الغدير ـ الجزء السادس ::: 191 ـ 200
(191)
حقوقهم دلالة على ذلك ، ولهذا زيدت بيوتهن في المسجد النبوي بعد موتهن لعموم نفعه للمسلمين كما فعل فيما كان يصرف لهن من النفقات. والله أعلم. ا ه‍.
    وقال العيني في عمدة القاري 7 ص 132 في حديث عائشة ( لما ثقل رسول الله استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي ) : أسندت البيت إلى نفسها ، ووجه ذلك أن سكنى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت النبي من الخصايص ، فلما استحققن النفقة لحبسهن استحققن السكني ما بقين ، فنبه البخاري بسوق أحاديث هذا الباب وهي سبعة على أن بهذه النسبة تتحقق دوام استحقاق سكناهن للبيوت ما بقين. ا ه‍.
    وقال القسطلاني في إرشاد الساري 5 ص 190 : أسندت ( عائشة ) البيت إلى نفسها ووجه ذلك أن سكن أزواجه عليه الصلاة والسلام في بيوته من الخصائص ، فكما استحققن النفقة لحبسهن استحققن السكنى ما بقين ، فنبه على أن بهذه النسبة تحقق دوام استحقاقهن لسكني البيوت ما بقين. ا ه‍.
    فالقارئ جد عليم عندئذ بأن أم المؤمنين لم يكن لها من حجرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا السكنى فيها كالمعتدة ، وليس لها قط أن تتصرف فيها بما يترتب على الملك.
    والخطب الفظيع عد الحفاظ هذا الاستيذان وهذا الدفن من مناقب الخليفة ذاهلين عن قانون الاسلام العام في التصرف في أموال الناس.
    ولست أدري بأي حق أوصى الإمام الحسن السبط الزكي صلوات الله عليه أن يدفن في تلك الحجرة الشريفة ؟ وهل منعته عائشة عن أن يدفن بها ؟ أو أذنت له وما أطيعت ؟ ـ ولا رأي لمن لا يطاع ـ فتسلح بنو أمية وقالوا : لا ندعه أن يدفن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكاد أن تقع الفتنة (1) لم هذه كلها ؟ أنا لا أدري.
66
خطبة الخليفة في الجابية
    عن علي بن رباح اللخمي قال : إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطب الناس فقال : من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب ، ومن أراد أن يسأل عن الحلال والحرام فليأت معاذ بن جبل ، ومن أراد أن يسأل عن الفرائض فليأت زيد بن ثابت ، ومن
1 ـ تاريخ ابن كثير 8 ص 44 وجملة أخرى من معاجم السير.

(192)
أراد أن يسأل عن المال فليأتني فإني له خازن. وفي لفظ : فإن الله تعالى جعلني خازنا (1) وقاسما.
    م ـ أخرجه أبو عبيد المتوفى 224 في كتابه ( الأموال ) ص 223 بإسناد رجاله كلهم ثقات ، والبيهقي في ( السنن الكبرى ) 6 : 210 ، والحاكم في ( المستدرك ) 3 : 271 ، 272 ، ويذكر في العقد الفريد 2 : 132 ، وسيرة عمر لابن الجوزي ص 87 ، وأشير إليه في ( معجم البلدان ) 3 : 33 فقال : في الجابية خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطبته المشهورة.
    وجاء في ترجمة كثيرين : إنهم سمعوا خطبة عمر في الجابية. إسناده من طريق أبي عبيد :
    1 ـ الحافظ عبد الله بن صالح بن مسلم العجلي أبو صالح الكوفي المتوفى 221 وثقه ابن معين ، وابن خراش ، وابن بكر الأندلسي ، وابن حبان ، وهو من مشايخ البخاري في صحيحه (2).
    2 ـ موسى بن علي بن رباح اللخمي أبو عبد الرحمن المصري المتوفى 163 ، وثقه أحمد ، وابن سعد ، وابن معين ، والعجلي ، والنسائي ، وأبو حاتم ، وابن شاهين ، واحتج به أربعة من أئمة الصحاح الست (3).
    3 ـ علي بن رباح اللخمي التابعي أبو عبد الله ـ أبو موسى ـ المولود سنة 10 والمتوفى 114 / 7 وثقه ابن سعد ، والعجلي ، ويعقوب بن سفيان ، والنسائي ، وابن حبان ، واحتج به أربعة من أئمة الصحاح (4).
    في هذه الخطبة الثابتة المروية عن الخليفة بطرق صحيحة كل رجالها ثقات ، وصححها الحاكم والذهبي ، اعتراف بأن المنتهى إليه في العلوم الثلاثة أولئك النفر المذكورين فحسب ، وليس للخليفة إلا أنه خازن مال الله ، وهل ترى من المعقول أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمته في شرعه ودينه وكتابه وسنته وفرائضه فاقدا لهاتيك العلوم ؟
1 ـ كتاب الأموال لأبي عبيد ص 223 ، مستدرك الحاكم 3 ص 271 ، 272 ، العقد الفريد 2 ص 132 ، سنن البيهقي 6 ص 210 ، مجمع الزوائد 1 ص 135.
2 ـ تهذيب التهذيب 5 : 261 ، خلاصة الكمال ص 170.
3 ـ تهذيب التهذيب 10 : 363 ، خلاصة الكمال ص 336.
4 ـ تهذيب التهذيب 7 : 318 ، خلاصة الكمال ص 231.


(193)
ويكون مرجعه فيها لفيفا من الناس كما تنبأ عنه سيرته ، فعلام هذه الخلافة ؟ وهل تستقر بمجرد الأمانة ، وليست بعزيزة في أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟ وما وجه الاختصاص به ؟ نعم : وقع النص عليه ممن سبقه في الخلافة على غير طريقة القوم في الخليفة الأول.
    وشتان بين هذا القاتل وبين من لم يزل يعرض نفسه لعويصات المسائل ومشكلات العلوم فيحلها عند السؤال عنها من فوره ، ويرفع عقيرته على صهوات المنابر بقوله سلام الله عليه : سلوني قبل أن لا تسألوني ولن تسألوا بعدي مثلي.
    أخرجه الحاكم في المستدرك 2 ص 466 وصححه هو والذهبي في تلخيصه.
    وقوله : عليه السلام : لا تسألوني عن آية في كتاب الله تعالى ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنبأتكم بذلك.
    أخرجه ابن كثير في تفسيره 4 ص 231 من طريقين وقال : ثبت أيضا من غير وجه.
    وقوله عليه السلام : سلوني والله لا تسألوني عن شئ يكون إلى يوم القيامة إلا أخبرتكم ، وسلوني عن كتاب الله فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار في سهل أم في جبل.
    أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم 1 ص 114 ، والمحب الطبري في الرياض 2 ص 198 ، ويوجد في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 124 ، والاتقان 2 ص 319 ، تهذيب التهذيب 7 ص 338 ، فتح الباري 8 ص 485 ، عمدة القاري 9 ص 167 ، مفتاح السعادة 1 ص 400.
    وقوله عليه السلام : ألا رجل يسأل فينتفع وينفع جلسائه.
    أخرجه أبو عمر في جامع بيان العلم 1 ص 114 ، وفي مختصره ص 57.
    وقوله عليه السلام : والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت ، وأين أنزلت ، إن ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا.
    أخرجه أبو نعيم في حلية الأولياء 1 ص 68 ، وذكره صاحب مفتاح السعادة 1 ص 400 وقوله عليه السلام سلوني قبل أن تفقدوني ، سلوني عن كتاب الله ، وما من آية إلا وأنا أعلم حيث أنزلت بحضيض جبل أو سهل أرض ، وسلوني عن الفتن فما من فتنة إلا وقد علمت من كسبها ومن يقتل فيها.
    أخرجه إمام الحنابلة أحمد وقال : روي عنه نحو هذا كثيرا ( ينابيع المودة ص 274 ).
    وقوله عليه السلام وهو على منبر الكوفة وعليه مدرعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو متقلد بسيفه ،


(194)
ومتعمم بعمامته صلى الله عليه وآله وسلم ، فجلس على المنبر وكشف عن بطنه فقال : سلوني قبل أن تفقدوني فإنما بين الجوانح مني علم جم ، هذا سفط العلم ، هذا لعاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا ما زقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زقا زقا ، فوالله لو ثنيت لي وسادة فجلست عليها لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم ، وأهل الانجيل بإنجيلهم ، حتى ينطق الله التوراة والانجيل فيقولان : صدق علي قد أفتاكم بما أنزل في وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون.
    أخرجه شيخ الاسلام الحموي في ( فرائد السمطين ) عن أبي سعيد.
    وقال سعيد بن المسيب : لم يكن أحد من الصحابة يقول : سلوني.
    إلا علي بن أبي طالب (1) وكان إذا سئل عن مسألة يكون فيها كالسكة المحماة ويقول :
إذا المشكلات تصدين لي فإن برقت في مخيل الصواب مقنعة بغيوب الأمور لسانا كشقشقة الأرحبي وقلبا إذا استنطقته الفنون ولست بامعة في الرجال ولكنني مذرب الأصغرين (2) كشفت حقائقها بالنظر عمياء لا يجتليها البصر وضعـت عليها صحيح الفكر أو كالحسام اليماني الذكر أبر عليها بواه درر يسائل هـذا وذا ما الخبر ؟ أبيـن مع ما مضى ما غبر
    أخرجها أبو عمر في العلم 2 ص 113 ، وفي مختصره ص 170 ، والحافظ العاصمي في زين الفتى شرح سورة هل أتى ، والقالي في أماليه ، والحصري القيرواني في زهر الآداب 1 ص 38 ، والسيوطي في جمع الجوامع كما ترتيبه 5 ص 242 ، والزبيدي الحنفي في تاج العروس 5 ص 268 نقلا عن الأمالي.
    وذكر منها البيتين الأخيرين الميداني في مجمع الأمثال. 2 : 358.
    لفت نظر :
    لم أر في التاريخ قبل مولانا أمير المؤمنين من عرض نفسه لمعضلات المسائل و كراديس الأسئلة ، ورفع عقيرته بجأش رابط بين الملأ العلمي بقوله : سلوني. إلا صنوه
1 ـ أخرجه أحمد في المناقب ، والبغوي في المعجم ، وأبو عمر في العلم 1 ص 114 وفي مختصره ص 58 ، والمحب الطبري في الرياض 2 ص 198 ، وابن حجر في الصواعق ص 76.
2 ـ قال أبو عمر : المذرب ، الحاد. واصغراه : قلبه ولسانه.


(195)
النبي الأعظم فإنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يكثر من قوله : سلوني عما شئتم. وقوله : سلوني. سلوني. وقوله : سلوني ولا تسألوني عن شئ إلا أنبأتكم به (1). فكما ورث أمير المؤمنين علمه صلى الله عليه وآله وسلم ورث مكرمته هذه وغيرها ، وهما صنوان في المكارم كلها.
    وما تفوه بهذا المقال أحد بعد أمير المؤمنين عليه السلام إلا وقد فضح ووقع في ربيكة ، وأماط بيده الستر عن جهله المطبق نظراء.
    1 ـ إبراهيم بن هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي القرشي والي مكة والمدينة والموسم لهشام بن عبد الملك ، حج بالناس سنة 107 وخطب بمنى ثم قال : سلوني فأنا ابن الوحيد ، لا تسألوا أحدا أعلم مني. فقام إليه رجل من أهل العراق فسأله عن الأضحية أواجبة هي ؟ فما درى أي شئ يقول له فنزل عن المنبر. ( تاريخ ابن عساكر 2 ص 305 ).
    2 ـ مقاتل بن سليمان : قال إبراهيم الحربي : قعد مقاتل بن سليمان فقال : سلوني عما دون العرش إلى لويانا ، فقال له رجل : آدم حين حج من حلق رأسه ؟ قال فقال له : ليس هذا من عملكم ، ولكن الله أراد أن يبتليني بما أعجبتني نفسي. ( تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 163 ).
    3 ـ قال سفيان بن عيينة : قال مقاتل بن سليمان يوما : سلوني عما دون العرش.
    فقال له إنسان : يا أبا الحسن ! أرأيت الذرة أو النملة أمعاؤها في مقدمها أو مؤخرها ؟ قال : فبقي الشيخ لا يدري ما يقول له. قال سفيان : فظننت إنها عقوبة عوقب بها. ( تاريخ الخطيب البغدادي 13 ص 166 ).
    4 ـ قال موسى بن هارون الحمال : بلغني أن قتادة قدم الكوفة فجلس في مجلس له وقال : سلوني عن سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أجيبكم.
    فقال جماعة لأبي حنيفة : قم إليه فسله.
    فقام إليه فقال : ما تقول يا أبا الخطاب في رجل غاب عن أهله فتزوجت امرأته ثم قدم زوجها الأول فدخل عليها وقال : يا زانية تزوجت وأنا حي ؟ ثم دخل زوجها الثاني فقال لها : تزوجت يا زانية ولك زوج.
    كيف اللعان ؟ فقال قتادة : قد وقع هذا ؟
1 ـ صحيح البخاري 1 ص 46 ، ج 10 ص 240 ، 241 ، مسند أحمد 1 ص 278 ، مسند أبي داود 356.

(196)
فقال له أبو حنيفة : وإن لم يقع نستعد له. فقال له قتادة : لا أجيبكم في شئ من هذا سلوني عن القرآن. فقال له أبو حنيفة : ما تقول في قوله عز وجل : قال الذي عنده علم من الكتاب أنا آتيك به. من هو ؟ قال قتادة : هذا رجل من ولد عم سليمان بن داود كان يعرف اسم الله الأعظم. فقال أبو حنيفة : أكان سليمان يعلم ذلك الاسم ؟ قال : لا.
    قال : سبحان الله ويكون بحضرة نبي من الأنبياء من هو أعلم منه ؟ قال قتادة : لا أجيبكم في شئ من التفسير سلوني عما اختلف الناس فيه. فقال له أبو حنيفة : أمؤمن أنت ؟ قال أرجو. قال له أبو حنيفة : فهلا قلت كما قال إبراهيم فيما حكى الله عنه حين قال له : أولم تؤمن قال : بلى. قال : قتادة : خذوا بيدي والله لا دخلت هذا البلد أبداً. ( الانتقاء لأبي عمر صاحب الاستيعاب ص 156 ).
    5 ـ حكي عن قتادة أنه دخل الكوفة فاجتمع عليه الناس فقال : سلوا عما شئتم و كان أبو حنيفة حاضرا وهو يومئذ غلام حدث فقال : سلوه عن نملة سليمان أكانت ذكرا أم أنثى فسألوه فأفحم فقال أبو حنيفة : كانت أنثى.
    فقيل له كيف عرفت ذلك ؟ فقال : من قوله تعالى : قالت. ولو كانت ذكرا لقال : قال نملة مثل الحمامة والشاة في وقوعها على الذكر والأنثى. ( حياة الحيوان 2 ص 368 ).
    6 ـ قال عبيد الله بن محمد بن هارون سمعت الشافعي بمكة يقول : سلوني عما شئتم أحدثكم من كتاب الله وسنة نبيه فقيل : يا أبا عبد الله ما تقول في محرم قتل زنبورا ؟ قال : وما آتاكم الرسول فخذوه.
     ( طبقات الحفاظ للذهبي 2 ص 288 ).
67
    أخرج الخطيب في رواة مالك ، والبيهقي في شعب الإيمان ، والقرطبي في تفسيره بإسناد صحيح عن عبد الله بن عمر قال : تعلم عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة فلما ختمها نحر جزورا (1).
    وقال القرطبي في تفسيره 1 ص 132 : تعلمها عمر رضي الله عنه بفقهها وما تحتوي عليه في اثنتي عشرة سنة.
1 ـ تفسير القرطبي 1 ص 34 ، سيرة عمر لابن الجوزي ص 165 ، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 111 ، الدر المنثور 1 ص 21.

(197)
    قال الأميني : هذا يتم إما عن عدم انعطاف الخليفة على القرآن واهتمامه به مع أنه أهم أصول الاسلام ، وقد انطوى فيه مهمات علومه حتى أنه تبطأ في تعلم سورة منه إلى غاية ذلك الأمد المتطاول ، ولعله كان قد ألهاه عن ذلك الصفق بالاسواق كما ورد في غير واحد من هذه الآثار ، واعتذر به هو وغيره من الصحابة ، وإما عن قصور في فطنته و ذكاءه وجمود في القريحة يأبى عن انعكاس ما يلقى إليه فيها فيحتاج إلى تكرار ومثابرة كثيرة وترديد حتى ينتقش ما هم بتعلمه في الذاكرة.
    وقد يؤكد الثاني ما مر في صحيفة 116 من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له : إني أظنك تموت قبل أن تعلم ذلك ، وما ذكر في ص 128 من قوله صلى الله عليه وآله وسلم له لحفصة. ما أرى أباك يعلمها. وقوله : ما أراه يقيمها.
    ويساعد هذا ما في الكتب من أن عمر كان أعلم وأفقه من عثمان ولكن كان يعسر عليه حفظ القرآن (1).
    وأيا ما كان فإن مدة التعلم هذه لا يمكن أن تكون على العهد النبوي ، فإن سورة البقرة نزلت بالمدينة عند جميع المفسرين غير آيات نزلت في حجة الوداع ، وقالت عائشة : ما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده صلى الله عليه وسلم (2) وتوفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ربيع الأول ـ على ما ذهب إليه القوم ـ من السنة الحادية عشر من مهاجرته ، ومع ذلك لم يؤثر تعلمه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا بد أن يكون تعلمه عند أحد الصحابة أو عند لفيف منهم وهم الذين يقول القائل : فإن الخليفة كان أعلمهم على الإطلاق.
    ويشهد هذا أيضا على خلو الرجل من أكثر علوم القرآن الموجودة في بقية السور فإن تعلمها على هذا القياس يستدعي أكثر من مائة وثلاثين عاما حسب أجزاء القرآن الكريم ، فيفتقر الخليفة على هذا الحساب في تعلم جميع القرآن إلى ما يقرب من مائة وخمسين عاما ، ولا يفي بذلك عمر الخليفة ، على أن الأحكام في غير البقرة من السور أكثر مما فيها ، فكان خليفة ومتعلما ـ والخليفة ، هو معلم الناس لا المتعلم منهم ـ ولهذا كان لا يهتدي إلى جملة من الأحكام الموجودة في القرآن ، كان يحسب أبسط شئ
1 ـ عمدة القاري 2 ص 733 نقلا عن النهاية.
2 ـ فتح الباري 8 ص 130.


(198)
من معانيه تعمقا وتكلفا ويدعي أنه نهي عنه (1) وكان يقول : من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت أبي بن كعب. إلى آخر ما مر عنه ص 161.
    هذا شأن الخليفة قبل طرو النسيان عليه وأما بعده فروى محمد بن سيرين أن عمر في آخر أيامه اعتراه نسيان حتى كان ينسى عدد ركعات الصلاة فجعل أمامه رجلا يلقنه فإذا أومأ إليه أن يقوم أو يركع فعل (2).
    وإن تعجب فعجب أنه مع ذلك كله ما كان يتنصل عن الحكم ، ولا يرعوي عن الافتاء ، وإن كان يظهر خطأه في كثير منها. وبأبه اقتدى عدي في الكرم.
    أخرج مالك في الموطأ 1 ص 162 : إن عبد الله بن عمر مكث على سورة البقرة ثماني سنين يتعلمها ، وذكره القرطبي في تفسيره 1 ص 34 ، وقال العيني في عمدة القاري 2 ص 732 : حفظ عبد الله بن عمر سورة البقرة في اثنتي عشرة سنة ، وفي طبقات ابن سعد كما في تنوير الحالك في شرح الموطأ لمالك 1 ص 162 : إن ابن عمر تعلم سورة البقرة في أربع سنين. قال الباجي لأنه كان يتعلم فرائضها وأحكامها وما يتعلق بها.
68
رأي الخليفة في المتعتين
متعة الحج
    1 ـ عن أبي رجاء قال : قال عمران بن حصين : نزلت آية المتعة في كتاب الله وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لم تنزل آية تنسخ آية متعة الحج ، ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى مات ، قال رجل برأيه بعد ما شاء (3).
    صورة أخرى لمسلم :
    تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل فيه القرآن قال رجل برأيه ما شاء. وفي لفظ آخر له : تمتع نبي الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا معه. وفي لفظ رابع له : إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حج وعمرة ثم لم ينزل فيها كتاب ولم ينهنا عنها قال رجل برأيه ما شاء.
1 ـ راجع صحيفة 99 ، 100 من هذا الجزء.
2 ـ سيرة عمر بن الخطاب لابن الجوزي ص 135 ، شرح ابن أبي الحديد 3 ص 110.
3 ـ صحيح مسلم 1 ص 474 ، وأخرجه القرطبي بهذا الفظ في تفسيره 2 ص 365.


(199)
    لفظ البخاري :
    تمتعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن قال رجل برأيه ما شاء (1) وفي لفظ آخر له : أنزلت آية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ، ولم ينه عنها حتى مات ، قال رجل برأيه ما شاء. (2)
    وفي بعض نسخ صحيح البخاري قال محمد ـ أي البخاري ـ يقال : إنه عمر.
    قال القسطلاني في الارشاد : لأنه كان ينهى عنها.
    وذكره ابن كثير في تفسيره 1 ص 233 نقلا عن البخاري فقال : هذا الذي قاله البخاري قد جاء مصرحا به : إن عمر كان ينهى الناس عن التمتع.
    وقال ابن حجر في فتح الباري 4 ص 339 : ونقله الاسماعيلي عن البخاري كذلك فهو عمدة الحميدي في ذلك ولهذا جزم القرطبي والنووي وغيرهما وكان البخاري أشار بذلك إلى رواية الحريري عن مطرف فقال في آخره : ارتأى رجل برأيه ما شاء يعني عمر.
    كذا في الأصل أخرجه مسلم وقال ابن التين : يحتمل أن يريد عمر أو عثمان ، وأغرب الكرماني فقال : إن المراد به عثمان ، والأولى أن يفسر بعمر فإنه أول من نهى عنها وكان من بعده تابعا له في ذلك ففي مسلم : إن ابن الزبير كان ينهى عنها وابن عباس يأمر بها فسألوا جابرا فأشار إلى أن أول من نهى عنها عمر.
    وقال القسطلاني في الارشاد 4 ص 169 : قال رجل برأيه ما شاء ، هو عمر بن الخطاب لا عثمان بن عفان لأن عمر أول من نهى عنها فكان من بعده تابعا له في ذلك ففي مسلم ـ إلى آخر كلمة ابن حجر المذكورة ـ وقال النووي في شرح مسلم : هو عمر بن الخطاب لأنه أول من نهى عنه عن المتعة فكان من بعده من عثمان وغيره تابعا له في ذلك.
    لفظ الشيخين :
    تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ، فليقل رجل برأيه ما شاء ( السنن الكبرى 5 ص 20 ).
1 ـ صحيح البخاري 3 ص 151 ط سنة 1272.
2 ـ صحيح البخاري كتاب التفسير سورة البقرة ج 7 ص 24 ط سنة 1277.


(200)
    لفظ النسائي :
    إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تمتع وتمتعنا معه قال فيها قائل برأيه.
    أخرجه في سننه 5 ص 155 ، وأحمد في مسنده 4 ص 436 قريبا من لفظ مسلم مبتورا وفي لفظ الاسماعيلي : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن ولم ينهنا رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) 2 ـ عن أبي موسى : إنه كان يفتي بالمتعة فقال له رجل : رويدك ببعض فتياك فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النسك بعدك حتى لقيته فسألته فقال عمر : قد علمت أن النبي قد فعله وأصحابه ولكني كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤسهم.
    أخرجه مسلم في صحيحه 1 ص 472 ، وابن ماجة في سننه 2 ص 229 ، وأحمد في مسنده 1 ص 50 ، والبيهقي في سننه 5 ص 20 ، والنسائي في سننه 5 ص 153 ، ويوجد في تيسير ـ الوصول 1 ص 288 ، وشرح الموطأ للزرقاني 2 ص 179.
    3 ـ عن مطرف عن عمران بن حصين : إني لأحدثك بالحديث اليوم ينفعك الله به بعد اليوم واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعمر طائفة من أهله في العشر فلم تنزل آية تنسخ ذلك ولم ينه عنه حتى مضى لوجهه ، ارتأى كل امرئ بعد ما شاء أن يرتئي.
    وفي لفظ مسلم الآخر : ارتأى رجل برأيه ما شاء يعني عمر.
    وفي لفظ ابن ماجة : ولم ينه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينزل نسخه قال في ذلك بعد رجل برأيه ما شاء أن يقول.
    صحيح مسلم 1 ص 474 ، سنن ابن ماجة 2 ص 229 ، مسند أحمد 4 ص 434 ، السنن الكبرى 4 ص 344 ، فتح الباري 3 ص 338.
    صورة أخرى :
    عن مطرف قال قال لي عمران بن حصين : أحدثك حديثا عسى الله أن ينفعك به : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بين حجة وعمرة ثم لم ينه عنه حتى مات ولم ينزل فيه قرآن يحرمه وقد كان يسلم علي حتى اكتويت فتركت ثم تركت الكي فعاد.
    وفي لفظ الدارمي : إن المتعة حلال في كتاب الله لم ينه عنها نبي ولم ينزل فيها كتاب قال رجل برأيه ما بدا له.
    صحيح مسلم 1 ص 474 ، سنن الدارمي 2 ص 35.
1 ـ فتح الباري 3 ص 338.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس