الغدير ـ الجزء السادس ::: 311 ـ 320
(311)
إني قد ولدت غلاما فسميته محمدا وكنيته أبا القاسم فذكر لي إنك تكره ذلك فقال : ما الذي أحل إسمي وحرم كنيتي ؟ أو : ما الذي حرم كنيتي وأحل إسمي ؟ (1).
    وقد سمى صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن طلحة بن عبيد الله محمدا وكناه بأبي القاسم (2) ومحمد هذا كان ممن هم عمر أن يغير إسمه (3).
    م ـ وقد سمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير واحد من ولدان عصره محمدا منهم :
    محمد بن ثابت بن قيس الأنصاري (4) و محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري (5).
    و محمد بن عمارة بن حزم الأنصاري (6).
    و محمد بن أنس بن فضالة الأنصاري (7).
    و محمد بن يفديدويه ( بالمهملتين ) الهروي (8).
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم لرجل أنصاري هم بأن يسمي ابنه محمدا فكرهوه وسألوه صلى الله عليه وآله وسلم : سموا باسمي (9).
    وفي رجل ولد له غلام فسماه القاسم فقالوا له : لا نكنيك به فسأله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي (10).
    على أن تحسين الأسماء مما رغبت فيه الشريعة المطهرة ومحمد أحسنها ، وخير الأسماء ما عبد به وحمد فجاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم قوله : إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم فأحسنوا أسماءكم (11).
1 ـ السنن الكبرى للبيهقي 9 ص 310 ، مصابيح السنة 2 ص 149 ، زاد المعاد 1 ص 262.
2 ـ الاستيعاب 1 ص 236 ، أسد الغابة 4 ص 322.
3 ـ مجمع الزوائد 8 ص 48 ، 49.
4 ـ الاستيعاب 1 ص 233 ، أسد الغابة 4 ص 313 ، الإصابة 3 ص 472.
5 ـ الاستيعاب 1 ص 237 ، أسد الغابة 4 ص 327 ، الإصابة 3 ص 476.
6 ـ الإصابة 3 ص 476.
7 ـ الاستيعاب 1 ص 234 ، أسد الغابة 4 ص 312 ، الإصابة 3 ص 370.
8 ـ أسد الغابة 4 ص 332 ، الإصابة 2 ص 385.
9 ـ مسند أحمد 3 ص 369 ، 385.
10 ـ مسند أحمد 3 ص 303.
11 ـ سنن أبي داود 2 ص 307 ، سنن البيهقي 9 ص 306 ، مصابيح السنة 2 ص 148.


(312)
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم : من حق الولد على الوالد أن يحسن إسمه وأن يحسن أدبه. (1)
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم : إذا أبردتم إلي بريدا فابعثوه حسن الوجه حسن الاسم. (2)
    وفي جامع الترمذي 2 ص 107 ، عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يغير الاسم القبيح.
    وممن غير إسمه عاصية بنت عمر فسماها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جميلة كما في صحيح الترمذي 2 ص 137 ، ومصابيح السنة 2 ص 148.
    2 ـ نهيه عن التسمي بأسماء الأنبياء وهي أحسن الأسماء بعد تلكم الأسماء المشتقة من أسماء الله الحسنى من محمد وعلي والحسن والحسين.
    وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله : ما من أهل بيت فيه اسم نبي إلا بعث الله تبارك وتعالى إليهم ملكا يقدسهم بالغداوة والعشي (3).
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم سموا بأسماء الأنبياء ، وأحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن ، وأصدقها حارث وهمام ، وأقبحها حرب ومرة (4).
    3 ـ تذمره من التكني بأبي عيسى مستدلا بقوله : فهل لعيسى من أب.
    أكان الخليفة يحسب أن من يكنى به يرى نفسه أبا لعيسى بن مريم ويكنى به حتى يقال عليه : فهل لعيسى من أب ؟ أو أنه لم ير لعيسى الذي كناه به أبوه من أب ؟ وكان يحسب أن الآباء يكنون بأسماء أولادهم ومن هنا قال لصهيب : مالك تكنى أيا يحيى وليس لك ولد ؟.
    4 ـ وأعجب من هذه كلها أن الخليفة بعد سماعه من المغيرة إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كناه بأبي عيسى لم يتزحزح عن رأيه ، وقد صدقه في مقاله ، لكنه عد ذلك ذنبا مغفورا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأراد أن لا يذنب هو ولفيفه إذ لا يدري ما يفعل بهم ، وليت شعري هل أثبت كون ذلك إثما مستتبعا للعذاب أو المغفرة ببرهان قاطع ؟ ثم علم أن رسول الله
1 ـ مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 8 ص 47.
2 ـ مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي 8 47 ، زاد المعاد لابن القيم 1 ص 258.
3 ـ المدخل لابن الحاج 1 ص 128.
4 ـ سنن أبي داود 2 ص 307 ، سنن البيهقي 9 ص 306 ، الاستيعاب في ترجمة أبي وهب 2 ص 700 ، زاد المعاد لابن القيم 1 ص 258 ، 260 وأثبته.


(313)
صلى الله عليه وآله وسلم ارتكبه فحكم بالمغفرة له بدلالة الآية الكريمة من سورة الفتح ؟ لا.
    لم يثبت ذلك إلا بتلك السفسطة من قوله : هل لعيسى من أب ؟ إن كان الأول ؟ ـ ولا أقوله ـ فمرحبا بنبي غير معصوم ـ والعياذ بالله ـ وإن كان الثاني ؟ فزه بقائل لا يعلم.
    5 ـ أنه بعد ما حسب كون هاتيك التكنية سيئة جعل التعزيز بها عض اليد قبل الضرب ولم تسمع أذن الدهر بمثل ذلك التعزير القاسي قط.
    6 ـ إن مما اختاره الخليفة من كنى العرب : أبو مرة. وقد مر نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التسمية بمرة. على أن أبا مرة كنية إبليس كما في المعاجم (1) وقيل تكنى بابنة له تسمى مرة.
    وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التسمية بحيات وقال : فإن الحيات الشيطان.
    وأخرج أبو داود في سننه 2 ص 308 عن مسروق قال : لقيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال من أنت ؟ قلت : مسروق بن الأجدع ، فقال عمر : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : الأجدع الشيطان.
    فكأنه كان ناسيا ذلك حين أمر بالتكني بأبي مرة ، أو لم يكن يعلم أنها كنية إبليس ، أو كان له رأي تجاه الرأي النبوي. والله أعلم.
    وكذلك التكني بأبي حنظلة فقد عد ابن القيم حنظلة من أقبح الأسماء كما في زاد المعاد 1 ص 260.
    7 ـ حسبانه أن ذا القرنين من أسماء الملائكة وقد عزب عنه إنه كان غلاما روميا اعطي الملك كما فيما أخرجه الطبري ، وفي صحيحة عن أمير المؤمنين عليه السلام : أنه كان رجلا أحب الله فأحبه ، وناصح الله فناصحه ، لم يكن نبيا ولا ملكا (2).
    وفي القرآن الكريم آيات كريمة في ذكر ذي القرنين كأنها عزبت عن الخليفة برمتها ، وخفيت عليه تسمية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا أمير المؤمنين بذي القرنين ، فقال على رؤس الاشهاد : يا أيها الناس أوصيكم بحب ذي قرنيها أخي وابن عمي علي بن أبي طالب فإنه لا يحبه إلا مؤمن ، ولا يبغضه إلا منافق ، من أحبه فقد أحبني ، ومن أبغضه فقد أبغضني (3)
1 ـ قاموس اللغة 2 ص 133 ، تاج العروس 2 ص 539 ، لسان العرب 7 ص 18.
2 ـ فتح الباري 6 ص 295 ، كنز العمال 1 ص 254.
3 ـ الرياض النضرة 2 ص 214 ، تذكرة السبط ص 17 ، شرح ابن أبي الحديد 2 ص 451.


(314)
    وقال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام : إن لك في الجنة بيتا ـ ويروي : كنزا ـ وأنت لذو قرنيها.
    وقال شراح الحديث : أي ذو طرفي الجنة وملكها الأعظم تسلك ملك جميع الجنة كما سلك ذو القرنين جميع الأرض.
    أو ذو قرني الأمة فأضمرت وإن لم يتقدم ذكرها كقوله تعالى : حتى توارت بالحجاب.
    أراد الشمس ولا ذكر لها ، قال أبو عبيد : وأنا أختار هذا التفسير الأخير على الأول.
    قالوا : ويروى عن علي رضي الله عنه وذلك أنه ذكر ذا القرنين فقال : دعا قومه إلى عبادة الله تعالى فضربوه على قرنه ضربتين وفيكم مثله.
    فنرى أنه أراد نفسه ، يعني أدعو إلى الحق حتى يضرب رأسي ضربتين يكون فيهما قتلي.
    أو ذو جبليها الحسن والحسين ـ سبطي الرسول ـ رضي الله عنهما روي ذلك عن ثعلب.
    أو ذو شجنتين في قرني رأسه إحداهما من عمرو بن عبدود يوم الخندق ، والثانية من ابن ملجم لعنه الله.
    قال أبو عبيد : وهذا أصح ما قيل (1). ا ه‍.
    وبعد خفاء ما في الكتاب والسنة على الخليفة لا يسعنا أن نؤاخذه بالجهل بشعر رجالات الجاهلية ، وقد ذكر ذو القرنين في شعر امرؤ القيس ، وأوس ابن حجر ، و طرفة بن العبد ، وقال الأعشى بن ثعلبة :
والصعب ذو القرنين أمسى ثاويا بالحنو في جدث هناك مقيم
    وقال الربيع بن ضبيع.
والصعب ذو القرنين عمر ملكه ألفين أمسى بعد ذاك رميما
    وقال قيس بن ساعدة :
والصعب ذو القرنين أصبح ثاويا باللحد بين ملاعب الأرياح
    وقال تبع الحميري :
قد كان ذو القرنين قبلي مسلمـا بلغ المشـارق والمغارب يبتغي فرأى مغيب الشمس عند غروبها ملكا تدين لـه الملوك وتحشد أسباب أمر من حكيم مرشد في عين ذي خلب وثأط حرمد

1 ـ نوادر الأصول للحكيم الترمذي ص 307 ، مستدرك الحاكم 3 ص 123 ، الرياض النضرة 2 ص 210 ، النهاية لابن الأثير 3 ص 278 ، لسان العرب 17 ص 210 ، قاموس اللغة 4 ص 258 ، تاج العروس 9 ص 307 ، كنز العمال 1 ص 254.

(315)
من بعده بلقيس كانت عمتي ملكتهم حتى أتاها الهدهد
    وقال النعمان بن بشير الصحابي الأنصاري :
ومن ذا يعادينا من الناس معشر كرام وذو القرنين منا وحاتم
    ثم ما المانع عن التسمي بأسماء الملائكة ؟ وما أكثر من سمي بأسماء أفضل الملائكة كجبرئيل.
    وميكائيل. وإسرافيل ؟ فإنها بالعبرانية وترجمتها بالعربية عبد الله و عبيد الله وعبد الرحمن كما فيما أخرجه ابن حجر ، وفي صحيح البخاري عن عكرمة إن جبر. وميك. وسراف : عبد. وإيل : الله (1) وقد ورد في الصحيح : إن أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن (2) ولا وازع إذا وقعت التسمية بتلكم الألفاظ العبرانية أيضا.
    8 ـ حسبانه أن في إطعام الطعام سرفا في المال فأفحمه صهيب بقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيه ، وجاء عنه صلى الله عليه وآله وسلم : يا أيها الناس أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وصلوا الأرحام.
    وعن عبد الله بن عمرو : إن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الاسلام خير ؟ قال : تطعم الطعام ، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف (3) م ـ وأخرج الخطيب في تاريخه 4 ص 212 من طريق ابن عمر قوله صلى الله عليه وآله وسلم : أفشوا السلام ، وأطعموا الطعام ، وكونوا عبادا كما وصفكم الله عز وجل ).
    9 ـ أخذه صهيبا بالتكنية وليس له ولد ولم يكن هذا من شرطها ، هذا عبد الله بن مسعود كناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا عبد الرحمن قبل أن يولد له. كما في المستدرك 3 ص 313.
    وهذا محمد بن طلحة كناه صلى الله عليه وآله وسلم أبا القاسم وهو رضيع.
    وهذا أخو أنس بن مالك بين عينيه كناه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأبي عمير وكان صغيرا لم يبلغ الحلم ، وهذا أنس كناه صلى الله عليه وآله وسلم أبا حمزة ولا حمزة له ، وهذه نساء النبي كلها كانت تكنى غير عائشة فكناها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأم عبد الله وغير واحد منهن لم يكن لها ولد.
    راجع صحيحي البخاري و مسلم ، وسنن البيهقي 9 ص 310 ، ومصابيح السنة 2 ص 149 ، وزاد المعاد 1 ص 261 ، والاستيعاب ، وأسد الغابة ، والإصابة.
1 ـ صحيح البخاري باب : من كان عدوا لجبريل. في كتاب التفسير ، صحيح الترمذي 1 ص 340 ، فتح الباري 8 ص 134.
2 ـ أخرجه أحمد وابن حبان في صحيحه كما في الإصابة 2 ص 399.
3 ـ سنن ابن ماجة 2 ص 399 ، تاريخ الخطيب 8 ص 169 ، زاد المعاد لابن القيم 1 ص 277 قال : ثبت عنه في الصحيحين.


(316)
97
حد الخليفة ابنه بعد الحد
    عن عبد الله بن عمر قال : شرب أخي عبد الرحمن بن عمر وشرب معه أبو سروعة عقبة بن الحارث ونحن بمصر في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسكرا فلما صحا إنطلقا إلى عمرو بن العاص وهو أمير مصر فقالا : طهرنا فإنا سكرنا من شراب شربناه. قال عبد الله بن عمر : فلم أشعر إنهما أتيا عمرو بن العاص قال : فذكر لي أخي : إنه قد سكر. فقلت له : ادخل الدار أطهرك. قال : إنه قد حدث الأمير قال عبد الله فقلت : والله لا تحلق اليوم على رؤس الناس ، ادخل أحلقك. وكانوا إذ ذاك يحلقون مع الحد فدخل معي الدار قال عبد الله : فحلقت أخي بيدي ثم جلدهما عمرو بن العاص فسمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه بذلك فكتب إلى عمرو : أن ابعث إلي عبد الرحمن بن عمر على قتب ففعل ذلك عمرو فلما قدم عبد الرحمن على عمر رضي الله عنه جلده وعاقبه من أجل مكانه منه ثم أرسله فلبث أشهرا صحيحا ثم أصابه قدره فيحسب عامة الناس أنه مات من جلد عمر ولم يمت من جلده.
    عن عمرو بن العاص ـ في حديث ـ قال قائل : هذا عبد الرحمن بن عمر وأبو سروعة على الباب يستأذنان ، فقلت : يدخلان. فدخلا وهما منكسران فقالا : أقم علينا حد الله فإنا قد أصبنا البارحة شرابا فسكرنا قال : فزبرتهما وطردتهما فقال عبد الرحمن : إن لم تفعل أخبرت أبي إذا قدمت.
    قال فحضرني رأي وعلمت أني إن لم أقم عليهما الحد غضب علي عمر في ذلك وعزلني وخالفه ما صنعت فنحن على ما نحن عليه إذ دخل عبد الله بن عمر فقمت إليه فرحبت به وأردت أجلسه في صدر مجلسي فأبى علي وقال : أبي نهاني أن أدخل عليك إلا أن لا أجد من ذلك بدا إن أخي لا يحلق على رؤوس الناس شيئا فأما الضرب اصنع ما بدا لك.
    قال : وكانوا يحلقون مع الحد قال : فأخرجتهما إلى صحن الدار فضربتهما الحد ودخل ابن عمر بأخيه إلى بيت من الدار فحلق رأسه ورأس أبي سروعة فوالله ما كتبت إلى عمر بشئ مما كان حتى إذا تحينت كتابه ( وذكر فيه ) : فإذا جاءك كتابي هذا فابعث بعبد الرحمن بن عمر في عباءة على قتب حتى يعرف سوء ما صنع.
    فبعث به كما قال أبوه وأقرأت ابن عمر كتاب أبيه وكتبت إلى عمر كتابا أعتذر فيه وأخبره إني


(317)
ضربته في صحن داري وبالله الذي لا يحلف بأعظم منه إني لأقيم الحدود في صحن داري على الذمي والمسلم ، وبعث بالكتاب مع عبد الله بن عمر قال أسلم : فقدم بعبد الرحمن على أبيه فدخل عليه وعليه عباءة ولا يستطيع المشي من مركبه فقال : يا عبد الرحمن فعلت كذا وفعلت ، السياط.
    فكلمه عبد الرحمن بن عوف وقال : يا أمير المؤمنين قد أقيم عليه الحد مرة.
    فلم يلتفت إلى هذا عمر وزبره فجعل عبد الرحمن يصيح : أنا مريض وأنت قاتلي.
    فضربه الحد ثانية وحبسه ثم مرض فمات رحمه الله.
    ذكره البيهقي في السنن الكبرى 8 ص 312 ، وابن عبد ربه في العقد الفريد 3 ص 470 ، والخطيب البغدادي في تاريخه 5 ص 455 ، وابن الجوزي في سيرة عمر ص 170 ، وفي ط 207 ، والمحب الطبري في الرياض النضرة 2 ص 32 ، والقسطلاني في إرشاد الساري 9 ص 439 وصححه.
    وقال أبو عمر في الاستيعاب 2 ص 394 : عبد الرحمن بن عمر الأوسط هو أبو شحمة وهو الذي ضربه عمرو بن العاص بمصر في الخمر ثم حمله إلى المدينة فضربه أبوه أدب الوالد ، ثم مرض ومات بعد شهر ، هكذا يرويه معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه ، وأما أهل العراق فيقولون : إنه مات تحت سياط عمر وذلك غلط ، وقال الزبير : أقام عليه حد الشارب فمرض ومات.
    وذكر ابن حجر في الإصابة 3 ص 72 كلام أبي عمر فقال : أخرج عبد الرزاق القصة مطولة عن معمر بالسند المذكور وهو صحيح.
    وقال الطبري في تاريخه 4 ص 150 ، وابن الأثير في الكامل 2 ص 207 ، وابن كثير في تاريخه 7 ص 48 : وفي هذه السنة ( أي سنة 14 ) ضرب عمر بن الخطاب ابنه في الشراب ؟ ؟ وجماعة فيه.
    قال الأميني : يقع الكلام على هذه المسألة من شتى النواحي : فإن الحد كفارة وطهور فلا يبقى معه على المحدود بعد وزر يحد عليه ثانيا ، وقد ثبت ذلك في السنة الشريفة.
    1 ـ عن خزيمة بن ثابت مرفوعا : من أقيم عليه حد غفر له ذلك الذنب.
    وفي لفظ آخر له : من أصاب ذنبا فأقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارته.

(318)
    أخرجه أحمد في مسنده 5 ص 214 ، 215 ، والدارمي في سننه 2 ص 182 ، والبيهقي في سننه 8 ص 328 ، والخطيب التبريزي في المشكاة ص 308.
    2 ـ عن عبادة بن الصامت مرفوعا : من أصاب منكم حدا فعجلت له عقوبته فهو كفارته وإلا فأمره إلى الله.
    وفي لفظ آخر له : من أتى منكم حدا مما نهي عنه فأقيم عليه الحد فهو كفارة له ، ومن أخر عنه الحد فأمره إلى الله إن شاء عذبه ، وإن شاء غفر له.
    وفي لفظ ثالث له : من أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له.
    راجع صحيح البخاري 10 ص 25 ، صحيح مسلم 2 ص 39 ، صحيح الترمذي 1 ص 271 ، مسند أبي داود 79 ، سنن ابن ماجة 2 ص 129 ، سنن البيهقي 8 ص 328.
    3 ـ وأخرج الشافعي في حديث مرفوعا : ما يدريك لعل الحدود نزلت كفارة للذنوب. سنن البيهقي 8 ص 328.
    4 ـ عن علي أمير المؤمنين إنه قال : من أتى شيئا من حد فأقيم عليه الحد فهو كفارته ، سنن البيهقي 8 ص 329.
    5 ـ عن عبد الرحمن بن أبي ليلي : إن عليا رضي الله عنه أقام على رجل حدا فجعل الناس يسبونه ويلعنونه ، فقال علي رضي الله عنه : أما عن ذنبه هذا فلا يسأل. سنن البيهقي 8 ص 329.
    6 ـ عن عبد الله بن معقل : إن عليا رضي الله عنه ضرب رجلا حدا فزاده الجلاد سوطين فأقاده منه علي رضي الله عنه. سنن البيهقي 8 ص 222.
    وإن كان الخليفة يحسب أن حد عمرو بن العاص كان ملغى لوقوعه في صحن الدار فقد أخبره الرجل إن ذلك عادته الجارية في الحدود كلها وليس من شرط الحد أن يكون على رؤس الاشهاد بل يكتفى بضرب الحد سرا كما عزاه القسطلاني في إرشاده 9 ص 439 إلى الجمهور ، ولو صدق هذا الحسبان لوجب أن يحد أبا سروعة أيضا في القضية وغيره ممن حده عمرو بن العاص في صحن داره.
    ولو أراد بذلك تعزيرا وتأديبا كما اعتذر عنه البيهقي في سننه 8 ص 313 ، و أبو عمر كما مر ، والقسطلاني في الارشاد 9 ص 439 فإنه بعد مخالفته للفظ الحديث من


(319)
أنه أقام عليه الحد ثانيا زيادة لم تفوض إليه لما ذكرناه من أن الحد كفارة ولا يسأل بعده المحدود عن ذنبه فلا حد ولا تعزير ، ولا بأس ولا تأديب.
    ثم إن صح التعزير فإنه لا يزيد في السنة على عشرة أسواط كما مر في ص 175 فلماذا ساوى بينه وبين الحد ؟.
    وأعطف على هذا أمره عمرو بن العاص بأن يبعث ولده على قتب في عباءة فدخل عليه ولم يستطع المشي من مركبه ، فإن كل ذلك إيذاء درأه الحد ولم يبحه الشرع.
    ثم لماذا لم يكن له مرتدع عن تأجيل ما ارتآه من الحد الجديد بمرضه ولم يرجأه حتى يبرأ ، وهو حكم المريض المحدود في السنة الشريفة.
    وإن تعجب بعد ذلك كله فعجب قول ابن الجوزي في سيرة عمر من إنه لا ينبغي أن يظن بعبد الرحمن بن عمر إنه شرب الخمر ، وإنما شرب النبيذ متأولا وظن أن ما شرب منه لا يسكر ، وكذلك أبو سروعة وأبو سروعة من أهل بدر فلما خرج بهما الأمر إلى السكر طلبا التطهير بالحد ، وقد كان يكفيهما مجرد الندم على التفريط غير أنهما غضبا لله سبحانه على أنفسهما المفرطة فأسلماها إلى إقامة الحد ، وأما كون عمر أعاد الضرب على ولده فليس ذلك حدا وإنما ضربه غضبا وتأديبا وإلا فالحد لا يكرر.
    إنتهى بلفظه.
    وإن صحت هذه المزعمة يوجه النقد إلى عمرو وعمر إن علما ذلك وإلى نفس المحدودين حيث عرضا أنفسهما على الحد من دون أي موجب له وكان يكفيهما الندم كما حسبه ابن الجوزي ، والحق إنه لا حاجة إليه أيضا لأنهما لم يقترفا ذنبا بعد اعتقاد أنه لا يسكر فلا توبة عنه ، وإن كان كامل الإيمان يتضجر عن مثله وعلى هذا فإنهما لا يملكان لأنفسهما أن يعرضا ها على هذا الايلام الشديد والاضرار المؤلم إن لم يكن ذلك تشريعا.
    لكن من أين أتت ابن الجوزي هذه الرؤيا الصادقة ؟ فأراد تبرئة الرجلين مما اجترحاه من السيئة مع اعترافهما بذلك بكل صراحة فألقاهما في هوة الإضرار بالنفس المحظور شرعا ، والتشرع في الدين المحرم ، والكذب الصراح الذي هو من الكبائر ، والحق بمن أقام الحد أو لاتبعة إقامته من دون موجب له ، والغضب الذي عزاه إلى الخليفة في حده الثاني سواء كانا شربا الخمر كما اعترفا به أو لم يشرباها على ما تحمله ابن الجوزي ، وشذ به عن أئمة الحديث ورجال التاريخ ، وذلك واضح من هذا البيان الضافي.


(320)
98
جهل الخليفة بما يقرأ يوم العيد
    عن عبيد الله قال : خرج عمر رضي الله عنه يوم عيد فأرسل إلى أبي واقد الليثي بأي شئ كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في مثل هذا اليوم ؟ فقال : بقاف واقتربت.
    صحيح مسلم 1 ص 242 ، سنن أبي داود 2 ص 280 ، موطأ مالك 1 ص 147 ، سنن ابن ماجة 1 ص 188 ، صحيح الترمذي 1 ص 106 ، سنن النسائي 3 ص 184 ، سنن البيهقي 3 ص 294 واللفظ لابن ماجة.
    قال الأميني : هذه رواية صحيحة أخرجها الأئمة في الصحاح كما عرفت ، و رميها بالإرسال بأن عبيد الله بن عبد الله لم يدرك عمر مدفوع بأن الرواية في صحيح مسلم عن عبيد الله بن عبد الله عن أبي واقد ولا شك أن عبيد الله أدرك أبا واقد ، وبهذا رد هذه الرمية البيهقي والسندي والسيوطي وغيرهم.
    فهلم معي نسائل الخليفة عن أنه لماذا عزب عنه العلم بما كان يقرأه رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين ؟ أو كان ناسيا له فأراد أن يستثبت كما اعتذر به السيوطي في ( تنوير الحالك 1 ص 147 ) ؟ أو أنه ألهاه عنه الصفق في الأسواق ؟ كما اعتذر به هو في غير هذا المورد ، وقد تقدم في ص 158 ويأتي بعيد هذا ووصفه به غير واحد ، ويبعد النسيان إن حكما مطردا كهذا يكرر في كل عام مرتين على رؤس الاشهاد ومزدحم الجماهير لا ينسى عادة.
    وأما احتمال السيوطي الآخر من أراد إعلام الناس بذلك فكان من الممكن إعلامهم بهتاف نفسه هتافا مسمعا وعمله المستمر المتبع فيه سنة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فالحاجة غير ماسة إلى الإرسال والسؤال.
99
الخليفة ومعاني الألفاظ
    1 ـ عن عمر رضي الله عنه إنه قال على المنبر : ما تقولون في قوله تعالى : أو يأخذهم على تخوف ؟ (1) فسكتوا فقام شيخ من هذيل فقال : هذه لغتنا ، التخوف : التنقص.
1 ـ سورة النحل آية 47.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس