الغدير ـ الجزء السادس ::: 231 ـ 240
(231)
    وقال في بيان الخلاف في من تمتع بها : وفي رواية أخرى عن مالك : لا يرجم لأن نكاح المتعة ليس بحرام ولكن لأصل آخر لعلمائنا غريب انفردوا به دون ساير العلماء ، وهو أن ما حرم بالسنة هل هو مثل ما حرم بالقرآن أم لا ؟ فمن رواية بعض المدنيين عن مالك إنهما ليسا بسواء وهذا ضعيف.
    وقال أبو بكر الطرسوسي : ولم يرخص في نكاح المتعة إلا عمران بن حصين وابن عباس وبعض الصحابة وطائفة من أهل البيت ، وفي قول ابن عباس يقول الشاعر :
أقول للركب إذ طال الثواء بنا في بضة رخصة الأطراف ناعمة : يا صاح هل لك من فتيا ابن عباس تكون مثواك حتى مرجع الناس ؟
    وسائر العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين على أن هذه الآية منسوخة. ص 133.
    قال الأميني : فترى إن القول بنزول الآية في المتعة رأي العلماء والفقهاء من الصحابة والتابعين والسلف الصالحين غير إنهم يعزى إليهم عند القرطبي القول بالنسخ وقد عرفت حق القول فيه.
    وقال القرطبي أيضا في تفسيره ج 5 ص 35 في قوله تعالى : ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة.
    قال القائلون بأن الآية في المتعة هذه إشارة إلى ما تراضيا عليه من زيادة في مدة المتعة في أول الاسلام فإنه كان يتزوج المرأة شهرا على دينار مثلا فإذا انقضى الشهر فربما كان يقول : زيديني في الأجل أزدك في المهر ، بين أن ذلك كان جائزا عند التراضي.
    م ـ قال أبو الوليد محمد بن أحمد القرطبي الشهير بابن رشد المتوفى 595 في بداية المجتهد ج 2 ص 58 : إشتهر عن ابن عباس تحليلها ( المتعة ) وتبع ابن عباس على القول بها أصحابه من أهل مكة وأهل اليمن ورووا : إن ابن عباس كان يحتج لذلك بقوله تعالى : فما استمتعتم به منهن فآتوهن أجورهن فريضة ولا جناح عليكم.
    وفي حرف عنه : إلى أجل مسمى ).
    9 ـ ذكر أبو عبد الله فخر الدين الرازي الشافعي المتوفى 606 في تفسيره الكبير 3 ص 200 قولين في الآية وقال أحدهما قول أكثر العلماء.


(232)
    والقول الثاني : أن المراد بهذه الآية حكم المتعة وهي عبارة إن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها واتفقوا على إنها كانت مباحة في ابتداء الاسلام واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا ؟ فذهب السواد الأعظم من الأمة إلى أنها صارت منسوخة.
    وقال السواد منهم : إنها بقيت مباحة كما كانت ، وهذا القول مروي عن ابن عباس وعمران بن الحصين ، أما ابن عباس فعنه ثلاث روايات ( ثم ذكر الروايات ) فقال : وأما عمران بن الحصين فإنه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل بعدها آية تنسخها وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعا بها.
    ومات ولم ينهنا عنه ثم قال رجل برأيه ما شاء.
    وذكر في صحيفة 201 قراءة أبي وابن عباس كما مر عن الطبري.
    وقال في ص 203 : إن قراءة أبي وابن عباس بتقدير ثبوتها لا تدل إلا على أن المتعة كانت مشروعة ونحن لا ننازع فيه إنما الذي نقوله إن النسخ طرأ عليه.
    10 ـ ذكر الحافظ أبو زكريا النووي الشافعي المتوفى 676 في شرح صحيح مسلم ج 9 ص 181 ، إن عبد الله بن مسعود قرأ : فما استمعتم به منهن إلى أجل.
    11 ـ قال القاضي أبو الخير البيضاوي الشافعي المتوفى 685 في تفسيره 1 ص 259 : قيل نزلت الآية في المتعة التي كانت ثلاثة أيام حين فتحت مكة ثم نسخت كما روي إنه عليه الصلاة والسلام أباحها ثم أصبح يقول : أيها الناس إني كنت أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ألا إن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة (1) وهي النكاح الموقت بوقت معلوم سمي بها.
    12 ـ قال علاء الدين البغدادي المتوفى 841 : في تفسيره المعروف بتفسير الخازن ج 1 ص 357 : قال قوم : المراد من حكم الآية هو نكاح المتعة وهو أن ينكح امرأة إلى مدة معلومة بشئ معلوم فإذا انقضت تلك المدة بانت منه بغير طلاق ويستبرئ رحمها وليس بينهما ميراث وكان هذا في ابتداء الاسلام ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المتعة ثم ذكر حديث سبرة المذكور في لفظ البيضاوي فقال : وإلى هذا ذهب جمهور العلماء من الصحابة فمن بعدهم ، أي إن نكاح المتعة حرام والآية منسوخة واختلفوا
1 ـ هذا يبطل غير واحد من الأقوال المذكورة في صحيفة 225 ، 226.

(233)
في ناسخها فقيل نسخت بالسنة وهو ما تقدم من حديث سبرة ...
    وهذا على مذهب من يقول : إن السنة تنسخ القرآن ، ومذهب الشافعي إن السنة لا تنسخ القرآن فعلى هذا يقول : إن ناسخ هذه الآية قوله تعالى في سورة المؤمنون : والذين هم لفروجهم حافظون. الآية.
    ثم ذكر روايات ابن عباس ومنها : إن الآية محكمة لم تنسخ.
    13 ـ قال ابن جزي محمد بن أحمد الغرناطي المتوفى 741 ، في تفسيره التسهيل 1 ص 137 : قال ابن عباس (1) وغيره : معناها إذا استمعتم بالزوجة ووقع الوطئ فقد وجب إعطاء الأجر وهو الصداق كاملا ، وقيل : إنها في نكاح المتعة وهو النكاح إلى أجل من غير ميراث ، وكان جائزا في أول الاسلام فنزلت هذه الآية في وجوب الصداق فيه ثم حرم عند جمهور العلماء ، فالآية على هذا منسوخة بالخبر الثابت في تحريم نكاح المتعة ، وقيل : نسختها آية الفرائض لأن نكاح المتعة لا ميراث فيه ، وقيل : نسختها والذين هم لفروجهم حافظون ، وروي عن ابن عباس : جواز نكاح المتعة. وروي : أنه رجع عنه (2).
    14 ـ ذكر أبو حيان محمد بن يوسف الأندلسي المتوفى 745 في تفسيره 3 ص 218 قرائة ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى.
    وقال : قال ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم : إن الآية في نكاح المتعة.
    وقال ابن عباس لأبي نضرة : هكذا أنزلها الله.
    15 ـ قال الحافظ عماد الدين ابن كثير الدمشقي الشافعي المتوفى 774 في تفسيره 1 ص 474.
    وقد استدل بعموم هذه الآية على نكاح المتعة ولا شك أنه كان مشروعا في ابتداء الاسلام ثم نسخ بعد ذلك.
    ثم قال بعد ذكر بعض أقوال النسخ : وكان ابن عباس وأبي بن كعب وسعيد بن جبير والسدي يقرؤن : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى. وقال مجاهد : نزلت في نكاح المتعة. ولكن الجمهور على خلاف ذلك والعمدة
1 ـ تكذب هذه النسبة إلى ابن عباس قراءته الآية فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى وهي ثابتة عن كما مر ويأتي.
2 ـ كيف يرجع عنه وهو يرى الآية محكمة لم تنسخ ؟ وقد مر ويأتي ما يكذب هذا العزو إليه ، وقد قال به إلى آخر نفس لفظه.


(234)
ما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (1).
    16 ـ قال الحافظ جلال الدين السيوطي المتوفى 911 في ( الدر المنثور ) 2 ص 140 : أخرج الطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس : كانت المتعة في أول الاسلام و كانوا يقرؤن هذه الآية : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى.
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنباري في المصاحف والحاكم وصححه من طرق عن أبي نضرة قال : قرأت على ابن عباس.
    وقد مر ص 229 وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وأخرج ابن الأنباري في المصاحف عن سعيد بن جبير قرائة أبي بن كعب : فما استمتعتم به منهن إلى أجل ، وأخرج عبد الرزاق عن عطاء قراءة ابن عباس.
    وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد : فما استمتعتم به منهن : قال : يعني نكاح المتعة.
    وأخرج ابن جرير عن السدي في الآية قال : هذه المتعة.
    وأخرج عبد الرزاق وأبو داود في ناسخة وابن جرير عن الحكم إنه سئل عن هذه الآية أمنسوخة ؟ قال : لا.
    17 ـ قال أبو السعود العمادي الحنفي المتوفى 982 في تفسيره ( هامش تفسير الرازي ) 3 ص 251 قيل : نزلت في المتعة التي هي النكاح إلى وقت معلوم من يوم أو أكثر سميت بذلك لأن الغرض منها مجرد الاستمتاع بالمرأة واستمتاعها بما يعطي ، وقد أبيحت ثلاثة أيام حين فتحت مكة شرفها الله تعالى ثم نسخت لما روي إنه عليه السلام أباحها ثم أصبح يقول : يا أيها الناس إني أمرتكم بالاستمتاع من هذه النساء ألا إن الله حرم ذلك إلى يوم القيامة (2) وقيل : أبيح مرتين وحرم مرتين.
    18 ـ قال القاضي الشوكاني المتوفى 1250 في تفسيره 1 ص 414 : قد اختلف أهل العلم في معنى الآية فقال الحسن ومجاهد (3) وغيرهما : المعنى فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع
1 ـ عرفت بعض القول حول هذه الصحيحة في صحيفة 222.
2 ـ عرفت أن هذا القول يبطل الأقوال الأخر في النسخ وهي تناقض هذا فراجع.
3 ـ سمعت عن الطبري وعبد بن حميد وأبي خيان وابن كثير والسيوطي إن مجاهدا من رواة القول بنزولها في المتعة ومن هنا عد ممن ثبت على إباحتها ، فعزو خلاف ما جاء عن السلف إليه من صنايع الأهواء.


(235)
من النساء بالنكاح الشرعي فآتوهن أجورهن أي مهورهن ، وقال الجمهور : إن المراد بهذه الآية : نكاح المتعة الذي كان في صدر الاسلام ، ويؤيد ذلك قرائة أبي بن كعب وابن عباس وسعيد بن جبير : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى فآتوهن أجورهن.
    ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم كما صح ذلك من حديث علي قال : نهى النبي عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر (1) ثم ذكر حديث النهي عنها يوم فتح مكة ويوم حجة الوداع فقال : فهذا هو الناسخ ، وحكى عن سعيد بن جبير نسخها بآية الميراث إذ المتعة لا ميراث فيها (2) وعن عائشة والقاسم بن محمد : نسخها بآية والذين هم لفروجهم حافظون.
    ثم قال في قوله تعالى ( ولا جناح عليكم فيما تراضيتم به من بعد الفريضة ) : أي من زيادة أو نقصان في المهر فإن ذلك سائغ عند التراضي ، هذا عند من قال بأن الآية في النكاح الشرعي ، وأما عند الجمهور القائلين بأنها في المتعة فالمعنى التراضي في زيادة مدة المتعة أو نقصانها أو في زيادة ما دفعه إليها إلى مقابل الاستمتاع بها أن نقصانه.
    19 ـ ذكر شهاب الدين أبو الثناء السيد محمد الآلوسي البغدادي المتوفى 1270 في تفسيره 5 ص 5 قراءة ابن عباس وعبد الله بن مسعود الآية : فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى ، ثم قال ، ولا نزاع عندنا في إنها أحلت ثم حرمت ، والصواب المختار إن التحريم والاباحة كانا مرتين ، وكانت حلالا قبل يوم خيبر ثم حرمت يوم خيبر ، (3) ثم أبيحت يوم فتح مكة وهو يوم أو طاس لاتصالهما ثم حرمت يومئذ بعد ثلاث (4) تحريما مؤبدا إلى يوم القيامة.
    هلم معي :
    هلم معي أيها القارئ نسائل الرجل ـ موسى جار الله ـ عن هذه الكتب أليست
1 ـ عرفت الحال في هذا الحديث الصحيح الذي هو عمدة مستند القوم في النهى عن المتبعة راجع ص 211.
2 ـ عزو القول بالنسخ إلى سعيد يكذبه عد السلف إياه فيمن ثبت على القول بإباحتها.
3 ـ عرفت في ص 226 عن السهيلي إن هذا شئ لا يعرفه أحد من أهل السير ورواة الأثر.
4 ـ هذا يبطل القول بالتحريم في حجة الوداع بعد إباحتها وحكى النووي في شرح مسلم عن أبي داود إنه يراه أصح ما روى في ذلك. وهكذا كل قول من تلكم الأقوال يكذب الآخر ويبطله ، والحق يبطل الجميع ، والحق أحق أن يتبع.


(236)
هي مراجع أهل السنة في علم القرآن ؟ أليس هؤلاء أعلامهم وأئمتهم في التفسير ؟ أليس من واجب الباحث أن يراجع تلكم الكتب ثم ينقض ويبرم ، ويزن ويرجح ؟ أيوجه قوارصه إلى مثل ابن عباس ترجمان القرآن ، وأبي بن كعب أقرأ الصحابة ـ عندهم ـ وعبد الله بن مسعود ( عالم الكتاب والسنة ) وعمران بن حصين ، والحكم ، وحبيب بن أبي ثابت ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومجاهد ؟ أيرى كلا منهم جاهلا يدعي ولا يعي ؟ أليس هذا سب الصحابة والسلف الصالح الذي تتهم به الشيعة عند قومه ؟ أم يرى رجالات قومه من الشيعة ويسلقهم بألسنة حداد ؟ فإن لم تكن عنده قيمة لمثل البخاري. ومسلم. وأحمد. والطبري. ومحمد بن كعب. وعبد بن حميد. وأبي داود. وابن جريج. والجصاص. وابن الأنباري. والبيهقي. والحاكم. والبغوي. والزمخشري. والأندلسي. والقرطبي. والفخر الرازي. والنووي. والبيضاوي. والخازن. وابن جزي. وأبي حيان. وابن كثير. وأبي السعود. والسيوطي. والشوكاني. والآلوسي.
    فمن قدوته وأسوته في العلم والدين ؟ نعم : لا يفوتنا أن أكاذيب الرجل وأساطيره المسطرة وعز والقول بنزول الآية إلى الشيعة فحسب كلها تقدمة لسب الإمامين الطاهرين الباقر والصادق ، وهو يعلم وكل ذي نصفة يدري إن أئمة قومه الأربعة عايلة الإمامين في علمهما ، فإن يوجد عندهم شئ من العلم فمن ذلك النمير العذب ، والباقران هما الباقران ، وموسى الوشيعة هو موسى الوشيعة ، والله هو الحكم العدل ، وإلى الله المشتكى.
    وهلم نسائل الرجل عن أدب البيان الذي شعر به هو وخفي على هؤلاء الأعلام في القرون الخالية ، وعن الاختلال الذي عرفه هو وجهله أئمة القوم على تقدير القول بنزول الآية في المتعة ما هو ؟ وأين كان ؟ وعمن يؤثر ؟ ومن الذي قال به ؟ وما الحجة عليه ؟ وممن أخذه ؟ ولم كتمه الأولون والآخرون حتى انتهت النوبة إليه ؟ لا أحسب إنه يحير جوابا يشفي الغليل ، ولعله يعيد سبابه المقذع إلى أناس آخرين.
    حدود المتعة في الاسلام :
    1 : الأجرة.
    2 : الأجل.


(237)
    3 : العقد المشتمل للإيجاب والقبول.
    4 : الافتراق بانقضاء المدة أو البذل.
    5 : العدة أمة وحرة حائلا وحاملا.
    6 : عدم الميراث.
    إن هذه الحدود ذكرها الفقهاء في مدوناتهم الفقهية ، والمحدثون في الصحاح والمسانيد ، والمفسرون في ذيل الآية الكريمة الآنفة ، فوقع إصفاقهم على أنها حدود شرعية إسلامية لا محيص عنها ، سواء فيها من يقول بالإباحة الدائمة أو بالإباحة الموقتة المنسوخة ، فأين يكون مقيل كلمة الرجل : إنها من الأنكحة الجاهلية التاريخية ولم تكن بإذن من الشارع ؟ ومتى كان في الجاهلية نكاح بهذه الحدود ، وقد ضبطوا أنكحتها وعاداتها وتقاليدها وليس فيها ما يشابه نكاح المتعة.
    نعم : الرجل يتقول ولا يكترث لما يقول ، وقد أسلفنا جمعا ممن ذكر حدود نكاح المتعة في الجزء الثالث ص 331.
    ولماذا يكون ابن جريج مسرفا في إتيان الفاحشة التي نزلت في أشد المحرمات في مزعمة ( موسى ) ، ولو كان ابن جريج متهاونا بالدين ، فلماذا أخرج عنه أئمة الحديث أرباب الصحاح الست كلهم ، وحشو المسانيد مروياته وأسانيده ؟ وقد سمعوا منه اثني عشر ألف حديث يحتاج إليها الفقهاء (2) ولو فسد مثله أو فسدت روايته لوجب أن تمحى صحائف جمة من جوامع الحديث ، ولا تبقى قيمة لتلكم الصحاح عندئذ ، ولو كان كما يزعمه فلماذا أطرته أئمة الرجال بكل ثناء جميل ؟ وكيف رآه أحمد إمام الحنابلة أثبت الناس ، وكيف كانوا يسمون كتبه كتب الأمانة ؟ (2).
    ثم ماذا على الرجل إن عمل بما أدى إليه اجتهاده وهو يروي في ذلك ثمانية عشر حديثا ؟ وأما حديث عدوله عن رأيه فإن صدق نقل الرجل عن أبي عوانه وصدق إسناد أبي عوانة ، ولو كان لبان وظهر وتناقلته الفقهاء ، ولم ينحصر نقله بواحد عن واحد ، ولا سيما وابن جريح هو ذلك المصر على رأيه عمليا وعلميا ، وإني أحسب أن عز والعدول
1 ـ مفتاح السعادة 2 ص 120.
2 ـ راجع تهذيب التهذيب 6 ص 404.


(238)
إلى هذا الرجل لدة عزوه إلى حبر الأمة عبد الله بن العباس الذي كذبه من كذبه كما عرفت.
    وأما ما عزاه ( موسى ) إلى الحكومة الايرانية في إدخال المنع عن المتعة في جملة إصلاحاتها ونسخها نسخا قطعيا بتاتا ، ومنعها منعا بتا فكبقية مفتعلاته ، فما أعوزته الحجة ، وضاقت عليه المحجة ، وغدا محجوجا أعيت عليه البراهين ، إلى أن محج وأفك ، واحتج بما لم تسمعه أذن الدنيا ، وقابل الكتاب والسنة بتاريخ مفتعل على حكومة إسلامية لم تأب بشئ جديد قط في المتعة ، وعلى تقدير تحقق فريته فأي قيمة لذلك تجاه ما هتف به النبي الأعظم وكتابه المقدس.
    اقرأ واضحك أو ابك
    ذكر القوشچي المتوفى 879 في شرح التجريد في مبحث الإمامة أن عمر قال وهو على المنبر : أيها الناس ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهن و أحرمهن وأعاقب عليهن : متعة النساء. ومتعة الحج. وحي على خير العمل. ثم اعتذر عنه بقوله : إن ذلك ليس مما يوجب قدحا فيه فإن مخالفة المجتهد لغيره في المسائل الاجتهادية ليس ببدع. ا ه‍.
    ما كنا نقدر أن ضليعا في العلم يقابل النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بواحد من أمته ويجعل كلا منهما مجتهدا ، وما ينطقه الرسول الأمين هو عين ما ثبت في اللوح المحفوظ وإن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى ، فأين هو عن الاجتهاد برد الفرع إلى الأصل ، واستعمال الظنون في طريق الاستنباط ؟ وإن السائغ من المخالفة الاجتهادية هو ما إذا قابل المجتهد مجتهدا مثله لا من اجتهد تجاه النص المبين ، وارتأى أمام تصريحات الشريعة من قول الشارع وعمله.
    ثم أي مستوى يقل سيد أولي الألباب وهذا الرجل في عرض واحد فهما و إدراكا حتى يقابل بين رأييهما ؟ وأي قيمة لآراء العالمين جميعا إذا خالفت ما جاء به المشرع الأقدس ؟ لكني أعذر القوشچي لالتزامه بدحض كل ما جاء به نصير الدين الطوسي لئلا يعزى إليه العجز والتواني في الحجاج ، فلا بد أن يأتي بكل ما دب ودرج سواء كان حجة له أو وبالا عليه.


(239)
    م ـ وقال ابن القيم في زاد المعاد 1 ص 444 : فإن قيل : فما تصنعون بما رواه مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله قال : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر حتى نهى عنها عمر في شأن عمرو بن حريث وفيما ثبت عن عمر أنه قال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا أنهى عنهما : متعة النساء ومتعة الحج ؟ قيل : الناس في هذا طائفتان : طائفة تقول : إن عمر هو الذي حرمها ونهى عنها وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباع ما سنه الخلفاء الراشدون (1) ولم تر هذه الطائفة تصحيح حديث سبرة بن معبد في تحريم المتعة عام الفتح (2) فإنه من رواية عبد الملك بن الربيع ابن سبرة عن أبيه عن جده وقد تكلم فيه ابن معين ولم ير البخاري إخراج حديثه في صحيحه مع شدة الحاجة إليه ، وكونه أصلا من أصول الاسلام ، ولو صح عنده لم يصبر عن إخراجه والاحتجاج به ، قالوا : ولو صح حديث سبرة لم يخف على ابن مسعود حتى يروي إنهم فعلوها ويحتج بالآية.
    وأيضا ولو صح لم يقل عمر إنها كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنها وأعاقب عليها ، بل كان يقول : إنه صلى الله عليه وسلم حرمها ونهى عنها.
    قالوا : ولو صح لم تفعل على عهد الصديق وهو عهد خلافة النبوة حقا.
    والطائفة الثانية رأت صحة حديث سبرة ولو لم يصح فقد صح حديث علي رضي الله عنه : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم متعة النساء فوجب حمل حديث جابر على أن الذي أخبر عنها بفعلها لم يبلغه التحريم ، ولم يكن قد اشتهر حتى كان زمن عمر رضي الله عنه فلما وقع فيها النزاع ظهر تحريمها واشتهر وبهذا تأتلف الأحاديث الواردة فيها وبالله التوفيق.
    قال الأميني : أني يتأتى الجمع بين أحاديث الباب المتضاربة من شتى النواحي بصحيحة مزعومة ؟ ومتى تصح ؟ وكيف يتم عزوها المختلق إلى أمير المؤمنين عليه السلام وبين يدي الأمة قوله الصحيح الثابت : لولا أن عمر نهى عن المتعة ما زنى إلا شقي (3) وقد صح عنه عليه السلام مذهبه إلى تحليل المتعة ، كما إن أبناء بيته الرفيع ذهبوا إلى إباحتها سلفا وخلفا ، ومن المتسالم عليه قول ابن عباس : لولا نهي عمر لما احتاج إلى الزنا إلا شفا (4)
1 ـ يأتي الكلام حول هذا الحديث وهذه السنة في هذا الجزء.
2 ـ تحريم المتعة عام الفتح قول ابن عيينة وطائفة كما في زاد المعاد 1 ص 442.
3 ـ راجع ما مر صفحة 206 ، 207 من هذا الجزء.
4 ـ مر حديثه في صفحة 206.


(240)
    ومن الذي أخبر الأمة عن نهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المتعة غير علي عليه السلام حتى ظهر في زمن عمر واشتهر ؟ ومهما كان الحظر عنه صلى الله عليه وآله وسلم مشهورا ، وأول من جاء به وباح بالنهي عنها يقول : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أنهى عنهما وأعاقب.
    وقال : متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى عهد أبي بكر وأنا أنهى عنهما.
    وقال : إن الله ورسوله قد أحلا لكم متعتين وإني محرمهما عليكم.
    وقال : ثلاث كن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا محرمهن : متعة الحج ومتعة النساء.
    فهل جابهه صحابي بالرد عليه في دعواه حلية المتعة في العهدين ؟ أو في نسبة تحريمها إلى نفسه ؟ وهل كان إجماع الصحابة على حلية المتعة عهد أبي بكر خلاف دين الله وسنة نبيه ؟ نعم الغريق يتشبث بكل حشيش ).
    لا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام ، لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (1).
70
رأي الخليفة فيمن قال : إني مؤمن
    عن مسند عمر رضي الله عنه عن سعيد بن يسار قال : بلغ عمر بن الخطاب أن رجلا بالشام يزعم أنه مؤمن فكتب إلى أميره : أن ابعثه إلي.
    فلما قدم قال : أنت الذي تزعم أنك مؤمن ؟ قال : نعم يا أمير المؤمنين.
    قال : ويحك ومم ذاك ؟ قال : أولم تكونوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أصنافا : مشرك ، ومنافق ، ومؤمن ؟ فمن أيهم كنت ؟ فمد عمر يده إليه معرفة لما قال حتى أخذ بيده (2).
    وعن قتادة قال عمر بن الخطاب : من قال إني عالم. فهو جاهل ، ومن قال : إني مؤمن. فهو كافر. كنز العمال 1 ص 103.
    قال الأميني : أنا لا أدري ما هذا المشكلة التي من جرائها جلب الرجل من الشام
1 ـ سورة يونس آية 69.
2 ـ أخرجه البيهقي في شعب الإيمان ، وابن أبي شيبة في الإيمان كما في كنز العمال 1 ص 103 ،
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس