الغدير ـ الجزء الخامس ::: 141 ـ 150
(141)
رحيما. وقد جئناك سامعين قولك ، طائعين أمرك ، مستشفعين بنبيك : ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ، ربنا إنك رؤف رحيم ، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ، سبحان ربنا رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين. ويدعو بما يحضره من الدعاء ذكره شرنبلالي الحنفي في ( مراقي الفلاح ) وغيره في غيرها.

دعاء آخر عند رأسه
صلى الله عليه وآله رواية ( الغزالي )
    يقف عند الرأس مستقبل القبلة بين القبر والاسطوانة وليحمد الله عز وجل وليمجده وليكثر من الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقول : اللهم إنك قلت وقولك الحق : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ، اللهم إنا سمعنا قولك ، وأطعنا أمرك ، وقصدنا نبيك ، مستشفعين به إليك في ذنوبنا ، وما أثقل ظهورنا من أوزارنا تائبين من زللنا معترفين بخطايانا وتقصيرنا ، فتب اللهم علينا وشفع نبيك هذا فينا وارفعنا بمنزلته عندك وحقه عليك ، اللهم إغفر للمهاجرين والأنصار ، واغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ، اللهم لا تجعله آخر العهد من قبر نبيك ومن حرمك يا أرحم الراحمين.
    ثم يأتي الروضة فيصلي فيها ركعتين ويكثر من الدعاء ما استطاع لقوله صلى الله عليه وسلم ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة ومنبري على حوضي.
    وقال العدوي الحمزاوي في ( كنز المطالب ) ص 216 : ومن أحسن ما يقول بعد تجديد التوبة في ذلك الموقف الشريف ، وتلاوة ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول. الآية : نحن وفدك يا رسول الله وزوارك جئناك لقضاء حقك وللتبرك بزيارتك والاستشفاع بك مما أثقل ظهورنا وأظلم قلوبنا. [ وزاد الشيخ على القاري الحنفي في شرح الشمائل : فليس لنا شفيع غيرك نؤمله ، ولا رجاء غير بابك نصله ، فاستغفر لنا واشفع لنا إلى ربك يا شفيع المذنبين ، واسأله أن يجعلنا من عباده الصالحين ].
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والاكم


(142)
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
    قال الأميني : هذه مأخوذة عن حكاية حكاها محمد بن حرب الهلالي عن أعرابي أتى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وزاره ثم قال ما يقرب مما ذكر ، رواها ابن النجار وابن عساكر وابن الجوزي.
    والقسطلاني ( في المواهب ).
    والسبكي في ( شفاء السقام ) والخالدي في ( صلح الأخوان ) ص 54 وقال تلقى هذه الحكاية العلماء بالقبول وذكرها أئمة المذاهب الأربعة في المناسك مستحسنين لها ، وذكر جمع تضمين أبي الطيب أحمد بن عبد العزيز المقدسي البيتين المذكورين بقوله :
أقول والدمع من عيني منسجم والناس يغشونه باك ومنقطع فما تمالكت أن نـاديت في حرق [ : يا خير من دفنت بالقاع أعظمه] وفيه شمس التقى والدين قد غربت حاشا لوجهك أن يبلى وقد هديت فإن تمسك أيدي الترب لامسة لقيت ربك والاسلام صارمه فقمت فيه مقام المرسلين إلى لئن رأيناه قبرا إن باطنه طافت به من نواحيه ملائكة لو كنت أبصرته حيا لقلت له لما رأيت جدار القبر يستلم من المهابة أو داع فملتزم في الصدر كادت لها الأحشاء تضطرم إلى آخر البيتين من بعد ما أشرقت من نيرها الظلم في الشرق والغرب من أنواره الأمم فأنت بين السماوات العلى علم ماض وقـد كان بحر الكفر يلتطم أن عز فهـو على الأديان محتكم لروضة من رياض الخلد تبتسم تغشاه في كل ما يوم وتزدحم لا تمش إلا على خدي لك القدم

الصلاة على النبي الطاهر
صلى الله عليه وآله وسلم
    24 ـ أخرج البخاري بإسناده مرفوعا : من صلى علي عند قبري وكل الله به ملكا يبلغني ، وكفي أمر دنياه وآخرته ، وكنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة (1)
    قال المجد : ويأتي ( الزائر ) بأتم أنواع الصلاة وأكمل كيفياتها ، والاختلاف في
1 ـ ذكره الخطيب الشربيني في المغني 1 ص 494.

(143)
ذلك مشهور. قال : والذي أختاره لنفسي :
    اللهم صل على سيدنا محمد وآله وصحبه وأزواجه عدد ما خلقت وعدد ما أنت خالق ، وزنة ما خلقت ، وزنة ما أنت خالق ، وملأ ما خلقت ، وملأ ما أنت خالق ، و ملأ سماواتك ، وملأ أرضك ، ومثل ذلك ، وأضعاف ذلك ، وعدد خلقك ، وزنة عرشك ، ومنتهى رحمتك ، ومداد كلماتك ، ومبلغ رضاك ، وحتى ترضى ، وعدد ما ذكرك به خلقك في جميع ما مضى ، وعدد ما هم ذاكروك فيما بقي في كل سنة وشهر وجمعة ويوم وليلة وساعة من الساعات ونسيم ونفس ولمحة وطرفة من الأبد إلى الأبد ، أبد الدنيا والآخرة ، وأكثر من ذلك لا ينقطع أوله ولا ينفد آخره. يقوله مرة أو ثلاث ثم يقول : اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد.
    روي (1) عن ابن أبي فديك (2) قال : سمعت بعض من أدركت يقول : بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم. فقال : إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ، صلى الله تعالى على محمد وسلم. وفي رواية : صلى الله عليك يا محمد. يقولها سبعين مرة ناداه ملك : صلى الله عليك يا فلان لم تسقط لك اليوم حاجة.
    قال السمهودي : قال بعضهم : الأولى أن يقول : صلى الله وسلم عليك يا رسول الله. وإن كانت الرواية ( يا محمد ) تأدبا لأن من خصائصه صلى الله تعالى عليه وسلم أن لا ينادى باسمه بل يقال : يا رسول الله ، يا نبي الله ، ونحوه. والذي يظهر أن هذا في نداء لا يقترن به الصلاة والسلام.

التوسل والاستشفاع بقبره الشريف
صلى الله عليه وآله وسلم
    25 ـ ثم يرجع الزائر إلى موقفة الأول قبالة وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتوسل به في حق نفسه ، ويستشفع إلى ربه سبحانه وتعالى ، ويكثر الاستغفار والتضرع بعد
1 ـ أخرجه البيهقي ، والقاضي عياض في الشفاء ، والسبكي في الشفاء ، والعبدري في المدخل وجمع آخرون.
2 ـ محمد بن إسماعيل بن مسلم بن فديك المتوفى 200 إمام ثقة يروي عنه الأئمة الستة أصحاب الصحاح.


(144)
قوله : يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله توابا رحيما ، وإني جئتك مستغفرا من ذنوبي متشفعا بك إلى ربي. ويقول :
    نحن وفدك يا رسول الله وزوارك جئناك لقضاء حقك والتبرك بزيارتك والاستشفاع بك إلى ربك تعالى ، فإن الخطايا قد أثقلت ظهورنا ، وأنت الشافع المشفع الموعود بالشفاعة العظمى والمقام المحمود ، وقد جئناك ظالمين لأنفسنا ، مستغفرين لذنوبنا ، سائلين منك أن تستغفر لنا إلى ربك ، فأنت نبينا وشفيعنا ، فاشفع لنا إلى ربك ، واسأله أن يميتنا على سنتك ومحبتك ، ويحشرنا في زمرتك ، وأن يوردنا حوضك غير خزايا ولا نادمين.
    قال القسطلاني في ( المواهب اللدنية ) : وينبغي للزائر له صلى الله عليه وسلم أن يكثر من الدعاء والتضرع والاستغاثة والتشفع والتوسل به صلى الله عليه وسلم فجدير بمن استشفع به أن يشفعه الله فيه.
    قال : وإن الاستغاثة هي طلب الغوث فالمستغيث بطلب من المستغاث به إغاثته أن يحصل له الغوث ، فلا فرق بين أن يعبر بلفظ الاستغاثة. أو التوسل. أو التشفع. أو التوجه. أو التجوه. لأنهما من الجاه والوجاهة ومعناهما علو القدر والمنزلة ، وقد يتوسل بصاحب الجاه إلى من هو أعلى منه.
    قال : ثم إن كلا من الاستغاثة. والتوسل والتشفع. والتوجه بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره في [ تحقيق النصرة ومصباح الظلام ] واقع في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة.
    ثم فصل ما وقع من التوسل والاستشفاع به صلى الله عليه وسلم في الحالات المذكورة.
    وقال الزرقاني في شرح ( المواهب ) 8 ص 317 : ونحو هذا في منسك العلامة خليل وزاد : وليتوسل به صلى الله عليه وسلم ويسأل الله تعالى بجاهه في التوسل به إذ هو محط جبال الأوزار وأثقال الذنوب ، لأن بركة شفاعته وعظمها عند ربه لا يتعاظمها ذنب ، ومن اعتقد خلاف ذلك فهو المحروم الذي طمس الله بصيرته ، وأضل سريرته ، ألم يسمع قوله تعالى : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله. الآية ؟.
    قال : ولعل مراده التعريض بابن تيمية.


(145)
    قال الأميني : هناك جماعة من الحفاظ وأعلام أهل السنة بسطوا القول في التوسل وقالوا : إن التوسل بالنبي جائز في كل حال قبل خلقه وبعده في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة وجعلوه على ثلاثة أنواع :
    1 ـ طلب الحاجة من الله تعالى به أو بجاهه أو لبركته. فقالوا : إن التوسل بهذا المعنى جايز في جميع الأحوال المذكورة.
    2 ـ التوسل به بمعنى طلب الدعاء منه ، وحكموا بأن ذلك جايز في الأحوال كلها.
    3 ـ الطلب من النبي صلى الله عليه وآله ذلك الأمر المقصود ، بمعنى أنه صلى الله عليه وآله قادر على التسبب فيه بسؤاله ربه وشفاعته إليه ، فيعود إلى النوع الثاني في المعنى غير أن العبارة مختلفة وعدوا منه قول القائل للنبي صلى الله عليه وآله : أسألك مرافقتك في الجنة. وقول عثمان ابن أبي العاص : شكوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سوء حفظي للقرآن. فقال : ادن مني يا عثمان ثم وضع يده على صدري وقال : أخرج يا شيطان من صدر عثمان. فما سمعت بعد ذلك شيئا إلا حفظت. وقال السبكي في ( شفاء السقام ) : والآثار في ذلك كثيرة أيضا [ إلى أن قال ] : فلا عليك في تسميته توسلا. أو تشفعا. أو استغاثة. أو تجوها. أو توجها. لأن المعنى في جميع ذلك سواء.
    قال الأميني : لا يسعنا إيقاف الباحث على جل ما وقفا عليه من كلمات ضافية لأعلام المذاهب الأربعة في المناسك وعيرها حول التوسل بالنبي الأقدس صلى الله عليه وآله ولو ذكرناها برمتها لتأتي كتابا حافلا ، وقد بسط القول فيه جمع لا يستهان بعدتهم منهم :
    1 ـ الحافظ ابن الجوزي المتوفى 597 في كتاب [ الوفاء في فضائل المصطفى ] جعل فيه بابين في المقام : باب التوسل بالنبي. وباب الاستشفاء بقبره.
    2 ـ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن النعمان المالكي المتوفى 673 في كتابه [ مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام ] قال الخالدي في صلح الأخوان : هو كتاب نفيس نحو عشرين كراسا. وينقل عنه كثيرا السيد نور الدين السمهودي في ( وفاء الوفاء ) في الجزء الثاني في باب التوسل بالنبي الطاهر.
    3 ـ ابن داود المالكي الشاذلي. ذكر في كتابه [ البيان والاختصار ] شيئا كثيرا


(146)
مما وقع للعلماء والصلحاء من الشدائد فالتجؤا إلى النبي صلى الله عليه وآله فحصل لهم الفرج.
    4 ـ تقي الدين السبكي المتوفى 756 في ( شفاء السقام ) ص 120 ـ 133.
    5 ـ السيد نور الدين السمهودي المتوفى 911 في ( وفاء الوفاء ) 2 ص 419 ـ 431.
    6 ـ الحافظ أبو العباس القسطلاني المتوفى 923 في ( المواهب اللدنية ).
    7 ـ أبو عبد الله الزرقاني المصري المالكي المتوفى 1122 ، في شرح المواهب 8 ص 317.
    8 ـ الخالدي البغدادي المتوفى 1299 في [ صلح الأخوان ] وهو أحسن ما ألف في الموضوع فقد جمع شوارده في سبعين صحيفة ، وأفرد فيه رسالة ردا على كلمة السيد محمود الآلوسي في التوسل بالنبي صلى الله عليه وآله طبعت في عشرين صحيفة بمطبعة ( نخبة الأخبار ) سنة 1306.
    9 ـ العدوي الحمزاوي المتوفى 1303 في ( كنز المطالب ) ص 198.
    10 ـ العزامي الشافعي القضاعي في [ فرقان القرآن ] المطبوع مع [ الأسماء والصفات ] للبيهقي في 140 صحيفة وهو كتاب قيم أدى للكلام حقه.
أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة
( الاسراء 57 )
التبرك بالقبر الشريف
بالتزام وتمريغ وتقبيل
    26 ـ لم نجد في المقام قولا بالحرمة لأحد من أعلام المذاهب الأربعة ممن لهم ولآرائهم قيمة في المجتمع ، وإنما القائل بالنهي عنه من أولئك يراه تنزيها لا تحريما ويقول بالكراهة مستندا إلى زعم أن الدنو من القبر الشريف يخالف حسن الأدب ، ويحسب أن البعد منه أليق به ، وليس من شأن الفقيه النابه أن يفتي في دين الله بمثل هذه الاعتبارات التي لا تبنى على أساس وتختلف باختلاف الأنظار والآراء.
    نعم : هناك أناس (1) شذت عن شرعة الحق وحكموا بالحرمة ، قولا بلا دليل ، وتحكما بلا برهان ، ورأيا بلا بينة ، وهم معروفون في الملأ بالشذوذ ، لا يعبأ بهم وبآرائهم.
1 ـ هم ابن تيمية ومن لف لفه.

(147)
    فها نحن نقدم بين يدي القارئ ما يوقفه على الحقيقة ، ويريه صواب الرأي ، وجدد الطريق ، وعند جهينة الخبر اليقين.
    1 ـ أخرج الحافظ ابن عساكر في ( التحفة ) من طريق طاهر بن يحيى الحسيني قال : حدثني أبي عن جدي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي رضي الله تعالى عنه قال : لما رمس رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة رضي الله تعالى عنها فوقفت على قبره صلى الله عليه وسلم وأخذت قبضة من تراب القبر ووضعت على عينيها وبكت وأنشأت تقول :
ماذا على من شم تربة أحمد صبت علي مصائب لو أنها أن لا يشم مدى الزمان غواليا صبت على الأيام عدن لياليا
    ورواه ابن الجوزي في ( الوفاء ) وابن سيد الناس في السيرة النبوية 2 ص 340.
    والقسطلاني في ( المواهب ) مختصرا.
    والقاري في شرح ( الشمائل ) 2 ص 210.
    والشبراوي في ( الإتحاف ) ص 9.
    والسمهودي في وفاء الوفاء 2 ص 444.
    والخالدي في صلح الأخوان ص 57.
    والحمزاوي في ( مشارق الأنوار ) 63.
    والسيد أحمد زيني دحلان في السيرة النبوية 3 ص 391.
    وعمر رضا كحالة في ( أعلام النساء ) 3 ص 1205.
    وذكر البيتين لها سلام الله عليها ابن حجر في الفتاوى الفقهية 2 ص 18.
    والخطيب الشربيني في تفسيره 1 ص 349.
    والقسطلاني في ( إرشاد الساري ) 2 ص 390.
    2 ـ عن أبي الدرداء قال : إن بلالا [ مؤذن النبي صلى الله عليه وآله ] رأى في منامه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول : ما هذه الجفوة يا بلال ؟! أما آن لك أن تزورني يا بلال ؟! فانتبه حزينا وجلا خائفا فركب راحلته وقصد المدينة فأتى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فجعل يبكي عنده ويمرغ وجهه عليه فأقبل الحسن والحسين رضي الله عنهما فجعل يضمهما ويقبلهما. الحديث.
    أخرجه الحافظ ابن عساكر في ( تاريخ الشام ) مسندا بطريق في موضعين ـ كما في ( شفاء السقام ) ـ ص 39 و 40 في ترجمة إبراهيم بن محمد الأنصاري ج 2 ص 256 وفي ترجمة بلال.
    غير أن مهذب الكتاب حذف الاسناد في الموضع الأول وأبقى المتن ، وأسقطه رأسا سندا ومتنا في الثاني ، وقد أخطأ وأساء على الحديث وعلى الكتاب.
    ورواه الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي في ( الكمال ) في ترجمة بلال.
    وأبو الحجاج المزي في ( التهذيب ).
    والسبكي في ( شفاء السقام ) ص 39 وقال : روينا


(148)
ذلك بإسناد جيد ولا حاجة إلى النظر في الاسنادين اللذين رواه ابن عساكر بهما ، وإن كان رجالهما معروفين مشهورين. وذكره ابن الأثير في ( أسد الغابة ) 1 ص 208. والسمهودي في ( وفاء الوفاء ) 2 ص 408 وقال : سند جيد. وص 443 وقال : إسناده جيد. والقسطلاني في ( المواهب اللدنية ). والخالدي في ( صلح الأخوان ) ص 57. والحمزاوي في ( مشارق الأنوار ) ص 57.
    3 ـ عن علي أمير المؤمنين عليه السلام قال. قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحثا من ترابه على رأسه وقال : يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله سبحانه فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل عليك : ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك. الآية. وقد ظلمت وجئتك تستغفر لي. فنودي من القبر : قد غفر لك. أخرجه :
    1 ـ الحافظ أبو سعيد عبد الكريم السمعاني المتوفى 573.
    2 ـ الحافظ أبو عبد الله ابن نعمان المالكي المتوفى 683 في ( مصباح الظلام ).
    3 ـ أبو الحسن علي بن إبراهيم بن عبد الله الكرخي.
    4 ـ الشيخ شعيب الحريفيش المتوفى 801 في ( الروض الفائق ) 2 ص 137.
    5 ـ السيد نور الدين السمهودي المتوفى 911 في ( وفاء الوفاء ) 2 ص 412.
    6 ـ أبو العباس القسطلاني المتوفى 922 في ( المواهب اللدنية ).
    7 ـ الشيخ داود الخالدي المتوفى 1299 في ( صلح الأخوان ) ص 540.
    8 ـ الشيخ حسن الحمزاوي المالكي المتوفى 1303 في ( مشارق الأنوار ) 57.
    4 ـ عن داود بن أبي صالح : أقبل مروان يوما فوجد رجلا واضعا وجهه [ جبهته ] على القبر فأخذ مروان برقبته ثم قال : هل تدري ما تصنع ؟ فأقبل عليه فإذا أبو أيوب الأنصاري ، فقال : نعم إني لم آت الحجر إنما جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آت الحجر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : لا تبكوا على الدين إذا وليه أهله ولكن ابكوا على الدين إذا وليه غير أهله.
    أخرجه الحاكم في ( المستدرك ) 4 ص 515 ، وصححه هو والذهبي في تلخيصه ، ورواه أبو الحسين يحيى بن الحسن الحسيني في [ أخبار المدينة ] بإسناد آخر عن


(149)
المطلب بن عبد الله بن حنطب كما في ( شفاء السقام ) للسبكي ص 113 قال السبكي بعد حكايته : فإن صح هذا الاسناد لم يكره مس جدار القبر ، وإنما أردنا بذكره القدح في القطع بكراهة ذلك.
    وذكره السيد نور الدين السمهودي في ( وفاء الوفاء ) ج 2 ص 410 ، 443 ، نقلا عن إمام الحنابلة أحمد قال : رأيته بخط الحافظ أبي الفتح المراغي المدني. وأخرجه الحافظ الهيثمي في ( مجمع الزوائد ) 4 ص 2 نقلا عن أحمد.
    قال الأميني : إن هذا الحديث يعطينا خبرا بأن المنع عن التوسل بالقبور الطاهرة إنما هو من بدع الأمويين وضلالاتهم منذ عهد الصحابة ، ولم تسمع أذن الدنيا قط صحابيا ينكر ذلك غير وليد بيت أمية مروان الغاشم ، نعم : الثور يحمي أنفه بروقه ، نعم : بعلة الورشان يأكل رطب الوشان. نعم : لبني أمية عامة ولمروان خاصة ضغينة على رسول الله صلى الله عليه وآله منذ يوم لم يبق صلى الله عليه وآله في الأسرة الأموية حرمة إلا هتكها ، ولا ناموسا إلا مزقه ، ولا ركنا إلا أباده ، وذلك بوقيعته صلى الله عليه وآله فيهم وهو لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى. فقد صح عنه صلى الله عليه وآله قوله : إذا بلغت بنو أمية أربعين اتخذوا عباد الله خولا ، ومال الله نحلا ، وكتاب الله دغلا.
    وصح عنه صلى الله عليه وآله قوله : إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا اتخذوا دين الله دغلا ، وعباد الله خولا ، ومال الله دولا.
    وصح عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله : إني أريت في منامي كأن بني الحكم بن أبي العاص ينزون على منبري كما تنزو القردة. قال : فما رؤي النبي صلى الله عليه وآله مستجمعا ضاحكا حتى توفي.
    وصح عنه صلى الله عليه وآله قوله : لما استأذن الحكم بن أبي العاص عليه : عليه لعنة الله وعلى من يخرج من صلبه إلا المؤمن منهم وقليل ما هم ، يشرفون في الدنيا و يضعون في الآخرة ، ذوو مكر وخديعة ، يعطون في الدنيا وما لهم في الآخرة من خلاق.
    وصح عنه صلى الله عليه وآله قوله لما أدخل عليه مروان بن الحكم : هو الوزغ ابن الوزغ ، الملعون ابن الملعون.
    وصح عن عايشة قولها : إن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : لعن الله أبا مروان ومروان في صلبه ، فمروان فضض من لعنة الله عز وجل.


(150)
وصح عن عبد الله بن الزبير : إن رسول الله صلى الله عليه وآله لعن الحكم وولده (1). فحقيق على مروان أن يري الأمة الإسلامية أنه يحامي عن التوحيد وقد رام أن يخذلها عن نبيها ويصغره عندها ، وكيف يروقه نبي كان هذا هتافه فيه وفي أبيه وجده وأصله وشجرته ؟ تلك الشجرة الملعونة التي اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.
    فلا يحق لمسلم أن يحذو حذو تلك الأمة الملعونة ويقول بقولهم ويتخذ برأيهم ويتبع إثر أولئك الرجال الذين اتخذوا دين الله دغلا ، وعباد الله خولا ، و كتاب الله حولا.
    5 ـ عن أبي خيثمة [ زهير بن حرب الثقة المأمون المتوفى 234 ] قال : حدثنا مصعب بن عبد الله ، حدثنا إسماعيل بن يعقوب التيمي قال : كان ابن المنكدر (2) يجلس مع أصحابه قال : وكان يصيبه الصمات فكان يقوم كما هو يضع خده على قبر النبي صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فعوتب في ذلك فقال : إنه ليصيبني خطرة فإذا وجدت ذلك استشفيت بقبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يأتي موضعا من المسجد في الصحن فيتمرغ فيه ويضطجع فقيل له في ذلك فقال : إني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع [ يعني في النوم ] (3).
    6 ـ قال العز بن جماعة الحموي الشافعي المتوفى 819 في كتاب ( العلل والسؤالات ) لعبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه رواية أبي علي بن الصوف عنه ، قال عبد الله ، سألت أبي عن الرجل يمس منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويتبرك بمسه ويقبله ويفعل بالقبر مثل ذلك رجاء ثواب الله تعالى ؟ قال : لا بأس به [ وفاء الوفاء 2 ص 443 ].
    7 ـ قال العلامة أحمد بن محمد المقري المالكي المتوفى 1041 في [ فتح المتعال بصفة النعال ] نقلا عن ولي الدين العراقي : قال : أخبر الحافظ أبو سعيد بن العلا قال : رأيت في كلام أحمد بن حنبل في جزء قديم عليه خط ابن ناصر (4) وغيره من الحفاظ
1 ـ هذه الأحاديث أخرجها جمع من الحفاظ بطرقهم ، وقد جمعها الحاكم وصححها في ( المستدرك ) ج 4 ص 479 ـ 482.
2 ـ محمد بن المنكدر القرشي التيمي أبو عبد الله المدني أحد الأئمة الأعلام من التابعين توفي 130.
3 ـ وفاء الوفاء 2 ص 444.
4 ـ هو الحافظ محمد بن ناصر أبو الفضل البغدادي توفي سنة 550 ، قال ابن الجوزي في المنتظم 10 ص 163 : كان حافظا متقنا ثقة لا مغمز فيه.
الغدير ـ الجزء الخامس ::: فهرس