الغدير ـ الجزء السادس ::: 181 ـ 190
(181)
صلى الله عليه وآله وسلم : لا طلاق لمن لا يملك (1).
    قال سماك بن الفضل : إنما النكاح عقدة تعقد والطلاق يحلها ، وكيف تحل عقدة قبل أن تعقد (2). ا ه‍.
    م ـ وروى أبو يوسف القاضي عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن ابن مسعود رضي الله عنه إنه قال : طلاق السنة أن يطلق الرجل امرأته واحدة حين تطهر من حيضتها من غير أن يجامعها ، وهو يملك الرجعة حتى تنقضي العدة ، فإذا انقضت فهو خاطب من الخطاب ، فإن أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها حين تطهر من حيضتها الثانية ، ثم يطلقها حين تطهر من حيضتها الثالثة. كتاب الآثار ص 129 ومراده كما يأتي تخلل الرجوع بعد كل طلقة ).
    وقال الجصاص في أحكام القرآن 1 ص 447 : والدليل على أن المقصد في قوله : الطلاق مرتان ـ الأمر بتفريق الطلاق وبيان حكم ما يتعلق بإيقاع ما دون الثلاث من الرجعة أنه قال : الطلاق مرتان.
    وذلك يقتضي التفريق لا محالة ، لأنه لو طلق اثنتين معالما جاز أن يقال طلقها مرتين ، وكذلك لو دفع رجل إلى آخر درهمين لم يجز أن يقال : أعطاه مرتين حتى يفرق الدفع فحينئذ يطلق عليه ، وإذا كان هذا هكذا فلو كان الحكم المقصود باللفظ هو ما تعلق بالتطليقتين من بقاء الرجعة لأدى ذلك إلى إسقاط فائدة ذكر المرتين إذا كان هذا الحكم ثابتا في المرة الواحدة إذا طلق اثنتين ، فثبت بذلك إن ذكر المرتين إنما هو أمر بإيقاعه مرتين ، ونهي عن الجمع بينهما في مرة واحدة ، ومن جهة أخرى إنه لو كان اللفظ محتملا للأمرين لكان الواجب حمله على إثبات الحكم في إيجاب الفائدتين وهو الأمر بتفريق الطلاق متى أراد أن يطلق اثنتين ، وبيان حكم الرجعة إذا طلق كذلك ، فيكون اللفظ مستوعبا للمعنيين. ا ه‍.
    هذا ما نطق به القرآن الكريم وليس الرأي تجاه كتاب الله إلا تلاعبا به كما نص عليه رسول الله صلى الله عليه وآله في صحيحة أخرجها النسائي في السنن (3) عن محمود بن لبيد قال : أخبر رسول
1 ـ سنن الدارمي 2 ص 161 ، سنن أبي داود 1 ص 342 ، سنن ابن ماجة 1 ص 631 ، السنن الكبرى 7 ص 318 ـ 321 ، مستدرك الحاكم 2 ص 24 ، مشكل الآثار للطحاوي 7 ص 280.
2 ـ سنن البيهقي 7 ص 321.
3 ـ ج 6 ص 142 ، وذكر في تيسير الوصول 3 ص 160 ، تفسير ابن كثير 1 ص 277 ، إرشاد الساري 8 ص 128 ، الدر المنثور 1 ص 283.


(182)
الله صلى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبانا ثم قال : أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ؟ حتى قام رجل وقال : يا رسول الله ألا أقتله ؟ م ـ وروى ابن إسحاق في لفظ عن عكرمة عن ابن عباس قال : طلق ركانة زوجه ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف طلقتها ؟ قال : طلقتها ثلاثا في مجلس واحد.
    قال : إنما تلك طلقة واحدة فارتجعها ( بداية المجتهد 2 ص 61 ) ].
    ولبعض أعلام القوم في المسألة كلمات في المسألة كلمات تشدق بها ، وأعجب ما رأيت فيها كلمة العيني قال في عمدة القاري 9 ص 537 : إن الطلاق الوارد في الكتاب منسوخ ، فإن قلت ؟ ما وجه هذا النسخ وعمر رضي الله عنه لا ينسخ ؟ وكيف يكون النسخ بعد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : لما خاطب عمر الصحابة بذلك فلم يقع إنكار صار إجماعا والنسخ بالاجماع جوزه بعض مشايخنا بطريق أن الإجماع موجب علم اليقين كالنص فيجوز النسخ به ، والاجماع في كونه حجة أقوى من الخبر المشهور ، فإن قلت : هذا إجماع على النسخ من تلقاء أنفسهم فلا يجوز ذلك في حقهم.
    قلت : يحتمل أن يكون ظهر لم نص أوجب النسخ ولم ينقل إلينا ذلك. ا ه‍.
    لم تسمع الآذان نبأ هذا النسخ في القرون السالفة إلى أن جاد الدهر بالعيني فجاء يدعي ما لم يقل به أحد ، ويخبط خبط عشواء ، ويلعب بكتاب الله ، ولا يرى له ولا لسنة الله قيمة ولا كرامة أنى للرجل إثبات حكمه البات بإجماع الصحابة على ما أحدثه الخليفة لما خاطبهم بذلك ؟ وكيف يسوغ عزو رفض محكم الكتاب والسنة إليهم برأي رئاه النبي الأقدس لعبا بالكتاب العزيز كما مر عن صحيح النسائي قبيل هذا ، وقد كانوا على حكمها غير إنه لا رأي لمن لا يطاع. هذا ودرة الخليفة تهتز على رؤسهم.
    ثم إن كان نسخ بالاجماع فيكف ذهب أبو حنيفة ومالك والأوزاعي والليث إلى أن الجمع بين الثلاث طلاق بدعة.
    وقال الشافعي وأحمد وأبو ثور ليس بحرام لكن


(183)
الأولى التفريق. وقال السندي : ظاهر الحديث التحريم ؟ (1).
    م وكيف أجمعت الأمة على النقيضين في يوميها وهي لن تجتمع على الخطاء ؟ هذا إجماع العيني المزعوم يوم بدو رأي الخليفة في الطلاق ، وهذا إجماع صاحب عون المعبود قبله قال : وقد أجمع الصحابة إلى السنة الثانية من خلافة عمر على إن الثلاث بلفظ واحد واحدة ، ولم ينقض هذا الإجماع بخلافه ، بل لا يزال في الأمة من يفتي به قرنا بعد قون إلى يومنا هذا. ه‍. تيسير الوصول 3 ص 162 ).
    هب أن الأمة جمعاء قديما وحديثا أجمعت على خلاف ما نطق به محكم القرآن ونقضت ما هتف به المشرع الأقدس ، فهل لنا مسوغ لرفع اليد عنهما والأخذ بقول أمة غير معصومة ، والنسخ بالخبر المشهور بعد الغض عما فيه من الخلاف الثائر إنما هو لعصمة قائله فلا يقاس به قول من لا عصمة له.
    واحتمال استناد إجماع الصحابة إلى نص لم ينقل إلينا خرافة تكذبه نصوص الخليفة وغيره من الصحابة على أن ما ذهب إليه الخليفة لم يكن إلا مجرد رأي ، و سياسة محضة.
    م ـ وما أحسن كلمة الشيخ صالح بن محمد العمري الفلاني المتوفى 1298 في كتابه ( إيقاظ همم أولي الأبصار ) في صفحة 9 حيث قال : إن المعروف عند الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وعند سائر العلماء المسلمين أن حكم الحاكم المجتهد إذا خالف نص كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب نقضه ومنع نفوذه ، ولا يعارض نص الكتاب والسنة بالاحتمالات العقلية والخيالات النفسانية والعصبية الشيطانية بأن يقال : لعل هذا المجتهد قد اطلع على هذا النص وتركه لعلة ظهرت له ، أو أنه اطلع على دليل آخر ، ونحو هذا مما لهج به فرق الفقهاء المتعصبين وأطبق عليه جهلة المقلدين ).
62
إجتهاد الخليفة في الصلاة بعد العصر
    1 ـ عن تميم الداري قال : إنه ركع ركعتين بعد نهي عمر بن الخطاب عن الصلاة
1 ـ راجع حاشية الإمام السندي على سنن النسائي 6 ص 143.

(184)
بعد العصر فأتاه عمر فضربه بالدرة ، فأشار إليه تميم أن اجلس وهو في صلاته فجلس عمر ثم فرغ تميم من صلاته فقال تميم لعمر : لم ضربتني ؟ قال : لأنك ركعت هاتين الركعتين وقد نهيت عنهما ، قال : إني صليتهما مع من هو خير منك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : إنه ليس بي أنتم أيها الرهط ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلوا فيها كما وصلوا ما بين الظهر والعصر.
    وعن وبرة قال : رأى عمر تميما الداري يصلي بعد العصر فضربه بالدرة فقال تميم : لم يا عمر ! تضربني على صلاة صليتها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال عمر : يا تميم ليس كل الناس يعلم ما تعلم.
    وعن عروة بن الزبير قال : خرج عمر على الناس فضربهم على السجدتين بعد العصر حتى مر بتميم الداري فقال : لا أدعهما صليتهما مع من هو خير منك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عمر : إن الناس لو كانوا كهيئتك لم أبال. صححه الهيثمي في المجمع وقال : رجال الطبراني رجال الصحيح.
    3 ـ عن السائب بن يزيد : إنه رأى عمر بن الخطاب يضرب المنكدر في الصلاة بعد العصر.
    وعن الأسود : إن عمر كان يضرب على الركعتين بعد العصر.
    4 ـ عن زيد بن خالد الجهني قال : إنه رآه عمر بن الخطاب وهو خليفة يركع بعد العصر ركعتين فمشى إليه فضربه بالدرة وهو يصلي كما هو فلما انصرف قال زيد : إضرب يا أمير المؤمنين ! فوالله لا أدعهما أبدا بعد أن رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليهما فجلس إليه عمر وقال : يا زيد بن خالد لولا إني أخشى أن يتخذها الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما.
    قال الهيثمي في المجمع إسناده حسن.
    5 ـ عن طاوس إن أبا أيوب الأنصاري كان يصلي قبل خلافة عمر ركعتين بعد العصر فلما استخلف عمر تركها فلما توفي ركعهما فقيل له : ما هذا ؟ فقال : إن عمر كان يضرب عليهما.
    6 ـ أخرج مسلم عن المختار بن فلفل قال : سألت أنس بن مالك عن التطوع بعد


(185)
العصر ؟ فقال : كان عمر يضرب الأيدي على صلاة بعد العصر ، وكنا نصلي على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين بعد غروب الشمس قبل صلاة المغرب فقلت له : أكان صلى الله عليه وسلم صلاهما ؟ قال : كان يرانا نصليهما فلم يأمرنا ولم ينهنا.
    7 ـ أخرج أبو العباس السراج في مسنده عن المقدام بن شريح عن أبيه قال : سألت عائشة عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف كان يصلي الظهر ؟ قالت : كان يصلي بالهجير ثم يصلي بعدها ركعتين ، ثم يصلي العصر ثم يصلي بعدها ركعتين.
    قلت : قد كان عمر يضرب عليهما وينهى عنهما.
    فقالت : قد كان يصليهما وقد أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليهما ولكن قومك أهل اليمن قوم طغام يصلون الظهر ثم يصلون ما بين الظهر والعصر ، ويصلون العصر ثم يصلون ما بين العصر والمغرب ، وقد أحسن (1).
    قال الأميني : عجبا من فقه الخليفة حيث يردع بالدرة عن صلاة ثبت من السنة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاها وما تركها بعد العصر قط كما ورد في الصحاح وأخبرت به عائشة (2) وقالت : والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله ، وما لقي الله تعالى حتى ثقل عن الصلاة ، وكان يصلي كثيرا من صلاته قاعدا تعني ركعتين بعد العصر.
    وقالت : ما ترك النبي السجدتين بعد العصر عندي قط.
    وقالت : لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعهما سرا ولا علانية ، وقالت : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين. وفي لفظ البيهقي : قال أيمن : إن عمر كان ينهى عنهما ويضرب عليهما. فقالت : صدقت ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما.
    م ـ وفي تعليق ( الاجابة ) للزركشي ص 91 نقلا عن أبي منصور البغدادي في استدراكه من طريق أبي سعيد الخدري قال : كان عمر يضرب عليها رؤس الرجال ( يعني الصلاة بعد الفجر حتى مطلع الشمس وبعد العصر حتى مغرب الشمس ) فرأى أبو سعيد ابن
1 ـ صحيح مسلم 1 ص 310 ، مسند أحمد 4 ص 102 ، 115 ، موطأ مالك 1 ص 90 ، الاجابة للزركشي ص 91 ، 92 ، مجمع الزوائد 2 ص 222 ، تيسير الوصول 2 ص 295 ، فتح الباري 2 ص 51 و ج 3 ص 82 ، كنز العمال 4 ص 225 ، 226 ، شرح المواهب 8 ص 23 ، شرح الموطأ للزرقاني 1 ص 398.
2 ـ صحيح البخاري ، صحيح مسلم 1 ص 309 ، 310 ، سنن أبي داود 1 ص 201 ، سنن الدارمي 1 ص 334 ، سنن البيهقي 2 ص 458 ، تيسير الوصول 2 ص 295 ، فتح الباري 2 ص 51.


(186)
الزبير يصليها. قال : فنهيته فأخذ بيدي فذهبنا إلى عائشة رضي الله عنها فقال لها : يا أم المؤمنين إن هذا ينهاني .. فقالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها ).
    واقتفت أثره صلى الله عليه وآله فيها الصحابة والتابعون طيلة حياته وبعدها ، وممن روي عنه الرخصة في التطوع بعد العصر الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام. الزبير. ابن الزبير. تميم الداري. النعمان بن بشير. أبو أيوب الأنصاري. عائشة أم المؤمنين. الأسود بن يزيد. عمرو بن ميمون. عبد الله بن مسعود وأصحابه. بلال. أبو الدرداء. ابن عباس. مسروق. شريح. عبد الله بن أبي الهذيل. أبو بردة. عبد الرحمن بن الأسود. عبد الرحمن ابن البيلماني. الأحنف بن قيس (1) وكانوا على هذا حتى تقيض صاحب الدرة وليس عنده ما يتعلل به على النهي عنها والزجر عليها سوى خيفة أن يأتي قوم فيواصلوا بين العصر والمغرب بالصلاة.
    الأمن مسائل إياه عن علة كراهته ذلك الوصال وليس له من الشريعة أي وازع عنه ؟ وهب إنه ارتأى كراهة ذلك الوصال فما باله ينهى عن الركعتين وليستا مالئتين للفراغ بين الوقتين ـ العصر والمغرب ـ ؟ وعلى فرضه كان الواجب أن ينهى عن الصلاة في أول وقت المغرب غير الفريضة التي رأى كراهتها هو ، ولكن أي قيمة لرأيه وقد صلوها على العهد النبوي بمرأى من صاحب الرسالة ومشهد فلم ينههم عنها (2) ثم الذي خافه عمر من أن يأتي قوم يصلون بين الوقتين بالصلاة هل عزب علمه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشرع لهم تينك الركعتين بعد العصر ؟ أو أنه علم ذلك ولم يكترث له ؟ أم كانت بصيرة الخليفة في الأمور أقوى من بصيرة النبي الأعظم ؟ لاها الله لا ذلك ولا هذا ، لكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علم ذلك كله ولم ير بأسا بما خافه عمر.
    وبماذا استحق أولئك الأخيار من الصحابة الضرب بالدرة والفضيحة بملأ من الأشهاد نصب عيني النبي الأقدس قرب مشهده الطاهر ؟ والذين يأتون بما كرهه أقوام من رجال المستقبل لم يرتكبوه بعد ، أو أنه لم تنعقد نطفهم حتى تلك الساعة وهو يعترف بأنهم ليسوا من أولئك ، ولعل الخليفة كان يرى جواز القصاص قبل جناية
1 ـ طرح التثريب في شرح التقريب للحافظ العراقي 2 ص 186.
2 ـ كما في صحيح مسلم 1 ص 31 ، ومسند أبي داود 270 وغيرهما.


(187)
غير المقتص منه. هلم واعجب.
    وكأن الخليفة في آرائه هذه الخاصة به كان ذاهلا عن قوله هو : احذروا هذا الرأي على الدين فإنما كان الرأي من رسول الله مصيبا لأن الله كان يريه ، وإنما هو ههنا تكلف وظن ، وإن الظن لا يغني من الحق شيئا (1).
63
رأي الخليفة في العجم
    روى مالك ـ إمام المالكية ـ عن الثقة عنده أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : أبى عمر بن الخطاب أن يورث أحدا من الأعاجم إلا أحدا ولد في العرب.
    قال مالك : وإن جاءت امرأة حامل من أرض العدو فوضعته في أرض العرب فهو ولدها يرثها إن ماتت ، وترثه إن مات ، ميراثها في كتاب الله. ( الموطأ 2 ص 12 ) قال الأميني.
    هذا حكم حدت إليه العصبية المحضة ، وإن التوارث بين المسلمين عامة عربا كانوا أو أعاجم أينما ولدوا وحيثما قطنوا من ضروريات دين الاسلام ، وعليه نصوص الكتاب والسنة ، فعمومات الكتاب لم تخصص ، وليس من شروط التوارث الولادة في أرض العرب ولا العروبة من شروط الاسلام ، وهذه العصبية إلى أمثالها في موارد لا تحصى هي التي تفكك عرى الاجتماع ، وتشتت شمل المسلمين ، وإنما المسلمون كأسنان المشط لا تفاضل بينهم إلا بالتقوى ، والله سبحان يقول : إنما المؤمنون إخوة.
    ويقول : إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
    ويقول : ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءأعجمي وعربي.
    وهذا هتاف النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم من خطبة له يوم الحج الأكبر في ذلك المحتشد الرحيب بقوله : أيها الناس ! إنما المؤمنون إخوة ، ولا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس منه ، الأهل بلغت ؟ أللهم اشهد ؟ فلا ترجعن بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ، فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا بعده : كتاب الله ، ألا هل بلغت ؟ أللهم اشهد.
    أيها الناس ! إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، كلكم لآدم ، وآدم من تراب ، أكرمكم عند الله أتقاكم ، وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى ألا هل بلغت ؟ أللهم
1 ـ أخرجه أبو عمر في العلم 2 ص 134 ، وابن أبي حاتم كما في الدر المنثور 6 ص 127.

(188)
اشهد ! قالوا : نعم. قال : فليبلغ الشاهد الغائب (1).
    وفي لفظ أحمد : ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا أسود على أحمر ، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى (2) قال الهيثمي : رجاله رجال الصحيح.
    وفي لفظ الطبراني في الكبير : يا أيها الناس ؟ إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم.
    فليس لعربي على عجمي فضل ، ولا لعجمي على عربي فضل ، ولا لأسود على أحمر فضل ، ولا لأحمر على أسود فضل إلا بالتقوى. الحديث.
     ( مجمع الزوائد 3 ص 272 ) وفي لفظ ابن القيم : لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأبيض على أسود ، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى ، الناس من آدم وآدم من تراب. زاد المعاد 2 ص 226.
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم في صحيحة أخرجها البيهقي : ليس لأحد على أحد فضل إلا بالدين أو عمل صالح. ( الجامع الصغير للسيوطي وصححه ).
    ولو فرضنا مفاضلة بالعنصريات فتلك في غير الأحكام والنواميس المطردة وما أحوج المسلمين من أول يومهم إلى التآخي والتساند تجاه سيل الإلحاد الآتي ، لكن كثيرا منهم يتأثرون بتسويلات أجنبية من حيث لا يشعرون ، فأهواء مردية ، تحدوهم إلى التشعب ، وآراء فاسدة تفت في عضد الجامعة ، ونزعات طائفية ، ونعرات قومية ، وعوامل داخلية ، وعواطف حزبية تلهينا عن سد الثغور.
    أضف إلى ذلك كله نزعات شعوبية ، وتبجحات بالعروبة فحسب ، فهذه كلها تفضي إلى شق العصا ، وتفريق الكلمة ، ونصب عين الكل تعليمات النبي الأقدس ، و تقديره الشخصيات المحلات بالفضائل من مختلف العناصر بمثل قوله : سلمان منا أهل البيت (3). وقوله : لو كان العلم بالثريا لتناوله ناس من أبناء فارس (4) إلى الكثير
1 ـ البيان والتبيين 2 ص 25 ، العقد الفريد 2 ص 85 ، تاريخ اليعقوبي 2 ص 91.
2 ـ مجمع الزوايد 3 ص 266.
3 ـ مستدرك الحاكم 3 ص 598 ، شرح مختصر صحيح البخاري لأبي محمد الأزدي 2 : 46.
4 ـ مسند أحمد 2 ص 420 ، 422 ، وأخرجه ابن قانع بإسناده بلفظ. لو كان الدين متعلقا بالثريا لتناوله قوم من أبناء فارس. الإصابة 3 ص 459.


(189)
الطيب من أمثاله.
    فعلى المسلم أن لا يتخذ تلكم الآراء الشاذة خطة لنفسه ، ولا يصفح عن قول النبي الأمين : ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية (1).
    م ـ وقوله صلى الله عليه وآله وسلم : من قاتل تحت راية عمية يغضب للعصبية أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتلة جاهلية. سنن البيهقي 8 ص 156.
64
تجسس الخليفة بالسعاية
    أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه قال : أتى عمر بن الخطاب رجل فقال : إن فلانا لا يصحو. فدخل عليه عمر رضي الله عنه فقال : إني لأجد ريح شراب يا فلان ! أنت بهذا ؟ فقال الرجل : يا ابن الخطاب ! وأنت بهذا ؟ ألم ينهك الله أن تجسس ؟ فعرفها عمر فانطلق وتركه. الدر المنثور 6 ص 93.
    قال الأميني : أترى الخليفة كيف رتب الأثر على التهمة من غير بينة ؟ من دون أن ينهى المخبر المتهم عما ارتكبه من الوقيعة في أخيه المسلم بالبهت وإشاعة الفاحشة في الذين آمنوا أو اغتياب الرجل ، فوقع من جراء ذلك كله في محظور آخر من التجسس المنهي عنه بنص الذكر الحكيم ، لكنه سرعان ما ارتدع بلفت الرجل نظره إلى الحكم الشرعي.

65
    عن عمر وبن ميمون قال : قال عمر بن الخطاب لابنه عبد الله : انطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل : يقرأ عليك عمر السلام ، ولا تقل : أمير المؤمنين ، فإني لست اليوم للمؤمنين أميرا وقل : يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه. فمضى فسلم واستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال : يقرأ عليك عمر السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه. قالت : كنت أريده لنفسي ولأوثرن به اليوم على نفسي فلما أقبل قيل : هذا عبد الله بن عمر قد جاء فقال : ارفعوني. فأسنده رجل إليه فقال : ما لديك ؟ قال : الذي يحب أمير المؤمنين
1 ـ سنن أبي داود 2 ص 332.

(190)
أذنت. قال : الحمد لله ما كان شئ أهم إلي من ذلك المضجع ، فإذا أنا قضيت فاحملوني وأن ردتني فردوني إلى مقابر المسلمين (1).
    قال الأميني : ليت الخليفة عرفنا ما وجه الاستيذان من عائشة ؟ فهل ملكت هي حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالإرث ؟ فأين قوله صلى الله عليه وآله وسلم المزعوم : نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة ؟ وبذلك زحزحوا عن الصديقة الطاهرة فدكا ، وبذلك منع أبو بكر عائشة وبقية أزواجه صلى الله عليه وآله وسلم لما جئن إليه يطلبن ثمنهن (2) وإن كان الخليفة نعدل عن ذلك الرأي لما انكشف له من عدم صحة الرواية ؟ فإن ورثة ابنة رسول الله كانت أولى بالإذن فإنها هي المالكة إذن ، وأما عائشة فلها التسع من الثمن فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم توفي عن تسع ، فكان الذي يلحق عائشة من الحجرة الشريفة التسع من الثمن ، وما عسى أن يكون من ذلك لها إلا شبرا أو دون شبرين وذلك لا يسع دفن جثمان الخليفة وهب أنه كان يضم إلى ذلك نصيب ابنته حفصة فإن الجميع يقصر عن ذلك المضطجع ، فالتصرف في تلك الحجرة الشريفة من دون رخصة من يملكها من العترة النبوية الطاهرة وأمهات المؤمنين لا يلائم ميزان الشرع المقدس.
    ربما يقرأ القارئ في المقام ما جاء به ابن بطال من قوله : إنما استأذنها عمر لأن الموضع كان بيتها وكان لها فيه حق (3).
    فيحسب هناك حقا لأم المؤمنين يستدعي ذلك الاستيذان ويصححه ، وإن هو إلا حق السكنى ومجرد إضافة البيت إلى عائشة وهما لا يوجبان الملك ، قال ابن حجر في فتح الباري 7 ص 53 : استدل به وباستيذان عمر لها على ذلك على أنها كانت تملك البيت ، وفيه نظر بل الواقع إنها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والاسكان ولا يورث عنها ، وحكم أزواج النبي كالمعتدات لأنهن لا يتزوجن بعده صلى الله عليه وآله وسلم. ا ه‍.
    وقال في ج 6 ص 160 : ويؤيده ـ يعني عدم الملك ـ إن ورثتهن لم يرثن عنهن منازلهن ، ولو كانت البيوت ملكا لهن لانتقلت إلى ورثتهن وفي ترك ورثتهن
1 ـ صحيح البخاري 5 ص 226 و ج 2 ص 263 وأخرجه جمع كثير من الحفاظ وأئمة الحديث لا نطيل بذكرهم المقام.
2 ـ السيرة الحلبية 3 ص 390.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس