الغدير ـ الجزء السادس ::: 211 ـ 220
(211)
رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما كان عمر بن الخطاب وقال : إن الله عز وجل كان يحل لنبيه ما شاء وإن القرآن قد نزل منازله ، فافصلوا حجكم من عمرتكم ، واتبعوا نكاح هذه النساء ، فلا أوتى برجل تزوج امرأة إلى أجل إلا رجمته. ( مسند أبي داود الطيالسي ص 247 ).
    قال الأميني : لما لم يكن رجم المتمتع بالنساء مشروعا ولم يحكم به فقهاء القوم لشبهة العقد هناك قال الجصاص بعد ذكر الحديث : فذكر عمر الرجم في المتعة جائز أن يكون على جهة الوعيد والتهديد لينزجر الناس عنها.
    2 ـ عن عمر أنه قال في خطبته : متعتان كانتا عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهي عنهما وأعاقب (1) عليهما : متعة الحج. ومتعة النساء ، وفي لفظ الجصاص : لو تقدمت فيها لرجمت. البيان والتبيين للجاحظ 2 ص 223 ، أحكام القرآن للجصاص 1 ص 342 و 345 ، و ج 2 ص 184 ، تفسير القرطبي 2 ص 370 ، المبسوط للسرخسي الحنفي في باب القرآن من كتاب الحج وصححه ، زاد المعاد لابن القيم 1 ص 444 فقال : ثبت عن عمر ، تفسير الفخر الرازي 2 ص 167 و ج 3 ص 201 و 202 ، كنز العمال 8 ص 293 نقله عن كتاب أبي صالح والطحاوي ، وص 294 عن ابن جرير الطبري وابن عساكر ، ضوء الشمس 2 ص 94.
    استدل المأمون على جواز المتعة بهذا الحديث وهم بأن يحكم بها كما في تاريخ ابن خلكان 2 ص 359 ط ايران واللفظ هناك : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر رضي الله عنه وأنا أنهى عنهما.
    خطبة عمر هذه في المتعتين من المتسالم عليه بالألفاظ المذكورة غير أن أحمد إمام الحنابلة أخرج الحديث باللفظ الثاني لجابر وحذف منه ما حسبه خدمة للمبدأ ولفظه : فلما ولي عمر رضي الله عنه خطب الناس فقال : إن القرآن هو القرآن وإن رسول الله هو الرسول وإنهما كانتا متعتان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما متعة الحج والأخرى متعة النساء.
    3 ـ أخرج الحافظ ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب قال : نهى عمر عن متعتين : متعة النساء ومتعة الحج.
    الدر المنثور 2 ص 140 ، كنز العمال 8 ص 293 نقلا عن مسدد.
    4 ـ أخرج الطبري عن عروة بن الزبير أنه قال لابن عباس : أهلكت الناس قال :
1 ـ أضرب فيهما ، كذا في لفظ غير واحد ، وفي لفظ الجاحظ : أضرب عليهما.

(212)
وما ذاك ؟ قال : تفتيهم في المتعتين وقد علمت أن أبا بكر وعمر نهيا عنهما ؟ فقال : ألا للعجب إني أحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحدثني عن أبي بكر وعمر. فقال : هما كانا أعلم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتبع لها منك. كنز العمال 8 ص 293 ، مرآة الزمان للسبط الحنفي ص 99.
    5 ـ قال الراغب في المحاضرات 2 ص 94 : قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة : بمن اقتديت في جواز المتعة ؟ قال : بعمر بن الخطاب رضي الله عنه. قال : كيف وعمر كان أشد الناس فيها ؟ قال : لأن الخبر الصحيح إنه صعد المنبر فقال : إن الله ورسوله قد أحلا لكم متعتين وإني محرمهما عليكم وأعاقب عليهما. فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه.
    6 ـ أخرج الطبري في تاريخه 5 ص 32 عن عمران بن سوادة قال : صليت الصبح مع عمر فقرأ سبحان وسورة معها ثم انصرف وقمت معه فقال : أحاجة ؟ قلت : حاجة. قال : فإلحق. قال : فلحقت فلما دخل أذن لي فإذا هو على سرير ليس فوقه شئ فقلت : نصيحة. فقال : مرحبا بالناصح غدوا وعشيا قلت : عابت أمتك أربعا قال فوضع رأس درته في ذقنه ووضع أسفلها على فخذه ثم قال : هات.
    قلت : ذكروا إنك حرمت العمرة في أشهر الحج ولم يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر رضي الله عنه وهي حلال. قال : هي حلال لو إنهم اعتمروا في أشهر الحج رأوها مجزية من حجهم فكانت قائبة قوب عامها فقرع حجهم وهو بهاء من بهاء الله وقد أصبت.
    قلت : وذكروا إنك حرمت متعة النساء وقد كانت رخصة من الله نستمتع بقبضة ونفارق عن ثلاث.
    قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحلها في زمان ضرورة ثم رجع الناس إلى السعة ثم لم أعلم أحدا من المسلمين عمل بها ولا عاد إليها فالآن من شاء نكح بقبضة وفارق عن ثلاث بطلاق وقد أصبت.
    قال قلت : وأعتقت الأمة ذا بطنها بغير عتاقه سيدها.
    قال : ألحقت حرمة بحرمة وما أردت إلا الخير واستغفر الله.
    قلت : وتشكوا منك نهر الرعية وعنف السياق.
    قال : فشرع الدرة ثم مسحها حتى أتى على آخرها ، ثم قال : أنا زميل محمد ـ وكان زامله في غزوة قرقرة الكدر ـ فوالله إني لارتع فاشبع ، واسقي فأروي.
    وأنهز اللفوت (1) وأزجر العروض (2) وأذب قدري ، وأسوق خطوي ، وأضم العنود (3) والحق
1 ـ النهز : الضرب والدفع. واللفوت : الناقة الضجور عند الحلب.
2 ـ العروض : الناقة تأخذ يمينا وشمالا ولا نلزم المحجة
3 ـ العنود : المائل عن القصد.


(213)
القطوف (1) وأكثر الزجر ، وأقل الضرب ، وأشهر العصا ، وأدفع باليد ، لولا ذلك لا عذرت.
    قال : فبلغ ذلك معاوية فقال : كان والله عالما برعيتهم.
    وذكره ابن أبي الحديد في شرحه 3 ص 28 نقلا عن ابن قتيبة والطبري.
    7 ـ أخرج الطبري في ( المستبين ) عن عمر أنه قال : ثلث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا محرمهن ومعاقب عليهن : متعة الحج. ومتعة النساء. وحي على خير العمل في الأذان.
    وذكره القوشچي في شرح التجريد وسيوافيك قوله فيه.
    وحكاه عن الطبري الشيخ علي البياضي في كتابه ( الصراط المستقيم ).
    هذا شطر من أحاديث المتعتين وهي تربو على أربعين حديثا بين صحاح وحسان تعرب عن أن المتعتين كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيهما القرآن وثبتت إباحتهما بالسنة وأول من نهى عنهما عمر.
    وعده العسكري في أولياته ، والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص 93 ، والقرماني في تاريخه ـ هامش الكامل ـ 1 ص 203 ، أول من حرم المتعة.

نظرة في المتعتين
    هذه جملة مما ورد فيهما من الأحاديث ، وهي كما ترى بنفسها وافية باثبات تشريعهما على العهد النبوي كتابا وسنة من دون نسخ يعقب حكمهما ، أضف إليها من الأحاديث الكثيرة الدالة على إباحتهما ولم نذكرها لخلوها عن نهي عمر ، ولم يكن النهي منه في المتعتين إلا رأيا محضا أو اجتهادا مجردا تجاه النص ، أما متعة الحج فقد نهى عنها لما استهجنه من توجه الناس إلى الحج ورؤسهم تقطر ماء بعد مجامعة النساء بعد تمام العمرة ، لكن الله سبحانه كان أبصر منه بالحال ، ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعلم ذلك حين شرع إباحة متعة الحج حكما باتا أبديا إلى يوم القيامة كما هو نص الأحاديث الآنفة والآتية ، ولم يكن ما جاء به إلا استحسانا يخص به لا يعول عليه وجاه الكتاب والسنة.
    هذا ما رآه الخليفة هو بنفسه في مستند حكمه ، وهناك أقاويل منحوتة جاءوا بها
1 ـ القطوف : من الدواب التي تسئ السير.

(214)
شوهاء ليعضدوا تلك الفتوى المجردة ، ويبرروا بها ما قدم عليه الخليفة وتفرد به ، وكلها يخالف ما نص عليه هو بنفسه ، وهي أعذار مفتعلة لا يدعم قوما ولا يغني من الحق شيئا. فمنها :
    1 ـ إن المتعة التي نهى عنها عمر هي فسخ الحج إلى العمرة التي يحج بعدها. و تدفعه نصوص الصحاح المذكورة عن ابن عباس ، وعمران بن الحصين وسعد بن أبي وقاص ، ومحمد بن عبد الله بن نوفل ، وأبي موسى الأشعري ، والحسن ، وبعدها نصوص العلماء على أن المنهي عنه للخليفة هو متعة الحج والجمع بين الحج والعمرة.
    وقبل هذه كلها تنصيصي عمر نفسه على ذلك وتعليله للنهي عنها بقوله : إني أخشى أن يعرسوا بهن تحت الأراك ثم يروحوا به حجاجا.
    وقوله : إني لو رخصت في المتعة لهم لعرسوا بهن في الأراك ثم راحوا بهن حجاجا.
    وقوله : كرهت أن يظلوا معرسين بهن في الأراك ثم يروحون في الحج تقطر رؤسهم.
    وقال الشيخ بدر الدين العيني الحنفي في عمدة القاري شرح صحيح البخاري 4 ص 568 : قال عياض وغيره ما جازمين : بأن المتعة التي نهى عنها عمر وعثمان رضي الله عنهما هي فسخ الحج إلى العمرة لا العمرة التي يحج بعدها.
    قلت : يرد عليهم ما جاء في رواية مسلم في بعض طرقه التصريح بكونه متعة الحج ، وفي رواية له : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعمر بعض أهله في العشر. وفي رواية له جمع بين حج وعمرة. ومراده التمتع المذكور و هو الجمع بينها في عام واحد. ا ه‍.
    2 ـ إختصاص إباحة المتعة بالصحابة في عمرتهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحسب.
    عزوا ذلك إلى عثمان وإلى الصحابي العظيم أبي ذر الغفاري ، ويرد عليه كما في زاد المعاد لابن القيم 1 ص 213 : إن تلكم الآثار الدالة على الاختصاص بالصحابة بين باطل لا يصح عمن نسب إليه البتة ، وبين صحيح عن قائل غير معصوم لا يعارض به نصوص المشرع المعصوم ففي صحيحة الشيخين وغيرهما عن سراقة بن مالك قال : متعتنا هذه يا رسول الله لعامنا هذا أم للأبد ؟ قال : لا بل للأبد ـ لأبد الأبد ـ (1).
1 ـ صحيح البخاري 3 ص 148 كتاب الحج باب عمرة التنعيم ، صحيح مسلم 1 ص 346 ، كتاب الآثار للقاضي أبي يوسف ص 126 ، سنن ابن ماجة 2 ص 230 ، مسند أحمد 3 ص 388 و ج 4 ص 175 ، سنن أبي داود 2 ص 282 ، صحيح النسائي 5 ص 178 ، سنن البيهقي 5 ص 19.

(215)
    وفي صحيحه أخرى عن سراقة قال : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال : ألا إن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة (1).
    وفي صحيحة عن ابن عباس قال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (2) قال الترمذي بعده في صحيحه 1 ص 175 : وفي الباب عن سراقة بن مالك وجابر بن عبد الله ومعنى هذا الحديث : أن لا بأس بالعمرة في أشهر الحج ، وهكذا فسره الشافعي وأحمد وإسحق ، ومعنى هذا الحديث : أن أهل الجاهلية كانوا لا يعتمرون في أشهر الحج فلما جاء الاسلام رخص النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فقال : دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة يعني لا بأس بالعمرة في أشهر الحج. ا ه‍.
    وفي صحيحة عن عمر نفسه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبرئيل عليه السلام وأنا بالعقيق فقال : صل في هذا الوادي المبارك ركعتين وقل : عمرة في حجة فقد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة (3) فما أجرأ الخليفة على سنة أخبره بها رسول الله وأتى بها جبرئيل.
    وقال السندي في حاشية سنن ابن ماجة 2 ص 231 : ظاهر حديث بلال موافقة نهي عمر عن المتعة والجمهور على خلافه وإن المتعة غير مخصوصة بهم فلذلك حملوا المتعة بالفسخ والله أعلم. ا ه‍.
    وحديث بلال هذا من الأحاديث الدالة على اختصاص المتعة بالصحابة وفيه قال أحمد : لا يعرف هذا الرجل ، هذا حديث ليس إسناده بالمعروف ، ليس حديث بلال عندي بثبت وقال ابن القيم في زاد المعاد بعد نقله قول أحمد : قلت : ومما يدل على صحة قول الإمام أحمد وإن هذا الحديث لا يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن المتعة إنها للأبد ، فنحن نشهد بالله أن حديث بلال هذا لا يصح عن رسول الله ، وهو غلط عليه وكيف تقدم رواية بلال على روايات الثقات الاثبات ـ إلى أن قال : قال المجوزون للفسخ : هذا قول فاسد لا شك فيه بل هذا رأي لا شك فيه ،
1 ـ مسند أحمد 4 ص 957 ، سنن ابن ماجة 2 ص 229 ، سنن البيهقي 4 ص 552 ،
2 ـ صحيح مسلم 1 ص 355 ، سنن الدارمي 2 ص 51 ، صحيح الترمذي 1 ص 175 ، سنن أبي داود 1 ص 283 ، سنن النسائي 5 ص 181 ، سنن البيهقي 4 ص 344. تفسير ابن كثير 1 ص 230 وصححه
3 ـ أخرجه البيهقي في سننه 5 ص 13 وقال : رواه البخاري في الصحيح.


(216)
وقد صرح بأنه رأي من هو أعظم من عثمان وأبي ذر وعمران بن حصين ففي الصحيحين واللفظ للبخاري تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل القرآن فقال رجل برأيه ما شاء ، ولفظ مسلم : نزلت آية المتعة في كتاب الله عز وجل يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم تنزل آية تنسخ متعة الحج ولم ينه عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى مات قال رجل برأيه ما شاء. وفي لفظ : يريد عمر. وقال عبد الله بن عمر لمن سأله عنها وقال إن أباك نهى عنها : أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق أن يتبع أو أبي ؟ وقال ابن عباس لمن كان يعارضه فيها بأبي بكر وعمر : يوشك أن ينزل عليكم حجارة من السماء أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقولون : قال أبو بكر وعمر.
    فهذا جواب العلماء لا جواب من يقول : عثمان وأبو ذر أعلم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منكم ، وهلا قال ابن عباس وعبد الله بن عمر : أبو بكر وعمر أعلم برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منا ؟ ولم يكن أحد من الصحابة ولا أحد من التابعين يرضى بهذا الجواب في دفع نص عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهم كانوا أعلم بالله ورسوله وأتقى له من أن يقدموا على قول المعصوم رأي غير المعصوم.
    ثم ثبت النص عن المعصوم بأنها باقية إلى يوم القيامة ، وقد قال ببقائها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وابن عباس وأبو موسى وسعيد بن المسيب وجمهور التابعين.
    ويدل على أن ذلك رأي محض لا ينسب إلى أنه مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما نهى عنها قال له أبو موسى الأشعري : يا أمير المؤمنين ما أحدثت في شأن النسك ؟ فقال : إن نأخذ بكتاب ربنا فإن الله يقول : وأتموا الحج والعمرة لله. وإن نأخذ بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل حتى نحر. فهذا اتفاق من أبي موسى وعمر على أن منع الفسخ إلى المتعة والاحرام بها ابتداء إنما هو رأي منه أحدثه في النسك ليس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن استدل له بما استدل ، و أبو موسى كان يفتي الناس بالفسخ في خلافة أبي بكر رضي الله عنه كلها وصدرا من خلافة عمر حتى فاوض عمر رضي الله عنه في نهيه عن ذلك واتفقا على أنه رأي أحدثه


(217)
عمر رضي الله عنه في النسك ثم صح عنه الرجوع عنه. ا ه‍. (1).
    وقال العيني في عمدة القاري 4 ص 562 : فإن قلت : روي عن أبي ذر أنه قال : كانت متعة الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة ، في صحيح مسلم.
    قلت : قالوا : هذا قول صحابي يخالف الكتاب والسنة والاجماع وقول من هو خير منه.
    أما الكتاب فقوله تعالى : فمن تمتع بالعمرة إلى الحج.
    وهذا عام ، وأجمع المسلمون على إباحة التمتع في جميع الأعصار وإنما اختلفوا في فضله ، وأما السنة فحديث سراقة : المتعة لنا خاصة أو هي للابد ؟ قال : بل هي للابد ، وحديث جابر المذكور في صحيح مسلم في صفة الحج نحو هذا ، ومعناه إن أهل الجاهلية كانوا لا يجيزون التمتع ولا يرون العمرة في أشهر الحج إلا فجورا فبين النبي صلى الله عليه وسلم إن الله قد شرع العمرة في أشهر الحج وجوز المتعة إلى يوم القيامة رواه سعيد بن منصور من قول طاووس وزاد فيه فلما كان الاسلام أمر الناس أن يعتمروا في أشهر الحج فدخلت العمرة في أشهر الحج إلى يوم القيامة.
    وقد خالف أبا ذر علي وسعد وابن عباس وابن عمر وعمران بن حصين وسائر الصحابة وسائر المسلمين قال عمران : تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فيه القرآن فلم ينهنا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم ينسخها شئ فقال فيها رجل برأيه ما شاء.
    متفق عليه وقال سعد بن أبي وقاص : فعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني المتعة وهذا يعني الذي نهى عنها يومئذ كافر بالعرش يعني بيوت مكة. رواه مسلم. ا ه‍.
    يعني به معاوية بن أبي سفيان كما في صحيح مسلم.
    فرأي الخليفة وأمره بالعمرة في غير أشهر الحج عود إلى الرأي الجاهلي قصده أو لم يقصد ، فإن أهل الجاهلية كما سمعت كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج ، قال ابن عباس : والله ما أعمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة في ذي الحجة إلا ليقطع بذلك أمر أهل الشرك.
    وقال : كانوا يرون أن العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض (2).
    3 ـ ما أخرجه أبو داود في سننه 1 ص 283 عن سعيد بن المسيب أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فشهد عنده أنه سمع رسول الله
1 ـ زاد المعاد 1 ص 215.
2 ـ صحيح البخاري 3 ص 69 ، صحيح مسلم 1 ص 355 ، سنن البيهقي 4 ص 345 ، سنن النسائي 5 ص 180.


(218)
صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهى عن العمرة قبل الحج.
    وأجاب عنه بدر الدين العيني في عمدة القاري 4 ص 562 بقوله : أجيب عن هذا بأنه حالة مخالفة للكتاب والسنة والاجماع كحديث أبي ذر ، بل هو أدنى حالا منه فإن في إسناده مقالا. ا ه‍.
    وأجاب عنه الزرقاني في شرح الموطأ 2 ص 180 بأن إسناده ضعيف ومنقطع كما بينه الحفاظ.
    أعطف إلى حديث ذلك الرجل الذي لم يعرف ولعله لم يولد بعد ما أخرجه أبو داود في سننه 1 ص 283 عن معاوية بن أبي سفيان إنه قال لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : هل تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كذا وكذا وركوب جلود النمور ؟ قالوا : نعم.
    قال : فتعلمون أنه نهى أن يقرن بين الحج والعمرة ؟ فقالوا : أما هذا فلا.
    فقال : أما إنه معن ولكنكم نسيتم.
    سبحانك اللهم ما أجرأهم على نواميس الدين فلو كان مثل متعة الحج الذي يشمل حكمها في كل سنة مآت من ألوف الناس نزل فيها القرآن وفعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ينهى عنها صلى الله عليه وآله وسلم وينساه كل الصحابة وفيهم كثيرون طالت أيام صحبتهم ، ولم يتفوه به أي أحد ، ولم يذكره إلا معاوية بن أبي سفيان المتأخر إسلامه عن أكثرهم ، المستتبع لقصر صحبته وقلة سماعه ولا يفوه به إلا بعد لأي من عمر الدهر يوم تولى الأمر وراقه أن يحذو حذو من تقدمه ؟ فأي ثقة تبقى بالأحكام عندئذ ؟ وأي اعتماد يحصل للمسلم عليها ؟ ولعمر الحق ليست هذه كلها إلا لعبا بالشريعة المطهرة وتسريبا للأهواء فيها ، وما كانت هي عند أولئك الرجال إلا قوانين سياسية وقتية تدور بنظر من ساسها ورأي من تولى أزمتها.
    وشفع الحديثين بما رواه أحمد (1) في رواية من أن أول من نهى عنها معاوية وتمتع أبو بكر وعمر وعثمان.
    وفي أخرى (2) أن أبا بكر نهى عنه.
    فهو مضاد في معاوية لجميع ما تقدم من الصحاح ، وفي أبي بكر لأكثرها ، وأحسب أن من لفق الرواية
1 ـ مسند أحمد 1 ص 292 ، 313 ، وأخرجه الترمذي في صحيحه 1 ص 157.
2 ـ مسند أحمد 1 ص 337 ، 353.


(219)
الأولى أراد تخفيفا عن عمر بإلقاء النهي على عاتق معاوية ، ومن اختلق الثانية جعل ذلك الرأي من سنة الشيخين ليقوى جانبه ذاهلا عن أن الكتاب والسنة يأتيان على كل قول وفتوى يتحيزان عنهما لأي قائل كان القول ، ومن أي مفت صدرت الفتوى.
    قال العيني في عمدة القاري 4 ص 562 : فإن قلت : قد نهى عنها عمر وعثمان و معاوية ؟ قلت : قد أنكر عليهم علماء الصحابة وخالفوهم في فعلها والحق مع المنكرين عليهم دونهم. ا ه‍.
    ولم يكن عزو التمتع إلى عثمان في حديث أحمد والترمذي إلا من ذاهل مغفل عن أحاديث كثيرة دالة على نهيه عنه أخرجها أئمة الحديث وحفاظه في الصحاح والمسانيد (1) وفيها اعتراضه على مثل علي أمير المؤمنين وتمتعه بقوله : تراني أنهى الناس عن شئ وأنت تفعله ؟ فقال ( عليه السلام ) : ما كنت لأدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحد من الناس (2) وفي حديث آخر عند البخاري : فقال علي : ما تريد إلا أن تنتهي عن أمر فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم (3) وقد بلغت شدة نكير عثمان على من تمتع إلى حد كاد أن يقتل من جرائه مولانا أمير المؤمنين أخرج أبو عمر في كتاب جامع العلم 2 ص 30 وفي مختصره صحيفة 111 عن عبد الله بن الزبير أنه قال : أنا والله لمع عثمان بالجحفة ومعه رهط من أهل الشام وفيهم حبيب بن مسلمة الفهري إذ قال عثمان وذكر له التمتع بالعمرة إلى الحج : أن أتموا الحج وخلصوه في أشهر الحج فلو أخرتم هذه العمرة حتى تزوروا هذا البيت زورتين كان أفضل فان الله قد وسع في الخير.
    فقال له علي : عمدت إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ورخصة رخص للعباد بها في كتابه ، تضيق عليهم فيها وتنهي عنها ، و كانت لذي الحاجة ولنائي الدار ، ثم أهل بعمرة وحجة معا ، فأقبل عثمان على الناس فقال : وهل نهيت عنها ؟ إني لم أنه عنها إنما كان رأيا أشرت به ، فمن شاء أخذ به ، خح
1 ـ صحيح البخاري 3 ص 69 ، 71. صحيح مسلم 1 ص 349. صحيح النسائي 5 ص 152 ، مستدرك الحاكم 1 ص 472 ، سنن البيهقي 5 ص 22 ، تيسير الوصول 1 ص 282.
2 ـ صحيح البخاري 3 ص 69 ط سنة 1279 في عشرة مجلدات ، سنن النسائي 5 ص 148 سنن البيهقي 4 ص 352 و ج 5 ص 22.
3 ـ وأخرجه مسلم في صحيحه 1 ص 349.


(220)
من شاء تركه. قال : فما أنسى قول رجل من أهل الشام مع حبيب بن مسلمة : انظر إلى هذا كيف يخالف أمير المؤمنين ؟ والله لو أمرني لضربت عنقه. قال : فرفع حبيب يده فضرب بها في صدره وقال : اسكت فض الله فاك فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلم بما يختلفون فيه.
    وبما ذكر يظهر فساد بقية ما قيل من الوجوه المبررة لرأي الخليفة ، ومن ابتغى وراء ذلك تفصيلا في الموضوع فعليه بزاد المعاد لابن القيم الجوزية ج 1 ص 177 ـ 225.

    أما متعة النساء :
    فالذي يظهر من كلمات عمر إنه كان يعدها من السفاح ولذلك قال في حديث مر في صحيفة 207 ، بينوا حتى يعرف النكاح من السفاح.
    ولم يكن عند ذلك وفي عهد الصحابة كلهم من حديث النسخ عين ولا أثر ، وكان إذا شجر بينهم خلاف في ذلك استند المجوزون إلى الكتاب والسنة ، والمانعون إلى قول عمرو نهيه عنها ، كما ينفي النسخ بكل صراحة قول الخليفة أنا أنهى عنهما ، وهو صريح ما مر عن أمير المؤمنين عليه السلام وعبد الله بن العباس من إسناد النهي إلى عمر فحسب ، وسيأتي عن ابن عباس قوله : إن آية المتعة محكمة.
    يعني لم تنسخ ، ومر في ص 206 عن الحكم : إنها غير منسوخة ولي هذا استند كلم من أباحها من الصحابة والتابعين ومنهم :
    1 ـ عمران بن الحصين ، مر حديثه ص 208.
    2 ـ جابر بن عبد الله ، مر حديثه ص 208 و 209 ـ 11.
    3 ـ عبد الله بن مسعود ، يأتي حديث قرائته فما استمتعتم به منهن إلى أجل.
    وعده ابن حزم في المحلي والزرقاني في شرح الموطأ ممن ثبت على إباحتها.
    وأخرج الحفاظ عنه أنه قال : كنا نغز ومع رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس نساءنا فقلنا : يا رسول الله ألا نستخصي فنهانا عن ذلك ورخص لنا أن ننكح بالثوب إلى أجل ثم قال : لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم (1).
1 ـ صحيح البخاري 8 ص 7 كتاب النكاح. صحيح مسلم 1 ص 354 ، صحيح أبي حاتم البستي ، أحكام القرآن للجصاص 2 ص 184 ، سنن البيهقي ك 7 ص 200. تفسير القرطبي 5 ص 130 نقلا عن صحيح البستي ، تفسير ابن كثير 2 ص 87 ، الدر المنثور 2 ص 307 نقلا عن تسعة من الأئمة والحفاظ.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس