الغدير ـ الجزء الخامس ::: 371 ـ 380
(371)
تلكم النصوص ، وأبت بيعة أبي بكر وقالت : لا نبايع إلا عليا ؟ أو قالت : منا أمير ومنكم أمير (1) وكيف تقاعس عنها طلحة والزبير والمقداد وسلمان وعمار وأبو ذر وخالد بن سعيد ورجال من المهاجرين ؟ (2) وأبوا إلا عليا واجتمعوا في داره عليه السلام وأخرجتهم يد السياسة الوقتية إلى البيعة عنوة ونودي عليهم : والله لأحرقن عليكم أو لتخرجن إلى البيعة ؟ وما شأن الصحابي العظيم سعد بن عبادة يأنف من بيعة أبي بكر ويقول : أيم الله لو أن الجن اجتمعت لكم مع الإنس ما بايعتكم حتى أعرض على ربي وأعلم ما حسابي ؟ وكان لا يصلي بصلاتهم ولا يجمع معهم ويحج ولا يفيض معهم بإفاضتهم. تاريخ الطبري 3 : 198 ، 200 ، 207 ، 210. وما عذر العباس عم النبي الطاهر وبني هاشم في تخلفهم عن تلك البيعة والصفح عن تلكم العهود المؤكدة ؟.
    36 ـ وقبل هذه كلها إباية علي أمير المؤمنين تلك البيعة الانتخابية وحجاجه المفحم على أهلها ، قال ابن قتيبة : ثم إن عليا كرم الله وجهه أتي به إلى أبي بكر وهو يقول : أنا عبد الله ، أخو رسول الله. فقيل له : بايع أبا بكر. فقال : أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وأنتم أولى بالبيعة لي ، أخذتم هذا الأمر من الأنصار واحتججتم عليهم بالقرابة من النبي صلى الله عليه وسلم وتأخذوه منا أهل البيت غصبا ، ألستم زعمتم للأنصار أنكم أولى بهذا الأمر منهم لما كان محمد منكم ! فأعطوكم المقادة وسلموا إليكم الإمارة ، فإذا أحتج عليكم بمثل ما احتججتم على الأنصار ، نحن أولى برسول الله حيا وميتا فأنصفونا إن كنتم تؤمنون ، وإلا فبووا بالظلم وأنتم تعلمون. فقال له عمر : إنك لست متروكا حتى تبايع ، فقال له علي : إحلب حلبا لك شطره ، وشد له اليوم يمدده عليك غدا. ثم قال : والله يا عمر ! لا أقبل قولك ولا أبايعه. فقال أبو بكر : فإن لم تبايع فلا أكرهك ـ فقال أبو عبيدة بن الجراح كرم الله وجهه : يا ابن عم ! إنك حديث السن وهؤلاء مشيخة قومك ، ليس لك مثل تجربتهم و معرفتهم بالأمور ، ولا أرى أبا بكر إلا أقوى على هذا الأمر منك ، وأشد احتمالا واستطلالا ، فسلم لأبي بكر هذا الأمر ، فإنك إن تعش ويطل بك بقاء فأنت لهذا الأمر خليق و حقيق في فضلك ودينك وعلمك وفهمك وسابقتك ونسبك وصهرك.
1 ـ مسند أحمد 1 ص 405 ، طبقات ابن سعد 2 ص 128.
2 ـ الرياض النضرة 1 ص 167.


(372)
    فقال علي كرم الله وجهه : الله الله يا معشر المهاجرين ! ألا تخرجوا سلطان محمد في العرب من داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، وتدفعون أهله عن مقامه في الناس وحقه ، فوالله يا معشر المهاجرين ! لنحن أحق الناس به لأنا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم ، ما كان فينا القارئ لكتاب الله ، الفقيه في دين الله ، العالم بسنن رسول الله ، المتطلع لأمر الرعية ، الدافع عنهم الأمور السيئة ، القاسم بينهم بالسوية ، والله إنه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله فتزدادوا من الحق بعدا.
    قال بشير بن سعد الأنصاري : لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ما اختلفت عليك.
    قال : وخرج علي كرم الله وجهه يحمل فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم على دابة ليلا في مجالس الأنصار تسألهم النصرة.
    فكانوا يقولون : يا بنت رسول الله قد مضت بيعتنا لهذا الرجل ، ولو أن زوجك وابن عمك سبق إلينا قبل أبي بكر ما عدلنا به ، فيقول علي كرم الله وجهه : أفكنت أدع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته لم أدفنه وأخرج أنازع الناس سلطانه ؟ فقالت فاطمة : ما صنع أبو الحسن إلا ما كان ينبغي له ، ولقد صنعوا ما الله حسيبهم وطالبهم.
    وقال : إن أبابكر رضي الله عنه تفقد قوما تخلفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب و قال : والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها. فقيل له : يا أبا حفص ! إن فيها فاطمة. قال : وإن. فخرجوا فبايعوا إلا عليا فإنه زعم أنه قال : حلفت أن لا أخرج ولا ثوبي أضع على عاتقي حتى أجمع القرآن ، فوقفت فاطمة رضي الله عنها على بابها فقالت : لا عهد لي بقوم حضروا أسوء محضرا منكم ، تركتم رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة بين أيدينا ، وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقا. فأتى عمر أبا بكر فقال له : ألا تأخذ هذا المتخلف عنك بالبيعة ؟ فقال أبو بكر لقنفذ وهو مولى له : إذهب فادع لي عليا. فذهب إلى علي فقال : ما حاجتك ؟ فقال : يدعوك خليفة رسول الله. فقال علي : لسريع ما كذبتم على رسول الله. فرجع فأبلغ الرسالة قال : فبكى أبو بكر طويلا فقال عمر الثانية : أن لا تمهل هذا المتخلف عنك بالبيعة فقال أبو بكر رضي الله عنه


(373)
لقنفذ : عد إليه فقل له : أمير المؤمنين يدعوك لتبايع ، فجاءه قنفذ فأدى ما أمر به ، فرفع علي صوته فقال : سبحان الله ؟ لقد ادعى ما ليس له. فرجع قنفذ فأبلغ الرسالة فبكى أبو بكر طويلا ثم قام عمر فمشى معه جماعة حتى أتوا باب فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها : يا أبت يا رسول الله ؟ ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة. فلما سمع القوم صوتها وبكاءها انصرفوا باكين وكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تتفطر ، وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا عليا فمضوا به إلى أبي بكر فقالوا له : بايع. فقال : إن أنا لم أفعل فمه ؟ قالوا : إذا والله الذي لا إله إلا هو نضرب عنقك. قال : إذا تقتلون عبد الله وأخا رسوله. قال عمر : أما عبد الله فنعم وأما أخو رسوله فلا (1) وأبو بكر ساكت لا يتكلم فقال له عمر : ألا تأمر فيه بأمرك ؟ فقال : لا أكرهه على شئ ما كانت فاطمة إلى جنبه ، فلحق علي بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يصيح ويبكي وينادي : يا بن أم ! إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني الإمامة والسياسة 1 ص 12 ـ 14.
    37 ـ وما الذي سوغ لأبي بكر وعمر وأبي عبيدة أن يجعلوا للعباس عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإيعاز من مغيرة بن شعبة نصيبا في الأمر يكون له ولعقبه من بعده ؟ قال ابن قتيبة في الإمامة والسياسة ) ج 1 : 15 : فأتى المغيرة بن شعبة فقال : أترى يا أبا بكر أن تلقوا العباس فتجعلوا له في هذا الأمر نصيبا يكون له ولعقبه وتكون لكما الحجة على علي وبني هاشم إذا كان العباس معكم ؟ قال : فانطلق أبو بكر وعمر وأبو عبيدة حتى دخلوا على العباس رضي الله عنه ، فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه ثم قال : إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم نبيا وللمؤمنين وليا فمن الله تعالى بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له الله ما عنده فخلي على الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم في مصلحتهم متفقين لا مختلفين فاختاروني عليهم واليا ولأمورهم راعيا ، وما أخاف بحمد الله وهنا ولا حيرة ولا جبنا ، وما توفيقي إلا بالله العلي العظيم ، عليه توكلت وإليه أنيب ، وما زال يبلغني عن طاعن يطعن بخلاف
1 ـ أسلفنا في الجزء الثالث ص 112 ـ 125 خمسين حديثا في المواخاة بين رسول الله و أمير المؤمنين صلوات الله عليهما وآلهما ومنها ما هو المتواتر الصحيح الثابت ، أخرجه الحفاظ عن جمع من الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب ، وحديث المواخاة من المتسالم عليه عند الأمة الإسلامية ، وعمر أحد رواته كما جاء بطريق صحيح ، غير أن السياسة الوقتية سوغت لعمر إنكارها يوم ذاك.

(374)
ما اجتمعت عليه عامة المسلمين ويتخذونكم لحافا ، فاحذروا أن تكونوا جهد المنيع فإما دخلتم فيما دخل فيه العامة ، أو دفعتموهم عما مالوا إليه ، وقد جئناك ونحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا يكون لك ولعقبك من بعدك إذ كنت عم رسول الله ، وإن كان الناس قد رؤا مكانك ومكان أصحابك فعدلوا الأمر عنكم ، على رسلكم بني عبد المطلب ! فإن رسول الله منا ومنكم.
    ثم قال عمر : أي والله وأخرى : إنا لم نأتكم حاجة منا إليكم ، ولكنا كرهنا أن يكون الطعن منكم فيما اجتمع عليه العامة ، فتفاقم الخطب بكم وبهم ، فانظروا.
    فتكلم العباس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : إن الله بعث محمدا كما زعمت نبيا و للمؤمنين وليا فمن الله بمقامه بين أظهرنا حتى اختار له ما عنده فخلى الناس أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق لا مائلين عنه بزيغ الهوى ، فإن كنت برسول الله طلبت ؟ فحقنا أخذت ، وإن كنت بالمؤمنين طلبت ؟ فنحن منهم متقدمون فيهم ، وإن كان هذا الأمر إنما يجب لك بالمؤمنين ؟ فما وجب إذ كنا كارهين ، فأما ما بذلت لنا فإن يكن حقا لك ؟ فلا حاجة لنا فيه ، وإن يكن حقا للمؤمنين ؟ فليس لك أن تحكم عليهم ، وإن كان حقنا ؟ لم نرض عنك فيه ببعض دون بعض.
    وأما قولك : إن رسول الله منا ومنكم فإنه قد كان من شجرة نحن أغصانها وأنتم جيرانها.
    38 ـ وما عذر من استشكل على أبي بكر في استخلافه عمرا على الصحابة ؟ قالت عايشة رضي الله عنها لما ثقل أبي دخل عليه فلان وفلان فقالوا : يا خليفة رسول الله ! ماذا تقول لربك غدا إذا قدمت عليه وقد استخلفت علينا ابن الخطاب ؟ قالت : فأجلسناه فقال : أبالله ترهبوني ؟ أقول : استخلفت عليهم خيرهم. سنن البيهقي 8 ص 149 ].
    39 ـ وما الذي أقعد عليا أمير المؤمنين عن بيعة عثمان يوم الشورى بعد ما بايعه عبد الرحمن بن عوف وزملائه وكان علي قائما فقعد ، فقال له عبد الرحمن : بايع و إلا ضربت عنقك ، ولم يكن مع أحد يومئذ سيف غيره ، فيقال : إن عليا خرج مغضبا فلحقه أصحاب الشورى وقالوا : بايع وإلا جاهدناك. فأقبل معهم حتى بايع عثمان. الأنساب للبلاذري 5 : 22.


(375)
    قال الطبري في تاريخه 5 : 41. جعل الناس يبايعونه وتلكا علي فقال عبد الرحمن : ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ، ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما. فرجع علي يشق الناس حتى بايع وهو يقول : خدعة وأيما خدعة.
    وفي الإمامة والسياسة 1 ص 25 قال عبد الرحمن : لا تجعل يا علي سبيلا إلى نفسك فإنه السيف لا غيره. وفي صحيح البخاري 1 : 208 : لا يجعلن على نفسك سبيلا.
    قال الأميني : كان قتل المتخلف عن البيعة في ذلك الموقف وصية من عمر بن الخطاب كما أخرجه الطبري في تاريخه 5 ص 35 قال وقال ـ عمر ـ لصهيب : صل بالناس ثلاثة أيام وأدخل عليا وعثمان والزبير وسعدا وعبد الرحمن بن عوف وطلحة ـ إن قدم ـ (1) وأحضر عبد الله بن عمر ولا شئ له من الأمر وقم على رؤسهم فإن اجتمع خمسة ورضوا رجلا وأبى واحد فاشدخ رأسه. أو : اضرب رأسه بالسيف. وإن اتفق أربعة فرضوا رجلا منهم وأبى اثنان فاضرب رؤسهما ، فإن رضي ثلاثة رجلا منهم وثلاثة رجلا منهم فحكموا عبد الله بن عمر فأي الفريقين حكم له فليختاروا رجلا منهم ، فإن لم يرضوا بحكم عبد الله بن عمر فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين إن رغبوا عما اجتمع عليه الناس. وذكره البلاذري في ( الأنساب ) 5 ص 16 ، 18 ، وابن قتيبة في ( الإمامة والسياسة ) 1 ص 23.
    وابن عبد ربه في ( العقد الفريد ) 2 : 257.
أفمن هذا الحديث تعجبون ، وتضحكون ولا تبكون
[ النجم 59 ]

1 ـ كان غائبا في ماله بالسراة.

(376)
ما هذه الدمدمة والهمهمة ؟
    ليست هذه الروايات إلا جلبة وصخبا تجاه الحقيقة الراهنة ، ووجاه الخلافة الحقة الثابتة بالنصوص الصريحة الصحيحة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام قد صدع بها النبي الأمين وحيا من الله العزيز من يوم بدء الدعوة إلى آخر نفس لفظه.
    إن هي إلا اللغط والشغب دون أمر ليس لخلق الله فيه أي خيرة ، وقد نص النبي الأعظم في بدء دعوته على أن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء وذلك يوم عرض نفسه صلى الله عليه وآله على بني عامر بن صعصعة ودعاهم إلى الله فقال له قائلهم : أرأيت إن نحن تابعناك على أمرك ثم أظهرك الله على من خالفك أيكون لنا الأمر من بعدك ؟ قال : إن الأمر إلى الله يضعه حيث يشاء (1) إن هي إلا سلسة بلاء وحلقة شقاء تجر الأمة إلى الضلال ، وتسف بها إلى حضيض التعاسة ، وتديمها في الجهل المبير ، ومهاوي الدمار.
    إن هي إلا ولائد النزعات الباطلة ، والأهواء المضلة ، لا مقيل لها في مستوى الحق والصدق ، ولا قيمة لها في سوق الاعتبار.
    إن هي إلا نسيجة يد الإفك والزور ، حبكها التزحزح عن قانون العدل ، والتنحي عن شرعة الحق ، والبعد عن حكم الأمانة.
    إن هي إلا صبغة الهث والدجل شوهت بها صفحات التاريخ ، لا يرتضيها أي ديني من رجالات المذاهب ، ولا يعول عليها المثقف النابه ، ولا يتخذها السالك إلى الله سبيلا ، ولا يجد الباحث عن الحق فيها أمنيته.
    إن هي إلا نبرات فيها نترات لفقتها المطامع في لماظة العيش ، ونجفة الحياة ، وزخارف الدنيا القاضية على سعادة البشر.
    إن هي إلا قبسات الفتن المضلة ، وجذوات مقابس العاطفة والهوى ، تفتن الجاهل المسكين ، وتحيده عن رشده ، وتجعله في بهيتة من أمر دينه ، فتحترق بها أصول سعادته في الحياة الدنيا.
1 ـ سيرة ابن هشام 2 : 33 ، الروض الأنف 1 : 264 ، السيرة الحلبية 2 : 3 ، السيرة النبوية لزيني دحلان 1 : 302 ،


(377)
    إن هي إلا مدرسات الأمة فاحش التقول. وسيئ الإفك والافتعال ، تعلمها الحياد عن مناهج الصدق والأمانة ، وتحثها على الكذب على الله وعلى قدس صاحب الرسالة وعلى أمناؤه وثقات أمته.
    هل يجد الباحث سبيلا لنجاته عن هذه الورطات المدلهمة ؟ وهل يرجى له الفوز من تلكم السلاسل وقد صفدته من حيث لا يشعر ؟ أي مصدر وثيق يحق أن يثق به الرجل ؟ وعلى أي كتاب أو على أي سنة حري بأن يحيل أمره ؟ أليست الكتب مشحونة بتلكم الأكاذيب المفتعلة المنصوصة على وضعها ؟ أليست تلكم المئات من ألوف الأحاديث المكذوبة مبثوثة في طيات التآليف والصحف ؟ ما حيلة الرجل وهو يرى المؤلفين بين من يذكرها مرسلا إياها إرسال المسلم ، وبين من يخرجها بالإسناد ويردفها بما يموه على الحق مما يعرب عن قوتها ؟ أو يرويها غير مشفع بما فيها من الغميزة متنا أو إسنادا ؟ كل ذلك في مقام سرد الفضائل ، أو إثبات الدعاوي الفارغة في المذاهب.
    ثم ما حيلته ؟ وهو يشاهد وراء أولئك الأوضاح من المؤلفين أفاك القرن الرابع عشر ـ القصيمي ـ رافعا عقيرته بقوله : ليس في رجال الحديث من أهل السنة من هو متهم بالوضع والكذابة. راجع ص 208.
    فما ذنب الجاهل المسكين والحالة هذه في عدم عرفان الحق ؟ وما الذي يعرفه صحيح السنة من سقيمها ؟ وأي يد تنجيه من عادية التقول والتزوير ؟ وهل من مصلح يحمل بين جنبيه عاطفة دينية صادقة ينقذه عن ورطات القالة وغمرات الدجل ؟.
    نعم : كتبنا له في الألواح من كل شئ موعظة ، وفصلنا لكل شئ ، ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة ، ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ، وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم ، بغيا بينهم ، إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ، ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون ، فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها و اتبع هواه فتردى ، والسلام على من اتبع الهدى.

م حكم الوضاعين
    قال الحافظ جلال الدين السيوطي في ( تحذير الخواص ) ص 21 : فائدة لا أعلم


(378)
شيئا من الكبائر قال أحد من أهل السنة بتكفير مرتكبه إلا الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الشيخ أبا محمد الجويني (1) من أصحابنا وهو والد إمام الحرمين (2) قال : إن من تعمد الكذب عليه صلى الله عليه وسلم يكفر كفرا يخرجه عن الملة. وتبعه على ذلك طائفة منهم : الإمام ناصر الدين ابن المنير من أئمة المالكية ، وهذا يدل على أنه أكبر الكبائر لأنه لا شيئ من الكبائر يقتضي الكفر عند أحد من أهل السنة. إنتهى.
حكم الحفاظ
لتلكم الموضوعات المبهرجة
    يتبين حكم مخرجي تلكم الروايات المكذوبة على نبي العظمة في الكتب و المعاجم من أئمة الحديث وحفاظه ، ومن رجال السير والتاريخ خلفا وسلفا مما أخرجه الخطيب وصححه ابن الجوزي من قول رسول الله صلى الله عليه وآله : من روى مني حديثا وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكذابين.
     (3) والله يقول : ولو تقول علينا بعض الأقاويل ، لأخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه الوتين ، فما منكم من أحد عنه حاجزين ، وإنه لتذكرة للمتقين ، وإنا لنعلم أن منكم مكذبين (4) أفترى أولئك الحفاظ والمؤرخين عالمين بحقيقة تلكم الأكاذيب المفتعلة ؟ قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ، ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا ، أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ، ألا لعنة الله على الظالمين (5) أم تراهم جاهلين بها ؟ وما لهم بذلك من علم فكذبوا صما و عميانا ، ويحسبون أنهم على شئ ، ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ، فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم ، إن الله لا يهدي القوم الظالمين ، فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون.
1 ـ إمام الشافعية عبد الله بن يوسف المتوفى 438 كان إماما في الفقه والأصول والأدب والعربية. وجوين قرية من نواحي نيسابور.
2 ـ أبو المعالي عبد الملك بن الشيخ أبي محمد المتوفى 478.
3 ـ تاريخ بغداد 4 ص 161 ، المنتظم 8 ص 268.
4 ـ سورة الحاقة : 44 ، 45 ، 46 ، 47 ، 48 ، 49.
5 ـ سورة هود : 18.


(379)
القرن السادس

54
قطب الدين الراوندي
المتوفى : 573
بنو الزهراء آباء اليتامى هم حجج الآله على البرايا فكان نهارهم أبدا صياما ألم يجعل رسول الله يوم الغدير ألم يك حيدر قرما هماما ؟ إذا ما خوطبوا قالوا : سلاما فمن ناواهم يلق الأثاما وليلهم كما تدري قـياما عليا الأعلى إماما ؟ ألم يك حيدر خيرا مقاما ؟
    وله قوله :
لآل المصطفى شرف محيط إذا كثر البلايا في البرايا إذا ما قام قائمهم بوعظ أو امتلأت بعدلهم ديار هم العلماء إن جهل البرايا بنو أعمامهم جاروا عليهم لهم في كل يوم مستـجد تناسوا ما مضى بغدير خم ألا لعنت أمية قد أضاعوا على آل الرسول صـلاة ربي تضايق عن مرامـيه البسيط فكل منهم جاش ربيط فإن كلامه در لقيط تقاعس دونه الدهر القسوط هم الموفون إن خان الخليط ومال الدهر إذ مال الغبيط لدى أعدائهم دم عبيط فأدركهم لشقوتهم هبوط ( الحسين ) كأنه فرخ سميط (1) طوال الدهر ما طلع الشميط (2)

1 ـ السميط : الخفيف الحال.
2 ـ الشمط : الخلط. ويقال للصبح : الشميط. لاختلاطه باقي ظلمة الليل. توجد الأبيات المذكورة في ( مستدرك الوسائل ) 3 : 489 ، وفي بعض المجاميع الأدبية.


(380)
( الشاعر )
    قطب الدين أبو الحسين سعد (1) بن هبة الله بن الحسن بن عيسى الراوندي ، إمام من أئمة المذهب ، وعين من عيون الطائفة ، وأوحدي من أساتذة الفقه والحديث ، وعبقري من رجالات العلم والأدب ، لا يلحق شأوه في مآثره الجمة ، ولا يشق له غبار في فضايله ومساعيه المشكورة ، وخدماته الدينية ، وأعماله البارة ، وكتبه القيمة.
    يوجد ذكره الجميل بالإطراء والثناء عليه في الفهرست للشيخ منتجب الدين. معالم العلماء. أمل الآمل. لسان الميزان 4 : 48. رياض العلماء. الإجازة الكبيرة للسماهيجي رياض الجنة في الروضة الرابعة. لؤلؤة البحرين. منتهى المقال ص 148 ، مستدرك الوسايل 3 : 489. روضات الجنات ص 301. تنقيح المقال 2 ص 22. الكنى والألقاب 3 : 58.
مشايخه والرواة عنه
    يروي قدس سره عن زرافات من حملة العلم وأساتذة المذهب منهم :
    1 ـ الشيخ أبو السعادات هبة الله بن علي البغدادي المتوفى 522.
    2 ـ السيد عماد الدين أبو الصمصام ذو الفقار بن محمد الحسيني المروزي أدركه الشيخ منتجب الدين حدود 520 وله يومئذ من العمر 115 عاما.
    3 ـ الشيخ أبو المحاسن مسعود بن محمد الصواني المتوفى 544 كما ارخ في تاريخ بيهق.
    4 ـ الشيخ عماد الدين محمد بن أبي القاسم الطبري مؤلف بشارة المصطفى لشيعة المرتضى.
    5 ـ الشيخ أبو علي الطبرسي صاحب مجمع البيان المتوفى 548 كما ارخ في نقد الرجال.
    6 ـ الشيخ ركن الدين أبو الحسن علي بن علي بن عبد الصمد النيسابوري التميمي.
    7 ـ الشيخ محمد بن علي بن عبد الصمد أخو الشيخ ركن الدين المذكور.
1 ـ في غير واحد من المصادر الوثيقة : سعيد.
الغدير ـ الجزء الخامس ::: فهرس