بحوث في الملل والنحل ـ جلد الأوّل ::: 141 ـ 150
(141)
في أنّ للّه نفساً
    1 ـ قال عبد اللّه بن أحمد ، حدّثني أبو معمر ، حدّثنا جرير ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن ذر ، عن سعيد بن عبد الرحمن بن بزي ، عن أبيه ، عن أُبي بن كعب قال : لا تسبوا الريح فإنّها من نفس الرحمن. (1)
في أنّ للّه رجلاً
    1 ـ قال عبد اللّه بن أحمد بن حنبل ، حدّثني عبيد اللّه بن عمر القواريري ، حدّثني حرمى بن عمارة ، حدّثنا شعبة ، عن قتادة ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « يلقى في النار وتقول هل من مزيد حتى يضع قدمه أو رجله عليها فتقول قط قط ». (2)
    وبهذا فسروا آية ( رَبّنا عَجِّل لَنا قِطَّنا قَبلَ يومِ الحِسَابِ ) . (3)
    وأخرج ابن خزيمة نحوه ، عن أبي هريرة. (4)
    2 ـ وروى ابن خزيمة ، عن أبي هريرة ، عن رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال : « وأمّا النار فلا تمتلئ حتى يضع اللّه رجله فيها فتقول قط قط ، فهنالك تمتلئ ». الحديث.
    وهو حديث اختصام الجنة والنار ، وأشار إلى أنّه مستفيض (5) والأخبار في وضع اللّه رجله في النار كثيرة جدّاً.
    3 ـ روى عبد اللّه بن أحمد في حديث طويل تقدّمت الإشارة إليه في مسألة الضحك ، عن النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال : « فيتمثل الرب
1 ـ السنّة : 190.
2 ـ السنّة : 184.
3 ـ ص : 16.
4 ـ التوحيد : 92.
5 ـ التوحيد : 93 ـ 95.


(142)
فيأتيهم ، فيقول لهم ما لكم لا تنطلقون كما انطلق الناس؟ فيقولون : إنّ لنا إلهاً ( ما رأيناه ) فيقول : وهل تعرفونه إن رأيتموه؟ فيقولون : بيننا وبينه علامة إذا رأيناها عرفناه ، فيقول : ما هي؟ فيقولون : يكشف عن ساقه ، قال : فعند ذاك يكشف اللّه عن ساقه. قال : فيخر كلّ من كان نظره ، ويبقى قوم ظهورهم كصياصي البقر يدعون إلى السجود فلا يستطيعون وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ». (1)
    وأمّا موضع الرجلين فقد استفاضت الأخبار في أنّه على الكرسي.
    4 ـ فمن ذلك ما رواه عبد اللّه بن أحمد ، بإسناده عن عمر قال : إذا جلس على الكرسي سمع له أطيط (2) كأطيط الرحل الجديد. (3)
    5 ـ وبإسناده إلى ابن عباس قال : الكرسي موضع قدميه ، والعرش لا يقدر أحد قدره. (4)
    6 ـ وقال : كتب إلى عباس بن عبد العظيم ، حدّثنا أبو أحمد الزبيري ، حدّثنا إسرائيل ، عن ابن إسحاق ، عن عبد اللّه بن خليفة قال : جاءت امرأة إلى النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) فقالت : ادع اللّه أن يدخلني الجنة ، قال : فعظم الرب وقال وسع كرسيه السماوات والأرض. إنّه ليقعد عليه فما يفضل منه إلاّقيد أربع أصابع ، وإنّ له أطيطاً كأطيط الرحل إذ ركب. (5)
    ورواه ابن خزيمة بزيادة « من ثقله » في آخره. (6) وقال المعلّق في ذلك الحديث : « مسألة أطيط العرش به سبحانه كأطيط الرحل وردت في عدة أحاديث ، فمن العلماء من ينكر ذلك ويقول : إنّ الأطيط صفة للعرش لا مدخل له في الصفات ، كالحافظ الذهبي والحق الذي يجب اتّباعه في ذلك أن نؤمن بما
1 ـ السنّة : 206.
2 ـ أي ليصوت باللّه كصوت الرحل ـ و هو كور الناقة ـ بالراكب الثقيل.
3 ـ السنّة : 79.
4 ـ السنّة : 79.
5 ـ السنّة : 80.
6 ـ التوحيد : 106.


(143)
ورد به النص من غير تشبيه ولا تكييف ، وأن نعتقد أنّ ربّنا ليس محمولاً على العرش ولا محتاجاً إليه بل العرش وما تحته كلّه محمول بقدرته. (1)
    وذكر في الكتابين أنّ العرش حملته أربعة ملائكة أحدهم على صورة إنسان والثاني على صورة ثور ، والثالث على صورة نسر ، والرابع على صورة أسد. (2)
    وعلّق عليه في الحاشية بأنّ هذا لم يرد في حديث صحيح ، ولعلّ الراوي أخذه من كعب الأحبار أو غيره من مسلمة أهل الكتاب. (3)
    و مع ذلك ورد في الكتابين وأخرجه ابن حنبل في مسنده (4) بالإسناد إلى عكرمة مولى ابن عباس : أنّ رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أنشد قول أُمية بن أبي الصلت الثقفي :
رجل وثور تحت رجل يمينه والنسر للأُخرى وليث مرصد (5)
    ورواه في كتاب السنّة(6) بزيادة : فقال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : صدق صدق.
في أنّ للّه وجهاً
    1 ـ روى عبد اللّه بن أحمد : حدّثني أبي ، حدّثنا يحيى بن سعيد ، حدّثنا ابن عجلان ، حدّثني سعيد ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) :
1 ـ التوحيد : 106 ، لاحظ التناقض في كلامه ، ولاحظ أنّ الأخبار تارة فصلت بين العرش والكرسي فجعلته جالساً على العرش واضعاً قدميه على الكرسي ، وأُخرى جعلت جلوسه على الكرسي.
2 ـ السنّة : 161; التوحيد : 92.
3 ـ التوحيد : 92.
4 ـ مسند أحمد : 1/256.
5 ـ التوحيد : 90 مع أبيات أُخر. قالوا : إنّ أُميّة تنصّر في الجاهلية هو وورقة بن نوفل وكان ينشد الأشعار في تمجيد اللّه ، ونسبوا إلى الرسول ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) أنّه قال في حقّه : آمن شعره وكفر قلبه.
6 ـ السنّة : 187.


(144)
إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه ، ولا يقل قبح اللّه وجهك ووجه من أشبه وجهك ، فإنّ اللّه خلق آدم على صورته. (1)
    2 ـ وقال حدّثني أبو معمر ، حدّثنا جرير ، عن الأعمش ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن عطاء ، عن ابن عمر قال : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « لا تقبحوا الوجه ، فإنّ اللّه خلق آدم على صورة الرحمن ». (2)
    3 ـ نقل ابن خزيمة أخباراً كثيرة في ذلك (3) ، ثمّ قال : هذا باب طويل لو استخرج في هذا الكتاب أخبار النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) التي فيها ذكر وجه ربّنا عزّوجلّ لطال الكتاب ، وقد خرجنا كلّ صنف من هذه الأخبار في مواضعها في كتب مصنّفة (4) ثمّ استطرد في كلام طويل محاولاً من جهة إثبات ما تقدّم للّه تعالى ومن جهة أُخرى نفي التشبيه. (5)
في أنّ اللّه يُرى
    لقد تضافرت الأخبار في الكتابين على أنّ اللّه يُرى يوم القيامة كالبدر المنير. وأنّه تعالى لا يُرى في الدنيا ، غير أنّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) رآه عندما عرج به إلى السماء (6) ، ونحن نكتفي بهذين الخبرين.
    1 ـ روى ابن خزيمة ، عن معاذ بن هشام ، قال : حدّثني أبي ، عن قتادة ، عن أبي قلابة ، عن خالد بن اللجلاج ، عن عبد اللّه بن عباس : أنّ النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) قال : « رأيت ربي في أحسن صورة ، فقال : يا محمد! قلت : لبيك وسعديك ، قال : فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت : يا
1 ـ السنّة : 169 ورواه أيضاً بسند آخر في ص 64.
2 ـ السنّة : 64.
3 ـ التوحيد : 10 ـ 18.
4 ـ التوحيد : 18.
5 ـ التوحيد : 21 ـ 24.
6 ـ راجع التوحيد : 167 ـ 230.


(145)
رب لا أدري. قال : فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي فعلمت ما بين المشرق والمغرب ». الحديث (1) . وقد رواه بأسانيد وطرق مختلفة.
    2 ـ وقال : حدّثنا محمد بن عيسى ، قال : حدّثنا سلمة بن الفضل ، قال; حدّثني محمد بن إسحاق ، عن عبد الرحمن بن الحرث بن عبد اللّه بن عياش بن أبي ربيعة ، عن عبد اللّه بن أبي سلمة ، أنّ عبد اللّه بن عمر بن الخطاب بعث إلى عبد اللّه بن عباس يسأله : هل رأى محمد ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) ربّه؟ فأرسل إليه عبد اللّه بن عباس أن نعم. فرد عليه عبد اللّه بن عمر رسوله أن كيف رآه؟ قال : فأرسل أنّه رآه في روضة خضراء دونه فراش من ذهب على كرسي من ذهب يحمله أربعة من الملائكة : ملك في صورة رجل ، وملك في صورة ثور ، وملك في صورة نسر ، وملك في صورة أسد. (2)
    ونختم المقال بما ذكره ابن خزيمة قال : إنّا لا نصف معبودنا إلاّبما وصف به نفسه ، إمّا في كتاب اللّه أو على لسان نبيه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) بنقل العدل موصولاً إليه ، لا نحتج بالمراسيل ولا بالأخبار الواهية ولا نحتج أيضاً في صفات معبودنا بالآراء والمقاييس. (3)

في الجبر والقدر
    روى عبد اللّه بن أحمد ، عن أبيه أحمد بن حنبل ، في كتاب « السنّة » الروايات التالية :
    1 ـ روى عبد اللّه بن أحمد قال : حدّثني أبي ، حدّثنا زيد بن يحيى الدمشقي ، حدّثنا خالد بن صبيح المري ، حدّثنا إسماعيل بن عبيد اللّه أنّه سمع أُم الدرداء تحدّث عن أبي الدرداء ، أنّه قال : سمعت النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يقول : « فرغ اللّه إلى كلّ عبد من خمس : من أجله ورزقه وأثره ،
1 ـ التوحيد : 217.
2 ـ التوحيد : 198.
3 ـ التوحيد : 59.


(146)
وشقي أم سعيد ». (1)
    2 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا هشيم ، حدّثنا علي بن زيد ، سمعت أبا عبيدة بن عبد اللّه يحدّث قال : قال عبد اللّه : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً على حالها لا تغير ، فإذا مضت الأربعون صار علقة ومضغة كذلك ، ثمّ عظاماً كذلك ، فإذا أراد اللّه أن يسوي خلقه بعث إليها ملكاً فيقول الملك الذي يليه : أي رب أذكر أم أُنثى؟ ، أشقي أم سعيد؟ قصير أم طويل؟ أناقص أم زائد ، قوته وأجله؟ ، أصحيح أم سقيم؟ ، قال : فيكتب ذلك كلّه. فقال رجل من القوم : فيم العمل إذاً وقد فرغ من هذا كلّه؟ فقال : اعملوا فكلّ سيؤخذ لما خلق له ». (2)
    3 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا بهز بن أسد ، حدّثنا بشر بن المفضل ، حدّثنا داود ، عن أبي نضرة ، عن أسير بن جابر ، قال : طلبت علياً في منزله فلم أجده ، فنظرت فإذا هو في ناحية المسجد. قال : فقلت له : كأنّه خوفه قال : فقال : إيه ليس أحد إلاّ ومعه ملك يدفع عنه ما لم ينزل القدر فإذا نزل القدر لم يغن شيئاً. (3)
    4 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا معاذ بن معاذ ، حدّثنا ابن عون ، قال : حدّث رجل محمّداً عن رجلين اختصما في القدر فقال أحدهما لصاحبه : أرأيت الزنى بقدر هو؟ قال الآخر : نعم ، قال محمد : آي وافق رجل حياً. (4)
    5 ـ حدّثني أبي ، قال عبد اللّه بن الحارث المخزومي ، حدّثنا شبل بن عباد ـ مولى لعبد اللّه بن عامر ـ ، عن ابن نجيح ، عن مجاهد قول اللّه : ( إِنّي
1 ـ السنّة : 125.
2 ـ السنّة : 126.
3 ـ السنّة : 132.
4 ـ السنّة : 134 ـ 135.


(147)
أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُون ) (1) قال : علم من إبليس المعصية وخلقه لها. (2)
    6 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا عصام بن خالد الحضرمي ، حدّثنا العطاف بن خلد ، عن شيخ من أهل البصرة ، حدّثني طلحة بن عبد اللّه بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ، حدّثني أبي ، عن جدّي أنّه قال لرسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : يا رسول اللّه : العمل على ما فرغ منه أو على أمر مؤتنف؟ قال : بل على أمر قد فرغ منه. قال : قلت : يا رسول اللّه ففيم العمل؟ قال : « إنّ كلاً ميسر لما خلق له ». (3)
    7 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا وكيع ، حدّثنا ابن أبي ليلى ، عن المنهال بن عمرو ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله تعالى : ( يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ ويُثبِت ) (4) قال : إلاّ الشقاء والسعادة والحياة والموت. (5)
    8 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا إسحاق بن عيسى ، أخبرني مالك ، عن زياد بن سعد ، عن عمرو بن مسلم ، عن طاووس اليماني ، قال : « أدركت ناساً من أصحاب النبي ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) يقولون كلّ شيء بقدر ، قال : وسمعت عبد اللّه بن عمر يقول : قال رسول اللّه ( صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ) : « كلّ شيء بقدر حتى العجز والكيس ». (6)
    9 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، عن سعيد بن حيّان ، عن يحيى بن يعمر ، قال : « قلت لابن عمر : إنّ ناساً عندنا يقولون : الخير والشر بقدر ، وناس عندنا يقولون : الخير بقدر والشر ليس بقدر. فقال ابن عمر : إذا رجعت إليهم فقل لهم : إنّ ابن عمر يقول إنّه منكم بريء وأنتم منه براء. (7)
1 ـ البقرة : 30.
2 ـ السنّة : 134 ـ 135.
3 ـ السنّة : 134 ـ 135.
4 ـ الرعد : 39.
5 ـ السنّة : 134 ـ 135.
6 ـ السنّة : 139.
7 ـ السنّة : 141.


(148)
    10 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا عبد الرحمن بن مهدي ، حدّثنا سفيان ، عن عمرو ابن محمد ، قال : كنت عند سالم بن عبد اللّه فجاءه رجل فقال : الزنى بقدر؟ فقال : نعم. قال : كتبه علي؟! قال : نعم ، قال : كتبه علي؟ قال : نعم.ويعذبني عليه؟ قال : فأخذ له الحصا. (1)
    11 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا عبد الرزاق ، أنا معمر ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز إلى عدي بن أرطأة : أما بعد ، فإن استعمالك سعد بن مسعود على عمان كان من الخطايا التي قدر اللّه عليك ، وقدر أن تبتلى بها. (2)
    12 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا وكيع ، حدّثنا العلاء بن عبد الكريم سمعت مجاهداً يقول : ( لَهُمْ أَعمال مِنْ دُون ذلِكَ هُمْ لَها عامِلُونَ ) قال : أعمال لابدّ لهم من أن يعملوها. (3)
    13 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا وكيع ، وابن بشر قالا : حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح : ( ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَة فَمِن اللّهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئة فَمِنْ نَفْسِك ) (4) وأنا قدرتها عليك. (5)
    14 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا عبد الصمد ، حدّثنا حماد ، حدّثنا حميد ، قال قدم الحسن مكة ، فقال لي فقهاء مكة : الحسن بن مسلم وعبد اللّه بن عبيد لو كلمت الحسن فأخلأنا يوماً ، فكلّمت الحسن فقلت : يا أبا سعيد إخوانك يحبون أن تجلس لهم يوماً ، قال : نعم ونعمة عين ، فواعدهم يوماً فجاءوا فاجتمعوا وتكلّم الحسن وما رأيته قبل ذلك اليوم ولا بعده أبلغ منه ذلك اليوم ، فسألوه عن صحيفة طويلة فلم يخطئ فيها شيئاً إلاّ في مسألة. فقال له رجل : يا أبا سعيد من خلق الشيطان؟ قال : سبحان اللّه ، سبحان اللّه ، وهل من خالق غير اللّه! ثمّ قال : إنّ اللّه خلق الشيطان وخلق الشر وخلق الخير ، فقال
1 ـ السنّة : 143.
2 ـ السنّة : 143 ـ 144.
3 ـ السنّة : 143 ـ 144.
4 ـ النساء : 79.
5 ـ السنّة : 144.


(149)
رجل منهم : قاتلهم اللّه يكذبون على الشيخ. (1)
    15 ـ حدّثني أبي ، حدّثنا إسماعيل ـ يعني ابن علية ـ ، حدّثنا خالد الحذّاء قال : قلت للحسن : أرأيت آدم ، أللجنة خلق أم للأرض؟ قال : للأرض. قال : قلت : أرأيت لو اعتصم؟ قال : لم يكن بدّمن أن يأتي على الخطيئة. (2)
التدرّع باللا كيفية
    إنّ دلالة الأحاديث المتقدّمة على التشبيه والتجسيم ممّا لا كلام فيه غير أنّ جماعة منهم ـ لأجل الفرار عنهما ـ يتدرعون بلفظة « بلا كيف ولا تشبيه » أو غيرهما من العبارات المشابهة. فيقولون تارة : إنّ للّه يداً ورجلاً ووجهاً وقدماً بلا كيف ولا تشبيه ، وأُخرى : إنّ للّه يداً لا كالأيدي ، ووجهاً لا كالوجوه ، وقدماً لا كالأقدام ، وثالثة : إنّ له يداً تناسب ذاته وهكذا سائر الأعضاء.
    يقول الإمام الخطابي : وليست اليد عندنا الجارحة وإنّما هي صفة جاء بها التوقيف ، فنحن نطلقها على ما جاء ولا نكيّفها وهذا مذهب أهل السنّة والجماعة. (3)
    ويقول ابن عبد البر : أهل السنّة مجمعون على الإقرار بهذه الصفات الواردة في الكتاب والسنّة ولم يكيفوا شيئاً فيها. (4)
    إلى غير ذلك من الكلمات التي اتخذتها الأشاعرة وقبلهم بعض الحنابلة درعاً يتقون به عار التشبيه والتمثيل. وسيوافيك عند البحث عن عقائد الأشاعرة أنّ هذه الألفاظ لا تفيد شيئاً ، وإليك إجمال ذلك :
1 ـ السنّة : 144.
2 ـ السنّة : 145.
3 ـ فتح الباري : 13/417.
4 ـ فتح الباري : 13/407.


(150)
    أوّلاً : إذا كان المصدر للاعتقاد بأنّ للّه سبحانه أعضاء هي هذه الأحاديث ـ أو بعض الآيات على ما زعموا ـ فليس فيها شيء يدل على هذه الكلمة : « بلا كيف » ، بل هي إضافة منهم بلا دليل. فليس لأهل الحديث الذين يفرون من التأويل ، وحتى يسمّون الحمل على المجاز والكناية تأويلاً ، إلاّ الأخذ بحرفية هذه الأحاديث بتمامها ، لا التصرف فيها.
    وثانياً : إنّ اليد وأضرابها ، موضوعة حسب اللغة للأعضاء المحسوسة التي يعرفها كلّ من عرف اللغة ، فإجراء هذه الصفات عليه سبحانه يمكن بإحدى صورتين :
    1 ـ أن يجري عليه بما هو المتبادر عند أهل اللغة بلا تصرف فيه. وهذا ما عليه المشبّهة والمجسّمة.
    2 ـ أن يجري عليه بما أنّها كناية عن معان كالبخل في قول اليهود ( يَدُ اللّهِ مَغْلُولة ) (1) والإحسان والجود في قوله سبحانه : ( بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتان ) (2) وهذا ما عليه أهل التنزيه ، وليس ذلك تأويلاً للقرآن أبداً ولا اتّباعاً لخلاف الظاهر ، إذ لهذه الألفاظ عند الإفراد ظهور تصوّري ويراد منها الأعضاء ، وعند التركيب مع سائرها والوقوع في طي الجمل ظهور آخر ، فربما يتّحد الظهوران ، مثل قولك لولدك : اغسل يدك قبل الغذاء. وربما يختلفان كما في الجملتين المتقدّمتين ، وليس هنا وجه ثالث حتى يتدرّع به أهل الحديث والحنابلة ، دعاة التنزيه لفظاً لا معنى. وما يتفوّه به هؤلاء من أنّ للّه يداً لا كالأيدي ، فإن رجع إلى أحد هذين المعنيين فنعم الوفاق إمّا مع أهل التشبيه أو مع أهل التنزيه ، وإلاّفيكون أشبه بلقلقة اللسان.
    وباختصار : إنّ القائل بأنّ له يداً لا يخلو في إجراءاللفظ عليه سبحانه أن يريد أحد وجهين : إمّا أن يريد المعنى الحقيقي وهو العضو المحسوس فيكون مجسّماً ومشبّهاً ، أو يريد المعنى المجازي وهو البخل أو الجود فيكون مؤوّلاً ، وهو
1 ـ المائدة : 64.
2 ـ المائدة : 64.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الأوّل ::: فهرس