الغدير ـ الجزء الخامس ::: 151 ـ 160
(151)
إن الإمام أحمد سئل عن تقبيل قبر النبي صلى الله عليه وسلم وتقبيل منبره ؟ فقال : لا بأس بذلك.
    قال : فأريناه التقي ابن تيمية فصار يتعجب من ذلك ويقول : عجبت من أحمد عندي جليل هذا كلامه أو معنى كلامه.
    وقال : وأي عجب في ذلك وقد روينا عن الإمام أحمد أنه غسل قميصا للشافعي وشرب الماء الذي غسله به ؟ (1) وإذا كان هذا تعظيمه لأهل العلم فما بالك بمقادير الصحابة ؟ وكيف بآثار الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ؟ وما أحسن ما قاله مجنون ليلى :
أمر على الديار ديار ليلى وما حب الديار شغفن قلبي أقبـل ذا الجدار وذا الجدارا ولكن حب من سكن الديارا
    8 ـ ذكر الخطيب ابن حملة أن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما كان يضع يده اليمنى على القبر الشريف (2) وإن بلالا رضي الله تعالى عنه وضع خديه عليه أيضا.
    ورأيت في كتاب ( السؤالات ) لعبد الله بن الإمام أحمد [ وذكر ما تقدم عن ابن جماعة ثم قال ] : ولا شك أن الاستغراق في المحبة يحمل على الأذن في ذلك ، والمقصود من ذلك كله الاحترام والتعظيم والناس تختلف مراتبهم في ذلك كما كانت تختلف في حياته ، فأناس حين يرونه لا يملكون أنفسهم بل يبادرون إليه ، وأناس فيهم أناة يتأخرون والكل محل خير (3).
    9 ـ قال شيخ مشايخ الشافعية الشافعي الصغير محمد بن أحمد الرملي المتوفى 1004 في شرح ( المنهاج ) : ويكره أن يجعل على القبر مظلة ، وأن يقبل التابوت الذي يجعل فوق القبر واستلامه وتقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء.
    نعم : إن قصد التبرك لا يكره كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى فقد صرحوا (4) بأنه إذا عجز عن استلام الحجر سن له أن يشير بعصا وأن يقبلها (5)
1 ـ ذكره ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 455 ، وابن كثير في تاريخه 10 ص 331.
2 ـ وفي ( الشفاء ) للقاضي : رؤي ابن عمر واضعا يده على مقعد رسول الله من المنبر ثم وضعها على وجهه.
3 ـ وفاء الوفاء للسمهودي 2 ص 444.
4 ـ أخرج الحميدي في الجمع بين الصحيحين وأبو داود في مسنده أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يشير إلى الحجر الأسود بمحجنته ويقبل المحجن.
5 ـ حكاه الشبر املسي الشيخ أبي الضياء المتوفى 1087 في حاشية ( المواهب اللدنية ) والحمزاوي في ( كنز المطالب ) ص 19.


(152)
    10 ـ قال أبو العباس أحمد الرملي الكبير الأنصاري شيخ الشيوخ في حاشية ( روض الطالب ) المطبوعة في هامش ( أسنى المطالب ) ج 1 ص 331 عند قول المصنف في أدب مطلق زيارة القبور [ أن يدنو منه دنوه منه حيا ] : قال في المجموع : ولا يستلم القبر ولا يقبله ، ويستقبل وجهه للسلام ، والقبلة للدعاء ، وذكره أبو موسى الاصبهاني قال شيخنا : نعم : إن كان قبر نبي أو ولي أو عالم واستلمه أو قبله بقصد التبرك فلا بأس به.
    11 ـ نقل الطيب الناشري عن محب الدين الطبري الشافعي : إنه يجوز تقبيل القبر ومسه ، وقال : وعليه عمل العلماء الصالحين وأنشد :
لو رأينا لسليمى أثرا لسجدنا ألف ألف للأثر (1)
    12 ـ قال القاضي عياض المالكي في ( الشفاء ) بعد كلام طويل في تعظيم قبر النبي صلى الله عليه وآله : وجدير لمواطن عمرت بالوحي والتنزيل ، وتردد بها جبرئيل وميكائيل ، و عرجت منها الملائكة والروح ، وضجت عرصاتها بالتقديس والتسبيح ، واشتملت تربتها على سيد البشر ، وانتشر عنها من دين الله وسنة نبيه ما انتشر ، مدارس آيات و مساجد وصلوات ، ومشاهد الفضائل والخيرات ، ومعاهد البراهين والمعجزات ، و مناسك الدين ، ومشاعر المسلمين ، ومواقف سيد المرسلين ، ومتبوء خاتم النبيين حيث انفجرت النبوة ، وأين فاض عبابها ، ومواطن تهبط الرسالة ، وأول أرض مس جلد المصطفى ترابها ، أن تعظم (2) عرصاتها ، وتنسم نفحاتها ، وتقبل ربوعها وجدرانها.
يا دار خير المرسلين ومن به عندي لأجلك لوعة وصبابة وعلي عهد إن ملأت محاجري لأعفرن مصون شيبي بينها لـولا العوادي والأعادي زرتها لكن سأهدي من حفيل تحيتي هدي الأنـام وخص بالآيات وتشوق متوقد الجمرات من تلكم الجدران والعرصات من كثرة التقبيل والرشفات أبدا ولو سحبا على الوجنات لقطين تلك الدار والحجرات   .إلخ

1 ـ وفاء الوفاء للسمهودي 2 ص 444.
2 ـ أن وما بعدها في تأويل مصدر على أنه خبر قوله : ( جدير ). في أول الكلام.


(153)
    13 ـ قال قاضي القضاة شهاب الدين الخفاجي الحنفي المتوفى 1069 في شرح ( الشفاء ) 3 ص 577 عند قول القاضي : ـ ونقل من كتاب أحمد بن سعيد الهندي فيمن وقف بالقبر أن لا يلصق به ولا يمسه ـ : بشئ من جسده فلا يقبله فيكره مسه وتقبيله وإلصاق صدره لأنه ترك أدب ، وكذا كل ضريح يكره فيه ، وهذا أمر غير مجمع عليه ، ولذا قال أحمد والطبري : لا بأس بتقبيله والتزامه.
    وروي أن أبا أيوب الأنصاري كان يلتزم القبر الشريف ، قيل : وهذا لغير من لم يغلبه الشوق والمحبة. وهو كلام حسن.
    وقال في ج 3 ص 571 عند قول ابن أبي مليكة ـ من أحب أن يكون وجاه النبي فيجعل القنديل الذي في القبلة عند القبر على رأسه ـ : هو إرشاد لكيفية الزيارة وأن يكون بينه وبين القبر فاصل ، فقيل : إنه يبعد عنه بمقدار أربعة أذرع.
    وقيل : ثلاثة ، وهذا مبني على أن البعد أولى وأليق بالأدب كما كان في حياته صلى الله عليه وسلم وعليه الأكثر ، وذهب بعض المالكية إلى أن القرب أولى ، وقيل : يعامله معاملته في حياته فيختلف ذلك باختلاف الناس ، وهذا باعتبار ما كان في العصر الأول ، وأما اليوم فعليه مقصورة تمنع من دنو الزائر فيقف عند الشباك.
    14 ـ نقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية : جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين.
    15 ـ قال الحافظ ابن حجر : استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر الأسود جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره ، فأما تقبيل يد الآدمي فسبق في الأدب ، وأما غيره فنقل عن أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وسلم وقبره فلم ير به بأسا واستبعد (1) بعض أتباعه صحته عنه (2).
    16 ـ قال الزرقاني المصري المالكي في شرح ( المواهب ) 8 ص 315 : تقبيل القبر الشريف مكروه إلا لقصد التبرك فلا كراهة كما اعتقده الرملي.
    17 ـ قال الشيخ إبراهيم الباجوري الشافعي في حاشيته على شرح ابن قاسم
1 ـ المستبعد هو ابن تيمية أو من يشاكله من أهل الأهواء المضلة الذين لا يعتنا بهم وبآرائهم في دين الله.
2 ـ وفاء الوفاء للسمهودي 2 ص 444.


(154)
الغزي على متن الشيخ أبي شجاع في الفقه الشافعي ج 1 ص 276.
    يكره تقبيل القبر واستلامه ومثله التابوت الذي يجعل فوقه وكذلك تقبيل الأعتاب عند الدخول لزيارة الأولياء إلا أن قصد به التبرك بهم فلا يكره ، وإذا عجز عن ذلك لازدحام ونحوه كاختلاط الرجال بالنساء كما يقع في زيارة سيدي أحمد البدوي وقف في مكان يتمكن فيه من الوقوف بلا مشقة وقرأ ما تيسر وأشار بيده أو نحوها ثم قبل ذلك فقد صرحوا بأنه إذا عجز عن استلام الحجر الأسود يسن له أن يشير بيده أو عصا ثم يقبلها.
    18 ـ قال الشيخ حسن العدوي الحمزاوي المالكي في ( كنز المطالب ) ص 20 و ( مشارق الأنوار ) ص 66 بعد نقل عبارة الرملي المذكور : ولا مرية حينئذ أن تقبيل القبر الشريف لم يكن إلا للتبرك ، فهو أولى من جواز ذلك لقبور الأولياء عند قصد التبرك ، فيحمل ما قاله العارف على هذا المقصد ، لا سيما وأن قبره الشريف روضة من رياض الجنة.
    19 ـ قال الشيخ سلامة العزامي الشافعي في ( فرقان القرآن ) ص 133 : وقال [ يعني ابن تيمية ] : من طاف بقبور الصالحين أو تمسح بها كان مرتكبا أعظم العظائم. وأتى بكلام ملتبس فمرة يجعله من الكبائر ، وأخرى من الشرك إلى مسائل من أشباه ذلك ، قد فرغ العلماء المحققون والفقهاء المدققون من بحثها وتدوينها قبل أن يولد هو بقرون ، فيأبى إلا أن يخالفهم ، وربما ادعى الإجماع على ما يقول ، وكثيرا ما يكون الإجماع قد انعقد قبله على خلاف قوله كما يعلم ذلك من أمعن في كلامه وكلام من قبله و كلام من بعده ممن تعقبه من أهل الفهم المستقيم والنقد السليم ، وإليك مثالا : التمسح بالقبر أو الطواف به من عوام المسلمين فأهل العلم فيه على ثلاثة أقوال : الجواز مطلقا والمنع مطلقا على وجه كراهة التنزيه الشديدة ، ولكنها لا تبلغ حد التحريم. و التفصيل بين من غلبه شدة شوق إلى المزور فتنتفي عنه هذه الكراهة ومن لا ، فالأدب تركه. وأنت إذا تأملت في الأمور التي كفر بها المسلمين وجعلها عبادة لغير الله وجدت حجته ترجع إلى مقدمتين صدقت كبراهما وهي : كل عبادة لغير الله شرك. وهي معلومة من الدين بالضرورة ، ثم يسوق عليه الأدلة بالآيات الواردة في المشركين


(155)
وكذبت صغراهما وهي قوله : كل نداء لميت أو غائب أو طواف بقبر أو تمسح به أو ذبح أو نذر لصاحبه ـ إلخ ـ فهو عبادة لغير الله. ثم يسوق الآيات والأحاديث الصحيح التي لم يفهمها أو تعمد في تأويلها على غير وجهها ، ثم يخرج من هذا القياس الذي فسدت إحدى مقدمتيه بنتيجة لا محالة كاذبة وهي : أن جمهور المسلمين إلا إياه ومن شايعه مشركون كافرون ، وقد أجاد تلخيص هذا المذهب وأدلته وتزييفها منطقيا وأصوليا كل الاجادة سيد أهل التحقيق وتاج أهل التدقيق الإمام أبو عبد الله محمد بن عبد المجيد الفاسي المتوفى سنة تسع وعشرين ومائتين وألف في مؤلف رد به على ذلك المذهب ، ينطق بعلو كعب هذا الإمام. [ إلى أن قال ] :
    ولقد تعدى هذا الرجل حتى على الجناب المحمدي فقال : إن شد الرحال إلى زيارته معصية ، وإن من ناداه مستغيثا به عليه الصلاة والسلام بعد وفاته فقد أشرك فتارة يجعله شركا أصغر. وأخرى يجعله شركا أكبر ، وإن كان المستغيث ممتلئ القلب بأنه لا خالق ولا مؤثر إلا الله ، وأن النبي صلى الله عليه إنما ترفع إليه الحوائج ويستغاث به ، على أن الله جعله منبع كل خير ، مقبول الشفاعة ، مستجاب الدعاء ، صلى الله عليه وسلم كما هي عقيدة جميع المسلمة مهما كانوا من العامة.
    وأخبر جمال الدين عبد الله بن محمد الأنصاري المحدث قال : رحلنا مع شيخنا تاج الدين الفاكهاني (1). إلى دمشق فقصد زيارة نعل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم التي بدار الحديث الأشرفية بدمشق وكنت معه فلما رأى النعل المكرمة حسر عن رأسه وجعل يقبله ويمرغ وجهه عليه ودموعه تسيل وأنشد :
فلو قيل للمجنون : ليلى ووصلها لقال : غبار مـن تراب نعالها تريـد أم الدنيا وما في طواياها ؟ أحب إلى نفسي وأشفى لبلواها (2)
    م 20 ـ أخرج محب الدين الطبري في ( الرياض النضرة ) 2 ص 54 حديثا طويلا فيما اتفق بالأبواء بين عمر بن الخطاب لما خرج حاجا في نفر من أصحابه وبين شيخ استغاث به وفيه : لما انصرف عمر ونزل ذلك المنزل واستخبر عن الشيخ وعرف موته
1 ـ الفقيه المالكي المتضلع من الفقه وأصوله والأدب له تأليف قيمة توفي 734.
2 ـ الديباج المذهب ص 187.


(156)
فكأني أنظر إلى عمر وقد وثب مباعدا ما بين خطاه حتى وقف على القبر ـ قبر الشيخ ـ فصلى عليه ثم اعتنقه وبكى.
    فلو جاز لمثل عمر الوقوف على قبر رجل عادي واعتناقه والبكاء عليه فما وازع الأمة عن الوقوف على قبر رسولها الكريم واعتناقه والبكاء عليه أو قبور عترته الطاهرة ؟! ].
أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده
[ الأنعام 90 ]

زيارة أبي بكر بن أبي قحافة
لفظ الفقه على المذاهب الأربعة 1 ص 551
    27 ـ ثم يقف حيث يحاذي رأس الصديق رضي الله عنه ويقول : السلام عليك يا خليفة رسول الله ، السلام عليك يا صاحب رسول الله في الغار ، السلام عليك يا رفيقه في الأسفار ، السلام عليك يا أمينه في الأسرار ، جزاك الله عنا أفضل ما جزى إماما عن أمة نبيه ، ولقد خلفته بأحسن خلف ، وسلكت طريقه و منهاجه خير سلك ، وقاتلت أهل الردة والبدع ، ومهدت الاسلام ، ووصلت الأرحام ، ولم تزل قائما للحق ناصرا لأهله حتى أتاك اليقين ، والسلام عليك ورحمة والله وبركاته ، اللهم أمتنا على حبه ولا تخيب سعينا في زيارته برحمتك يا كريم.
زيارة عمر بن الخطاب
    28 ـ ثم يتحول حتى يحاذي قبر عمر رضي الله عنه ويقول :
    السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا مظهر الاسلام ، السلام عليك يا مكسر الأصنام ، جزاك الله عنا أفضل الجزاء ، ورضي الله عمن استخلفك ، فقد نصرت الاسلام والمسلمين حيا وميتا ، فكفلت الأيتام ، ووصلت الأرحام ، وقوي بك الاسلام وكنت للمسلمين إماما مرضيا وهاديا مهديا ، جمعت شملهم ، وأغنيت فقيرهم ، وجبرت كسرهم ، السلام عليك ورحمة الله وبركاته.


(157)
    قال الأميني : هذه الزيارة هي التي ذكرها شرنبلالي الفقيه الحنفي في ( مراقي الفلاح ) وغير واحد من السلف غير أن أعلام اليوم زادوا فيها ما راقهم من فضايل الشيخين ، وليس هناك أي وازع من ذلك إذ في وسع الزائر سرد جمل الثناء على المزور بكل ما يعلم من مناقبه ، وقد أطبقت الأمة الإسلامية على هذا في قرونها الخالية حتى اليوم.
زيارة أخرى
رواية القسطلاني
    ينتقل عن يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه لأن رأسه بحذاء منكب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : السلام عليك يا خليفة سيد المرسلين ، السلام عليك يا من أيد الله به يوم الردة الدين ، جزاك الله عن الاسلام والمسلمين خيرا ، اللهم ارض عنه وارض عنا به.
    ثم ينتقل عن يمينه قدر ذراع فيسلم على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فيقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، السلام عليك يا من أيد الله به الدين ، جزاك الله عن الاسلام والمسلمين خيرا ، اللهم ارض عنه وارض عنا به.
زيارة أخرى
لفظ الباجوري
    يتأخر صوب يمينه قدر ذراع فيسلم على أبي بكر رضي الله عنه فيقول :
    السلام عليك يا أبا بكر يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، جزاك الله عن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خيرا.
    ثم يتأخر أيضا قدر ذراع فيسلم على عمر رضي الله عنه فيقول مثل ما تقدم ، ثم يرجع إلى موقفه الأول قبالة وجهه صلى الله عليه وسلم ويتوسل به إلى ربه.

زيارة الشيخين
بلفظ واحد
    ثم يرجع قدر نصف ذراع فيقول :
    السلام عليكما يا ضجيعي رسول الله ورفيقيه ووزيريه ومشيريه والمعاونين له على القيام في الدين ، القائمين بعده بمصالح المسلمين ، وجزاكما الله أحسن الجزاء.
    وزاد شرنبلالي الحنفي في ( مراقي الفلاح ) : جئناكما نتوسل بكما إلى رسول الله


(158)
صلى الله عليه وسلم ليشفع لنا ويسأل ربنا أن يتقبل سعينا ويحينا على ملته ويميتنا عليها و يحشرنا في زمرته.
زيارة الشيخين بلفظ آخر
ذكرها ابن حبيب في ذيل زيارة النبي صلى الله عليه وسلم
    السلام عليكما يا صاحبي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ، يا أبا بكر ويا عمر جزاكما الله عن الاسلام وأهله أفضل ما جزى وزيري نبي على وزارته في حياته ، وعلى حسن خلافته إياه في أمته بعد وفاته ، فقد كنتما لرسول الله صلى الله عليه وسلم وزيري صدق في حياته ، وخلفتماه بالعدل والاحسان في أمته بعد وفاته ، فجزاكما الله على ذلك مرافقته في جنته وإيانا معكم برحمته.
زيارة الشيخين بلفظ ثالث
رواية الغزالي
    السلام عليكما يا وزيري رسول الله صلى الله عليه ، والمعاونين له على القيام بالدين ما دام حيا ، والقائمين في أمته بعده بأمور الدين ، تتبعان في ذلك آثاره ، وتعملان بسنته ، فجزاكما الله خير ما جزى وزيري نبي عن دينه.
    وهناك ألفاظ أخرى في ( مجمع الأنهر ) وغيره وفي المذكور غنى وكفاية ، قال ابن الحاج في ( المدخل ) 1 ص 265 يثني عليهما بما حضره ، ويتوسل بهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقدمهما بين يديه شفيعين في حوائجه.
    29 ـ ولا يقف في الحرم الأقدس طويلا بل بمقدار الصلاة والدعاء تأدبا منه فهذا مستحب عنده.

وداع الحرم الأقدس
    30 ـ ثم إذا فرغ الزائر من اشغاله وعزم على الخروج من المدينة فالمستحب أن يأتي القبر الشريف ويعيد دعاء الزيارة كما سبق ويودع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويسأل الله عز وجل أن يرزقه العودة إليه ويسأل السلامة في سفره ثم يصلي ركعتين في الروضة الصغيرة وهي موضع مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن زيدت المقصورة في المسجد ، فإذا خرج فليخرج رجله اليسرى أولا ثم اليمنى وليقل :
    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، ولا تجعله آخر العهد بنبيك ، وحط أوزاري


(159)
بزيارته ، وأصحبني في سفري السلامة ، ويسر رجوعي إلى أهلي ووطني سالما يا أرحم الراحمين. ويقول : اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى ومن العمل ما تحب وترضى ، اللهم كن لنا صاحبا في سفرنا وخليفة على أهلنا ، اللهم ذلل لنا صعوبة سفرنا وأطوعنا بعده ، اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنظر ، وسوء المنقلب في الأهل والمال ، اللهم أصحبنا بنصح واقلبنا بذمة ، اكفنا ما أهمنا وما لا نهتم له ، ورجعنا سالمين مع القبول والمغفرة والرضوان ، ولا تجعله آخر العهد بهذا المحل الشريف.
    ويعيد السلام والدعاء المتقدم في الزيارة ويقول بعده :
    اللهم لا تجعل هذا آخر العهد بحرم رسولك صلى الله عليه وسلم وحضرته الشريفة ، ويسر لي العود إلى الحرمين سبيلا سهلة ، وارزقني العفو والعافية في الدنيا والآخرة.
    وزاد الشربيني في ( المغني ) : وردنا إلى أهلنا سالمين غانمين.
    وقال الكرماني من الحنفية إذا اختار الرجوع يستحب له أن يأتي القبر الشريف ويقول بعد السلام والدعاء : ودعناك يا رسول الله غير مودع ولا سامحين بفرقتك ، نسألك أن تسأل الله تعالى أن لا يقطع آثارنا من زيارة حرمك ، وأن يعيدنا سالمين غانمين إلى أوطاننا ، وأن يبارك لنا فيما وهب لنا ، وأن يرزقنا الشكر على ذلك ، اللهم لا تجعل هذا آخر العهد من زيارة قبر نبيك صلى الله عليه وسلم.
    ثم يتوجه إلى الروضة ويصلي ركعتين عند الخروج ويسأل الله العود.

زيارة أئمة البقيع
وبقية المزارات فيها
    31 ـ ويستحب بعد زيارته عليه السلام أن يخرج [ الزائر ] إلى البقيع كل يوم و يوم الجمعة آكد كما قال الفاكهي.
    وفي إحياء العلوم : يستحب أن يخرج كل يوم إلى البقيع.
    وكذا قال النووي والفاخوري وزاد الأخير : ويخص يوم الجمعة.
    يأتي المشاهد والمزارات فيزور العباس ومعه الحسن بن علي ، وزين العابدين.
    وابنه محمد الباقر ، و ابنه جعفر الصادق ، ويزور أمير المؤمنين سيدنا عثمان ، وقبر إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم وجماعة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعمته صفية وكثيرا من الصحابة والتابعين خصوصا سيدنا


(160)
مالكا وسيدنا نافعا ويقول :
    سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، سلام عليكم دار قوم مؤمنين ، و إنا إن شاء الله بكم لاحقون. ويقرأ آية الكرسي وسورة الاخلاص. وقال النووي يقول :
    السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل البقيع الغرقد ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم ، واغفر لنا ولهم. وزاد القاضي حسين :
    اللهم رب هذه الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل عليها روحا منك وسلاما مني ، اللهم برد مضاجعهم عليهم واغفر لهم (1).
    وقال ابن الحاج في ( المدخل ) 1 ص 265 : هو بالخيار إن شاء أن يخرج إلى البقيع ليزور من فيه اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فإذا أتى إلى البقيع بدأ بثالث الخلفاء عثمان بن عفان رضي الله عنه ، ثم يأتي قبر العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم يأتي من بعده من الأكابر ، وينوي امتثال السنة في كونه عليه الصلاة والسلام كان يزور أهل البقيع الغرقد ، وهذا نص في الزيارة ، فدل على أنها قربة بنفسها مستحبة ، معمول بها في الدين ، ظاهرة بركتها عند السلف والخلف.
    قال الأميني : إن المشاهد المقصودة بالبقيع الغرقد كانت مشهودة قبل استيلاء يد العيث والفساد الأثيمة عليها ، وهي كثيرة جمعها وبسط القول فيها السمهودي في ( وفاء الوفاء ) ج 2 ص 101 ـ 105 وهناك فوائد هامة.

زيارة شهداء أحد
    32 ـ يستحب للحاج أن يزور شهداء أحد ، قال النووي وشرنبلالي وغيرهما : أفضلها وأحسنها يوم الخميس خصوصا قبر سيدنا حمزة. وقال الفاخوري في ( الكفاية ) : ويخص بها يوم الاثنين. وقال ابن حجر : ويسن له أن يأتي متطهرا قبور الشهداء بأحد ويبدأ بسيد الشهداء حمزة رضي الله عنه. وقال الفاكهي في ( حسن الأدب ) 83 : وقد ورد : زوروهم وسلموا عليهم ، والذي نفسي بيده لا يسلم عليهم أحد إلا ردوا عليه إلى يوم القيامة. ولا يخفى أن ردهم السلام دعاء بالسلامة ودعاؤهم مستجاب
1 ـ وفاء الوفاء للسمهودي 2 ص 448.
الغدير ـ الجزء الخامس ::: فهرس