الغدير ـ الجزء الخامس ::: 171 ـ 180
(171)
    4 ـ عن بريدة قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا المقابر : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، وأنتم لنا فرط ونحن لكم تبع نسأل الله العافية. سنن البيهقي 4 ص 79.
    5 ـ عن مجمع بن حارثة قال : خرج النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة حتى انتهى إلى المقبرة فقال : السلام على أهل القبور [ ثلاث مرات ] من كان منكم من المؤمنين والمسلمين ، أنتم لنا فرط ونحن لكم تبع ، عافانا الله وإياكم.
    مجمع الزوائد 3 ص 60.
    6 ـ قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في زيارة قبور بالكوفة : السلام عليكم يا أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، أنتم لنا سلف فارط ، ونحن لكم تبع عما قليل لاحق ، اللهم أغفر لنا ولهم وتجاوز عنا وعنهم ، طوبى لمن أراد المعاد وعمل الحسنات وقنع بالكفاف ورضي عن الله عز وجل. أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد 9 ص 299.
    وذكره الجاحظ في البيان والتبيين 3 ص 99 بلفظ يقرب من هذا.
    7 ـ كان علي بن أبي طالب ( أمير المؤمنين ) كرم الله وجهه إذا دخل المقبرة قال : السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات ، اللهم اغفر لنا ولهم ، وتجاوز بعفوك عنا وعنهم ، ثم يقول : الحمد لله الذي جعل لنا الأرض كفانا أحياء وأمواتا ، والحمد لله الذي منها خلقنا ، وإليها معادنا ، وعليها محشرنا طوبى لمن ذكر المعاد ، وعمل الحسنات ، وقنع بالكفاف ، ورضي عن الله عز وجل. العقد الفريد 2 ص 6.
    8 ـ قال الفيروز آبادي صاحب القاموس في ( سفر السعادة ) ص 57 : ومن العادات النبوية زيارة القبور والدعاء والاستغفار ومثل هذه الزيارة مستحب وقال : إذا رأيتم المقابر فقولوا : السلام عليكم أهل الديار ( إلى آخر ما ذكر ) ثم قال : وكان يقرأ وقت الزيارة من نوع الدعاء الذي كان يقرؤه في صلاة الميت.
    9 ـ وقف محمد بن الحنفية على قبر الحسن بن علي ( الإمام ) رضي الله عنهما فخنقته العبرة ثم نطق فقال : رحمك الله أبا محمد فلئن عزت حياتك فلقد هدت وفاتك ، ولنعم الروح روح ضمه بدنك ، ولنعم البدن بدن ضمه كفنك ، وكيف لا يكون كذلك وأنت بقية ولد الأنبياء ، وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، غذتك أكف الحق ،


(172)
وربيت في حجر الاسلام ، فطبت حيا وطبت ميتا ، وإن كانت أنفسنا غير طيبة بفراقك ولا شاكة في الخيار لك. العقد الفريد 2 ص 8.
    10 ـ وقف علي بن أبي طالب ( أمير المؤمنين ) على قبر خباب فقال : رحم الله خبابا لقد أسلم راغبا ، وجاهد طائعا ، وعاش مجاهدا ، وابتلي في جسمه أحوالا ، ولن يضيع الله أجر من أحسن عملا.
    العقد الفريد 2 ص 7.
    11 ـ قامت عايشة على قبر أبيها أبي بكر الصديق فقالت : نضر الله وجهك ، و شكر صالح سعيك ، فقد كنت للدنيا مذلا بإدبارك عنها ، وللآخرة معزا بإقبالك عليها ، ولئن كان رزؤك أعظم المصائب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكبر الأحداث بعده فإن كتاب الله تعالى قد وعدنا بالثواب على الصبر في المصيبة ، وأنا تابعة له في الصبر فأقول إنا لله وإنا إليه راجعون ، ومستعيضة بأكثر الاستغفار لك ، فسلام الله عليك توديع غير قالية لحياتك ، ولا رازئة على القضاء فيك.
    المستطرف 2 ص 338.
    12 ـ كان الحسن البصري إذا دخل المقبرة قال : اللهم رب هذه الأجساد البالية ، والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة ، أدخل عليها روحا منك وسلاما منا.
    العقد الفريد 2 ص 6.
    13 ـ قام ابن السماك على قبر أبي سليمان داود بن نصير الطائي المتوفى 165 فقال : يا داود ! كنت تسهر ليلك إذ الناس نائمون ، وكنت تسلم إذ الناس يخوضون وكنت تربح إذ الناس يخسرون ، حتى عد فضائله كلها. صف 3 ص 82.
    هناك ألفاظ كثيرة في زيارة القبور لدة ما ذكر نقلت عن الأئمة وأعلام المذاهب الأربعة تنبأنا عن أن الزائر في وسعه أن يزور الميت ويدعو له بأي لفظ شاء وأراد ، وله سرد ما يروقه من مناقبه وفضائله ، وذكر ما يوجه إليه عطف المولى سبحانه ويستوجب له رحمته ، والألفاظ المذكورة في زيارة النبي الأقدس صلى الله عليه وسلم وزيارة الشيخين تثبت ما نرتأيه.

كلمات حول زيارة القبور
لأعلام العامة فيها فوائد جمة
    1 ـ قال ابن الحاج أبو عبد الله العبدري المالكي المتوفى 737 في ( المدخل )


(173)
1 ص 254 : وصفة السلام على الأموات أن يقول : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات رحم الله المستقدمين منا والمستأخرين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية. ثم يقول. اللهم اغفر لنا ولهم
    وما زدت أو نقصت فواسع والمقصود الاجتهاد لهم في الدعاء فإنهم أحوج الناس لذلك لانقطاع أعمالهم ، ثم يجلس في قبلة الميت ويستقبله بوجهه ، وهو مخير في أن يجلس في ناحية رجليه إلى رأسه أو قبال وجهه ثم يثني على الله تعالى بما حضره من الثناء ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة المشروعة ، ثم يدعو للميت بما أمكنه ، وكذلك يدعو عند هذه القبور عند نازلة نزلت به أو بالمسلمين ، ويتضرع إلى الله تعالى في زوالها وكشفها عنه وعنهم.
    وهذه صفة زيارة القبور عموما ، فإن كان الميت المزار ممن ترجى بركته فيتوسل إلى الله تعالى به ، وكذلك يتوسل الزائر بمن يراه الميت ممن ترجى بركته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يبدأ بالتوسل إلى الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم إذ هو العمدة في التوسل والأصل في هذا كله والمشرع له فيتوسل به صلى الله عليه وسلم وبمن تبعه بإحسان إلى يوم الدين ، وقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه : ( أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس فقال : اللهم كنا نتوسل إليك بنبيك صلى الله عليه وسلم فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبيك فاسقنا. فيسقون ).
    ثم يتوسل بأهل تلك المقابر أعني بالصالحين منهم في قضاء حوائجه ومغفرة ذنوبه ، ثم يدعو لنفسه ولوالديه ولمشايخه ولأقاربه ولأهل تلك المقابر ولأموات المسلمين ولأحيائهم وذريتهم إلى يوم الدين ، ولمن غاب عنه من إخوانه ، ويجأر إلى الله تعالى بالدعاء عندهم ، ويكثر التوسل بهم إلى الله تعالى لأنه سبحانه وتعالى اجتباهم وشرفهم وكرمهم فكما نفع بهم في الدنيا ففي الآخرة أكثر.
    فمن أراد حاجة فليذهب إليهم ويتوسل بهم فإنهم الواسطة بين الله تعالى وخلقه وقد تقرر في الشرع وعلم ما لله تعالى بهم من الاعتناء وذلك كثير مشهور ، وما زال الناس من العلماء والأكابر كابرا عن كابر مشرقا ومغربا يتبركون بزيارة قبورهم ويجدون بركة ذلك حسا ومعنى ، وقد ذكر الشيخ الإمام أبو عبد الله بن نعمان رحمه الله في كتابه


(174)
المسمى بسفينة النجاء لأهل الالتجاء في كرامات الشيخ أبي النجاء في أثناء كلامه على ذلك ما هذا لفظه :
    تحقق لذوي البصائر والاعتبار أن زيارة قبور الصالحين محبوبة لأجل التبرك مع الاعتبار ، فإن بركة الصالحين جارية بعد مماتهم كما كانت في حياتهم ، والدعاء عند قبور الصالحين والتشفع بهم معمول به عند علمائنا المحققين من أئمة الدين.
    ولا يعترض على ما ذكر من أن من كانت له حاجة فليذهب إليهم وليتوسل بهم بقوله عليه الصلاة والسلام : ( لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، والمسجد الأقصى ) وقد قال الإمام الجليل أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في كتاب آداب السفر من كتاب الإحياء له ما هذا نصه : القسم الثاني وهو أن يسافر لأجل العبادة إما لجهاد أو حج.
    إلى أن قال : ويدخل في جملته زيارة قبور الأنبياء و قبور الصحابة والتابعين وسائر العلماء والأولياء ، وكل من يتبرك بمشاهدته في حياته يتبرك بزيارته بعد وفاته ، ويجوز شد الرحال لهذا الغرض ولا يمنع من هذا قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تشد الرحال إلا لثلاث مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي ، والمسجد الأقصى ) لأن ذلك في المساجد لأنها متماثلة بعد هذه المساجد ، وإلا فلا فرق بين زيارة الأنبياء والأولياء والعلماء في أصل الفضل وإن كان يتفاوت في الدرجات تفاوتا عظيما بحسب اختلاف درجاتهم عند الله عز وجل والله تعالى أعلم.
    2 ـ قال عز الدين الشيخ يوسف الأردبيلي الشافعي المتوفى 776 في ( الأنوار لأعمال الأبرار ) في الفقه الشافعي ج 1 ص 124 : ويستحب للرجال زيارة القبور وتكره للنساء والسنة أن يقول : سلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ، ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم ، وأن يدنو من القبر كما كان يدنو من صاحبه حيا ، وأن يقف متوجها إلى القبر ، وأن يقرأ ويدعو فإن الميت كالحاضر يرجى له الرحمة والبركة ، والدعاء عقيب القراءة أقرب إلى الاجابة.
    3 ـ قال الشيخ زين الدين الشهير بابن نجيم المصري الحنفي المتوفى 969 / 70 في البحر الرائق شرح كنز الدقائق ـ للإمام النسفي ـ ج 2 ص 195 : قال في البدايع :


(175)
ولا بأس بزيارة القبور والدعاء للأموات إن كانوا مؤمنين ، من غير وطئ القبور ، لقوله صلى الله عليه وسلم : إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ولعمل الأمة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا.
    وصرح في ( المجتني ) بأنها مندوبة ، وقيل : تحرم على النساء ، والأصح : أن الرخصة ثابتة لهما ، وكان صلى الله عليه وسلم يعلم السلام على الموتى : السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين.
    ذكره إلى آخره ثم ذكر قراءة القرآن عند القبور وشيئا من أدب الزيارة.
    4 ـ أجاب ابن حجر المكي الهيثمي المتوفى 973 في الفتاوى الكبرى الفقهية ج 2 ص 24 لما سئل رضي الله عنه عن زيارة قبور الأولياء في زمن معين مع الرحلة إليها هل يجوز مع أنه يجتمع عند تلك القبور مفاسد كثيرة كاختلاط النساء بالرجال وإسراج السرج الكثيرة وغير ذلك ؟ بقوله : زيارة قبور الأولياء قربة مستحبة وكذا الرحلة إليها ، وقول الشيخ أبي محمد : لا تستحب الرحلة إلا لزيارته صلى الله عليه وسلم رده الغزالي بأنه قاس ذلك على منع الرحلة لغير المساجد الثلاثة مع وضوح الفرق ، فإن ما عدا تلك المساجد الثلاثة مستوية في الفضل فلا فائدة في الرحلة إليها.
    وأما الأولياء فإنهم متفاوتون في القرب من الله تعالى ونفع الزائرين بحسب معارفهم وأسرارهم ، فكان للرحلة إليهم فائدة أي فائدة ، فمن ثم سنت الرحلة إليهم للرجال فقط بقصد ذلك وانعقد نذرها كما بسطت الكلام على ذلك في ( شرح العباب ) بما لا مزيد على حسنه وتحريره ، وما أشار إليه السائل من تلك البدع أو المحرمات ، فالقربات لا تترك لمثل ذلك بل على الانسان فعلها وإنكار البدع بل وإزالتها إن أمكنه ، وقد ذكر الفقهاء في الطواف المندوب فضلا عن الواجب أنه يفعل ولو مع وجود النساء وكذا الرمي ، لكن أمروه بالبعد عنهن وكذا الزيارة يفعلها لكن يبعد عنهن وينهي عما يراه محرما بل ويزيله إن قدر كما مر ، هذا إن لم تتيسر له الزيارة إلا مع وجود تلك المفاسد ، فإن تيسرت مع عدم المفاسد ، فتارة يقدر على إزالة كلها أو بعضها فيتأكد له الزيارة مع وجود تلك المفاسد ليزيل منها ما قدر عليه ، وتارة لا يقدر على إزالة شئ منها فالأولى له الزيارة في غير زمن تلك المفاسد ، بل لو قيل : يمنع منها حينئذ لم يبعد.
    ومن أطلق المنع من الزيارة خوف ذلك الاختلاط


(176)
يلزمه إطلاق منع نحو الطواف والرمي ، بل والوقوف بعرفة أو مزدلفة والرمي إذا خشي الاختلاط أو نحوه ، فلما لم يمنع الأئمة شيئا من ذلك مع إن فيه اختلاطا أي اختلاط ، وإنما منعوا نفس الاختلاط لا غير فكذلك هنا. ولا تغتر بخلاف من أنكر الزيارة خشية الاختلاط فإنه يتعين حمل كلامه على ما فصلناه وقررناه وإلا لم يكن له وجه ، وزعم أن زيارة الأولياء بدعة لم تكن في زمن السلف ممنوع ، وبتقدير تسليمه فليس كل بدعة ينهى عنها ، بل قد تكون البدعة واجبة فضلا عن كونها مندوبة كما صرحوا به.
    5 ـ قال الشيخ محمد الخطيب الشربيني المتوفى 977 في ( المغني ) 1 ص 357 : يسن الوضوء لزيارة القبور كما قاله القاضي حسين في شرح الفروع. ويسلم الزائر للقبور من المسلمين مستقبلا وجهه ، ويقرأ عنده من القرآن ما تيسر ، ويدعو له عقب القراءة رجاء الاجابة لأن الدعاء ينفع الميت وهو عقب القراءة أقرب إلى الاجابة ، وعند الدعاء يستقبل القبلة ، وإن قال الخراسانيون باستحباب استقبال وجه الميت ، قال المصنف : ويستحب الاكثار من الزيارة وأن يكثر الوقوف عند قبور أهل الخير والفضل. إنتهى ملخصا.
    6 ـ قال الملا علي الهروي القاري الحنفي المتوفى 1014 في ( المرقاة شرح المشكاة ) 2 ص 404 في زيارة القبور : الأمر فيها للرخصة أو الاستحباب وعليه الجمهور : بل ادعى بعضهم الإجماع ، بل حكى ابن عبد البر عن بعضهم وجوبها.
    7 ـ قال الشيخ أبو البركات حسن بن عمار بن علي المكنى بابن الاخلاص الوفائي الشرنبلالي الحنفي المتوفى 1069 في حاشية (1) غرر الأحكام المطبوعة بهامش درر الأحكام ج 1 ص 168 : زيارة القبور مندوبة للرجال ، وقيل : تحرم على النساء والأصح : أن الرخصة ثابتة لهما ، ويستحب قراءة يس لما ورد : من دخل المقابر فقرأ سورة يس خفف الله عنهم يومئذ وكان له بعدد ما فيها حسنات.
    وقال في ( مراقي الفلاح ) : فصل في زيارة القبور. ندب زيارتها من غير أن يطأ القبور للرجال والنساء. وقيل : تحرم على النساء. والأصح أن الرخصة ثابتة للرجال والنساء ، فتندب لهن أيضا على الأصح ، والسنة زيارتها قائما والدعاء عندها
1 ـ تسمى غنية ذوي الاحكام في بغية الأحكام.

(177)
قائما ، كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البقيع ويقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون أسأل الله لي ولكم العافية.
    ويستحب للزائر قراءة سورة يس لما ورد عن أنس رضي الله عنه إنه قال : قال رسول الله : من دخل المقابر فقرأ سورة يس [ يعني وأهدى ثوابها للأموات ] خفف الله عنهم يومئذ العذاب ، ورفعه. وكذا يوم الجمعة يرفع فيه العذاب عن أهل البرزخ ، ثم لا يعود على المسلمين وكان له [ أي للقارئ ] بعدد ما فيها [ رواية الزيلعي : من فيها من الأموات ] حسنات. وعن أنس : إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ! إنا نتصدق عن موتانا ونحج عنهم وندعوا لهم ، فهل يصل ذلك إليهم. فقال : نعم ليصل ذلك إليهم ويفرحون به كما يفرح أحدكم بالطبق إذا أهدي إليه. رواه أبو حفص السكيري إلى أن قال : وعن علي رضي الله عنه : إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من مر على المقابر فقرأ قل هو الله أحد إحدى عشر مرة ثم وهب أجرها للأموات أعطي من الأجر بعدد الأموات. رواه الدارقطني. وأخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أنه قال : من دخل المقابر فقال : اللهم رب هذه الأجساد البالية والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة أدخل بها روحا من عندك وسلاما مني. إستغفر له كل مؤمن مات منذ خلق الله آدم. وأخرج ابن أبي الدنيا بلفظ : كتب له بعدد من مات من ولد آدم إلى أن تقوم الساعة حسنات.
    8 ـ قال الشيخ محمد أمين الشهير بابن عابدين المتوفى 1253 في ( رد المحتار على الدر المختار ) في الفقه الحنفي ج 1 ص 630 بعد بيان استحباب زيارة القبور : وتزار في كل أسبوع كما في ( مختارات النوازل ) قال في شرح ( لباب المناسك ) : إلا أن الأفضل يوم الجمعة والسبت والاثنين والخميس. فقد قال محمد بن واسع : الموتى يعلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوما قبله ويوما بعده ، فتحصل أن يوم الجمعة أفضل. ا ه‍. وفيه : يستحب أن يزور شهداء جبل أحد ، لما روى ابن أبي شيبة : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتي قبور الشهداء بأحد على رأس كل حول ، فيقول : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. والأفضل أن يكون ذلك يوم الخميس متطهرا مبكرا لئلا تفوته الظهر بالمسجد النبوي. قلت : استفيد منه ندب الزيارة وإن بعد محلها ، وهل تندب الرحلة لها كما اعتيد


(178)
من الرحلة إلى زيارة خليل الرحمن وأهله وأولاده وزيارة السيد البدوي وغيره من الأكابر الكرام ؟! لم أر من صرح به من أئمتنا ، ومنع منه بعض الشافعية إلا لزيارته صلى الله عليه وسلم قياسا على منع الرحلة لغير المساجد الثلاث ، ورده الغزالي بوضوح الفرق. ثم ذكر محصل قول الغزالي فقال : قال ابن حجر في فتاواه ولا تترك لما يحصل عندها من منكرات ومفاسد كاختلاط الرجال بالنساء وغير ذلك ، لأن القربات لا تترك لمثل ذلك بل على الانسان فعلها وإنكار البدع بل وإزالتها إن أمكن. قلت ويؤيده ما مر من عدم ترك اتباع الجنازة وإن كان معها نساء ونائحات. إلى أن قال :
    قال في الفتح : والسنة زيارتها قائما والدعاء عندها قائما كما كان يفعله صلى الله عليه وسلم في الخروج إلى البقيع ، ويقول : السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. وفي شرح ( اللباب ) للملا علي القاري : ثم من آداب الزيارة ما قالوا من إنه يأتي الزائر من قبل رجلي المتوفى لا من قبل رأسه لأنه أتعب لبصر الميت بخلاف الأول لأنه يكون مقابل بصره ، لكن هذا إذا أمكنه ، وإلا فقد ثبت أنه عليه الصلاة والسلام قرأ أول سورة البقرة عند رأس ميت وآخرها عند رجليه.
    9 ـ قال الشيخ إبراهيم الباجوري المتوفى 1277 في حاشيته على شرح ابن الغزي 1 ص 277 : تندب زيارة القبور للرجال لتذكر الآخرة ، وتكره من النساء لجزعهن وقلة صبرهن ، ومحل الكراهة فقط إن لم يشتمل اجتماعهن على محرم وإلا حرم ، ويستثنى من ذلك قبر نبينا صلى الله عليه وسلم فتندب لهن زيارته ، وينبغي كما قال ابن الرفعة : إن قبور الأنبياء والأولياء كذلك ، ويندب أن يقول الزائر : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون ، نسأل الله لنا ولكم العافية ، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم. وأن يقرأ ما تيسر من القرآن كسورة يس و يدعو لهم ويهدي ثواب ذلك لهم ، وأن يتصدق عليهم وينفعهم ذلك فيصل ثوابه لهم ، و يسن أن يقرب من المزور كقربه منه حيا. وأن يسلم عليه من قبل رأسه ويكره تقبيل القبر. إلى آخر ما مر ص 154.
    10 ـ قال الشيخ عبد الباسط بن الشيخ على الفاخوري المفتي ببيروت في كتابه [ الكفاية لذوي العناية ] ص 80 : يسن زيارة القبور للرجال وتكره للنساء إلا القبر


(179)
الشريف وكذا قبور بقية الأنبياء والصالحين. ويسن أن يقول الزائر : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، أنتم السابقون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. وأن يقرأ ما تيسر من القرآن كسورة يس. وأن يدعو للميت بعد القراءة. وأن يقول : اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى فلان. وأن يقرب من القبر كقربه منه لو كان حيا.
    11 ـ قال الشيخ عبد المعطي السقا في ( الارشادات السنية ) ص 111 : زيارة قبور المسلمين مندوبة للرجال لخبر مسلم : كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة : أما زيارة النساء فمكروهة إن كانت لقبر غير نبي وعالم و صالح وقريب ، أما زيارة القبر النبي ومن ذكر معه فمندوبة لهن بدون محرم إن كانت القبور داخل البلد ، ومع محرم إن كانت خارجة ، ومحل ندب زيارتهن أو كراهتها إذا أذن لهن الحليل أو الولي وأمنت الفتنة ولم يترتب على اجتماعهن مفسدة كما هو الغالب ، بل المحقق في هذا الزمان ، وإلا فلا ريبة في تحريمها.
    ويستحب الاكثار من الزيارة لتحصيل الاعتبار والعظة وتذكر الآخرة ، وتتأكد الزيارة عشية يوم الخميس ويوم الجمعة بتمامه وبكرة يوم السبت.
    وينبغي للزائر أن يقصد بزيارته وجه الله وإصلاح فساد قلبه ، وأن يكون على طهارة رجاء قبول دعائه لنفسه وللميت ، وأن يسلم على من بالمقبرة بقوله : السلام عليكم دار قوم مؤمنين ( وذكر إلى آخره ) ثم إذا وصل إلى قبر ميته قرب منه ووقف مستقبلا وجهه خاشعا قائلا : السلام عليك.
    ثم يقرأ عنده ما تيسر من القرآن كسورة الفاتحة وسورة يس وسورة تبارك وسورة الاخلاص والمعوذتين.
    والأفضل أن يكون وقت القراءة جالسا مستقبل القبلة قاصدا نفع الميت بما يتلوه ، وأن يكثر من التصدق ، وأن يرش القبر بالماء الطاهر ، وأن يضع عليه جريدا أخضر ونحوه كالريحان والبرسيم وتتأكد زيارة الأقارب والدعاء لهم سيما الوالدين ، فقد ورد في الحث على زيارتهما والدعاء لهما أخبار كثيرة صحيحة.
    12 ـ قال منصور على ناصف في ( التاج الجامع للأصول في أحاديث الرسول ) ج 1 ص 418 : الأمر ( في زيارة القبور ) للندب عند الجمهور وللوجوب عند ابن حزم ولو مرة واحدة في العمر.
    وقال في ص 419 : زيارة النساء للقبور جائزة بشرط الصبر


(180)
وعدم الجزع وعدم التبرج ، وأن يكون معها زوج أو محرم منعا للفتنة لعموم الحديث [ الأول ] ولقول عايشة : كيف أقول لهم يا رسول الله ؟ إلخ. ولزيارة عايشة لقبر أخيها عبد الرحمن فلما اعترضها عبد الله قالت : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زيارة القبور ثم أمر بزيارتها. رواه أحمد وابن ماجة.
    13 ـ قال فقهاء المذاهب الأربعة مؤلفوا كتاب الفقه على المذاهب الأربعة ج 1 ص 424 : زيارة القبور مندوبة للاتعاظ وتذكر الآخرة ، وتتأكد يوم الجمعة و يوما قبلها ويوما بعدها (1) وينبغي للزائر الاشتغال بالدعاء والتضرع والاعتبار بالموتى وقراءة القرآن للميت فإن ذلك ينفع الميت على الأصح ، ومما ورد أن يقول الزائر عند رؤية القبور :
    اللهم رب الأرواح الباقية ، والأجسام البالية ، والشعور المتمزقة ، والجلود المنقطعة ، والعظام النخرة التي خرجت من الدنيا وهي بك مؤمنة ، أنزل عليها روحا منك وسلاما مني.
    ومما ورد أيضا أن يقول. السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون. ولا فرق في الزيارة بين كون المقابر قريبة أو بعيدة ، بل يندب السفر لزيارة الموتى خصوصا مقابر الصالحين : أما زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فهي من أعظم القرب. و كما تندب زيارة القبور للرجال تندب أيضا للنساء العجائز اللاتي لا يخشى منهن الفتنة إن لم تؤد زيارتهن إلى الندب أو النياحة وإلا كانت محرمة.

النذور لأهل القبور
    إن لابن تيمية ومن لف لفه في المسألة هثهثة ، أتوا فيها بالمهاجر ، ورموا مخالفيهم من فرق المسلمين بمهجرات ، وقد مر عن القصيمي ص 90 إنها من شعائر الشيعة الناشئة عن غلوهم في أئمتهم وتأليههم لعلي وولده. إن هذا إلا اختلاق و ليس إلا الهث والهتر ، وما شذت الشيعة في المسألة عما أصفقت عليه الأمة الإسلامية
1 ـ الحنابلة قالوا : لا تتأكد الزيارة في يوم دون يوم ، والشافعية قالوا : تتأكد من عصر يوم الخميس إلى طلوع شمس يوم السبت ، وهذا قول راجح عند المالكية. كذا في هامش الفقه على المذاهب الأربعة.
الغدير ـ الجزء الخامس ::: فهرس