الغدير ـ الجزء السادس ::: 161 ـ 170
(161)
النبي صلى الله عليه وسلم : دعها يا عمر ، فإن العين دامعة ، والنفس مصابة ، والعهد قريب (1) وعن عمرو بن الأزرق قال : توفي بعض كنائن مروان فشهدها الناس وشهدهم أبو هريرة ومعها نساء يبكين فأمرهن مروان بالسكوت ، فقال أبو هريرة دعهن فإنه مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم جنازة معها بواك فنهرهن عمر رحمه الله فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعهن يا بن الخطاب فإن النفس مصابة ، والعين دامعة ، والعهد حديث. مسند أحمد 3 ص 333.
    وقال أبو هريرة : أبصر عمر امرأة تبكي على قبر فزبرها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعها يا أبا حفص فإن العين باكية ، والنفس مصابة ، والعهد قريب (2).
    وينبأنا التاريخ عن أن الخليفة لم تجده تلكم النصوص وبقي على اجتهاده والسوط بيده يردع به ويزجر مستندا إلى ما اختلقته يد الإفك على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مما يخالف العقل والعدل والطبيعة من أنه قال : إن الميت يعذب ببكاء الحي.
    قال سعيد بن المسيب : لما مات أبو بكر بكي عليه فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الميت يعذب ببكاء الحي.
    فأبوا إلا أن يبكون ، فقال عمر لهشام بن الوليد : قم فأخرج النساء.
    فقالت عائشة : أخرجك.
    فقال عمر : أدخل ، فقد أذنت لك.
    فدخل فقالت عائشة : أمخرجي أنت يا بني ؟ فقال : أما لك فقد أذنت لك.
    فجعل يضربهن امرأة.
    امرأة ، وهو يضربن بالدرة حتى خرجت أم فروة وفرق بينهن (3).
    وقال ابن أبي الحديد في شرح النهج 1 ص 60 : إن أول من ضرب عمر بالدرة (4) أم فروة بنت أبي قحافة ـ حين مات أبو بكر ـ كيف صفحت عائشة عن قول النبي ـ إن صح به النبأ ـ ولم تقبله من الخليفة ؟ و لماذا سمح الخليفة عائشة بإذن البكاء على أبيها دون غيرها ورفع اليد عن تعميم ذلك الحكم البات ؟ ولماذا أبت الصحابة إلا أن يبكوا على أبي بكر بعد نهي الخليفة ؟ و لماذا رضوا بأن يعذب فقيدهم ببكاءهم ؟ ولماذا حكمت الدرة في النساء امرأة امرأة
1 ـ سنن ابن ماجة 1 ص 481.
2 ـ أخرجه الطبري في تهذيبه كما في كنز العمال 8 ص 117.
3 ـ أخرجه ابن راهويه وصححه السيوطي راجع كنز العمال 8 ص 119. وذكره ابن حجر في الإصابة 3 ص 606.
4 ـ يعني أيام خلافته وكم ضرب قبلها بالدرة من أناس. وأما بعدها فحدث عنه ولا حرج.


(162)
بالضرب وعفت عن الرجال ؟ إن هي إلا مشكلات غير أنها لا تخفى على الباحث النابه.
    ومن مواقف تلك الدرة القاضية على الباكيات ما أخرجه الحافظ عبد الرزاق عن عمرو بن دينار قال : لما مات خالد بن الوليد اجتمع في بيت ميمونة نساء يبكين فجاء عمر ..
    فكان يضربهن بالدرة فسقط خمار امرأة منهن فقالوا : يا أمير المؤمنين خمارها.
    فقال : دعوها فلا حرمة لها.
    وكان يعجب من قوله : لا حرمة لها (1).
    ونحن أيضا نتعجب من قوله : لا حرمة لها.
    وسيرة الخليفة حقا جلها معجبات قولا وفعلا لو لم يكن كلها.
    وأما حديث عمر : إن الميت يعذب ببكاء الحي.
    فقد كذبته عائشة فيما أخرجه الحاكم في المستدرك 1 ص 381 وقال : إتفق الشيخان على إخراج حديث أيوب السختياني عن عبد الله بن أبي مليكة مناظرة عبد الله بن عمر وعبد الله بن العباس في البكاء على الميت ورجوعهما فيه إلى أم المؤمنين عائشة وقولها : والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الميت يعذب ببكاء أحد.
    ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الكافر يزيده عند الله بكاء أهله عذابا شديدا ، وإن الله هو أضحك وأبكى ، ولا تزر وازرة وزر أخرى.
    صورة مفصلة
    قال عبد الله بن أبي مليكة : توفيت ابنة ـ هي أم أبان ـ لعثمان رضي الله عنه بمكة وجئنا لنشهدها قال وحضرها ابن عمر وابن عباس وإني لجالس بينهما فقال عبد الله بن عمر لعمرو بن عثمان : ألا تنهي النساء عن البكاء (2) فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه.
    فقال ابن عباس : قد كان عمر رضي الله عنه يقول بعض ذلك ثم حدث قال : صدرت مع عمر من مكة حتى كنا بالبيداء إذا هو يركب تحت ظل سمرة فقال : إذهب وانظر إلى هؤلاء الركب ، قال : فنظرت فإذا هو صهيب فأخبرته قال : ادعه لي.
    فرجعت إلى صهيب فقلت : ارتحل فألحق أمير المؤمنين فلما أصيب عمر دخل صهيب رضي الله عنهما يبكي يقول : وا أخاه وا صاحباه فقال : عمر رضي الله عنه يا صهيب ! تبكي
1 ـ كنز العمال 8 ص 118.
2 ـ كان عبد الله على سيرة أبيه في المسألة. وقد كان نهى رسول الله صلى الله عليه وآله أباه عن رأيه بمرأى منه ومشهد. فضرب عن تلكم النصوص النبوية صفحا وسلك مسلك أبيه ، ومن يشابه أبه فما ظلم.


(163)
علي وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الميت ليعذب ببعض بكاء أهله عليه.
    قال ابن عباس : فلما مات عمر رضي الله عنه ذكرت ذلك لعائشة رضي الله عنها فقالت : رحم الله عمر والله ما حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يعذب المؤمن ببكاء أهله عليه.
    ولكن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يزيد الكافر عذابا ببكاء أهله عليه.
    قال : وقالت عائشة : حسبكم القرآن ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) قال.
    وقال ابن عباس عند ذلك : والله أضحك وأبكى.
    قال ابن أبي مليكة : فوالله ما قال ابن عمر شيئا (1).
    وعن عمرة : إنها سمعت عائشة رضي الله عنها وذكر لها أن عبد الله بن عمر يقول : إن الميت ليعذب ببكاء الحي.
    فقالت عائشة رضي الله عنها : أما إنه لم يكذب ولكنه أخطأ أو نسي ، إنما مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على يهودية وهي يبكي عليها أهلها فقال : إنهم ليبكون عليها وإنها لتعذب في قبرها (2).
    وفي لفظ مسلم : رحم الله أبا عبد الرحمن سمع شيئا فلم يحفظ.
    في لفظ أبي عمر : وهم أبو عبد الرحمن أو أخطأ أو نسي.
    وعن عروة عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه فذكر ذلك لعائشة فقالت وهي تعني ابن عمر : إنما مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبر يهودي فقال : إن صاحب هذا ليعذب وأهله يبكون عليه ثم قرأت : ولا تزر وازرة وزر أخرى (3).
    وعن القاسم بن محمد قال : لما بلغ عائشة رضي الله عنها قول عمر وابن عمر قالت : إنكم لتحدثون عن غير كاذبين ولا مكذوبين ولكن السمع يخطي (4).
    وقال الشافعي في اختلاف الحديث (5) : وما روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشبه
1 ـ اختلاف الحديث للشافعي في هامش كتابه الأم 7 ص 266 ، صحيح البخاري في أبواب الجنائز ، صحيح مسلم 1 ص 342 ، 343 ، مسند أحمد 1 ص 41 ، سنن النسائي 4 ص 18 ، سنن البيهقي 4 ص 73 ، مختصر المزني هامش كتاب الأم 1 ص 187.
2 ـ صحيح البخاري أبواب الجنائز ، اختلاف الحديث للشافعي 7 ص 266 ، الموطأ لمالك 1 ص 96 ، صحيح مسلم 1 ص 344 ، سنن النسائي 4 ص 17 ، سنن البيهقي 4 ص 72.
3 ـ سنن أبي داود 2 ص 59 ، سنن النسائي 4 ص 17.
4 ـ صحيح مسلم 1 ص 343 ، مسند أحمد 1 ص 42 ، السنن الكبرى 4 ص 73.
5 ـ طبع في هامش كتابه الأم 7 ص 267.


(164)
أن يكون محفوظا عنه صلى الله عليه وسلم بدلالة الكتاب ثم السنة.
    فإن قيل : فأين دلالة الكتاب قيل : في قوله عز وجل : ولا تزر وازرة وزر أخرى.
    وأن ليس للانسان إلا ما سعى.
    وقوله : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.
    وقوله : لتجزى كل نفس بما تسعى.
    وعمرة أحفظ عن عائشة من ابن أبي مليكة ، وحديثها أشبه الحديثين أن يكون محفوظا ، فإن كان الحديث على غير ما روى ابن أبي مليكة من قول النبي : إنهم ليبكون عليها وأنها لتعذب في قبرها.
    فهو واضح لا يحتاج إلى تفسير لأنها تعذب بالكفر وهؤلاء يبكون ولا يدرون ما هي فيه ، وإن كان الحديث كما رواه ابن أبي مليكة فهو صحيح لأن على الكافر عذابا أعلى فإن عذب بدونه فزيد في عذابه فبما استوجب ، وما ينل من كافر من عذاب أدنى من أعلى منه وما زيد عليه من العذاب فباستيجابه لا بذنب غيره في بكائه عليه.
    فإن قيل : يزيده عذابا ببكاء أهله عليه ؟ قيل : يزيده بما استوجب بعمله ويكون بكاؤهم سببا لا أنه يعذب ببكائهم.
    فإن قيل : أين دلالة السنة ؟ قيل : قال رسول الله لرجل : ابنك هذا ؟ قال نعم قال : أما إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه.
    فأعلم رسول الله مثل ما أعلم الله من أن جناية كل امرئ عليه كما عمله له لا لغيره ولا عليه.
    م ـ ويكذب الخليفة بكائه على النعمان بن مقرن لما جاءه نعيمه فخرج ونعاه إلى الناس على المنبر ووضع يده على رأسه يبكي (1) ويكذبه وقوفه على قبر شيخ واعتناقه إياه وبكائه عليه (2) وكم وكم له من مواقف لدة ما ذكر ).
    وقبل هذه كلها بكاء النبي الأقدس والصحابة والتابعين لهم بإحسان على موتاهم فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي على ولده العزيز ـ إبراهيم ـ ويقول : العين تدمع ، والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون (3).
    وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم يبكي على ابنه طاهر ويقول : إن العين تذرف ، وإن الدمع
1 ـ الاستيعاب في ترجمة النعمان 1 ص 297.
2 ـ راجع مآمر في الجزء الخامس ص 155.
3 ـ سنن أبي داود 3 ص 58 ، سنن ابن ماجة 1 ص 482.


(165)
يغلب ، وإن القلب يحزن ، ولا نعصي الله عز وجل (1).
    وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم لما أصيب حمزة رضي الله عنه وجاءت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها تطلبه فحالت بينها وبينه الأنصار فقال صلى الله عليه وآله وسلم : دعوها فجلست عنده فجعلت إذا بكت بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإذا نشجت نشج ، وكانت فاطمة عليها السلام تبكي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلما بكت يبكي وقال : لن أصاب بمثلك أبدا (2).
    ولما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحد بكت نساء الأنصار على شهدائهم فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : لكن حمزة لا بواكي له فرجعت الأنصار فقلن لنسائهم : لا تبكين أحدا حتى تبدأن بحمزة قال : فذاك فيهم إلى اليوم لا يبكين ميتا إلا بدأن بحمزة (3).
    وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم ينعي جعفرا وزيد بن حارثة وعبد الله بن رواحة وعيناه تذرفان (4).
    وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم زار قبر أمه وبكا عليها وأبكى من حوله (5) وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت ودموعه تسيل على خده (6) وهذا هو صلى الله عليه وآله وسلم يبكي على ابن لبعض بناته فقال له عبادة بن الصامت : ما هذا يا رسول الله ؟ قال : الرحمة التي جعلها الله في بني آدم وإنما يرحم الله من عباده الرحماء (7) وهذه الصديقة الطاهرة تبكي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقول : يا أبتاه من ربه ما أدناه ، يا أبتاه أجاب ربا دعاه ، يا أبتاه إلى جبريل ننعاه ، يا أبتاه جنة الفردوس مأواه (8) وهذه هي سلام الله عليها وقفت على قبر أبيها الطاهر وأخذت قبضة من تراب القبر فوضعتها على عينها وبكت وأنشأت تقول :
ماذا على من شم تربة أحمد صبت علي مصائب لو أنها أن لا يشم مدى الزمان غواليا ؟ صبت على الأيام صرن لياليا (9)

1 ـ مجمع الزوائد 3 ص 18
2 ـ إمتاع المقريزي ص 154.
3 ـ مجمع الزوائد 6 ص 120.
4 ـ صحيح البخاري كتاب المناقب في علامات النبوة في الاسلام ، سنن البيهقي 4 ص 70.
5 ـ سنن البيهقي 4 ص 70 ، تاريخ الخطيب البغدادي 7 ص 289.
6 ـ سنن أبي داود 2 ص 63 ، سنن ابن ماجة 1 ص 445.
7 ـ سنن أبي داود 2 ص 58 ، سنن ابن ماجة 1 ص 481.
8 ـ صحيح البخاري باب : مرض النبي ووفاته ، مسند أبي داود 2 ص 197 ، سنن النسائي 4 ص 13 ، مستدرك الحاكم 3 ص 163 ، تاريخ الخطيب 6 ص 262.
9 ـ راجع الجزء الخامس من كتابنا هذا ص 147.


(166)
    وهذا أبو بكر بن أبي قحافة يبكي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويرثيه بقوله :
يا عين فابكي ولا تسأمي وحق البكاء على السيد
    وهذا حسان بن ثابت يبكيه صلى الله عليه وآله وسلم ويقول :
ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت عيون ومثلاها من الجفن أسعد
    ويقول :
يبكون من تبكي السماوات يومه ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد
    ويقول :
يا عين جودي بدمع منك إسبال ولا تملن من سح وإعوال
    وهذا أروى بنت عبد المطلب تبكي عليه صلى الله عليه وآله وسلم وترثيه بقولها :
ألا يا عين ! ويحك أسعديني ألا يا عين ! ويحك واستهلي بدمعك ما بقيت وطاوعيني على نور البلاد وأسعديني
    وهذه عاتكة بنت عبد المطلب ترثيه وتقول :
عيني جودا طوال الدهر وانهمرا يا عين فاسحنفري بالدمع واحتفلي يا عين فانهملي بالدمع واجتهدي سكبا وسحا بدمـع غير تعذير حتى الممات بسجل غير منذور للمصطفى دون خلق الله بالنور
    وهذه صفية بنت عبد المطلب تبكي عليه وترثيه صلى الله عليه وآله وسلم وتقول :
أفاطم بكـّي ولا تسـأمي هو المرء يبكى وحق البكاء بصحبك ما طلع الكوكب هو الماجد السيد الطيب
    وتقول :
أعيني ! جودا بدمع سجم أعيني ! فاسحنفرا وأسكبا يبادر غربا بما منهدم بوجد وحزن شديد الألم
    وهذه هند بنت الحارث بن عبد المطلب تبكي عليه وترثيه وتقول :
يا عين جودي بدمع منك وابتدري كما تنزل ماء الغيث فانثعبا
    وهذه هند بنت أثاثة ترثيه وتقول :
ألا يا عين ! بكي لا تملي فقد بكر النعي بمن هويت


(167)
    وهذه عاتكة بنت زيد ترثيه وتقول :
وأمست مراكبه أوحشت وأمست تبكي على سيد وقد كان يركبها زينها تردد عبرتها عينها
    وهذه أم أيمن ترثيه صلى الله عليه وآله وسلم وتقول :
عين جودي فإن بـذلك للدم بدموع غزيرة منك حتى ع شفاء فاكثري من بكاء يقضي الله فيك خير القضاء (1)
    م ـ وهذه عمة جابر بن عبد الله جاءت يوم أحد تبكي على أخيها عبد الله بن عمر وقال جابر : فجعلت أبكي وجعل القوم ينهوني ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينهاني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكوه أو لا تبكوه فوالله ما زالت الملائكة تظلله بأجنحتها حتى دفنتموه.
    الاستيعاب في ترجمة عبد الله ج 1 ص 368 ) هذه سنة النبي الأعظم المتبعة بين الصحابة يعارضها حديث الخليفة : إن الميت يعذب ببكاء الحي. فالقول به يخص به وبابنه عبد الله. فالحق أحق أن يتبع.
52
إجتهاد الخليفة في الأضحية
    عن حذيفة بن أسيد قال : رأيت أبا بكر وعمر رضي الله عنهما وما يضحيان عن أهلهما خشية ـ مخافة ـ أن يستن بهما فحملني أهلي على الجفاء بعد أن علمت السنة حتى إني لأضحي عن كل.
    أخرجه البيهقي في السنن الكبرى 9 ص 265 ، والطبراني في الكبير ، والهيثمي في المجمع 4 ص 18 من طريق الطبراني وقال : رجاله رجال الصحيح ، وذكره السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 3 ص 45 نقلا عن ابن أبي الدنيا في الأضاحي ، والحاكم في الكنى ، وأبي بكر عبد الله بن محمد النيسابوري في الزيادات ثم قال : قال ابن كثير : إسناده صحيح.
    وقال الشافعي في كتاب ( الأم ) 2 ص 189 : قد بلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يضحيان كراهية أن يقتدى بهما فيظن من رآهما إنها واجبة.
1 ـ راجع طبقات ابن سعد ص 839 ـ 855 ، سيرة ابن هشام 4 ص 346.

(168)
    وفي مختصر المزني هامش كتاب ( الأم ) 5 ص 210 : قال الشافعي : بلغنا أن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا لا يضحيان كراهية أن يرى إنها واجبة.
    وعن الشعبي : أن أبا بكر وعمر شهدا الموسم فلم يضحيا.
    كنز العمال 3 ص 45.
    قال الأميني : هل وقف الرجلان على شئ من الحكمة لم يقف عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضحى وأمر بها وحض عليها وأكد وتركها سنة متبعة ؟ وخفي عليه ما عرفاه من اتخاذ الأمة ذلك من الطقوس الواجبة ؟ أو أن الرجلين كانا أشفق على الأمة منه صلى الله عليه وآله وسلم فأحبا أن لا يبهضاها بنفقة الأضاحي ؟ أو أنهما خشيا أن يكون ذلك بدعة في الدين بظن الوجوب ؟ لكنه حجة داحضة لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين فعل وأمر كان ذلك مشفوعا ببيان عدم وجوبه ، وعرفت ذلك منه الصحابة ، وعلى هذا كان عملهم وتلقاه منهم التابعون وهلم جرا إلى يومنا الحاضر ، ولو كان ما حسباه مطردا لزم ترك المستحبات كلها ، ثم إن احتمال مزعمة الوجوب كان أولى أن ينشأ من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقوله ، فإن السنة سنته ، والدين ما صدع به ، لكنه لم ينشأ لما شفعه من البيان ، فهلا فعلا كما فعل وهما خليفتاه ؟
    م ـ والعجب العجاب أن الخليفة الثاني هاهنا ينقض السنة الثابتة للصادع الكريم خشية ظن الأمة الوجوب ، ويسن لها ما لا أصل له في الدين كزكاة الخيل وصلاة التراويح ، إلى أحداث أخرى كثيرة ، وهو في ذلك كله لا يخشى ولا يكترث ولا يبالي ).
53
الخليفة في إرث الزوجة من الدية
    عن سعيد بن المسيب إن عمر الخطاب رضي الله عنه كان يقول : الدية للعاقلة ولا ترث المرأة من دية زوجها شيئا حتى أخبره الضحاك بن سفيان إن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من ديته فرجع إليه عمر رضي الله عنه.
    وفي لفظ آخر : إن عمر بن الخطاب قال : ما أرى الدية إلا للعصبة لأنهم يعقلون عنه فهل سمع أحد منكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئا ، فقال الضحاك الكلابي وكان استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأعراب : كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أورث امرأة أشيم الضبابي من


(169)
دية زوجها.
    فأخذ بذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (1).
    قال الأميني : كأن الخليفة كان غافلا عن إحدى ثلاث أو عنها جمعاء :
    1 ـ الآية الكريمة من القرآن وهي قوله تعالى : فدية مسلمة إلى أهله (2) و الزوجة من الأهل بنص قوله تعالى : لننجينه وأهله إلا امرأته. سورة العنكبوت 32. وقوله تعالى : إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك. سورة العنكبوت 33. وقوله تعالى : فأنجيناه وأهله إلا امرأته (3) والاستثناء في المقامات يدل على دخولها فيما خرجت منه به ، وعرف الجميع أن الاستثناء متصل لا محالة كما نص عليه ابن حجر في فتح الباري.
    وقوله تعالى : عن زليخا زوجة عزيز مصر : ما جزاء من أراد بأهلك سوءا (4) وقوله تعالى : إذ قال موسى لأهله إني آنست نارا. سورة النمل 7. وقوله تعالى : فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا. القصص 29.
    وقوله تعالى عن النبي موسى عليه السلام : فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا (5). وما كانت معه عليه السلام إلا زوجته وهي حامل أو أنها ولدت قبيل ذلك.
    2 ـ ألسنة النبوية وهي ما كتبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عامله على الأعراب الضحاك بن سفيان (6).
    3 ـ لغة العرب وأعظم ما يستفاد منه استقراءها على إطلاق الأهل على الزوجة الآيات الكريمة المذكورة ثم ما مر من مكاتبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما جاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم من أنه أعطى الآهل حظين والأعزب حظا ، وقال صفوان بن عمرو : أعطاني ـ رسول
1 ـ كتاب الأم للشافعي 6 ص 77 ، كتاب الرسالة له ص 113 ، اختلاف الحديث له هامش كتاب الأم 7 : 20 ، سنن أبي داود 2 ص 22 ، مسند أحمد 3 ص 452 ، صحيح الترمذي 1 ص 265 وصححه ، سنن ابن ماجة 2 ص 142 ، سنن البيهقي 8 ص 134 ، تيسير الوصول 4 ص 8 ، تاريخ الخطيب 8 ص 343.
2 ـ سورة النساء. آية 90.
3 ـ سورة النمل. آية 57.
4 ـ سورة يوسف. آية 25.
5 ـ سورة طه. آية 11.
6 ـ توجد مصافا على ما ذكر من المصادر في كثير من جوامع الحديث وكتب الفقه.


(170)
الله ـ حظين وكان لي أهل ثم دعى عمار فأعطى له حظا واحدا (1).
    ويرى محمد بن الحسن فيمن أوصى لأهل فلان : إن القياس يستدعي حصر الوصية إلى زوجاته لكنه ترك القياس وعممها إلى كل من كان في عياله (2) وقال أبو بكر : الأهل إسم يقع على الزوجة وعلى جميع من يشتمل عليه منزله قال الله تعالى : إنا منجوك وأهلك إلا امرأتك (3) وفي معاجم اللغة : الآهل الذي له زوجة.
    وعيال ، وسار بأهله أي بزوجته و أولاده ، وأهل الرجل وتأهل : تزوج ، والتأهل : التزوج ، وفي الدعاء : آهلك الله في الجنة إيهالا.
    أي زوجك فيها (4) ولئن راجعت معاجم اللغة تزدد وثوقا بذلك.
    إذا عرفت هذا فلا يذهب عليك أن إطلاق الأهل على الزوجة بقرينة إضافته إلى الرجل لا ينافي وجود معان أخرى له يستعمل فيها بقرائن معينة أو صارفة ، فأهل الرجل عشيرته وذوو قرباه ومنه قوله تعالى : فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها ، وأهل الأمر ولاته ، وأهل البيت سكانه ، وأهل المذهب من يدين به ومنه قوله تعالى في قصة نوح : إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم.
    ( الأنبياء 76 ) زبدة المخض : أن موضوع الأهل كلما له صلة من إحدى النواحي بالمضاف إليه ، فتعين المراد القرائن المحتفة به كما في آية التطهير ، فالمراد بها محمد وعلي وفاطمة و الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين ، وقد اجتمعوا تحت الكساء فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ربه بمنحة القداسة لهم وسماهم أهل بيته فنزل قوله تعالى : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا.
    حتى أن أم سلمة استأذنته في أن تدخل معهم فأذن لها بعد نزول الآية ، واستحفته صلى الله عليه وآله وسلم عن دخولها في مفاد الآية الكريمة فقال : إنك على الخير.
    إيعازا إلى قصر هذه المنحة عليهم ، وتفصيل هذه الجملة مذكور في الصحاح والمسانيد.
1 ـ سنن أبي داود 2 ص 25 ، سنن البيهقي 6 ص 346 ، تيسير الوصول 1 ص 253 النهاية 4 ص 64.
2 ـ أحكام القرآن للجصاص 2 ص 277.
3 ـ أحكام القرآن للجصاص 2 ص 277.
4 ـ نهاية ابن الأثير 1 ص 64 ، قاموس اللغة 3 ص 331 ، لسان العرب 13 ص 31 ، تاج العروس 7 ص 217.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس