الغدير ـ الجزء السادس ::: 321 ـ 330
(321)
قال : فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها ؟ قال : نعم.
    قال شاعرنا ـ زهير ـ أبو كبير الهذلي يصف ناقة تنقص السير سنامها بعد مكة واكتنازه :
تخوف الرحل منها تامكا قردا كما تخوف عود النبعة السفن (1)
    فقال عمر : أيها الناس عليكم بديوانكم لا يضل.
    قالوا : وما ديواننا ؟ قال : شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم ومعاني كلامكم.
    راجع تفسير الكشاف 2 ص 165 ، تفسير القرطبي 10 ص 110 ، تفسير البيضاوي 1 ص 667.
    2 ـ عن أبي الصلت الثقفي : أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية : (2) ومن يرد الله أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا.
    بنصب الراء ، وقرأها بعض من عنده من أصحاب رسول الله حرجا بالخفض فقال : ايتوني رجلا من كنانة أو اجعلوا راعيا وليكن مدلجيا فأتوا به فقال له عمر : يا فتى ما الحرجة ؟ فقال : الحرجة فينا الشجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها راعية ولا وحشية ولا شئ.
    فقال عمر رضي الله عنه : كذلك قلب المنافق لا يصل إليه شئ من الخير.
    راجع تفسير ابن كثير 2 ص 175 ، تفسير الخازن 2 ص 53 ، الدر المنثور 3 ص 45 ، كنز العمال 1 ص 285 نقلا عن عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وأبي الشيخ.
    3 ـ عن عبد الله بن عمر قال : قرأ عمر بن الخطاب هذه الآية : ما جعل عليكم في الدين من حرج (3) ثم قال : ادعوا لي رجلا من بني مدلج قال عمر : ما الحرج فيكم ؟ قال : الضيق.
    كنز العمال 1 ص 257.
    4 ـ أخرج الحاكم عن سعيد بن المسيب : إن عمر بن الخطاب أتى على هذه الآية : الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم (4) فأتى أبي بن كعب فسأله أينا لم يظلم ؟ فقال له : يا أمير المؤمنين إنما ذاك الشرك ، أما سمعت قول لقمان لابنه : يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم ؟ المستدرك 3 ص 305.
1 ـ تمك السنام : طال وارتفع. القرد : المتراكم بعض لحمه فوق بعض. النبعة ، شجرة من أشجار الجبال يتخذ منها القسي. السفن : القشر.
2 ـ سورة الأنعام آية 125.
3 ـ سورة الحج آية 78.
4 ـ سورة الأنعام آية 82.


(322)
    إني أعذر الخليفة إن عزب عنه علم الكتاب والسنة أو تقاصر عن الحكم في القضايا فإن الامتهان بالبرطشة (1) والصفق بالأسواق ، والاحتراف ببيع الخيط والقرظة (2) في إملاق لا يحدوه إلا إلى تحري لماظة يقتات بها ألهته عن العلوم ، لكن لا أعذره على عدم معرفته باللغة وهي لغته تلوكها أشداقه في آناء الليل وأطراف النهار.
100
رأي الخليفة في صوم الدهر
    عن أبي عمر الشيباني قال : خبر عمر بن الخطاب رضوان الله عليه برجل يصوم الدهر فجعل يضربه بمخفقته (3) ويقول : كل يا دهر يا دهر (4).
    قال الأميني : لقد أربكني الموقف فلا أدري على أي النقلين ألقي ثقتي ؟ أعلى رواية ابن الجوزي هذه من حديث المخفقة ؟ أم على نقله الآخر في سيرة عمر ص 146 من أنه كان يصوم الدهر.
    وروى الطبري وجعفر الفريابي في السنن وحكى عنهما السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه 4 ص 332 من إنه كان يسرد الصيام ، وفي سنن البيهقي 4 ص 301 : أن عمر بن الخطاب قد كان يسرد الصيام قبل أن يموت ، وسرد عبد الله بن عمر في آخر زمانه ، وذكره ابن كثير في تاريخه 7 ص 135 ورواه المحب الطبري في الرياض 2 ص 38 واستدل به على أن سرد الصوم أفضل من صوم يوم وفطر يوم.
    وليس هناك نهي عن ذلك في السنة الشريفة ، وما يشعر بظاهره النهي عنه مثل قوله صلى الله عليه وآله وسلم : لا صام من صام الأبد. وقوله : من صام الأبد فلا صام ولا أفطر.
    فهو منزل على صوم الأبد المستلزم بصوم الأيام المحرمة صومها أو على صورتي إيجابه الضعف أو تفويت الحق ، وبدون هذه لا نهي عنه كما في صحيح مسلم 1 ص 319 ، وسنن البيهقي 4 ص 299 ، وكثير من كتب الفقه وشروح مجامع الحديث وأخرج ابن جرير عن أم كلثوم قالت قيل لعائشة : تصومين الدهر وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن صيام الدهر ؟ قالت :
1 ـ راجع النهاية 1 ص 78 ، قاموس اللغة 2 ص 262 ، تاج العروس 4 ص 721 ، وقال : هو الذي يكتري للناس الإبل والحمير ويأخذ عليه جعلا.
2 ـ راجع صحيفة 158 ، 303 ، 306.
3 ـ المخفقة. الدرة التي يضرب بها.
4 ـ سيرة عمر لابن الجوزي ص 174.


(323)
نعم سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن صيام الدهر ولكن من أفطر يوم الفطر ويوم النحر فلم يصم الدهر (1).
    وقال النووي في شرح صحيح مسلم هامش الارشاد 5 ص 51 : وفي هذه الروايات المذكورة في الباب النهي عن صيام الدهر ، واختلف العلماء فيه فذهب أهل الظاهر إلى منع صيام الدهر نظرا لظواهر هذه الأحاديث قال القاضي وغيره ، وذهب جماهير العلماء إلى جوازه إذا لم يصم الأيام المنهي عنها وهي العيدان والتشريق ، ومذهب الشافعي و أصحابه أن سرد الصيام إذا أفطر العيدين والتشريق لا كراهة فيه بل هو مستحب بشرط أن لا يلحقه به ضرر ولا يفوت حقا فإن تضرر أو فوت حقا فمكروه ، واستدلوا بحديث حمزة بن عمرو وقد رواه البخاري ومسلم أنه قال : يا رسول الله إني أسرد الصوم أفأصوم في السفر ؟ فقال : إن شئت فصم.
    وهذا لفظ رواية مسلم فأقره صلى الله عليه وسلم على سرد الصيام ، ولو كان مكروها لم يقره لا سيما في السفر ، وقد ثبت عن ابن عمر بن الخطاب إنه كان يسرد الصيام ، وكذلك أبو طلحة وعائشة وخلائق من السلف قد ذكرت منهم جماعة في شرح المهذب في باب صوم التطوع وأجابوا عن حديث لا صام من صام الأبد بأجوبة أحدها : إنه محمول على حقيقته بأن يصوم معه العيدين والتشريق وبهذا أجابت عائشة رضي الله عنها.
    والثاني : إنه محمول على من تضرر به أو فوت به حقا ، ويؤيده قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : فإنك لا تستطيع ذلك فصم وأفطر ونم وقم وصم من الشهر ثلاثة أيام فإن الحسنة بعشر أمثالها وذلك مثل صيام الدهر.
    والنهي كان خطابا لعبد الله بن عمرو بن العاص وقد ذكر مسلم عنه أنه عجز في آخر عمره وندم على كونه لم يقبل الرخصة قالوا : فنهى ابن عمرو وكان لعلمه بأنه سيعجز ، وأقر حمزة بن عمر ولعلمه بقدرته بلا ضرر.
    والثالث : أن معنى لا صام أنه يجد من مشقته ما يجد ها غيره فيكون خبرا لادعاء ... إلخ.
    وقال في شرح حديث صم يوما وأفطر يوما : إختلف العلماء فيه فقال المتولي من أصحابنا وغيره من العلماء هو أفضل من السرد لظاهر هذا الحديث. وفي كلام غيره إشارة
1 ـ كنز العمال 4 ص 334.

(324)
إلى تفضيل السرد وتخصيص هذا الحديث بعبد الله بن عمرو ومن في معناه ، وتقديره لا أفضل من هذا في حقك ، ويؤيد هذا أنه صلى الله عليه وسلم لم ينه حمزة بن عمرو وعن السرد وأرشده إلى يوم ويوم ، ولو كان أفضل في حق كل الناس لأرشده إليه وبينه له فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز. والله أعلم.
    والباحث يجد كثيرا من هذه الكلمات في غضون التآليف لأئمة الفقه وشراح الحديث. وممن يؤثر عنه صوم الدهر.
    1 ـ عثمان بن عفان المقتول 35. الاستيعاب 2 ص 477.
    2 ـ عبد الله بن مالك الأزدي المتوفى 56 / 59 ، يه 8 ص 99 ، صب 2 ص 364.
    3 ـ أسود بن يزيد النخعي المتوفى 75 ، يه 9 ص 12.
    4 ـ أبو بكر بن عبد الرحمن القرشي المتوفى 94 ، يه 9 ص 116.
    5 ـ الفقيه أبو خالد مسلم المخزومي المتوفى 108 ، بق 1 ص 235.
    6 ـ سعد بن إبراهيم المدني المتوفى 125 ، صه 113 ، هب 1 ص 173.
    7 ـ وكيع بن الجراح المتوفى 196 ، طب 13 ص 470 ، بق 1 ص 282.
    8 ـ مصعب بن عبد الله بن الزبير المتوفى 233 ، م 3 ص 172.
    9 ـ محمد بن علي أبو العباس الكرخي المتوفى 343 ، ظم 6 ص 376.
    10 ـ أبو بكر النجاد شيخ الحنابلة بالعراق المتوفى 348 ، ظم 6 ص 390 ، يه 11 ص 234.
    11 ـ أحمد بن إبراهيم النيسابوري المتوفى 386 ، يه 11 ص 319.
    12 ـ أبو القاسم عبد الله بن أحمد الحربي المتوفى 412 ، طب 10 ص 382 ، ظم 8 ص 4.
    13 ـ أبو الفرج المعدل أحمد بن محمد المتوفى 415 ، طب 5 ص 67 ، يه 12 ص 18 ، ظم 8 ص 17.
    14 ـ أبو العباس أحمد الأبيوري المتوفى 425 ، طب 5 ص 51.
    15 ـ أبو عبد الله الصوري محمد بن علي المتوفى 441 ، طب 3 ص 103 ، ظم 8 ص 143.


(325)
    16 ـ عبد الملك بن الحسن المتوفى 472 ، يه 12 ص 120.
    17 ـ أبو البركات يحيى الأنباري المتوفى 552 ، يه 12 ص 237.
    18 ـ الحافظ عبد الغني المقدسي المتوفى 600 ، يه 13 ص 39.
    19 ـ الفقيه محمود البغدادي الحنبلي المتوفى 609 ، هب 5 ص 39.
    20 ـ الشيخ محيي الدين النووي المتوفى 677 ، يه 13 ص 279.
    21 ـ عبد العزيز بن دنف الحنبلي البغدادي. هب 5 ص 184 (1).
    وليس هذا الإصفاق منهم إلا لما عرفوه من جوازه في شرع الاسلام ، هذا كله ولكن للمخفقة شأنها ، وللخليفة اجتهاده ، ولعله كان يرى اختصاص هذا الحكم به من دون الناس وإلا فما وجه ضرب الرجل المتعبد بالمخفقة ؟
إن هذا لهو القصص الحق ولقد جئناهم بكتاب فصلناه
على علم وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون
وإن الظن لا يغني من الحق شيئا

1 ـ راجع في عرفان الرموز المذكورة مقدمة الجزء الخامس صحيفة ط ، ى.

(326)
    نتاج البحث
    هذا قليل من كثير مما وقفنا عليه من نوادر الأثر في علم عمر ، وبوسعنا الآن أن نأتي بأضعاف ما سردناه لكنا تقتصر على هذا رعاية لمقتضى الحال ، وعندنا لمة جمة نقدمها بين يدين القارئ في مستقبل الأجزاء إنشاء الله تعالى ، والذي تلخص من هذا البحث الضافي أمور :
    1 ـ إن الخليفة أخذ العلم عن أناس من الصحابة حيث كان يفقد ما عندهم من الفقه وفيهم من لم يعرف بالعلم وهم :
    1 ـ عبد الرحمن بن عوف.
    2 ـ معاذ بن جبل.
    3 ـ عبد الله بن العباس.
    4 ـ زيد بن ثابت.
    5 ـ عمار بن ياسر.
    6 ـ أبو عبيدة الجراح.
    7 ـ عبد الله بن مسعود.
    8 ـ مغيرة بن شعبة.
    9 ـ محمد بن مسلمة.
    10 ـ أبو موسى الأشعري.
    11 ـ أبو سعيد الخدري.
    12 ـ أبي بن كعب.
    13 ـ صهيب أبو يحيى.
    14 ـ الضحاك بن سفيان.
    15 ـ حمل بن نابغة.
    16 ـ عبد الله بن عمرو بن العاص.


(327)
    17 ـ أبو واقد الليثي.
    18 ـ امرأة من قريش.
    19 ـ شاب من فتيان الأنصار.
    20 ـ رجل لا يعرف.
    21 ـ عبد أسود.
    22 ـ عجوز مدنية.
    23 ـ شيخ من هذيل.
    24 ـ رجل من بني مدلج.
    25 ـ رجل شامي.
    وقبل هؤلاء كلهم مولانا أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه ، وأخذ الخليفة عنه أكثر من غيره كما عرفت شطرا من ذلك ، وهناك أشطار كثيرة لم تذكر بعد ، ولهذا أكثر من قوله : لولا على لهلك عمر.
    وقوله : لولا علي لضل عمر.
    تمهيد الباقلاني ص 199.
    وقوله : أللهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب.
    وقوله : لا أبقاني الله بأرض لست فيها يا أبا الحسن.
    وقوله : أللهم لا تنزل بي شديدة إلا وأبو حسن إلى جنبي.
    وقوله : كاد يهلك ابن الخطاب لو لا علي بن أبي طالب.
    وقوله : أعوذ بالله من معضلة لا علي بها.
    وقوله : عجزت النساء أن تلدن مثل علي بن أبي طالب ، لولا علي لهلك عمر.
    وقوله : ردوا قول عمر إلى علي ، لولا علي لهلك عمر.
    وقوله : لا أبقاني الله بعد ابن أبي طالب.
    وقوله : يا أبا الحسن أنت لكل معضلة وشدة تدعى.
    وقوله : هل طفحت حرة بمثله وأبرعته.
    وقوله : هيهات هناك شجنة من بني هاشم ، وشجنة من الرسول وأثرة من علم يؤتى لها ولا يأتي ، في بيته يؤتى الحكم.


(328)
    وقوله : أبا حسن لا أبقاني الله لشدة لست لها ، ولا في بلد لست فيه.
    وقوله : يا ابن أبي طالب فما زلت كاشف كل شبهة ، وموضح كل حكم وقوله : لولاك لافتضحنا.
    وقوله : أعوذ بالله من معضلة ليس لها أبو حسن.
    وقوله مشيرا إلى علي : هذا أعلم بنبينا وبكتاب نبينا مر تفصيل هذه كلها ، ولكثرة حاجته إلى علم الصحابة ، وتقويمهم أوده في مواقف لا تحصى في القضاء والفتيا كان يستفتي كبار الصحابة ويراجعهم ويستشيرهم في الأحكام ، وكان يعرب عن جلية الحال بحق المقال من قوله : كل أحد أفقه من عمر.
    وقوله : تسمعونني أقول مثل القول فلا تنكرونه حتى ترد علي امرأة ليست من أعلم النساء.
    وقوله : كل أحد أعلم من عمر.
    وقوله : كل الناس أفقه منك يا عمر.
    وقوله : كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال.
    وقوله : كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت.
    وقوله : كل الناس أعلم منك يا عمر.
    وقوله : كل واحد أفقه منك حتى العجائز يا عمر.
    وقوله : كل أحد أفقه مني.
    مر تفصيل هذه كلها في نوادر الأثر.
    م ـ إن الأخذ بمجامع تلكم الأحاديث من النوادر المذكورة ومئات من أمثالها يعطينا خبرا بأن الخليفة لم يك متحليا بما أوجبته أعلام الأمة في الإمامة من الاجتهاد قام إمام الحرمين الجويني في ( الارشاد إلى قواطع الأدلة في أصول الاعتقاد ) ص 426 : من شرايط الإمام أن يكون من أهل الاجتهاد بحيث لا يحتاج إلى استفتاء غيره في الحوادث ، وهذا متفق عليه. ا ه‍.
    فأين يقع من هذا الشرط بعد إصفاق الأمة عليه رجل لم يعط بسطة من العلم ولم يك ما كان يعلمه يغنيه عن الناس ، وإنما الأمة كانت في غنى عن ثرى علمه ، وحديث استفتاء ه غيره ملأ كتب الحديث والسنن ، وشحن معاجم التاريخ والسير ، فماذا بعد الحق إلا الضلال ).


(329)
    وبما ذكرناه كله تعرف قيمة قول ابن حزم الأندلسي في كتابه ( الفصل ) : علم كل ذي حس علما ضروريا أن الذي كان عند عمر من العلم أضعاف ما كان عند علي من العلم إلى آخر كلامه المذكور في الجزء الثالث من كتابنا هذا ص 95.
    وقول ابن تيمية في منهاج السنة 3 ص 128 : وقد جمع الناس الأقضية والفتاوى المنقولة عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي فوجدوا أصوبها وأدلها على علم صاحبها أمور أبي بكر ثم عمر ولهذا كان ما يوجد من الأمور التي وجد نص يخالفها عن عمر أقل مما وجد من علي ، وأما أبو بكر فلا يكاد يوجد نص يخاله.
    فقال : ولم يكن أبو بكر وعمر ولا غيرهما من أكابر الصحابة يخصان عليا بسؤال ، والمعروف إن عليا أخذ العلم عن أبي بكر كما في السنن عن علي قال : كنت إذا سمعت عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا نفعني الله به ما شاء أن ينفعني ، وإذا حدثني غيره حديثا استحلفته فإذا حلف لي صدقته ، وحدثني أبو بكر وصدق أبو بكر قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من عبد مؤمن يذنب ذنبا فيحسن الطهور ثم يقوم فيصلي ثم يستغفر الله إلا غفر الله له. ا ه‍.
    وعجيب إن الرجل يموه على نفسه ويحسب أن ذلك ينطلي على غيره أيضا ، أو هل في الحديث المذكور ـ بعد فرض صحته وقد زيفه غير واحد من الحفاظ ـ (1) غير أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يثق برواية أبي بكر وأين هو عن أخذ العلم عنه ؟ وهل علمه صلوات الله عليه مقصور على هذا الحديث الوارد في أدب من آداب الشريعة فحسب ؟ وهل يبتنى عليه شيء من أقضيته وفتاواه ، وما حله من عويصات المسائل في الفرائض والأحكام ؟ وهل جهل عليه السلام موقع هذا الحديث فعلمه أبو بكر ؟ أو جهل شيئا مما يبتنى عليه فسدده هو كما وقع كل ذلك فيما سردناه من نوادر الأثر ؟ والمحتمل أن ؟ ؟ عليه السلام أبا بكر في روايته هذه لأنه عليه السلام كان سمعها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( ؟ ؟ ) فلم يلغ الواسطة إذن لضرب من المصلحة ، وكيف يأخذ أمير المؤمنين العلم من أبي بكر وهو باب مدينة علم الرسول ؟ كما أسلفناه ص 61 ـ 81 ، وهو وارث علومه وحكمه كما مر في الجزء الثالث ص 100 ؟ هذا لا يكون مهما هملج ابن تيمية في تركاضه وهو يدعي شيخوخة الاسلام و على هذا فقس بقية ما افتعله في كلامه هذا. وبعد ابني حزم وتيمية قول صاحب الوشيعة
1 ـ راجع تهذيب التهذيب 1 ص 268.

(330)
المذكور ص 82.
    2 ـ وتعرف أيضا بما ذكرناه قيمة تأول القوم للصحيحة المروية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قوله عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين فتمسكوا بها ، وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة (1) حيث نزلوه على من تسنم عرش الخلافة من بعده صلى الله عليه وآله وسلم بالاختيار وبنص أبي بكر بعده وبالشورى ولم يسعهم إلا أن يذكروا عليا أمير المؤمنين معهم ، إذ ليس من المعقول أن يأمر صلى الله عليه وآله وسلم باتباع سيرة من لا سيرة له إلا الأخذ من أفواه الرجال في الفقه والكتاب والسنة أو الفتيا برأيه قائلا : إني سأقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله ، وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان (2) إذن لأمر صلى الله عليه وآله وسلم باتباع سير الناس والرأي المجرد في دين الله.
    وليس هذا كالأمر باتباع المجتهدين الذين يستنبطون الفتيا مما عرفوه من كتاب وسنة وإجماع ، أو فقل من قياس فإن المجتهد يستنبط كما قلناه مما عرف ، والذي لا يعرف شيئا ، ولم يحر جوابا عن واضحات المسائل ، وقد يحلف بأنه ما يدري ما يصنع (3) وتعزب عنه المسائل المطردة مع كثرة الابتلاء بها كالتيمم والشكوك والغسل وفروع الصلاة والصوم والحج وأمثالها لا يمكن أن يكون متبعا للأمة وأن تعطيه الخلافة قيادها.
    على أن العلماء خالفوا سنة عمر في موارد أسلفناها لمضادة النص النبوي لها ، ولو صح هذا التأول لكانت مناقضة بين الحديث وبين النصوص المضادة لفتيا عمر التي وأجبت إعراض العلماء عن قوله ، وكذلك بين شطري هذا الحديث نفسه وهما : قوله صلى الله عليه وآله وسلم : عليكم بسنتي.
    وسنة الخلفاء بعدي.
    والمفروض أن سنته صلى الله عليه وآله وسلم تخالف في الجملة سنة الرجل.
    والصحيح من معنى الحديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يرد من الخلفاء إلا الذين لم يزل ينص بهم بأسمائهم ، وجعلهم أعدال القرآن الكريم في قوله : إني تارك فيكم الخليفتين.
    أو مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (4)
1 ـ راجع سنن ابن ماجة 1 ص 20 ، سنن أبي داود 2 ص 261 ، سنن الدارمي 1 ص 45 ، مستدرك الحاكم 1 ص 96.
2 ـ كما مر في نوادر الأثر ص 129. ويأتي تفصيل القول فيه في الجزء السابع.
3 ـ كما مر في نوادر الأثر في غير موضع.
4 ـ هذا الحديث مما اتفقت الأئمة والحفاظ على صحته.
الغدير ـ الجزء السادس ::: فهرس