطوا عليه الزيارة فلم يستطع تلك السنة أن يزور لعذر منعه من تلك ؟ قال : يرد من الأجرة بقدر مسافة الزيارة. قال عبد الحق : وقال غيره من شيوخنا : عليه أن يرجع نائبه حتى يزور. ثم قال : إن استؤجر للحج لسنة بعينها فهاهنا يسقط من الأجرة ما يخص بالزيارة ، وإن استؤجر على حجة مضمونة في ذمته فهاهنا يرجع ويزور ، وقد اتفق النقلان.
    وقالت الشافعية : إن الاستيجار والجعالة إن وقعا على الدعاء عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو على إبلاغ السلام فلا شك في جواز الإجارة والجعالة كما كان عمر بن عبد العزيز يفعل. وإن كانا على الزيارة لا يصح لأنها عمل غير مضبوط.


(128)
[ شفاء السقام ص 50 ]
    وقال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد العكبري الحنبلي الشهير بابن بطة المتوفى 387 في كتاب ( الابانة ) : بحسبك دلالة على إجماع المسلمين واتفاقهم على دفن أبي بكر و عمر مع النبي صلى الله عليه وسلم أن كل عالم من علماء المسلمين وفقيه من فقهائهم ألف كتابا في المناسك ففصله فصولا وجعله أبوابا يذكر في كل باب فقهه ولكل فصل علمه وما يحتاج الحاج إلى علمه ( إلى أن قال ) : حتى يذكر زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيصف ذلك فيقول : ثم تأتي القبر فتستقبله وتجعل القبلة وراء ظهرك. إلى أن قال : وبعد أدركنا الناس ورأيناهم وبلغنا عمن لم نره أن الرجل إذا أراد الحج فسلم عليه أهله وصحابته قالوا له : وتقرأ على النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر منا السلام. فلا ينكر ذلك أحد ولا يخالفه [ شفاء السقاء 45 ].
    قال الأميني : وذكر أبو منصور الكرماني الحنفي. والغزالي في ( الإحياء ). والفاخوري في ( الكفاية ). وشرنبلالي في مراقي الفلاح. والسبكي. والسمهودي. والقسطلاني. والحمزاوي العدوي وغيرهم : أن النائب يقول : السلام عليك يا رسول الله من فلان بن فلان يستشفع بك إلى ربك بالرحمة والمغفرة فاشفع له.
    3 ـ قال العبدري المالكي في شرح رسالة ابن أبي زيد : وأما النذر للمشي إلى المسجد الحرام أو المشي إلى مكة فله أصل في الشرع وهو الحج والعمرة ، و إلى المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم أفضل من الكعبة ومن بيت المقدس ، وليس عندهم حج ولا عمرة ، فإذا نذر المشي إلى هذه الثلاثة لزمه ، فالكعبة متفق عليها ، واختلف أصحابنا وغيرهم في المسجدين الآخرين.
    قال ابن الحاج في ( المدخل ) 1 ص 256 بعد نقل هذه العبارة : وهذا الذي قاله مسلم صحيح لا يرتاب فيه إلا مشرك أو معاند لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
    وقال تقي الدين السبكي في ( شفاء السقام ) ص 53 بعد ذكر كلام العبدري المذكور قلت : الخلاف الذي أشار إليه في نذر إتيان المسجدين لا في الزيارة.
    وقال ص 71 بعد كلام طويل حول نذر العبادات وجعلها أقساما : إذا عرفت هذا فزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قربة لحث الشرع عليها وترغيبه فيها ، وقد قدمنا أن فيها جهتين : جهة عموم وجهة


(129)
خصوص. فأما من جهة الخصوص ، وكون الأدلة الخاصة وردت فيها بعينها ، فيظهر القطع بلزومها بالنذر إلحاقا لها بالعبادات المقصودة التي لا يؤتى بها إلا على وجه العبادة كالصلاة والصدقة والصوم والاعتكاف ، ولهذا المعنى والله أعلم قال القاضي ابن كج رحمه الله : إذا نذر أن يزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم فعندي إنه يلزمه الوفاء وجها واحدا.
    إلى أن قال : وإذا نظرنا إلى زيارة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة العموم خاصة واجتماع المعاني التي يقصد بالزيارة فيه فيظهر أن يقال : إنه يلزم بالنذر قولا واحدا.
    ويحتمل على بعد أن يقال : إنه كما لو نذر زيارة القادمين وإنشاء السلام فيجري في لزومها بالنذر ذلك الخلاف ، مع كونها قربة في نفسها قبل النذر وبعده ، وقد بان لك بهذا أنها يلزم بالنذر.
    وقبل هذه كلها تنبأك عما نرتأيه الآداب المسنونة الآتية للزائر فإنها تتفرع على استحباب الزيارة ومندوبية شد الرحال إلى روضة النبي الأقدس صلى الله عليه وآله ).


(130)
أدب الزائر عند الجمهور
نذكر نص ما وقفنا عليه في المصادر (1)
    1 ـ إخلاص النية وخلوص الطوية فإنما الأعمال بالنيات ، فينوي التقرب إلى الله تعالى بزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويستحب أن ينوي مع ذلك التقرب بالمسافرة إلى مسجده صلى الله عليه وسلم وشد الرحال إليه والصلاة فيه. قاله ابن الصلاح والنووي من الشافعية ، ونقله شيخ الحنفية الكمال بن الهمام عن مشايخهم.
    2 ـ أن يكون دائم الأسواق إلى زيارة الحبيب الشفيع.
    3 ـ أن يقول إذا خرج من بيته : بسم الله وتوكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله اللهم إليك خرجت وأنت أخرجتني ، اللهم سلمني وسلم مني وردني سالما في ديني كما أخرجتني ، اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو اضل ، أو أذل أو أذل ، أو أظلم أو أظلم ، أو أجهل أو يجهل علي ، عز جارك وجل ثناؤك وتبارك اسمك ولا إله غيرك.
    4 ـ الاكثار في المسير من الصلاة والتسليم على النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يستغرق أوقات فراغه في ذلك من القربات.
    5 ـ يتبع ما في طريقه من المساجد والآثار المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحييها بالزيارة ويتبرك بالصلاة فيها.
    6 ـ إذا دنا من حرم المدينة وشاهد أعلامها ورباها وآكامها فليستحضر وظائف الخضوع والخشوع مستبشرا بالهنا وبلوغ المنى ، وإن كان على دابة حركها تباشرا بالمدينة ، ولا بأس بالترجل والمشي عند رؤية ذلك المحل الشريف كما يفعله بعضهم ، لأن وفد عبد القيس لما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم نزلوا عن الرواحل ولم ينكر عليهم ، وتعظيمه بعد الوفاة كتعظيمه في الحياة.
    وقال أبو سليمان داود المالكي في الانتصار : إن ذلك يتأكد فعله لمن
1 ـ أفرد جمال الدين عبد الله الفاكهي المكي الشافعي المتوفى 972 ، آداب زيارة النبي صلى الله عليه وآله بالتأليف وسماه ( حسن التوسل في آداب زيارة أفضل الرسل ) جمع فيه أربعا وتسعين أدبا من آداب الزائر ، وقد صفحنا عن كثير منها لكونه أدب المسافر لا يخص بالزيارة ، طبع في هامش الإتحاف للشيراوي بمصر سنة 1318.
الغدير ـ الجزء الخامس ::: فهرس