بحوث في الملل والنحل ـ جلد الأوّل ::: 41 ـ 50
(41)
الذي نتوخّاه في هذه الصحائف هو البحث عن الفرق الموجودة في الأوساط الإسلامية و هي عبارة عن هذه الفرق : أهل السنّة (1) بأصنافهم : أهل الحديث والأشاعرة والمعتزلة والخوارج ، والشيعة بفرقها الثلاث : الإمامية الاثني عشرية ، الزيدية ، الإسماعيلية.
    وأمّا الفرق التي بادت واندثرت ، وقد أكل الدهر عليها و شرب ، فهي غير مطروحة لنا بل البحث عنها مفصلاً ضياع للوقت إلاّ على وجه الإشارة.
( قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلكُمْ أَوْ يَلْبِسكُمْ شِيَعاً وَيُذيقَ بَعْضكُمْ بَأْسَ بَعْض انْظُر كَيْفَ نُصَرِّفُ الآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُون ). (2)
1 ـ أهل السنّة لا يعتبرون الخوارج منهم ، بل لا يعتبرون المعتزلة منهم أيضاً ، ولكن المراد من أهل السنّة هنا هو المعنى الأعم ، أي غير الشيعة ، أي من يقول بكون الخلافة بالبيعة والشورى ، فكلّ من يقول بكون الإمامة مقاماً تنصيصيّاً يعد من الشيعة ، ومن يقول بكونها مقاماً انتخابياً فهو معدود من أهل السنّة ، فالملاك في التقسيم هو هذا لا المصطلح المعروف بين أهل الحديث والأشاعرة ، فلو خضعنا لمصطلح الأوّلين ، فهم ربما لا يعدّون الأشاعرة أيضاً منهم ، هذا ابن تيمية يكن العداوة للأشاعرة ولا يعدّهم منهم.
2 ـ الأنعام : 65.


(42)

(43)
الفصل الثاني
بدايات الاختلاف في عصر الرسالة
    لا شكّ في أنّ المسلمين قد اختلفوا بعد لحوق النبي الأكرم بالرفيق الأعلى إلى فرق مختلفة ، وسنبين جذور هذه الخلافات وحوافزها في الأبحاث الآتية.
    إنّما الكلام في وضع المسلمين أيّام النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، فهل كانوا محتفظين بوحدة كلمتهم ومستسلمين لأمر نبيّهم جميعاً كما أمر اللّه به سبحانه ، أم كان هناك بعض الاختلاف بينهم في جملة من المسائل؟
    لا شكّ أنّ المسلم الحقيقي هو من يستسلم لأوامر اللّه ورسوله ولا يخالفه قيد شعرة آخذاً بقوله سبحانه : ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَي اللّهِ وَرَسُولهِِِ واتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَميعٌ عَليم ) (1) . وقد فسر المفسرون قوله سبحانه : ( لا تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَي اللّه وَرَسُوله ) بقولهم : أي لا تتقدموا على اللّه ورسوله في كلّ ما يأمر وينهى ، ويؤيده قوله سبحانه في نفس السورة : ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَو يُطِيعُكُمْ في كَثير مِنَ الأَمْرِلَعَنِتّم ) . (2)
    وقال عزّ من قائل : ( فَلا وَرَبّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحكّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا في أَنْفُسِهِمْ حَرجاً مِمّا قَضَيْت وَيُسَلِّمُوا تَسْليماً ) . (3)
1 ـ الحجرات : 1.
2 ـ الحجرات : 7.
3 ـ النساء : 65.


(44)
    ومع ذلك كلّه فقد نجمت بين الصحابة والنبي الأعظم مشاجرات ومنازعات بين آونة وأُخرى قد ضبطها التاريخ وأصحاب السير. غير أنّ الشهرستاني يصر على أنّ أكثر الخلافات كان من جانب المنافقين و قال : « إنّ شبهات أُمّته في آخر زمانه ، ناشئة من شبهات خصماء أوّل زمانه من الكفّار والملحدين ، وأكثرها من المنافقين ، وإن خفي علينا ذلك في الأُمم السالفة لتمادي الزمان ، فلم يخف في هذه الأُمّة أنّ شبهاتها نشأت كلّها من شبهات منافقي زمن النبي ، إذ لم يرضوا بحكمه فيما كان يأمر وينهى ، وشرعوا فيما لا مسرح للفكر فيه ولا مسرى وسألوا عمّا منعوا من الخوض فيه والسؤال عنه ، وجادلوا بالباطل في ما لا يجوز الجدال فيه ».
    ثمّ ذكر الشهرستاني حديث ذي الخويصرة التميمي في تقسيم الغنائم إذ قال : اعدل يا محمد ، فإنّك لم تعدل ، حتى قال عليه الصلاة والسلام : « إن لم أعدل فمن يعدل ». (1)
    إنّ ما ذكره الشهرستاني صحيح لا غبار عليه غير أنّ الاعتراض والخلاف لم يكن منحصراً بالكفار و المنافقين بل كان هناك رجال من المهاجرين والأنصار ، يعترضون على النبي في بعض الأُمور التي لا تروقهم ، وكأنّ الشهرستاني نسي قصة الحديبية حيث آثر رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) الصلح يوم الحديبية على الحرب وأمر به ، عملاً بما أوصى اللّه إليه ، وكانت المصلحة في الواقع وفي نفس الأمر توجبه لكنّها خفيت على أصحابه فطفق بعضهم ينكره والآخر يعارضه علانية بكلّ ما لديه من قوة. هذا هو عمر بن الخطاب فإنّه بعد ما تقرر الصلح بين الفريقين على الشروط الخاصة وقد أدركته الحمية ، فأتى أبا بكر و قد استشاط غضباً فقال : يا أبا بكر أليس برسول اللّه ؟ قال : بلى. قال : أو لسنا بالمسلمين؟ قال : بلى. قال : أوليسوا بالمشركين؟قال : بلى. قال : فعلام نعطي الدنية في ديننا ... الحديث. (2)
    وكأنّ الشهرستاني غفل أيضاً عن الجدال الشديد بين النبي وبعض
1 ـ الملل والنحل : 1/21.
2 ـ السيرة النبوية لابن هشام : 3/317.


(45)
أصحابه في متعة الحج. قال الإمام القرطبي : « لا خلاف بين العلماء أنّ التمتع المراد بقوله تعالى : ( فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَة إِلَى الحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الهَدي ) (1) هو الاعتمار في أشهر الحجّ قبل الحجّ ، قلت : وهو فرض من نأى عن مكة بثمانية وأربعين ميلاً من كلّ جانب على الأصح ، وإنّما أضيف الحجّ بهذه الكيفية إلى التمتع أو قيل عنه : التمتع بالحج ، لما فيه من المتعة ، أي اللذة بإباحة محظورات الإحرام في المدة المتخلّلة بين الإحرامين ، وهذا ما كرهه عمر وبعض أتباعه فقال قائلهم : أننطلق و ذكورنا تقطر؟!
    وفي « مجمع البيان » أنّ رجلاً قال : أنخرج حجاجاً ورؤوسنا تقطر؟ وأنّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال له : « إنّك لن تؤمن بها أبداً ». (2)
    ولأجل هذه المكافحة التي نجمت في حياة النبي خطب عمر بن الخطاب في خلافته وقال : متعتان كانتا على عهد رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما. (3)
    وهذه الأُمور تسهل لنا التصديق بما رواه البخاري في إسناد عن عبيد اللّه بن عبد اللّه ، عن ابن عباس قال : « لما اشتد بالنبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وجعه قال : ايتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ». قال عمر : إنّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) غلبه الوجع ، وعندنا كتاب اللّه حسبنا ، فاختلفوا وكثر اللغط. قال : « قوموا عنّي ، ولا ينبغي عندي التنازع ». فخرج ابن عباس يقول : إنّ الرزية كلّ الرزية ما حال بين رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) وبين كتابه ». (4)
    كما تسهل لنا التصديق بخلافهم في حال حياته عندما أمرهم بقوله : « جهزوا جيش أُسامة لعن اللّه من تخلّف عنه » ، فقال قوم : يجب علينا امتثال
1 ـ البقرة : 196.
2 ـ النص والاجتهاد : 120 ، وقد نقل مصادر كلامه.
3 ـ مفاتيح الغيب للرازي : 3/201 في تفسير آية 24من سورة النساء; شرح التجريد للفاضل القوشجي : 484.
4 ـ صحيح البخاري : 1/30.


(46)
أمره ، وأُسامة قد برز من المدينة ، وقال قوم : قد اشتد مرض النبي عليه الصلاة والسلام فلا تسع قلوبنا مفارقته والحالة هذه ، فنصبر حتى نبصر أي شيء يكون من أمره. (1)
    نعم كانت هناك هنابث ومشاجرات في أُمور لا تروق سليقة بعض النفوس وميولهم ، غير أنّ هذه الخلافات لم تكن على حدّتنشق بها عصا الوحدة وتنفصم بها عرى الأُخوة ، وأعظم خلاف بين الأُمّة هو الخلاف الذي نجم بعد لحوقه بالرفيق الأعلى ، وهو الخلاف في الإمامة وقد لمست الأُمة ضرره وخسارته حتى أنّ الشهرستاني أعرب عن عظم هذه الخسارة بقوله : « ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كلّ زمان ». (2)
    وإليك بيان أساس هذا الاختلاف :
    لما التحق النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بالرفيق الأعلى صارت الأُمّة فرقتين باقيتين إلى الآن :
    الأُولى : القائلون بأنّ منصب الإمامة منصب إلهي وأنّ الإمام يقوم بالوظائف التي كانت قد أُلقيت على عاتق النبي من تبيين الأحكام الشرعية وتفسير كتاباللّه وصيانة الدين عن النقص والزيادة والإجابة على الأسئلة الواردة والاعتراضات المتوجهة إلى الدين مضافاً إلى إدارة المجتمع البشري وسياسته التي يعبر عنها بالحكومة الإسلامية.
    الثانية : القائلون بأنّ منصب الإمامة منصب عادي يجب أن يقوم بها واحد من آحاد الأُمّة لتبرير أمر المجتمع سياسة واجتماعاً واقتصاداً وغير ذلك ، وأنّه لم يرد في أمر الخلافة نص على شخص ما وهؤلاء هم الموسومون بأهل السنّة.
( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّه جَميعاً ولا تَفَرَّقُوا ). (3)
1 ـ الملل والنحل : 1/23 ـ 24.
2 ـ الملل والنحل : 1/23 ـ 24.
3 ـ آل عمران : 103.


(47)
الفصل الثالث
علل تكوّن الفرق الإسلامية
    إنّ الوقوف على تاريخ الفرق الإسلامية ، وكيفية تكوّنها والعلل الباعثة على نشأتها ، من الأبحاث المهمة التي تعين الباحث في تقييم المذاهب الإسلامية ومدى إخلاص أصحابها في نشرها وبثها بين الأُمّة ، و هذه النقطة الحسّاسة من علم الملل والنحل ، قد أهملت في كثير من كتب الفرق والنحل إلاّ شيئاً قليلاً لا يشبع نهمة الطالب ، ونحن نأتي في هذه العجالة بإجمال ما وقفنا عليه في تاريخ تكوّنها والبواعث الموجدة لها ، وأمّا الإسهاب في البحث فموكول إلى آونة أُخرى.
    لبّى النبي الأكرم ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) دعوة ربّه وانتقل إلى جواره وترك لأُمّته ديناً قيماً عليه سمات من أبرزها « بساطة العقيدة ويسر التكليف » وأخذ المسلمون يفتحون البلاد بقوة المنطق أوّلاً وحدّالسلاح ثانياً ، وأخذت قوى الكفر والشر تنسحب أمام دعاة الإسلام وجنوده البواسل ، وتنصاع لهداه البلاد إثر البلاد.
    ارتحل الرسول الصادع بالحق ، وترك بين أُمّته كتاب اللّه العزيز الذي فيه تبيان كل شيء (1) ، وسنّته الوضّاءة المقتبسة من الوحي (2) السليم من الخطأ ،
1 ـ ( وَنَزَّلنا عَلَيْكَ الكِتاب تِبْياناً لِكُلِّ شَيْء ) ( النحل : 89 ).
2 ـ ( إِنْ هُوَ اِلاّ وَحْيٌ يُوحى ) ( النجم : 4 ).


(48)
المصون من الوهن وعترته الطيبين الذين هم في لسان نبيّهم قرناء الكتاب. (1)
    فالمسلمون الأوّلون في ضوء بساطة العقيدة وسهولة التشريع و في ظل هذه الحجج والأدلة القويمة ، كانوا في غنى عن الخوض في أقوال المدارس العقلية والمناهج الكلامية التي كانت دارجة بين الأُمم المتحضّرة آنذاك ، فهم بدل الغور فيها ، كانوا يخوضون غمار المنايا و يرتادون ميادين الحروب في أقطار العالم وأرجاء الدنيا لنشر الدين والتوحيد ومكافحة شتى ألوان الشرك والثنوية ومحو العدوان والظلم عن المجتمع البشري.
    نعم كان هذا وصفهم وحالهم إلاّ شذاذاً منهم من الانتهازيين ، عبدة المقام وعشاق المال ممن لم تهمّهم إلاّأنفسهم وإلاّعلفهم وماؤهم ، وقد قلنا إنّ بساطة التكليف كانت إحدى العوامل التي صرفت المسلمين عن التوجه والتعرض للمناهج الفلسفية الدارجة في الحضارات القائمة آنذاك ، فلأجل ذلك كانوا يكتفون مثلاً في معرفة اللّه سبحانه بقوله عزّمن قائل : ( أَفِي اللّه شَكٌّ فاطرِ السَّمواتِ والأَرضِ ) (2) ، وقوله عزّجلّ : ( أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الْخالِقُون ). (3)
    وفي نفي الشرك والثنوية كانوا يكتفون بقوله سبحانه : ( لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلاّ اللّهُ لَفَسَدتا ). (4)
    وفي التعرّف على صفاته وأفعاله بقوله سبحانه : ( هُوَ اللّهُ الَّذي لاإِلهَ إِلاّهُوَ عالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحيم ) (5) ، إلى آخر سورة الحشر.
    وفي تنزيهه عن التشبيه والتجسيم بقوله سبحانه : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّميعُ الْبَصير ) (6) ،
1 ـ لقوله ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب اللّه وعترتي ، ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ، وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض. والتثليث في كلامنا لا يعارض التثنية في كلام الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ، لأنّ مرجع كلام العترة إلى سنّة الرسول التي أودعها في قلوبهم بإذن اللّه عزّ وجلّ.
2 ـ إبراهيم : 10.
3 ـ الطور : 35.
4 ـ الأنبياء : 22.
5 ـ الحشر : 22.
6 ـ الشورى : 11.


(49)
وبقوله : ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصار ). (1)
    وفي سعة قدرته : ( وَما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ ) . (2)
    إلى غير ذلك من الآيات الواردة حول المبدأ والمعاد وما يرجع إليهما من الأبحاث الكلامية الغامضة ، فلكلّ واحدة من هذه المسائل نصوص في الكتاب والسنّة وهي أغنتهم عن الرجوع إلى غيرهم.
    نعم إنّ مفاهيم هذه الآيات على بساطتها تهدف إلى معان بعيدة الأغوار ، عالية المضامين ، فالكلّ يستفيد منها حسب مقدرته واستعداده فهي هادية لكلّ البشر ومفيدة لجميع الطبقات من ساذجها إلى متعلّمها ، إلى معلمها ... .
    وهذه الميزة يختصّ بها القرآن الكريم ويتميّز فيها عن غيره ، فهو مع كونه هدى للناس عامة ، خير دليل للمفكّرين صغارهم وكبارهم.
    هذا هو الكتاب ، وأمّا السنّة فهي عبارة عمّا ينسب إلى النبي من قول أو فعل أو تقرير ، نازلة منزلة التفسير والتبيين لمعاني الكتاب الحكيم ، مبينة لمجمله ، شارحة لمعانيه كما يعرب عنه قوله سبحانه : ( وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) (3) ، أي لا لتقرأ فقط ، بل لتبيّن وتشرح ما نزل ، بقولك وفعلك وتقريرك.
    وأمّا العترة فيكفي في عصمتهم وحجية أقوالهم ، حديث الثقلين الذي تواتر نقله ، وقام بنقله أكابر المحدّثين في العصور الإسلامية كلّها.
    وكان اللائق بالمسلمين والواجب عليهم مع الحجج الإلهية ، التمسّك بالعروة الوثقى ورفض الاختلاف ، ولكن يا للأسف تفرقوا إلى فرق وفرق لعلل نشير إليها.
    إنّ لتكوّن المذاهب الإسلامية ـ أُصولاً وفروعاً ـ عللاً وأسباباً ومعدات وممهدات ولا يقوم بحقّ بيانها الباحث إلاّ بإفراد كتاب خاص في هذا الموضوع ،
1 ـ الأنعام : 103.
2 ـ الأنعام : 91.
3 ـ النحل : 44.


(50)
ولكن نشير في هذه العجالة إلى العوامل الرئيسية في تكوّن الفرق ونشوئها في المجتمع الإسلامي وهي أُمور :
    1 ـ الاتجاهات الحزبية والتعصبات القبلية.
    2 ـ سوء الفهم واعوجاجه في تحديد الحقائق الدينية.
    3 ـ المنع عن كتابة حديث رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ونقله والتحدّث به كما سيجيء.
    4 ـ فسح المجال للأحبار والرهبان للتحدّث عن قصص الأوّلين والآخرين.
    5 ـ الاحتكاك الثقافي واللقاء الحضاري بين المسلمين وغيرهم من الفرس والروم والهنود.
    6 ـ الاجتهاد في مقابل النصّ.
    وإليك البحث في كلّ واحد من هذه العوامل حسب ما يقتضيه المجال.
( وَلَوْ أَنّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعظُونَ بِهِ لَكانَ خَيراً لَهُمْ وَأَشدَّ تَثْبيتاً ) (1) .

1 ـ النساء : 66.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الأوّل ::: فهرس