الغدير ـ الجزء السادس ::: 141 ـ 150
(141)
لو أن اللوم ينسب كان عبدا تركت الدين والاسلام لما وراجعت الصبا وذكرت لهوا قبيح الوجه أعور من ثقيف بدت لك غدوة ذات النصيف من القينات في العمر اللطيف (1)
    ولا يشك ابن أبي الحديد المعتزلي في أن المغيرة زنى بأم جميل وقال : إن الخبر بزناه كان شايعا مشهورا مستفيضا بين الناس (2) غير أنه لم يخطى عمر بن الخطاب في درأ الحد عنه ويدافع عنه بقوله : لأن الإمام يستحب له درأ الحد وإن غلب على ظنه أنه قد وجب الحد عليه.
    عزب على ابن أبي الحديد أن درأ الحد بالشبهات لا يخص بالمغيرة فحسب بل للإمام رعاية حال الشهود أيضا ودرأ الحد عنهم ، فأنى للإمام درأ الحد عمن يقال : إنه كان أزنى الناس في الجاهلية فلما دخل في الاسلام قيده الاسلام وبقيت عنده منه بقية ظهرت في أيام ولايته بالبصرة (3) ؟ أنى له رفع اليد عن مثل الرجل وقد غلب على ظنه وجوب الحد عليه ، وحكمه بالحد على أبرياء ثلاثة يشك في الحد عليهم وفيهم من يعد من عباد الصحابة ؟ وأني يتأتى الاحتياط في درأ الحد عن واحد مثل المغيرة برمي ثلاثة بالكذب والقذف وتشويه سمعتهم في المجتمع الديني وتخذيلهم بإجراء الحد عليهم ؟.
    ثم هلا اجتمعت كلمة الشهود الأربعة على ما شهد به زياد من معاصي المغيرة دون إيلاج المرود في المكحلة ؟ فلماذا لم يعزره على ما اقترفه من الفاحشة ؟ أولم تكن المعاصي تستوجب تعزيرا ؟ أولم يكن من رأي الخليفة جلد صائم أخذ على شراب كما يأتي في نادرة 72.
    أولم يكن من رأيه ضرب خمسين على من وجد مع امرأة في لحافها على فراشها ؟ (4).
    أولم يكن مقررا حكم عبد الله بن مسعود في رجل وجد مع امرأة في لحاف فضرب عبد الله كل واحد منهما أربعين سوطا وأقامهما للناس فذهب أهل المرأة وأهل الرجل
1 ـ الأغاني 14 ص 147. شرح بن أبي الحديد 3 ص 163.
2 ـ شرح نهج البلاغة 3 ص 163.
3 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 3 ص 163 نقلا عن المدايني.
4 ـ أخرجه إمام الشافعية في كتاب الأم 7 ص 170.


(142)
فشكوا ذلك إلى عمر بن الخطاب فقال عمر لابن مسعود : ما يقول هؤلاء ؟ قال : قد فعلت ذلك. قال : أو رأيت ذلك ؟ قال : نعم. فقال : نعم ما رأيت. فقالوا : أتيناه نستأذنه فإذا هو يسأله (1).
    نعم : للقارئ أن يفرق بين ما نحن فيه وبين تلكم المواقف التي حكم فيها بالتعزير بأن الحكم هناك قد دار مدار اللحاف ولم يكن لحاف على المغيرة وأم جميل في فحشائهما : والقول بمثل هذه الخزاية أهون من تلكم الكلم التي توجد في الدفاع عن الخليفة حول هذه القضية ولدتها.
    هذا مغيرة وهذا إلى أمثالها بوائقه ، وكان يعرف بها في إسلامه وقبله ، وقد أتى أمير المؤمنين عليه السلام عند ما تولى الخلافة يظهر بزعمه النصح له بإقرار معاوية في ولايته على الشام ردحا ثم يفعل به ما أراد ، وبما أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن ممن يداهن ويجامل أعداء الله في أمر الدين ولا يؤثر الدهاء على حكم الشريعة ، وكان يرى أن مفاسد إبقاء معاوية على الأمر لا تكافئ مصلحة إغفاله عن المقاومة ، فإنه غير صالح لتولي أمر المسلمين فيومه لدة سنته ، وساعته كمثل عمره في الفساد ، رفض ذلك الرأي المغيري ، ولم يكن بالذي يتخذ المضلين عضدا فبهض ذلك المغيرة فولى عنه منشدا :
نصحت عليا في ابن هند نصيحة وقلت لـه : أوجز عليه بعهده وتعلم أهل الشام أن قد ملكته فتحكم فيه ما تريد فإنه فلم يقبل النصح الذي قد نصحته فردت فلم اسمع لها الدهر ثانية وبالأمر حـتى يستقر معاويه وأن أذنه صارت لأمرك واعيه لداهية فارفق به أي داهيه وكانت له تلك النصيحة كافيه (2)
    وأجاب عنها العلامة الأوردبادي بقوله :
أتيت إمام المسلمين بغدرة وأسمعته إدا مـن القول لم يصخ فلم تلف نفسا منه للغدر صاغيه له إذ رأى منه الخيانة باديه

1 ـ أخرجه الطبراني والهيثمي في مجمع الزوائد 6 ص 270 وقال : رجاله رجال الصحيح.
2 ـ مروج الذهب 2 : 16 ، تاريخ الطبري 5 : 160 ، تاريخ ابن كثير 8 : 128 ، الاستيعاب 1 : 251 ، تاريخ أبي الفدا ج 1 : 172.


(143)
رغبت إليه في ابن هند ولاية أيؤتمن الغاوي على إمرة الـهدى ؟ ويرعى القطيع الذئب والذئب كاسر وهل سمعت أذناك قل لي هنيهة وهل يأمن الأفعى السليم سويعة فيوم ابن هند ليس إلا كدهره وللشر منه والمزنم جروه متى كان للتقوى علوج امية ؟ وللزور والفحشاء منهم زبائن هم أرهجوها فتنة جاهليـة فماذا على حلف التقى وهو لا يرى وشتان في الاسلام هذا وهذه أتنقم منه إن شرعة ( أحمد ) وتحسب أن قد فاته الرأي عنده ولولا التقى ألفيت صنو ( محمد ) عرفناك يا أزنى ثقيف ووغدها وإنك في الاسـلام مثلك قبله أبى الدين إلا أن ترى عنه نائيه تعاد على الدين المعرة ثانيه ويأمن منه في الأويقـة عاديه ؟ 5 بزوبعة هبت فلم تعد سافيه ؟ ومن شدقها قتالة السم جاريه ؟ فصفقتـه كانت من الخير خاليه ووالده شيخ الفجـور زبانيه وللغي منهم كل باغ وباغيه 10 وللجور منهم كل دهياء داهيه إذ انتهزوا للشر أجواء صافيه يـراوغ في أمر الخلافة طاغيه ؟ فدين ( علي ) غـير دنيا معاويه تجذ يمينا لابن سفيان عاديه؟ 15 كأنك قد أبصرت ما عنه خافيه لتدبير أمر الملك أكبر داهيه عليك بـيوميك الشنار سواسيه وأم جميل للخـزاية راويه 19
    وكان المغيرة في مقدم أناس كانوا ينالون من أمير المؤمنين عليه السلام قال ابن الجوزي قدمت الخطباء إلى المغيرة بن شعبة بالكوفة فقام صعصعة بن صوحان فتكلم ، فقال المغيرة : أخرجوه فأقيموه على المصطبة فليلعن عليا. فقال : لعن الله من لعن الله ولعن علي بن أبي طالب ، فأخبره بذلك فقال : أقسم بالله لتقيدنه فخرج فقال : إن هذا يأبى إلا علي بن أبي طالب فالعنوه لعنه الله. فقال المغيرة : أخرجوه أخرج الله نفسه. رسائل الجاحظ ص 92 ، الأذكياء ص 98.
    وأخرج أحمد في مسنده 4 ص 369 عن قطبة بن مالك قال : نال المغيرة بن شعبة من علي فقال زيد بن أرقم : قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن سب الموتى


(144)
فلم تسب عليا وقد مات.
    وأخرج في المسند أيضا ج 1 ص 188 أحاديث نيله من أمير المؤمنين عليه السلام في خطبته واعتراض سعيد بن زيد عليه.
42
كل أفقه من عمر حتى العجائز
    لما رجع عمر بن الخطاب من الشام إلى المدينة إنفرد عن الناس ليعرف أخبارهم فمر بعجوز في خبائها فقصدها فقالت : يا هذا ما فعل عمر ؟ قال : هوذا قد أقبل من الشام قالت : لا جزاه الله عني خيرا ، قال : ويحك ولم ؟ قالت : لأنه والله ما نالني من عطائه منذ ولي إلى يومنا هذا دينار ولا درهم ، فقال : ويحك وما يدري عمر حالك وأنت في هذا الموضع ؟ فقالت : سبحان الله ما ظننت أن أحدا يلي على الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها ، قال : فأقبل عمر وهو يبكي ويقول : واعمراه واخصوماه كل واحد أفقه منك يا عمر. الحديث. وفي لفظ : كل واحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر !.
    الرياض النضرة 2 ص 57 ، الفتوحات الإسلامية 2 ص 408 ، نور الأبصار ص 65.
    قال الأميني : نحن ندرس من هذه القصة إن فكرة إحاطة علم الإمام بالأشياء كلها أو جلها فضلا عن الشرائع والأحكام فكرة بسيطة عامة يشترك في لزومها الرجال والنساء ، فهي غريزة لا تعزب عن أي ابن أنثى وقد فقدها الخليفة واعترف بأن كل واحد أفقه منه.
43
إستشارة الخليفة في متسابين
    أخرج البيهقي في السنن الكبرى 8 ص 252 : إن رجلين استبا في زمن عمر بن الخطاب فقال أحدهما على الآخر : والله ما أرى أبي بزان ولا أمي بزانية. فاستشار عمر الناس في ذلك فقال قائل : مدح أباه وأمه. وقال آخرون. قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذا نرى أن تجلده الحد. فجلده عمر الحد ثمانين.
    وذكره النيسابوري في تفسيره في سورة النور عند قوله تعالى : الذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة.


(145)
    قال الأميني : أنا لا أدري لأي المصيبتين أنحب ؟ أبقصور الخليفة عن حكم المسألة ؟ أم بقصر المعلمين له عن حقيقته ؟ وكل يفوه برأي ضئيل ، والأفظع جري العمل على ما قالوه.
    أما الحد فليس إلا بالقذف البين والنفي البين وهو المستفاد من قوله تعالى : والذين يرمون المحصنات (1) وعلى هذا كان عمل الصحابة والتابعين لهم بإحسان كما قال القاسم بن محمد : ما كنا نرى الجلد إلا في القذف البين والنفي البين (2) وأما قول ـ ليس أبي بزان ـ فنناقش أولا في كونه تعريضا إذ لعله يريد طهارة منبته التي تزعه عن النزول إلى الدنايا من بذاؤة في القول ، أو خسة في الطبع ، أو حزازة في العمل ، فمن الممكن أنه لا يريد إلا هذا فحسب ، وهو الذي فهمه فريق من الصحابة فقالوا : إنه مدح أباه.
    وإن لم يجدوا لما أبدوه أذنا واعية وعلى فرض كونه تعريضا فإنما يوجب الحد إذا كانت دلالته مقطوعا بها ، أو أن يعترف المعرض بأنه لم يقصد إلا القذف ، وإلا فالحدود تدرأ بالشبهات.
    ألا ترى سقوط الحكم عمن عرض بسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يصرح كما في الصحاح.
    وإلى نفي الحد بالتعريض ذهب أبو حنيفة والشافعي وأبو يوسف وزفر ومحمد بن شبرمة والثوري والحسن بن صالح وبين يديهم الحديث المذكور وما رواه الأوزاعي عن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال : كان عمر يضرب الحد في التعريض (3).
    قال أبو بكر الجصاص في ( أحكام القرآن ) 3 ص 330 : ثم لما ثبت أن المراد بقوله : والذين يرمون المحصنات ، هو الرمي بالزنا لم يجز له إيجاب الحد على غيره ، إذ لا سبيل إلى إثبات الحدود من طريق المقاييس ، وإنما طريقها الاتفاق أو التوقيف وذلك معدوم في التعريض ، ومشاورة عمر الصحابة في حكم التعريض دلالة على أنه لم يكن عندهم فيه توقيف وإنه قال اجتهادا ورأيا ، وأيضا فإن التعريض بمنزلة الكناية المحتملة للمعاني وغير جائز إيجاب الحد بالاحتمال لوجهين : أحدهما أن القائل برئ الظهر من الجلد
1 ـ سورة النور آية 4.
2 ـ السنن الكبرى للبيهقي 8 ص 252.
3 ـ السنن الكبرى 8 ص 252.


(146)
فلا نجلده بالشك والمحتمل مشكوك فيه ، ألا ترى أن يزيد بن ركانة لما طلق امرأته البتة استحلفه النبي صلى الله عليه وسلم ( فقال ) : ما أردت إلا واحدة فلم يلزمه الثلاث بالاحتمال ، ولذلك قال الفقهاء في كنايات الطلاق : إنها لا تجعل طلاقا إلا بدلالة.
    والوجه الآخر ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال : إدرؤا الحدود بالشبهات. و أقل أحوال التعريض حين كان محتملا للقذف وغيره أن يكون شبهة في سقوطه.
    وأيضا قد فرق الله تعالى بين التعريض بالنكاح في العدة وبين التصريح فقال : ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله إنكم ستذكرونهن ولكم لا تواعدوهن سرا. يعني نكاحا فجعل التعريض بمنزلة الاضمار في النفس فوجب أن يكون كذلك حكم التعريض بالقذف ، والمعنى الجامع بينهما إن التعريض لما كان فيه احتمال كان في حكم الضمير لوجود الاحتمال فيه. ا ه‍.
    م ـ هذه كلها كانت بمنتأى عن مبلغ الخليفة من العلم ، غير أنه كان يستشير الناس كائنا من كان في كل مشكلة ثم يرى فيه رأيه وافق دين الله أم خالفه ].
44
رأي الخليفة في شجرة الرضوان
    عن نافع قال : كان الناس يأتون الشجرة التي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحتها بيعة الرضوان فيصلون عندها فبلغ ذلك عمر فأوعدهم فيها وأمر بها فقطعت.
    الطبقات الكبرى لابن سعد ص 607 ، سيرة عمر لابن الجوزي 107 ، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 122 ، السيرة الحلبية 3 ص 29 ، فتح الباري لابن حجر 7 ص 361 وقد صححه ، إرشاد الساري 6 ص 337 وحكى تصحيح ابن حجر ، شرح المواهب للزرقاني 2 ص 207 ، الدر المنثور 6 ص 73 ، عمدة القاري 8 ص 284 وقال : إسناد صحيح. م ـ وذكره ابن أبي الحديد في شرحه 1 ص 60 ولفظه :
    كان الناس بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتون الشجرة التي كانت بيعة الرضوان تحتها فيصلون عندها فقال عمر : أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزى ألا لا أوتى منذ اليوم بأحد عاد لمثلها إلا قتلته بالسيف كما يقتل المرتد ثم أمر بها فقطعت ].


(147)
45
رأي الخليفة في آثار الأنبياء
    عن معرور قال : خرجنا مع عمر بن الخطاب رضوان الله عليه في حجة حجها قال : فقرأ بنا في الفجر : ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ولايلاف قريش فلما انصرف فرأى الناس مسجدا فبادروه فقال : ما هذا ؟ قالوا : هذا مسجد صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هكذا هلك أهل الكتاب قبلكم ، اتخذوا آثار أنبيائهم بيعا ، من عرضت له صلاة فليصل ومن لم تعرض له صلاة فليمض (1).
    قال الأميني : ليت شعري ما المانع من تعظيم آثار الأنبياء وفي مقدمهم سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وآله وسلم إذا لم يكن خارجا عن حدود التوحيد كالسجود إلى تماثيلهم واتخاذها قبلة ؟ ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ، ومتى هلكت الأمم باتخاذهم آثار أنبيائهم بيعا ؟ وأي مسجد تكون الصلاة فيه أزلف إلى الله سبحانه من مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؟ وأي مكان أشرف من مكان حل به النبي الأعظم وبويع فيه بيعة الرضوان وحظي المؤمنون فيه برضى الله عنهم ؟ أولا يكسب ذلك كله المحل فضلا يزيد في زلفة المتعبدين بفنائه ؟ وما ذنب الشجرة المسكينة حتى اجتثت أصولها ؟ ولا من ثائر لها أو مدافع عنها.
    أو ليس ذلك توهينا للمحل ولمشرفه ؟ م ـ أيسوغ أدب الدين للخليفة قوله : أراكم أيها الناس رجعتم إلى العزى ؟ والذين كانوا يرون حرمة تكلم الآثار ويعظمونها ويصلون عندها إنما هم حملة علم الدين من الصحابة العدول ، مراجع الخليفة في الأحكام والشرايع ، كان يعول عليهم حيثما أعيته المسائل قائلا : كل الناس أفقه منك يا عمر ).
    هذه أسؤلة جمة عزب عن الخليفة العلم بالجواب عنها ، أو أنها لم تدر في خلده ، أو أنه متأول فيها جمعاء وأنت ترى ...
    ومن الصحابة التي كانت تتبرك بتلك الأماكن وتصلي فيها عبد الله بن عمر ، قال موسى بن عقبة (2) : رأيت سالم بن عبد الله يتحرى أماكن من الطريق فيصلي فيها
1 ـ سيرة عمر لابن الجوزي ص 107 ، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 122 وفيه بدل معرور المغيرة بن سويد ، فتح الباري 1 ص 450.
2 ـ صحيح البخاري كتاب الصلاة باب : المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي صلى الله عليه وسلم.


(148)
ويحدث أن أباه كان يصلي فيها ، وأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في تلك الأمكنة.
    وعن نافع عن ابن عمر أنه كان يصلي في تلك الأمكنة.
    فالمراجع إلى الصحاح والسنن يجد كثيرا من لدة هذه يعلم بها أن رأي الخليفة إنما يخص به ولا يتبع ولم يتبع لن يتبع.
46
الخليفة وقوم من أحبار اليهود
    لما ولي أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه الخلافة أتاه قوم من أحبار اليهود فقالوا : يا عمر أنت ولي الأمر بعد محمد صلى الله عليه وسلم وصاحبه وإنا نريد أن نسألك عن خصال إن أخبرتنا بها علمنا أن الاسلام حق وأن محمدا كان نبيا ، وإن لم تخبرنا به علمنا أن الاسلام باطل وأن محمدا لم يكن نبيا ، فقال : سلوا عما بدا لكم ، قالوا : أخبرنا عن أقفال السموات ما هي ؟ وأخبرنا عن مفاتيح السموات ما هي ؟ وأخبرنا عن قبر سار بصاحبه ما هو ؟ وأخبرنا عمن أنذر قومه لا هو من الجن ولا هو من الإنس ؟ وأخبرنا عن خمسة أشياء مشوا على وجه الأرض ولم يخلقوا في الأرحام ؟ وأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه ؟ وما يقول الديك في صراخه ؟ وما يقول الفرس في صهيله ؟ وما يقول الضفدع في نقيقه ؟ وما يقول الحمار في نهيقه ؟ وما يقول القنبر في صفيره ؟
    قال : فنكس عمر رأسه في الأرض ثم قال : لا عيب بعمر إذا سئل عما لا يعلم أن يقول : لا أعلم ، وأن يسئل عما لا يعلم. فوثبت اليهود وقالوا : نشهد أن محمدا لم يكن نبيا وأن الاسلام باطل ، فوثب سلمان الفارسي وقال لليهود : قفوا قليلا ثم توجه نحو علي بن أبي طالب كرم الله وجهه حتى دخل عليه فقال : يا أبا الحسن ! أغث الاسلام. فقال : وما ذاك ؟ فأخبره الخبر فأقبل يرفل في بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما نظر إليه عمر وثب قائما فاعتنقه وقال : يا أبا الحسن ! أنت لكل معضلة وشدة تدعى فدعا علي كرم الله وجهه اليهود فقال : سلوا عما بدا لكم فإن النبي صلى الله عليه وسلم علمني ألف باب من العلم فتشعب لي من كل باب ألف باب ، فسألوه عنها فقال علي كرم الله وجهه : إن لي عليكم شريطة إذا أخبرتكم كما في توراتكم دخلتم في ديننا وآمنتم. فقالوا : نعم. فقال : سلوا عن خصلة خصلة. قالوا :


(149)
    أخبرنا عن أقفال السموات ما هي ؟ قال. أقفال السموات الشرك بالله لأن العبد والأمة إذا كانا مشركين لم يرتفع لهما عمل. قالوا : فأخبرنا عن مفاتيح السموات ما هي ؟ قال : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله. فجعل بعضهم ينظر إلى بعض ويقولون : صدق الفتى ، قالوا : فأخبرنا عن قبر سار بصاحبه ؟ فقال ذلك الحوت الذي التقم يونس بن متى فسار به في البحار السبع. فقالوا : أخبرنا عمن أنذر قومه لا هو من الجن ولا هو من الإنس ؟ قال : هي نملة سليمان بن داود قالت : يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون. قالوا : فأخبرنا عن خمسة مشوا على الأرض ولم يخلقوا في الأرحام ؟ قال : ذلكم : آدم ، وحواء. وناقة صالح. وكبش إبراهيم. وعصى موسى. قالوا : فأخبرنا ما يقول الدراج في صياحه ؟ قال : يقول : الرحمن على العرش استوى. قالوا : فأخبرنا ما يقول : الديك في صراخه ؟ قال : يقول : اذكروا الله يا غافلين. قالوا : أخبرنا ما يقول الفرس في صهيله ؟ قال : يقول إذا مشى المؤمنون إلى الكافرين إلى الجهاد : اللهم انصر عبادك المؤمنين على الكافرين. قالوا : فأخبرنا ما يقول الحمار في نهيقه ؟ قال : يقول لعن الله العشار وينهق في أعين الشياطين. قالوا : فأخبرنا ما يقول الضفدع في نقيقه ؟ قال : يقول سبحان ربي المعبود المسبح في لجج البحار. قالوا : فأخبرنا ما يقول القنبر في صفيره ؟ قال : يقول : أللهم العن مبغضي محمد وآل محمد.
    وكان اليهود ثلاثة نفر قال اثنان منهم : نشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله. ووثب الحبر الثالث فقال : يا علي لقد وقع في قلوب أصحابي ما وقع من الإيمان و التصديق وقد بقي خصلة واحدة أسألك عنها فقال : سل عما بدا لك ، فقال : أخبرني عن قوم في أول الزمان ماتوا ثلثمائة وتسع سنين ثم أحياهم الله فما كان من قصتهم ؟ قال علي رضي الله عنه : يا يهودي هؤلاء أصحاب وقد أنزل الله على نبينا قرآنا فيه قصتهم وإن شئت قرأت عليك قصتهم ؟ فقال اليهودي : ما أكثر ما قد سمعنا قراءتكم إن كنت عالما فأخبرني بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وأسماء مدينتهم ، واسم ملكهم ، واسم كلبهم ، واسم جبلهم ، واسم كهفهم وقصتهم من أولها إلى آخرها ، فاحتبى علي ببردة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : يا أخا العرب حدثني حبيبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه كان بأرض رومية مدينة يقال لها ( أفسوس ) ويقال هي ( طرسوس ) وكان اسمها في الجاهلية ( أفسوس ) فلما جاء الاسلام


(150)
سموها ( طرطوس ) قال : وكان لهم ملك صالح فمات ملكهم وانتشر أمرهم فسمع به ملك من ملوك فارس يقال له : دقيانوس. وكان جبارا كافرا فأقبل في عساكر حتى دخل أفسوس فاتخذها دار ملكه وبنى فيها قصرا.
    فوثب اليهودي وقال : إن كنت عالما فصف لي ذلك القصر ومجالسه. فقال : يا أخا اليهودي ابتنى فيها قصرا من الرخام طوله فرسخ وعرضه فرسخ واتخذ فيه أربعة آلاف اسطوانة من الذهب وألف قنديل من الذهب لها سلاسل من اللجين تسرج في كل ليلة بالأدهان الطيبة واتخذ لشرقي المجلس مائة وثمانين قوة ، ولغربيه كذلك ، و كانت الشمس من حين تطلع إلى حين تغيب تدور في المجلس كيفما دارت ، واتخذ فيه سريرا من الذهب طوله ثمانون ذراعا في عرض أربعين ذراعا مرصعا بالجواهر ، ونصب على يمين السرير ثمانين كرسيا من الذهب فأجلس عليها بطارقته ، واتخذ أيضا ثمانين كرسيا من الذهب عن يساره فأجلس عليها هراقلته ، ثم جلس هو على السرير ووضع التاج على رأسه. فوثب اليهودي وقال : يا علي إن كنت عالما فأخبرني مم كان تاجه ؟ قال : يا أخا اليهود كان تاجه من الذهب السبيك له تسعة أركان على كل ركن لؤلؤة تضئ كما يضئ المصباح في الليلة الظلماء ، واتخذ خمسين غلاما من أبناء البطارقة فمنطقهم بمناطق الديباج الأحمر ، وسرولهم بسراويل القز الأخضر ، وتوجهم ودملجهم وخلخلهم وأعطاهم عمد الذهب وأقامهم على رأسه ، واصطنع ستة غلمان من أولاد العلماء وجعلهم وزرائه ، فما يقطع أمرا دونهم وأقام منهم ثلاثة عن يمينه ، وثلاثة عن شماله.
    فوثب اليهودي وقال : يا علي إن كنت صادقا فأخبرني ما كانت أسماء الستة ؟ فقال علي كرم الله وجهه : حدثني حبيبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم إن الذين كانوا عن يمينه أسمائهم : ( تمليخا ، ومكسلمينا ، ومحسلمينا ) وأما الذين كانوا عن يساره ( فمرطليوس ، وكشطوس ، و سادنيوس ) ، وكان يستشيرهم في جميع أموره ، وكان إذا جلس كل يوم في صحن داره واجتمع الناس عنده دخل من باب الدار ثلاثة غلمة في يد أحدهم جام من الذهب مملوء من المسك ، وفي يد الثاني جام من فضة مملوء من ماء الورد ، وعلى يد الثالث طائر فيصيح به فيطير الطائر حتى يقع في جام ماء الورد فيتمرغ فيه فينشف ما فيه بريشه وجناحيه ، ثم يصيح به الثاني فيطير فيقع في جام المسك فيتمرغ فيه فينشف ما فيه بريشه وجناحيه ، فيصيح
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس