الغدير ـ الجزء السادس ::: 121 ـ 130
(121)
25
قضاياه في عسه وتجسسه
    1 ـ عن عمر بن الخطاب إنه كان يعس ليلة فمر بدار سمع فيها صوتا فارتاب و تسور فرأى رجلا عند امرأة وزق خمر فقال : يا عدو الله أظننت أن الله يسترك وأنت على معصيته ؟ فقال : لا تعجل يا أمير المؤمنين ! إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث : قال الله تعالى : ولا تجسسوا (1) وقد تجسست ، وقال : وأتوا البيوت من أبوابها (2) وقد تسورت ، وقال : إذا دخلتم بيوتا فسلموا (3) وما سلمت. فقال : هل عندك من خير إن عفوت عنك ؟ قال : نعم ، والله لا أعود. فقال : إذهب فقد عفوت عنك.
    الرياض النضرة 2 ص 46 ، شرح النهج لابن أبي الحديد 1 ص 61 ، ج 3 ص 96 ، الدر المنثور 6 ص 93 ، الفتوحات الإسلامية 2 ص 477.
    2 ـ خرج عمر بن الخطاب في ليلة مظلمة فرأى في بعض البيوت ضوء سراج وسمع حديثا ، فوقف على الباب يتجسس فرأى عبدا أسود قدامه إناء فيه مزر وهو يشرب ، ومعه جماعة فهم بالدخول من الباب فلم يقدر من تحصين البيت فتسور على السطح و نزل إليهم من الدرجة ومعه الدرة ، فلما رأوه قاموا وفتحوا الباب وانهزموا فمسك الأسود فقال له : يا أمير المؤمنين ! قد أخطأت وإني تائب فاقبل توبتي فقال : أريد أن أضربك على خطيئتك فقال : يا أمير المؤمنين ! إن كنت قد أخطأت في واحدة فأنت قد أخطأت في ثلاث : فإن الله تعالى قال : ولا تجسسوا ، وأنت تجسست وقال تعالى : وأتوا البيوت من أبوابها. وأنت أتيت من السطح. وقال تعالى : لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ، وأنت دخلت وما سلمت ... إلخ.
    المستطرف لشهاب الدين الأبشيهي 2 ص 115 في الباب الحادي والستين. يظهر من القرائن إن هذه القضية غير سابقتها والله أعلم.
    م ـ وقد عد ابن الجوزي هذه الفضيحة المخزية من مناقب عمر وتبعه شاعر النيل حافظ
1 ـ سورة الحجرات آية 49.
2 ـ سورة البقرة آية 189.
3 ـ سورة النور آية 61.


(122)
إبراهيم ونظمها في قصيدته العمرية فقال تحت عنوان : مثال رجوعه إلى الحق :
وفتية ولعوا بالراح فانتبذوا ظهرت حائطهـم لما علمت بهم حتى تبينتهم والخمر قد أخذت سفهت آرائهم فيها فما لبثوا ورمت تفقيههم في دينهم فإذا قالوا : مكانك قد جئنا بواحدة فائت البيوت من الأبواب يا عمر واستأذن الناس لا تغشى بيوتهم ولا تجسس فهذي الآي قد نزلت فعدت عنهم وقد أكبرت حجـتهم وما أنفت وإن كانوا على حرج لهم مكانا وجدوا في تعاطيها والليل معتكر الأرجاء ساجيها تعلو ذؤابة ساقيها وحاسيها أن أوسعـوك على ما جئت تسفيها بالشرب قد برعوا الفاروق تفقيها وجئتنا بثلاث لا تباليها فـقد يزن (1) من الحيطان آتيها ولا تلم بدار أو تمحيها بالنهي عنه فلم تذكر نواهيها لما رأيت كتاب الله يمليها من أن يحجك بالآيات عاصيها
    قال الأميني : هكذا يعمي الحب ويصم ، ويجعل الموبقات مكرمات ، ويبدل السيئات حسنات ].
    3 ـ عن عبد الرحمن بن عوف : إنه حرس مع عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ليلة بالمدينة فبينما هم يمشون شب لهم سراج في بيت فانطلقوا يؤمونه حتى إذا دنوا منه إذ باب مجاف على قوم لهم فيه أصوات مرتفعة ولغط فقال عمر رضي الله عنه وأخذ بيد عبد الرحمن فقال : أتدري بيت من هذا ؟ قلت : لا ، قال : هذا بيت ربيعة بن أمية بن وهم الآن شرب فما ترى ؟ قال عبد الرحمن : أرى قد أتينا ما نهى الله عنه ـ ولا تجسسوا ـ فقد تجسسنا. فانصرف عنهم عمر رضي الله عنه وتركهم.
    سنن البيهقي البري 8 ص 334 ، الإصابة 1 ص 531 ، الدر المنثور 6 ص 93 ، السيرة الحلبية 3 ص 293 ، الفتوحات الإسلامية 2 ص 476.
    4 ـ دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه على قوم يشربون ويوقدون في الاخصاص فقال نهيتكم عن معاقرة الشراب فعاقرتم ، وعن الايقاد في الاخصاص فأوقدتم ، وهم
1 ـ بالبناء للمجهول من ازنه بكذا يعني اتهمه به.

(123)
بتأديبهم فقالوا : يا أمير المؤمنين ! نهاك الله عن التجسس فتجسست ، ونهاك عن الدخول بغير إذن فدخلت ، فقال : هاتان بهاتين وانصرف وهو يقول : كل الناس أفقه منك يا عمر. العقد الفريد 3 ص 416.
    5 ـ كان عمر يعس ذات ليلة بالمدينة فرأى رجلا وامرأة على فاحشة فلما أصبح قال للناس : أرأيتم لو أن إماما رأى رجلا وامرأة على فاحشة فأقام عليهما الحد ما كنتم فاعلين ؟ قالوا : إنما أنت إمام.
    فقال علي بن أبي طالب ليس ذلك لك إذن يقام عليك الحد ، إن الله لم يأمن هذا الأمر أقل من أربعة شهود.
    ثم تركهم ما شاء الله أن يتركهم ثم سألهم فقال القوم مثل مقالتهم الأولى وقال علي مثل مقالته الأولى فأخذ عمر بقوله (1).
    6 ـ أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن الشعبي قال : جاءت امرأة إلى عمر فقالت : يا أمير المؤمنين ! إني وجدت صبيا ووجدت معه قبطية فيها مائة دينار فأخذته واستأجرت له ظئرا ، وإن أربع نسوة يأتينه فيقبلنه لا أدري أيتهن أمه فقال لها : إذا هن أتينك فأعلميني.
    ففعلت ، فقال لامرأة منهن : أيتكن أم هذه الصبي ؟ فقلن : والله ما أحسنت ولا أجملت يا عمر ! تعمد علي امرأة ستر الله عليها فتريد أن تهلك سترها.
    قال : صدقت ثم قال للمرأة : إذا أتينك فلا تسأليهن عن شئ وأحسني إلى صبيهن ثم انصرف. ( منتخب كنز العمال هامش مسند أحمد 1 ص 199 ) قال الأميني : في كل من هذه الآثار أبحاث هامة لا تعزب عن القارئ النابه فلا نطيل بذكرها المقام.
26
رأي الخليفة في حد الخمر
    عن أنس بن مالك قال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال : وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن بن عوف : أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر.
    صورة أخرى :
    جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخمر بالجريد والنعال ، وجلد أبو بكر أربعين ، فلما
1 ـ الفتوحات الإسلامية 2 ص 482.

(124)
كان عمرو ورد الناس من المدن والقرى قال : ما ترون في حد الخمر ؟ فقال عبد الرحمن بن عوف : أرى أن تجعله كأخف الحدود فجلد عمر ثمانين (1).
    وأخرج أبو داود في سننه 2 ص 242 في حديث : جلد أبو بكر في الخمر أربعين ، ثم جلد عمر رضي الله عنه صدرا من إمارته أربعين ، ثم جلد ثمانين في آخر خلافته ، و جلد عثمان الحدين كليهما : ثمانين وأربعين ثم أثبت معاوية الحد على الثمانين.
    وأخرجه البيهقي في سننه الكبرى 8 ص 320 ، وابن الديبع في تيسير الوصول 2 ص 17.
    وعن حضين أبي ساسان الرقاشي قال : حضرت عثمان بن عفان رضي الله عنه وأتي الوليد بن عقبة قد شرب الخمر وشهد عليه حمران بن أبان ورجل آخر فقال عثمان لعلي رضي الله عنهما : أقم عليه الحد فأمر علي رضي الله عنه عبد الله بن جعفر ذي الجناحين رضي الله عنهما أن يجلده فأخذ في جلده وعلي رضي الله عنه يعد حتى جلد أربعين ثم قال له : أمسك جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين وأبو بكر رضي الله عنه ، وجلد عمر رضي الله عنه ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي (2) وفي لفظ آخر : إن الوليد بن عقبة صلى بالناس الصبح أربعا ثم التفت إليهم فقال : أزيدكم فرفع ذلك إلى عثمان رضي الله عنه ـ إلى آخره ـ وفيه : ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعين و أبو بكر وعمر صدرا من خلافته أربعين ثم أتمها عمر ثمانين وكل سنة (3).
    قال الأميني : ما قيمة عبد الرحمن وقيمة رأيه تجاه ما قام به المشرع الأعظم ؟ و ما بال عمر جرى على ذلك المنهج ردحا من أيامه ثم نقضه وضرب عنه صفحا ؟ وما باله وهو خليفة المسلمين يستشير ويستفتي في حكم من أحكام الدين ثبت بسنة ثابتة عن صاحب الشريعة ؟ قال ابن رشد في بداية المجتهد 2 ص 435 : إن أبا بكر رضي الله عنه
1 ـ صحيح مسلم باب حد الخمر 2 ص 38 ، سنن الدارمي 2 ص 175 ، سنن أبي داود 2 ص 240 ، مسند أبي داود الطيالسي ص 265 ، سنن البيهقي 8 ص 319.
2 ـ صحيح مسلم في الحد 2 ص 52 ، سنن أبي داود 2 ص 241 ، السنن الكبرى للبيهقي 8 ص 318 ، وفي كنز العمال 3 ص 102 نقلا عن الطبراني. وعبد الرزاق. وأحمد. ومسلم وأبي داود. والنسائي. وابن جرير. وأبي عوانه. والطحاوي. والدار قطني. والدارمي.
3 ـ السنن الكبرى للبيهقي 8 ص 319 نقلا عن صحيح مسلم.


(125)
شاور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كم بلغ ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم لشراب الخمر ؟ فقدروه بأربعين وروي عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين ، فجعل عمر مكان كل نعل سوطا ، وروي من طريق آخر عن أبي سعيد الخدري ما هو أثبت من هذا وهو : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب في الخمر أربعين وروي هذا عن علي عن النبي عليه السلام من طريق أثبت ، وبه قال الشافعي. ا ه‍.
    وإن من الدخيل في الحديث ما عزي إلى أمير المؤمنين عليه السلام من قوله : وكل سنة وهذا أحب إلي. فلو كانت الثمانون سنة مشروعة لعمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأقل مرة واحدة أو قالها لأحد ولو كان قالها لما خفي على كل المسلمين ولاحتج به عبد الرحمن دون قوله : أخف الحدود ثمانون ، ولما عد عمر أول من أقام الحد في الخمر ثمانين كما فعله غير واحد (1) نعم : قال الحلبي في السيرة الحلبية 2 ص 314 : قوله ( وكل سنة ) أي طريقة فأربعون طريقته صلى الله عليه وسلم وطريقة الصديق رضي الله عنه ، والثمانون طريقة عمر رضي الله عنه رآها اجتهادا مع استشارته لبعض الصحابة في ذلك لما رآه من كثرة شرب الناس للخمر.
    وقال ابن القيم في زاد المعاد 2 ص 195 : من تأمل الأحاديث رآها تدل على أن الأربعين حد والأربعون الزائدة عليها تعزير اتفق عليه الصحابة رضي الله عنهم.
    ما عساني أن أقول في أناس اتخذوا تجاه سنة رسول الله طريقة باجتهاد واستشارة ؟ وهل تعزير بعد الحد حتى يتأتى باتفاق الصحابة عليه ؟ وهل لهذه المزعمة معنى معقول حتى يتخذ مذهبا ؟ أنا لست أدري أي قيمة لتلك الطريقة في سوق الاعتبار وجاه الطريقة المثلى ولن تجد لسنة الله تحويلا ، ولن تجد لسنة الله تبديلا ، وما أتى به النبي الأعظم أحق أن يتبع ، فمن بدله بعد ما سمعه فإنما إثمه على الذين يبدلونه.
    وهناك كلمات تافهة حول هذا الاجتهاد مثل قول القسطلاني (2) من أن الكل حد وعليه فحد الشارب مخصوص من بين سائر الحدود بأن يتحتم بعضه ويتعلق
1 ـ منهم العسكري في أولياته ، وابن أبي الحديد في شرح النهج 3 ص 113 ، وابن كثير في تاريخه 7 ص 132 ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 93 ، وعلاء الدين السكتواري في محاضرة الأوائل ص 169 ، والقرماني في تاريخه هامش الكامل 1 ص 203.
2 ـ في إرشاد الساري 6 ص 104 و ج 9 ص 439.


(126)
بعضه باجتهاد الإمام. ا ه‍. كلها خارجة عن نطاق الفهم ، تبعد عن ساحة المتعلم فضلا عن العالم ، ولا يخفى على القارئ فسادها (1).
27
الخليفة وامرأة احتالت على شاب
    أتي عمر بن الخطاب رضي الله عنه بامرأة قد تعلقت بشاب من الأنصار وكانت تهواه فلما لم يساعدها احتالت عليه فأخذت بيضة فألقت صفرتها وصبت البياض على ثوبها وبين فخذيها ثم جاءت إلى عمر رضي الله عنه صارخة فقالت : هذا الرجل غلبني على نفسي وفضحني في أهلي وهذا أثر فعاله. فسأل عمر النساء فقلن له : إن ببدنها وثوبها أثر المني فهم بعقوبة الشاب فجعل يستغيث ويقول : يا أمير المؤمنين ! تثبت في أمري فوالله ما أتيت فاحشة وما هممت بها فلقد راودتني عن نفسي فاعتصمت. فقال عمر : يا أبا الحسن ما ترى في أمرهما ؟ فنظر علي إلى ما على الثوب ثم دعا بماء حار شديد الغليان فصب على الثوب فجمد ذلك البياض ثم أخذه واشتمه وذاقه فعرف طعم البيض وزجر المرأة فاعترفت. الطرق الحكمية لابن القيم ص 47.
28
لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب
    عن حنش بن المعتمر قال : إن رجلين أتيا امرأة من قريش فاستودعاها مائة دينار وقالا : لا تدفعيها إلى أحد منا دون صاحبه حتى نجتمع ، فلبثا حولا ثم جاء أحدهما إليها وقال : إن صاحبي قد مات فادفعي إلي الدنانير فأبت فثقل عليها بأهلها فلم يزالوا بها حتى دفعتها إليه ثم لبثت حولا آخر فجاء الآخر فقال : ادفعي إلي الدنانير. فقالت : إن صاحبك جاءني وزعم أنك قد مت فدفعتها إليه فاختصما إلى عمر فأراد أن يقضي عليها وقال لها : ما أراك إلا ضامنة. فقالت : أنشدك الله أن تقضي بيننا وارفعنا إلي علي بن أبي طالب. فرفعها إلى علي وعرف أنهما قد مكرا بها ، فقال : أليس قلتما لا تدفعيها إلى واحد منا دون صاحبه ؟ قال : بلى. قال : فإن مالك عندنا إذهب فجئ بصاحبك حتى ندفعها إليكما ،
1 ـ ( لفت نظر ) نحن نناقش في المسألة وغيرها من الأبحاث الدينية على مباني أهل السنة من دون أي نظر إلى آراء الشيعة فيها.

(127)
فبلغ ذلك عمر فقال : لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب.
    كتاب الأذكياء لابن الجوزي ص 18 ، أخبار الظراف لابن الجوزي ص 19 ، الرياض النضرة 2 ص 197 ، ذخاير العقبى ص 80 ، تذكرة سبط ابن الجوزي 87 ، مناقب الخوارزمي 60.
29
الخليفة والكلالة
    1 ـ عن معدان بن أبي طلحة اليعمري قال : إن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة فذكر نبي الله صلى الله عليه وسلم وذكر أبا بكر فقال : ثم إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شئ ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شئ ما أغلظ لي فيه حتى طعن باصبعه في صدري وقال : يا عمر ألا يكفيك آية الصيف التي في آخر سورة النساء ؟ (1) وإني (2) إن أعش أقض فيها ـ بقضاء ـ بقضية يقضي بها من يقرأ القرآن ومن لم يقرأ القرآن (3).
    وفي لفظ الجصاص : ما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شئ أكثر مما سألته عن الكلالة.
    2 ـ عن مسروق قال : سألت عمر بن الخطاب عن ذي قرابة لي ورث كلالة فقال : الكلالة ، الكلالة. وأخذ بلحيته ثم قال : والله لإن أعلمها أحب إلي من أن يكون لي ما على الأرض من شئ سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ألم تسمع الآية التي أنزلت في الصيف. فأعادها ثلاث مرات (4) ،
1 ـ آية الكلالة تسمى بآية الصيف لنزولها في الصيف في حجة الوداع ، وهي قوله تعالى : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شئ عليم.
2 ـ قال النووي في شرح هذا الحديث : قوله وإني إن أعش إلى آخره من كلام عمر لا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
3 ـ صحيح مسلم كتاب الفرائض 2 ص 3 ، مسند أحمد 1 ص 48 ، سنن ابن ماجة 2 ص 163 ، أحكام القرآن للجصاص 2 ص 106 ، سنن البيهقي 6 ص : 224 و ج 8 ص 150 ، تفسير القرطبي 6 ص 29.
4 ـ تفسير الطبري 6 ص 30 ، تفسير الدر المنثور 2 ص 251.


(128)
    3 ـ أخرج أحمد في المسند 1 ص 38 عن عمر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فقال : تكفيك آية الصيف فقال : لإن أكون سألت رسول الله عنها أحب إلي من أن يكون لي حمر النعم.
    4 ـ أخرج البيهقي في السنن الكبرى 6 ص 225 عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إنه قال : ثلاث لإن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهن أحب إلي من حمر النعم : الخلافة. والكلالة. والربا.
    وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ج 1 ص 12.
    5 ـ أخرج الطبري في تفسيره 6 عن عمر أنه قال : لإن أكون أعلم الكلالة أحب إلي من أن يكون لي مثل قصور الشام. [ كنز العمال 6 ص 20 ].
    6 ـ أخرج ابن راهويه وابن مردويه عن عمر : إنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف تورث الكلالة ؟ فأنزل الله : يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة. الآية.
    فكان عمر لم يفهم فقال لحفصة : إذا رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم طيب نفس فسليه عنها ، فلما رأت منه طيب نفس فسألته فقال : أبوك ذكر لك هذا ، ما أرى أباك يعلمها.
    فكان عمر يقول : ما أراني أعلمها وقد قال رسول الله ما قال (1) قال السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه الكنز : هو صحيح.
    7 ـ أخرج ابن مردويه عن طاوس : إن عمر أمر حفصة أن تسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكلالة فأملاها عليها في كتف فقال : من أمرك بهذا ؟ أعمر ؟ ما أراه يقيمها وما تكفيه آية الصيف. [ تفسير ابن كثير 1 ص 594 ].
    8 ـ عن طارق بن شهاب قال : أخذ عمر كتفا وجمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : لأقضين في الكلالة قضاء تحدث به النساء في خدورهن فخرجت حينئذ حية من البيت فتفرقوا فقال : لو أراد الله عز وجل أن يتم هذا الأمر لأتمه (2) قال ابن كثير : إسناد صحيح.
    9 ـ عن مرة بن شرحبيل قال قال عمر بن الخطاب : ثلاث لإن يكون رسول الله
1 ـ إحكام القرآن للجصاص 2 ص 105 ، تفسير ابن كثير 1 ص 594 ، الدر المنثور 2 ص 249 ، كنز العمال 6 ص 2.
2 ـ تفسير الطبري 6 ص 60 ، تفسير ابن كثير 1 ص 594. مر نظير هذه القضية من طريق طارق في صفحة 117 راجع.


(129)
صلى الله عليه وسلم بينهن أحب إلي من الدنيا وما فيها : الكلالة. والربا. والخلافة (1).
    10 ـ أخرج الحاكم وصححه عن محمد بن طلحة عن عمر بن الخطاب أنه قال : لإن أكون سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاث أحب إلي من حمر النعم : ومن الخليفة بعده ؟ وعن قوم قالوا : نقر بالزكاة في أموالنا ولا نؤديها إليك أيحل قتالهم ؟ وعن الكلالة ؟ (2).
    11 ـ عن حذيفة في حديث قال : نزلت ( يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) فلقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم حذيفة ، فلقاها حذيفة عمر ، فلما كان بعد ذلك سأل عمر عنها حذيفة فقال : والله إنك لأحمق إن كنت ظننت إنه لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتكها كما لقانيها رسول الله والله لا أزيدك عليها شيئا أبدا (3).
    12 ـ أخرج ابن جرير الطبري في تفسيره في رواية لما كان في خلافة عمر نظر عمر في الكلالة فدعا حذيفة فسأله عنها فقال حذيفة : لقد لقانيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقيتكها كما لقاني رسول الله صلى الله عليه وسلم إني لصادق ، ووالله لا أزيدك على ذلك شيئا أبدا ، وكان عمر يقول : أللهم إن كنت بينتها له فإنها لم تبين لي [ تفسير ابن كثير 1 ص 594 ].
    13 ـ عن الشعبي : سئل أبو بكر رضي الله عنه عن الكلالة فقال : إني سأقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان ، أراه ما خلا الولد و الوالد فلما استخلف عمر رضي الله عنه قال : إني لأستحيي الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر (4).
    14 ـ أخرج البيهقي في السنن الكبرى 6 ص 224 عن الشعبي قال : قال عمر رضي الله عنه : الكلالة ما عدا الولد ، قال أبو بكر : الكلالة ما عدا الولد والوالد ، فلما طعن عمر قال : إني لأستحيي أن أخالف أبا بكر ، الكلالة ما عدا الولد والوالد.
    15 ـ في السنن الكبرى 6 ص 224 : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : أتى علي زمان ما أدري ما الكلالة ، وإذا الكلالة من لا أب له ولا ولد.
1 ـ سنن ابن ماجة 2 ص 164 ، تفسير ابن جرير 6 ص 30 ، أحكام القرآن للجصاص 2 105 ، مستدرك الحاكم 2 ص 304 وصححه ، تفسير القرطبي 6 ص 29 ، تفسير ابن كثير 1 ص 595 نقلا عن الحاكم وصححه ، تفسير السيوطي 2 ص 250.
2 ـ المستدرك 2 ص 303 ، تفسير ابن كثير 1 ص 595 ، تفسير السيوطي 2 ص 249.
3 ـ تفسير القرطبي 6 ص 29 ، تفسير ابن كثير 1 ص 594.
4 ـ سنن الدارمي 3 ص 365 ، السنن الكبرى 6 ص 223.


(130)
    16 ـ عن ابن عباس قال : كنت آخر الناس عهدا بعمر رضي الله عنه فسمعته يقول : القول ما قلت. قلت : وما قلت ؟ قال : الكلالة من لا ولد له. ( السنن الكبرى 6 ص 225 ، مستدرك الحاكم 2 ص 304 ).
    قال الأميني : ما أعضلت الكلالة على الخليفة ؟ وما أبهمها وأبهم حكمها عنده ؟ وهي شريعة مطردة سمحة سهلة ، وهل هو حين أكثر السؤال عنها أجاب عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو لم يجب ؟ فإن كان الأول فلم لم يحفظه أو قصر فهمه عن عرفانه وهو أحب إليه من حمر النعم ، أو من الدنيا وما فيها ، أو من أن يكون له مثل قصور الشام ؟ وإن كان الثاني ؟ فحاشا رسول الله أن يأخر البيان عن وقت الحاجة وهو يعلم أنه سوف يتربع على منصة الخلافة فترفع إليه المسائل والخصومات وإن من أكثرها اطرادا مسألة الكلالة ، لكن الحقيقة هي ما نوه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقوله لحفصة : ما أرى أباك يعلمها. أو بقوله : ما أراه يقيمها ، وهو يعرب عن جلية الحال ، ويوقف القارئ على الواقع إن لم يضله الهوى.
    والخطب الفظيع أنه بعد هذه كلها ومع قوله : إنها لم تبين لي لم يتزحزح عن الحكم فيها ، وكان يقضي فيها برأيه ما شاء ذاهلا عن قوله تعالى : ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا (1) وعن قوله تعالى : ولو تقول علينا بعض الأقاويل ، لأخذنا منه باليمين ، ثم لقطعنا منه الوتين ، فما منكم من أحد عنه حاجزين (2) وتراه يتبع أبا بكر وهو يعلم أنه شاكلته وقد سمع منه قوله : إني سأقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان. إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا.
    وقد رأى ابن حجر كثرة الخلاف في الكلالة بأنها : من ليس له الوالد والولد. إنها من سوى الوالد. من سوى الوالد وولد الولد. من سوى الولد. الكلالة الأخوة. الكلالة هي المال. وقيل : الفريضة. وقيل : بنو العم ونحوهم. وقيل : العصبات وإن بعدوا.
1 ـ سورة الاسراء ـ آية 36.
2 ـ سورة الحاقة : آية 44 ـ 47.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس