الغدير ـ الجزء الخامس ::: 401 ـ 410
(401)
القرن السابع

57
مجد الدين ابن جميل
المتوفى : 616
ألمت وهي حاسرة لثاما وأجرت أدمعا كالطل هبت وقالت : أقصدتك يد الليالـي وأعوزك اليـسير وكنت فينا فقلت لها : كذاك الدهر يجني فأني سوف أدعو الله فيه وأبعثها إليه منقحـات تزور فتى كأن أبا قبيس أغر له إذا ذكرت أيـاد وأبلج لو ألم به ابن هند ولو رمق السماء وليس فيها وتلثم من تراب أبي تراب فتحظى عنده وتؤب عنه بقصد أخي النبي ومن حباه ومن أعطاه يوم ( غدير خم ) ومن ردت ذكاء له فصلى وآثر بالطعام وقد توالت بقرص من شعير ليس يرضى وقد ملأت ذوائبها الظلاما له ريح الصبا فجرى تواما وكنت لخائف منها عصاما ثمالا للأرامل واليتاما فقري وارقبي الشهر الحراما 5 وأجعل مدح ( حيدرة ) إماما يفوح المسك منها والخزامى تسنم منكبيه أو شماما عطاء وابل يشفي الأواما لأوسعه حباءا وابتساما 10 حيا لاستمطرت غيثا ركاما ترابا يبرئ الداء العقاما وقد فازت وأدركت المراما بأوصاف يفوق بها الأناما صريح المجد والشرف القدامى 15 أداءا بعد ما ثنت اللثاما (1) ثلاث لم يذق فيها طعاما سـوى الملح الجريش له إداما

1 ـ أداء بعد ما كست الظلاما. كذا في بعض النسخ.

(402)
فرد عليه ذاك القرص قرصا أبا حسن وأنت فتى إذا ما أزرتك يقظة غرر القوافي وبشرني بأنك لي مجير فكيف يخاف حادثة الليالي سقتك سحائب الرضوان سحا وزار ضريحك الأملاك صفا ولا زالت روايا المزن تهدي وزاد عليه ذاك القرص جاما 20 دعاه المستجير حمى وحاما فزرني يا بن فاطمة مناما وإنك مانعي من أن أضاما فتى يعـطيه ( حيدرة ) ذماما ؟ كفيض يديك ينسجم انسجاما 25 على معناك تزدحم ازدحاما إلى النجف التحية والسلاما
( ما يتبع الشعر )
    وقفت في غير واحد من المجاميع العتيقة المخطوطة على أن مجد الدين ابن جميل كان صاحب المخزن في زمن الناصر فنقم عليه وأودعه السجن فسأله رجال الدولة من الأكابر فلم يقبل فيه شفاعة أحد وتركه في الحجرة مدة عشرين سنة فخطر على قلبه أن يمدح الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فمدحه بهذه الأبيات ونام فرآه في ما يراه النائم وهو يقول : الساعة تخرج. فانتبه فرحا وجعل يجمع رحله فقال له الحاضرون : ما الخبر ؟ فقال لهم : الساعة أخرج. فجعل أهل السجن يتغامزون ويقولون : تغير عقله ، وأما الناصر فإنه أيضا رأى أمير المؤمنين في الطيف فقال له عليه السلام : أخرج ابن جميل في هذه الساعة. فانتبه مذعورا وتعوذ من الشيطان ونام فأتاه عليه السلام ثانيا وقال له مثل الأول فقال : ما هذا الوسواس ؟ فأتاه ثالثة وأمره بإخراجه ، فانتبه وأنفذ في الحال من يطلقه فلما طرق الباب قال : والله وذا أنا متهيئ فلما مثل بين يدي الناصر عرفوه أنهم وجدوه متهيئا للخروج فقال له : بلغني أنك كنت متهيئا للخروج ، فمماذا ؟ قال : إنه جاء إلي من جاءك قبل أن يجيئ إليك. قال : فبماذا ؟ قال : عملت فيه قصيدة ، فقال الناصر : أنشدنيها فأنشد القصيدة.
( الشاعر )
    مجد الدين أبو عبد الله محمد بن منصور بن جميل الجبائي ويقال : الجبي. المعروف بابن جميل الفزاري ، كاتب شاعر ، وأديب متضلع ، له في النحو واللغة والأدب وقرض


(403)
الشعر خطوات واسعة ، وفي ( معجم الأدباء ) صحيفة بيضاء ، وفي ( طبقات النحاة ) ذكرى خالدة ، وقد جمع شوارد تاريخ ذلك الشاعر الفحل المنسي الدكتور مصطفى جواد البغدادي في ترجمة نشرتها [ مجلة الغري ] النجفية الغراء في عددها ال‍ 16 من السنة السابعة ص 2 ونحن نذكرها برمتها متنا وتعليقا قال :
    ولد بقرية من نواحي هيت تعرف بجبا ، وقدم بغداد في أول عمره وقرأ بها الأدب ولازم مصدق بن شبيب الواسطي النحوي حتى برع في النحو واللغة والفقه والفرائض والحساب بعد قراءة القرآن الكريم ، وسمع الحديث من جماعة من الشيوخ منهم : أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن كليب ، والقاضي أبو الفتح محمد بن أحمد المندائي الواسطي سمعه حين قدومه بغداد ، وعالج النثر والنظم فبلغ منهما مرتبة عالية ، قال القفطي : ( وقد كان أنشأ مقامات ظهر منها قطعة رأيتها في جملة أجزاء أحضرت من بغداد إلى حلب للبيع بخطه وكان خطا متوسطا صحيح الوضع فيه تلتبس نقط ثابتة لا تكاد تتغير ( كذا ) وشعره جيد مشهور مصنوع لا مطبوع ) (1) ، ووصفه ياقوت الحموي بأنه نحوي لغوي أديب من أفاضل العصر ، قال : وكان بليغا مليح الخط غزير الفضل متواضعا مليح الصورة طيب الأخلاق (2). وكان من شعراء الديوان العباسي ، ومدح الخليفة الناصر لدين الله بقصائد كثيرة كان يوردها في المواسم والهناءات (3) فعرف واشتهر ورتب كاتبا في ديوان التركات الحشرية وناظرا فيه ، وهي تركات من يتوفى وتحشر إلى بيت المال لعدم الوارث المستحق بحسب مذهب الشافعي ، وكان ببغداد رجل تاجر يعرف بابن العنيبري ، وكان صديقا له فلما حضرته الوفاة سأله الحضور إليه فلما حضر قال له : أنا طيب النفس بموتي في زمان ولايتك ليكون جاهك ( على ) أطفالي وعيالي. فوعده بهم جميلا ، فلما مات حضر إلى تركته وباشرها فرأى فيها ألف دينار عينا فأخذها وحملها إلى الإمام الناصر وأصحبها مطالعة منه يقول فيها : مات ابن العنيبري ـ ورث الله الشريعة أعمار الخلايق ـ وقد حمل المملوك من المال الحلال الصالح للمخزن ألف دينار
1 ـ أصول التاريخ والأدب 19 ص 166 ، ج 9 ص 67 ـ 8 ، من مجموعاتنا الخطية وعدتها ثلاثة وثلاثون مجلدا وهي في ازدياد.
2 ـ معجم الأدباء 7 ص 110.
3 ـ أصول التاريخ والأدب ج 19 ص 166.


(404)
وهو في عهدة تبقيها دنيا وآخرة. قال القفطي : كان ظالم النفس عسوفا فيما يتولاه قال لبعض العاقلين : خف عذابي فإنه أليم شديد. فقال له الرجل : فإذا أنت الله لا إله إلا هو. فخجل ولم يمنعه ذلك ولم يردعه عما أراده من ظلمه. قال : وكان يظن بنفسه الكثير حتى لا يرى أحدا مثله (1).
    ثم توصل مجد الدين إلى أن يكون كاتبا في المخزن ، وهو كوزارة المالية في عصرنا ، وكانت توقيعات التعيينات مسندة كتابتها إليه ، ثم ترقى حتى صار صدرا في المخزن ، أي صاحب المخزن كوزير المالية في عصرنا ، وكان ذلك في ليلة عاشر ذي القعدة سنة 605 مضافا إلى ولاية دجيل وطريق خراسان أي لواء ديالى والخالص والخزانة والعقار وغير ذلك من أعمال الحضرة ببغداد (2).
    ولما كان كاتبا عدلا في المخزن كان له من الجراية أي الجامكية خمسة دنانير في الشهر ، فلما ولي الصدرية قرر له عشرة دنانير ، وقد ذكر القفطي حكاية وقعت للمترجم أيام توليه صدرية المخزن إلا أن سقم الخط الذي كتبت به أحالها ، قال : سأله بعض التجار والغرباء العناية بشخص في إيصال حقه إليه من المخزن فوعده ومطله ، فقال التاجر الشافع ـ وكان يدل عليه ـ : فدفعت إليه في كل يوم بدانق. قال له : وكيف ؟ قال : لأنك كنت عدلا أقرب منه حالا اليوم. وأشار إلى أنه لما زيد رزقه ورفعت مرتبته تجبر دصر ـ كذا ـ زيادة وهي سدس درهم في كل يوم وهو الدانق حتى أخجله الله وصرف عن ذلك وسجن مدة (3) ، وكان عزله عن تلك الولايات كلها يوم السبت الثالث والعشرين من شهر ربيع الأول سنة 611 هج‍ ، ثم أطلق من السجن وجعل وكيلا كاتبا بباب دار الأمير عدة الدين أبي نصر محمد بن الناصر لدين الله ومات وهو على ذلك في منتصف شعبان من سنة 616 هج‍ ، وكان كهلا ودفن في مقابر قريش أي أرض المشهد الكاظمي (4).
1 ـ أصول التاريخ والأدب 9 ص 67 ، 68.
2 ـ أصول التاريخ والأدب 19 ص 166 ، والجامع المختصر 9 ص 265 ـ 6.
3 ـ أصول التاريخ والأدب 9 ص 68.
4 ـ الأصول المذكورة 19 ص 166 ، ومعجم الأدباء 7 ص 110 ، ومن معجم الأدباء نقل السيوطي كما في البغية ص 107 ، وترجمه الذهبي نقلا عن مجد الدين ابن النجار ، أصول التاريخ 24 ص 247.


(405)
    وكان له من الأولاد ابن اسمه صفي الدين عبد الله كان مقدم شعراء الديوان في أيام المستعصم بالله وتوفي سنة 669 هج‍ (1).
    وكان له أخ يلقب بقطب الدين فقد ذكر ابن واصل الحموي المؤرخ المشهور : إن جده تاج الدين نصر الله بن سالم بن واصل صاحب القاضي ضياء الدين القاسم بن الشهرزوري انحدر من الموصل إلى بغداد مع القاضي المذكور في ثامن عشر شعبان سنة 595 ولما وصلا إلى بغداد أمر الخليفة الناصر لدين الله بإنزالهم في درب الخبازين (2) من سوق الثلاثاء ثم أنزل تاج الدين في دار صاحب المخزن ، قال والد المؤرخ المذكور : وكان بين والدي ـ يعني تاج الدين ـ والصاحب شمس الدولة محمد بن جميل الفزاري مودة نسجتها الصداقة بين والدي وأخيه قطب الدين في سفرات عديدة إلى دمشق المحروسة فلما طال المزار وأقمنا بدار الخلافة ، على وجه الايثار ، صار الخبر عيانا وأصبح المعارف خلانا فبقي شمس الدولة ووالدي ـ رح ـ يتزاوران ليلا طرحا للكلفة (3).
أدب مجد الدين ابن جميل
    لا ريب في أن ضياع أدب الأديب من إمارات ضياع ترجمته أو استبهامها ، وقد غبرنا دهرا نبحث عن ترجمة هذا الأديب الكبير فلم نعثر إلا على ما ذكرنا من الأخبار والسيرة المختصرة ، فأين مجموع نثره وديوان شعره والمقامات التي أنشأها ؟ إنها في ضمير الغيب ، ولم يصل إلي منها إلا ما أنا ناشره بعد هذا ، كتب مجد الدين محمد بن جميل إلى جده ابن واصل المذكور : إن أخذ الخادم في شكر الانعام الزيني (4) قصر عن غايته وقصر دون نهايته ، وإن تعرض لوصف تلك الخلال الشريفة ، والأخلاق اللطيفة ، والألفاظ المستعذبة المألوفة مكنونا من عيه ، ولكنه نشر ما لعله كان مطويا من حصره وفيها هنة لكنه يقول على ثقة من مسامحته :
1 ـ الحوادث الجامعة ص 184 ، 368.
2 ـ هو محلة العاقولية الحالية وفيها مدرسة التفيض الأهلية
3 ـ أصول التاريخ والأدب 23 ص 57.
4 ـ كذا ورد وقد قدمنا أن لقبه تاج الدين فلعله بدل لقبه بعد ذلك كما كان جاريا في الدولة العباسية.


(406)
قصدت ربعي فتعالى به فما رأى العالم من قبلها قدري فدتك النفس من قاصد بحرا مشى قـط إلى وارد
    فلله هو من بحر خضم عذب ماؤه وسرى نسيما هواؤه فأمن سالكوه من خطره ورأوا عجائبه وفازوا بدرره ، وإن كنت في هذا المقام كالمنافس على قول ابن قلاقس (1) :
قبل بنان يمينه وغلطت فـي تشبيهه وقل : السلام عليك بحرا بالبحر اللهم غفرا
    والله تعالى يسبغ الظل الظليل ، ويبقي ذلك المجد الأثيل ، ويستخدم الدهر لخدمه ومحبيه ، ويمتعهم ببلوغ الآمال منه وفيه بمنه وكرمه (2) هذه هي الرسالة الاخوانية الوحيدة التي عثرت عليها لمجد الدين ابن جميل ، وله توقيع كتبه في سنة 604 أيام كان كاتبا في المخزن في تولية ضياء الدين أحمد بن مسعود التركستاني الحنفي التدريس بمدرسة الإمام أبي حنيفة المجاورة لقبره يومذاك قال فيه : بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله المعروف بفنون المعروف والكرم ، الموصوف بصنوف الاحسان والنعم ، المتفرد بالعظمة والكبرياء والبقاء والقدم ، الذي اختص الدار العزيزة ـ شيد الله بناها ، وأشاد مجدها وعلاها ـ بالمحل الأعظم والشرف الأقدم ، وجمع لها شرف البيت العتيق ذي الحرم ، إلى شرف بيت هاشم الذي هشم ، جاعل هذه الأيام الزاهرة الناظرة ، والدولة القاهرة الناصرة ، عقدا في جيد مناقبها وحليا يجول على ترائبها ـ أدامها الله تعالى ما انحدر لثام الصباح ، وبرح خفاء براح ـ أحمده حمد معترف بتقصيره عن واجب حمده ، مغترف من بحر عجزه مع بذل وسعه وجهده ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وهو الغني عن شهادة عبده ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي صدع بأمره ، وجاء بالحق من عنده ، صلى الله عليه صلاة تتعدى
1 ـ هو أبو الفتح نصر الله بن عبد الله بن مخلوف بن علي بن عبد القوي بن قلاقس الأديب الشاعر المجيد ، ولد سنة 532 ، وتوفي بعيذاب سنة 563. وقصر عمره يدل على نبوغه ، وله الديوان المطبوع.
2 ـ أصول التاريخ والأدب 23 ص 57.


(407)
إلى أدنى ولده وأبعد جده ، حتى يصل عقبها إلى أقصى قصيه ونزاره ومعده. وبعد : فلما كان الأجل السيد الأوحد العالم ضياء الدين شمس الاسلام رضي الدولة عز الشريعة علم الهدى رئيس الفريقين تاج الملك فخر العلماء أحمد بن مسعود التركستاني ـ أدام الله علوه ـ ممن أعرق في الدين منسبه ، وتحلى بعلوم الشريعة أدبه ، واستوى في الصحة مغيبه ومشهده وشهد له بالأمانة لسانه ويده ، وكشف الاختبار منه عفة وسدادا ، وأبت مقاصده إلا أناة واقتصادا ، رأى الاحسان إليه والتعويل عليه في التدريس ب‍ [ مشهد أبي حنيفة ] ـ رحمة الله عليه ـ ومدرسته وأسند إليه النظر في وقف ذلك أجمع لاستقبال حادي عشري ذي القعدة سنة أربع وستمائة الهلالية وما بعدها وبعدها. وأمر بتقوى الله ـ جلت آلاؤه وتقدست أسماءه ـ التي هي أزكى قربات الأولياء ، وأنمى خدمات النصحاء ، وأبهى ما استشعره أرباب الولايات ، وأدل الأدلة على سبل الصالحات ، وفاعلها بثبوت القدم خليق ، وبالتقديم جدير قال الله تعالى : إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير.
    وأن يذكر الدرس على أكمل شرائط وأجمل ضوابط ، مواظبا على ذلك سالكا فيه أوضح المسالك مقدما عليه تلاوة القرآن المجيد على عادة الختمات في البكر و الغدوات ، متبعا ذلك بتمجيد آلاء الله وتعظيمها والصلاة على نبيه ـ صلى الله عليه صلاة يضوع أرج نسيمها ـ شافعا ذلك بالثناء على الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ والاعلان بالدعاء للمواقف الشريفة المقدسة النبوية الإمامية الطاهرة الزكية المعظمة المكرمة الممجدة الناصرة لدين الله تعالى ـ لا زالت منصورة الكتب والكتائب ، منشورة المناقب ، مسعودة الكواكب والمواكب ، مسودة الاهب ، مبيضة المواهب ، ما خطب إلى جموع الأكابر وعلى فروع المنابر خطيب وخاطب ـ وأن يذكر من الأصول فصلا يكون من سهام الشبه جنة. ولنصر اليقين مظنة ، متبعا من المذهب ومفرداته ونكته ومشكلاته ما ينتفع به المتوسط والمبتدي ، ويتبينه ويستضئ به المنتهي ، وليذكر من المسائل الخلافية ما يكون داعيا إلى وفاق المعاني والعبارات ، هاديا لشوارد الأفكار إلى موارد المنافسات ناظما عقود التحقيق في سلوك المحاققات (1) مصوبا أسنة البديهة إلى ثغر الأناة ، معتصما في جميع أمره بخشية الله
1 ـ كذا ورد بفك الادغام والصواب الادغام وشذ قولهم ( تجانن فلان ) أي أظهر الجنون وليس به.

(408)
وطاعته ، مستشعرا ذلك في علنه وسريرته.
    والمفروض له عن هذه الخدمة في كل شهر للاستقبال المقدم ذكره من حاصل الوقف المذكور لسنة تسع وتسعين الخراجية وما يجري مجراها من هلالية وما بعدها أسوة بما كان لعبد اللطيف ابن الكيال من الحنطة كيل البيع ـ ثلاثون قفيزا ـ ومن العين الإمامية ـ عشرة دنانير ـ يتناول ذلك شهرا فشهرا مع الوجوب والاستحقاق للاستقبال المقدم ذكره من حاصل الوقف المعين للسنة المبينة الخراجية وما بعدها بموجب ما استؤمر فيه من المخزن المعمور ـ أجله الله تعالى ـ وإذن : فليجر على عادته المذكورة وقاعدته ، ولتكن صلاته وجماعته في جامع القصر الشريف (1) في الضفة التي لأصحاب أبي حنيفة ـ رحمة الله عليه ـ وليصرف حاصل الوقوف المذكورة في سبلها بمقتضى شرط الواقف المذكور في كتاب الوقفية من غير زيادة فيها ولا عدول عنها ولا حذف شئ منها ، عالما أنه مسؤول في غده عن يومه وأمسه ، وإن أفعال المرء صحيفة له في رمسه
    وليبذل جهده في عمارة الوقوف المذكورة واستنمائها واستثمار حاصلها وارتفاعها مستخيرا من يستخدمه فيها من الأجلاد الأمناء ذوي العفة والغناء متطلعا إلى حركاتهم و سكناتهم ، مؤاخذا لهم على ما لعله يتصل به من فرطاتهم ، لتكون الأحوال متسقة النظام ، والمال محروسا من الانثلام ، وليبتدئ بعمارة المشهد والمدرسة المذكورين وإصلاح فرشها ومصابيحها ، وأخذ القوام على الخدمة بها ، وإلزام المتفقهة بملازمة الدروس و تكرارها ، وإتقان المحفوظات وإحكامها ، وليثبت بخزانة الكتب من المجلدات وغيرها معارضا ذلك بفرسته متطلبا ما عساه قد شذ منها ، وليأمر خازنها بعد استصلاحه بمراعاتها و نفضها في كل وقت ومرمة شعثها ، وأن لا يخرج منها إلا إلى ذي أمانة مستظهر بالرهن عن ذلك ، وليتلق هذه الموهبة بشكر يرتبطها ويدبر اخلافها واجتهاد يضبطها ويؤمن إخلافها وليعمل بالمحدود له في هذا المثال من غير توقف فيه بحال ـ إن شاء الله تعالى ـ وكتب لسبع بقين من ذي القعدة من سنة أربع وستمائة ، وحسبنا الله ونعم الوكيل وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين الأكرمين وسلم (2).
1 ـ هو جامع سوق الغزل الحالي ولكنه كان أوسع أقطارا وأوعب للناس.
2 ـ الجامع المختصر 9 ص 233 ـ 6.


(409)
القرن السابع

58
الشواء الكوفي الحلي
ولد : 562 تقريبا
توفي : 635
ضمنت لمن يخاف من العقاب يرى في حشره ربا غفورا فتى فاق الورى كرما وبأسا يـرى في السلم منه غيث جود إذا ما سل صارمه لحرب وصي المصطفى وأبو بنيه أخو النـص الجلي بيوم خم إذا والى الوصـي أبا تراب ومولى شافعا يوم الحساب عزيز الجار مخضر الجناب وفي يوم الكريهة ليث غاب أراك البرق في متن السحاب وزوج الطهر من بين الصحاب وذو الفضل المرتل في الكتاب (1)
( الشاعر )
    أبو المحاسن يوسف بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم المعروف بالشواء الملقب بشهاب الدين الكوفي الحلبي مولدا ومنشئا ووفاتا.
    هو من بواقع الشعر والأدب ، ولقد أتته الفضيلة من هنا وهناك ، فرأي مسدد ، وهوى محبوب ، ونزعة شريفة ، وقريض رائق ، وأدب فائق ، وقواف ذهبية ، وعروض متقن ، فأي أخي فضل يتسنم ذروة مجده ؟ وتلك نزعته وهذه صنعته ، ترجمه زميله ابن خلكان في تاريخه 2 ص 597 ، وله ذكره الجميل في شذرات الذهب 5 ص 178 ، و تاريخ حلب 4 : 397 ، وتتميم أمل الآمل للسيد ابن شبانة ، ونسمة السحر فيمن تشيع
1 ـ الطليعة في شعراء الشيعة ج 2 مخطوط للعلامة السماوي : وتوجد منها ثلاثة أبيات في تاريخ ابن خلكان.

(410)
وشعر ، والكنى والألقاب 1 : 146 ، والطليعة في شعراء الشيعة ، ونحن نذكر ما في تاريخ ابن خلكان ملخصا قال : كان أديبا فاضلا متقنا لعلم العروض والقوافي ، شاعرا يقع له في النظم معان بديعة في البيتين والثلاثة ، وله ديوان شعر كبير يدخل في أربع مجلدات ، وكان زيه زي الحلبيين الأوائل في اللباس والعمامة المشقوقة ، وكان كثير الملازمة لحلقة الشيخ تاج الدين أبي القاسم أحمد بن هبة الله بن سعد بن سعيد بن المقلد المعروف بابن الجبراني النحوي اللغوي ، وأكثر ما أخذ الأدب منه وبصحبته انتفع.
    كان بيني وبين الشهاب الشواء مودة أكيدة وموانسة كثيرة ولنا اجتماعات في مجالس نتذاكر فيها الأدب ، و أنشدني كثيرا من شعره ، وما زال صاحبي منذ أواخر سنة ثلاث وثلاثين وستمائة إلى حين وفاته ، وقبل ذلك كنت أراه قاعدا عند ابن الجبراني المذكور في موضع تصدره في جامع حلب ، وكان يكثر التمشي في الجامع أيضا على جري عادتهم في ذلك كما يعملون في جامع دمشق ، وكان حسن المحاورة مليح الايراد مع السكون والتأني ، وأول شئ أنشدني من شعره قوله :
هاتيك يا صاح ربا لعلع وانزل بنا بين بيوت النقا حتى نطيل اليوم وقفا على الـ ناشدتك الله فعرج معـي فقد غدت آهلة المربع ساكـن أو عطفا على الموضع
    وكان كثيرا ما يستعمل العربية في شعره فمن ذلك قوله :
وكنا خمس عشرة في التئام فقـد أصبحت تـنوينا وأضحى عـلى رغم الحسود بغير آفه حبيبي لا تفارقه الإضافه
    وله في غلام أرسل أحد صدغيه وعقد الآخر :
أرسل صدغا ولوى قاتلي فخلت ذا فـي خده حية ذا ألف ليست لوصل وذا صدغا فأعيا بهما واصفه تسعـى وهذا عقربا واقفه واو ولـكن ليست العاطفة
    وله في شخص لا يكتم السر :
لي صديق غدا وإن كان لا ينطق إلا بغيبة أو محال
الغدير ـ الجزء الخامس ::: فهرس