بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: 181 ـ 190
(181)
    وقع في أسماء مرتكبي الكبائر من أهل الصّلاة ، فقالت الخوارج: إنّهم كفّار مشركون وهم مع ذلك فسّاق ، وقال بعض المرجئة: إنّهم مؤمنون لإقرارهم بالله و رسوله و بكتابه و بما جاء به رسوله وإن لم يعملوا به ، فاعتزلت المعتزلة جميع ما اختلف فيه هؤلاء وقالوا نأخذ بما اجتمعوا عليه من تسميتهم بالفسق وندع ما اختلفوا فيه من تسميتهم بالكفر والإيمان والنفاق و الشّرك ، قالوا: لأنّ المؤمن وليّ الله ، والله يجبّ تعظيمه و تكريمه وليس الفاسق كذلك ، والكافر والمشرك و المنافق يجب قتل بعضهم و أخذ الجزية من بعض ، وبعضهم يعبد في السرّ إلهاً غير الله ، وليس الفاسق بهذه الصفة.
    قالوا: فلمّا خرج من هذه الأحكام ، خرج من أن يكون مسمّى بأسماء أهلها وهذا هو القول بالمنزلة بين المنزلتين أي الفسق منزلة بين الكفر والإيمان » (1).
    و يظهر هذا من البغدادي أيضاً قال: « ومنها اتّفاقهم على دعواهم في الفاسق من اُمّة الإسلام بالمنزلة بين المنزلتين وهي أنّه فاسق لا مؤمن ولا كافر ، ولأجل هذا سمّاهم المسلمون « معتزلة » لاعتزالهم قول الاُمّة بأسرها » (2) وفي الوقت نفسه نقل البغدادي ، قصّة اعتزال « واصل » حلقة الحسن بنحو يوهم كون وجه التسمية هو اعتزال واصل مجلس الحسن. لاحظ ص 118.
    ويظهر من ابن المرتضى تأييده. قال في ذيل كلامه: « سمّي و أصحابه معتزلة لاعتزالهم كلّ الأقوال المحدّثة و المجبّرة ». ثمّ ردّ على من زعم أنّ إطلاق المعتزلة لمخالفتهم الاجماع بقوله: « لم يخالفوا الإجماع ، بل عملوا بالمجمع عليه في الصدر الأوّل ورفضوا المحدثات المبتدعة » (3).
    ويظهر هذا أيضاً من نشوان بن سعيد اليمني حيث قال:
     « وسمّيت المعتزلة معتزلة لقولهم بالمنزلة بين المنزلتين وذلك أنّ المسلمين اختلفوا
    1 ـ باب ذكر المعتزلة من مقالات الاسلاميين للبلخي ص 115.
    2 ـ الفرق بين الفرق: ص 21 و 115 ، ط دار المعرفة.
    3 ـ المنية والأمل: لأحمد بن يحيى المرتضى ص 4 طبع دار صادر.


(182)
    في أهل الكبائر فقالت الخوارج: هم كفّار مشركون ، وقال بعض المرجئة: إنّهم مؤمنون ، وقالت المعتزلة: لا نسمّيهم بالكفر و لا بالإيمان ، ولا نقول إنّهم مشركون ولا مؤمنون بل فسّاق ، فاعتزلوا القولين جميعاً و قالوا بالمنزلة بين المنزلتين فسمّوا بالمعتزلة » (1).
6 ـ جعل الفاسق معتزلاً عن الإيمان والكفر
    وهذه النظرية غير النظرية الماضية ، فإنّ الاعتزال فيها كان وصفاً لنفس المعتزلة فهم اعتزلوا عن جميع ما اختلفت فيه من الآراء و أخذوا بالمتّفق عليه ، ولكنّه في هذه النظرية وصف لمورد الخلاف ، أعني الفاسق ، فجعلوه معتزلاً عن الإيمان والكفر ، فلا هو مؤٌمن ولا كافر ، وتظهر تلك النّظرية من المسعودي في مروجه ، قال في بيان الأصل الرابع من الاُصول الخمسة: « وأمّا القول بالمنزلة بين المنزلتين وهو الأصل الرابع ، فهو أنّ الفاسق المرتكب للكبائر ليس بمؤمن ولا كافر ، بل يسمّى فاسقاً على حسب ما ورد التّوقيف بتسميته وأجمع أهل الصّلاة على فسوقه ».
    قال المسعودي: « وبهذا الباب سمّيت المعتزلة ، وهو الاعتزال ، وهو الموصوف بالأسماء والأحكام مع ما تقدّم من الوعيد في الفاسق من الخلود في النار » (2).
    وقال أيضاً: « مات واصل بن عطاء ـ ويكنّى بأبي حذيفة ـ في سنة إحدى و ثلاثين و مائة وهو شيخ المعتزلة و قديمها ، وأوّل من أظهر القول بالمنزلة بين المنزلتين وهو أنّ الفاسق من أهل الملّة ليس بمؤمن ولا كافر وبه سمّيت المعتزلة وهو الاعتزال » (3).
    والدقّة في قوله: « وبه سمّيت... » ( أي بعزل الفاسق عن الإيمان والكفر ) تعطي أنّ وجه التسمية يعود إلى جعل الفاسق منعزلاً عنهما.
    1 ـ شرح رسالة الحور العين: ص 204 ـ 205.
    2 ـ مروج الذهب: ج 3 ، ص 222 ، ط بيروت دار الأندلس.
    3 ـ نفس المصدر : ج 4 ص 22 ، ط بيروت دار الأندلس.


(183)
    وهناك نظريّة سابعة ذكرها أحمد أمين المصري في فجر الإسلام ص 344 ، ولكنّها من الوهن بمكان لم يرتضها هو نفسه في كتبه اللاحقة فلنضرب عنها صفحاً.
    إلى هنا خرجنا بهذه النّتيجة أنّه لو كان أساس الاعتزال هو واصل بن عطاء أو عمرو بن عبيد ، فتسميتهم بالمعتزلة ، إمّا لاعتزال المؤسّس عن مجلس البحث أو باعتزاله عن الرأيين السائدين ، أو لاعتقادهم بكون الفاسق منعزلاً عن الكفر والإيمان ، وخروج مرتكب الكبيرة عن عداد المؤمنين والكافرين.
    والعجب أنّ اُستاذ واصل كان يذهب إلى أنّه منافق ، وأراد بذلك تخفيف أمره بالنسبة إلى الكافر ، مع أنّ جزاء المنافق في الآخرة لو لم يكن أشدّ من الكافر ليس بأقلّمنه.
    أرى أنّ إفاضة الكلام في تحقيق وجه التسمية أزيد من هذا خروج عن وضع الرسالة فلنرجع إلى سائر أسمائهم.

سائر ألقاب المعتزلة
    فقد ذكر ابن المرتضى لهم أسماء اُخر.
    1 ـ العدليّة: لقولهم بعدل الله و حكمته.
    2 ـ الموحّدة: لقولهم لا قديم مع الله (1).
    ولأجل هذا يطلق على هذه الطّائفة أهل العدل و التوحيد ، ولعلّهم يعنون بالعدل مضافاً إلى ما ذكر ابن المرتضى نفي القدر بالمعنى المستلزم للجبر ، أو يريدون بذلك نفي كونه سبحانه خالقاً لأفعال العباد ، إذ فيه الظلم والقبيح والجور ، وأمّا التّوحيد فإنّهم يريدون منه نفي الصفات الزائدة القديمة ، فإنّ في الاعتقاد بزيادة الصفات اعتراف بقدماء معه سبحانه ، وتنزيهه سبحانه عن التشبيه و التجسيم ،
    1. المنية و الأمل ص 1.

(184)
    وسيأتي أنّ هذين الأصلّين اللّذين يعدّان الرّكنين الأساسيين لمدرسة الاعتزال مأخوذان من خطب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ).
    3 ـ أهل الحق: المعتزلة يعتبرون أنفسهم أهل الحقّ ، والفرقة الناجية من ثلاث وسبعين فرقة ، وقد فرغنا الكلام عن هذا الحديث و تعيين الفرقة الناجية في الجزء الأوّل.
    4 ـ القدرية: يعبّر عن المعتزلة في الكتب الكلاميّة بالقدريّة. والمعتزلة يطلقونها على خصمائهم ، وذلك لما روي عن النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم: أنّ القدريّة مجوس هذه الاُمّة. فلو قلنا بأنّ القدريّة منسوبة إلى القدر عِدْل القضاء ، فتنطبق على خصماء المعتزلة القائلين بالقدر السالب للاختيار. ولو قلنا بأنّها منسوبة إلى القدرة ، أي القائلين بتأثير قدرة الإنسان في فعله واختياره و تمكّنه في إيجاده ، فتنطبق ـ على زعم الخصماء ـ على المعتزلة لقولهم بتأثير قدرة الإنسان في فعله. وقد طال الكلام بين المتكلّمين في تفسير الحديث و ذكر كلّ طائفة وجهاً لانطباقه على خصمها (1).
    والحقّ أنّ المتبادر من الحديث هو القدريّة المنسوبة إلى القدر الّذي هو بمعنى التقدير ، و إطلاقه على مثبت القدر كأهل الحديث والحنابلة متعيّن ، إذ لا يطلق الشيء و يراد منه ضدّه.
    فلو كان المراد منه المعتزلة يجب أن يراد منها نفي القدر. وقد روي عن زيد بن عليّ أنّه قال ـ حين سأله أبو الخطّاب عمّا يذهب إليهـ : « أبرأ من القدريّة الّذين حملوا ذنوبهم على الله ومن المرجئة الّذين أطمعوا الفسّاق ». هذا ، ولقد أوضحنا المراد من الحديث في محلّه (2).
    5 ـ الثنوية: المعتزلة يدعون بالثنوية و لعلّ وجهه ما يتراءى من بعضهم لقولهم
    1 ـ لاحظ في الوقوف على هذه الوجوه كشف المراد للعلامة الحلي ص 195 ، وشرح المقاصد للتفتازاني ج 2 ص 143 ، وقد مضى الكلام في سند الحديث ودلالته في فصل القدرية من هذا الجزء فلاحظ.
    2 ـ لاحظ الجزء الأول من الملل والنحل للمؤلف ص 103 ـ 109 ولاحظ الالهيات في ضوء الكتاب والسنة والعقل: محاضراتنا الكلامية بقلم الفاضل الشيخ حسن مكي.


(185)
     الخير من الله والشرّ من العبد.
    وهناك وجه آخر لتسميتهم بالثنويّة ، أو المجوسيّة ، وهو أنّ المعتزلة قالت باستقلال الإنسان في ايجاد فعله ، بل نقل عن بعضهم القول بحاجة الموجود في حدوثه إلى الواجب دون بقائه و استمراره ، فصيّروا الإنسان كأنّه مستقلّ فى فعله ، بل صيّروا الممكنات كواجب غنىّ عن العلّة في بقائه و استمراره ، دون حدوثه.
    ولكنّ النسبة غير صحيحة ، إلاّ إلى بعض المتأخّرين من المعتزلة ، ولم يظهر لنا أنّ المتقدّمين منهم كانوا على هذا الرأي.
    6 ـ الوعيديّة: و إنّما اُطلقت عليهم هذه الكلمة لقولهم بالوعد والوعيد ، وأنّ الله صادق في وعده ، كما هو صادق في وعيده و أنّه لا يغفر الذنوب إلاّ بعد التوبة ، فلو مات بدونها يكون معذّباً قطعاً ولا يغفر له جزماً و يخلّد في النار و يعذّب عذاباً أضعف من عذاب الكافر.
    7 ـ المعطّلة: أي تعطيل ذاته سبحانه عن الصفات الذاتية ، وهذا اُلصق بالجهميّة الّذين يعدّون في الرعيل الأوّل فى نفي الصفات.وأمّا المعتزلة فلهم في الصفات مذهبان:
    1 ـ القول بالنيابة ، أي خلوّ الذات عن الصفات ولكن تنوب الذات مكان الصفات في الآثار المطلوبة منها ، وقد اشتهر قولهم « خذ الغايات واترك المبادئ » ، وهذا مخالف لكتاب الله و السنّة والعقل. فإنّ النقل يدلّ بوضوح على اتّصافه سبحانه بالصفات الكماليّة ، وأمّا العقل ، فحدث عنه ولا حرج ، لأنّ الكمال يساوق الوجود وكلّما كان الوجود أعلى و أشرف يكون الكمالات فيه آكد.
    2 ـ عينيّة الصفات مع الذات و اشتمالها على حقائقها. من دون أن يكون ذات وصفة ، بل الذات بلغت في الكمال إلى درجة صار نفس العلم والقدرة.
    وهذا هو الظاهر من خطب الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وتعضده البراهين


(186)
    العقليّة و إطلاق المعطّلة على هذه الطائفة لا يخلو من تجنّ وافتراء.
    والأولى بهذا الاسم أهل الحديث و الحنابلة ، فإنّهم المعطِّلة حقيقة ، إذ عطّلوا العقول عن معرفة الله و أسمائه و صفاته و أفعاله ، ومنعوا الخوض فى المسائل العقليّة ، وكأنّ العقل خلق لا لغاية إلاّ للسعي وراء الحياة الماديّة.
    8 ـ الجهميّة: (1) وهذا اللّقب منحه أحمد بن حنبل لهم ، فكلّما يقول: قالت الجهميّة ، أو يصف القائل بأنّه جهمي يريد به المعتزلة لما وجد من موافقتهم الجهميّة في بعض المسائل ، و إن كانت الجهمية متقدّمة على المعتزلة ، لكنّها على زعمهم مهّدوا السّبيل للمعتزلة ، مع أنّك عرفت أنّ واصلاً أرسل أحد تلاميذه إلى معارضته و أنّهم لا يعدّون الجهم من رجالهم أو طبقاتهم لاختلافهم معه في بعض المسائل الجوهرية ، فإنّ الجهم جبريّ والمعتزلة قائلة بالاختيار ، ولعلّ بعض هذه التسميات من مصاديق قوله سبحانه ( ولا تنابزوا بالألقاب ) ( الحجرات / 11 ).
    9 ـ المفنية:
    10 ـ اللفظيّة:
    وهذان اللقبان ذكرهما المقريزي وقال: أنّهم يوصفون بالمفنية لما نسب إلى أبى الهذيل من فناء حركات أهل الجنّة و النار ، واللّفظيّة لقولهم: ألفاظ القرآن مخلوقة والقبريّة لانكارهم عذاب القبر (2).
    1 ـ نسبة إلى الجهم بن صفوان ، وقد عرفت القول في عقائده وآرائه وأنّ المهم منه أمران: نفي الرؤية والجبر.
    2 ـ الخطط للمقريزي: ج 4 ، ص 169.


(187)
الفصل الثاني
المبادئ الفكرية للاعتزال
و خطب الإمام عليّ ( عليه السلام )
    قد تعرّفت فيما مضى على تأريخ ظهور المعتزلة و أنّ الاعتزال بعنوان المنهج الفكري العلمي لا السياسي يرجع إلى أوائل القرن الثاني ، وذلك عندما اعتزل واصل بن عطاء عن حلقة الحسن البصري و شكّل حلقة دراسية فكريّة في مقابل اُستاذه ، والقرائن القطعيّة تؤكّد بظهوره في أوائل ذلك القرن ، فإنّ واصل بن عطاء من مواليد عام 80 من الهجرة ، وقد توفّي اُستاذه الحسن البصري عام 110 ، فمن البعيد أن يستطيع إنسان على تشكيل حلقة دراسيّة قابلة للذكر في مقابل الخطيب الحسن البصري ، وله من العمر دون العشرين. وهذا يؤكّد على أنّ الاعتزال ظهر في أوائل القرن الثاني.
    ثمّ إنّ القول بالمنزلة بين المنزلتين و إن كان يعدُّ منطلق الاعتزال ، ومغرس بذره ، ولكن حقيقة الاعتزال لا تقوم بهذا الأصل ، ولا يعدّ الدرجة الاُولى من اُصوله ، فإنّ الأصلين التوحيد والعدل يعدّان حجر الأساس لهذا المنهج ، وسائر الاُصول في الدرجة الثانية.
    وفي ضوء هذا يقف القارئ بفضل النصوص الآتية على أنّ الاعتزال أخذ ذينك الأصلين من البيت العلويّ عامّة ، ومن خطب الإمام عليّ ( عليه السلام ) وكلماته خاصّة ، ولأجل ذلك يجب أن يعترف بأنّ الاعتزال أخذ الاُصول الأصليّة لمنهجه من بيت الولاية.
    ولأجل ايقاف القارئ هذا الاستنتاج ، نضع أمامه شواهد من التأريخ والاعترافات الّتي أجهر بها شيوخ المعتزلة:
    1 ـ هذا هو الكعبي إمام المعتزلة في أوائل القرن الرابع يقول: « والمعتزلة يقال إنّ لها و لمذهبها أسناداً تتّصل بالنبيّ وليس لأحد من فرق الاُمّة مثلها ، وليس يمكن لخصومهم دفعهم


(188)
    عنه ، وهو أنّ خصومهم يقرّون بأنّ مذهبهم يسند إلى واصل بن عطاء ، وأنّ واصلاً يسند إلى محمّد بن عليّ بن أبي طالب و ابنه أبي هاشم عبدالله بن محمد بن علي ، وأنّ محمّداً أخذ عن أبيه علىّ و أنّ علياً عن رسول اللّهصلَّى الله عليه و آله و سلَّم (1).
    2 ـ كان واصل بن عطاء من أهل المدينة ربّاه محمّد بن عليّ بن أبي طالب و علّمه ، وكان مع ابنه أبي هاشم عبدالله بن محمّد في الكتاب ، ثمّ صحبه بعد موت أبيه صحبة طويلة ، وحكي عن بعض السّلف أنّه قيل له: كيف كان علم محمّد بن عليّ؟ فقال: إذا أردت أن تعلم ذلك فانظر إلى أثره في واصل. ثمّ انتقل واصل إلى البصرة فلزم الحسن ابن أبي الحسن (2).
    3 ـ وقال القاضي عبد الجبّار في « طبقات المعتزلة »: « وأخذ واصل العلم عن محمّد بن الحنفيّة وكان خالاً لأبي هاشم وكان يلازم مجلس الحسن » (3).
    وما ذكره القاضي لا ينطبق على الحقيقة ، فإنّ واصل بن عطاء الغزّال ولد بالمدينة سنة ثمانين ، وقد مات محمّد بن الحنفيّة عام 80 أو 81 ، فلا يصحّ أخذ العلم منه ، والصّحيح أن يقال أخذ واصل العلم من أبي هاشم بن محمّد بن الحنفيّة ، وقد نقل المحقّق أنّ في حاشية الأصل « من أبي هاشم ».
    والصّحيح ما في عبارته التالية ، قال:
    4 ـ وقال: « إنّ أبا الهذيل قد أخذ هذا العلم عن عثمان الطّويل ، وأخذ هو عن
    1 ـ ذكر المعتزلة من مقالات الاسلاميين للبلخي: ص 68.
    2 ـ ذكر المعتزلة للكعبي: ص 64.
    3 ـ طبقات المعتزلة: ص 234.


(189)
    واصل بن عطاء و عمرو بن عبيد ، وأخذ واصل و عمرو عن أبي هاشم بن محمّد بن الحنفيّة ، وأخذ أبو هاشم عن أبيه محمّد بن الحنفيّة ، وأخذ محمّد عن أبيه عليّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ وأخذ عليّ عن النبيّ صلَّى الله عليه و آله و سلَّم » (1).
    وقد تنبّه الشريف المرتضى لما ذكرنا. قال: « وذكر أبو الحسين الخيّاط أنّ واصلاً كان من أهل مدينة الرسولصلَّى الله عليه و آله و سلَّم ومولده سنة ثمانين و مات سنة إحدى و ثلاثين و مائة. وكان واصل ممّن لقى أبا هاشم عبدالله بن محمّد بن الحنفيّة وصحبه ، و أخذ عنه و قال قوم إنّه لقى أباه محمّداً و ذلك غلط ، لأنّ محمّداً توفّي سنة ثمانين أو إحدى و ثمانين و واصل ولد في سنة ثمانين » (2).
    5 ـ وقال القاضي أيضاً: « فأمّا أبو هاشم عبدالله بن محمّد بن عليّ ، فلو لم يظهر علمه و فضله إلاّ بما ظهر عن واصل بن عطاء لكفى ، وكان يأخذ العلم عن أبيه.
    فكان واصل بما أظهر بمنزلة كتاب مصنّفه أبو هاشم ، وذكر قوله فيه. وكذلك أخوه ، فإنّ غيلان يقال إنّه أخذ العلم من الحسن بن محمّد بن الحنفيّة أخي أبي هاشم » (3).
    6 ـ وقال الشهرستاني: « يقال أخذ واصل عن أبي هاشم عبدالله بن محمّد بن الحنفيّة » (4).
    7 ـ وقال ابن المرتضى: « وسند المعتزلة لمذهبهم أوضح من الفلق ، إذ يتّصل إلى واصل و عمرو اتّصالاً شاهراً ظاهراً. وهما أخذا عن محمّد بن علي بن أبي طالب وابنه أبي هاشم عبدالله بن محمد ، ومحمّد هو الذي ربّى واصلاً و علّمه حتّى تخرّج واستحكم. ومحمّد أخذ عن أبيه عليّ بن أبي طالب ( عليه السلام ) عن رسول اللّهصلَّى الله عليه و آله و سلَّم ».
    1 ـ المصدر نفسه: ص 164.
    2 ـ أمالي المرتضى: ج 1 ، ص 164 ـ 165.
    3 ـ طبقات المعتزلة: ص 226.
    4 ـ الملل والنحل: ج 1 ص 49.


(190)
    8 ـ وقال أيضاً: « ومن أولاد عليّ ( عليه السلام ) أبو هاشم عبدالله بن محمّد بن الحنفيّة وهو الّذي أخذ عنه واصل وكان معه في المكتب فأخذ عنه و عن أبيه ، وكذلك أخوه الحسن بن محمّد اُستاذ غيلان و يميل إلى الإرجاء » (1).
    9 ـ وقال ابن أبي الحديد: « إنّ أشرف العلوم هوالعلم الإلهي ، لأنّ شرف العلم بشرف المعلوم و معلومه أشرف الموجودات ، فكان هو أشرف العلوم و من كلامه ( عليّ عليه السلام ) اقتبس و عنه نقل ، ومنه ابتدأ وإليه انتهى. فإنّ المعتزلة ـ الّذين هم أهل التوحيد والعدل و أرباب النظر ، ومنهم تعلّم الناس هذا الفنّ ـ تلامذته و أصحابه ، لأنّ كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبدالله بن محمّد بن الحنفيّة. وأبو هاشم تلميذ أبيه ، وأبوه تلميذه عليه السلام » (2).
    10 ـ وقال المرتضى في أماليه: « اعلم أنّ اُصول التوحيد والعدل مأخوذة من كلام أمير المؤمنين ـ صلوات الله عليهـ و خطبه ، فإنّها تتضمّن من ذلك ما لا زيادة عليه ولا غاية وراءه ، و من تأمّل المأثور في ذلك من كلامه ، علم أنّ جميع ما أسهب المتكلّمون من بعد في تصنيفه و جمعه ، إنّما هو تفصيل لتلك الجمل و شرح لتلك الاُصول ، وروي عن الأئمّة ( من أبنائه ( عليهم السلام ) ) من ذلك ما يكاد لا يحاط به كثرة ، ومن أحبّ الوقوف عليه و طلبه من مظانّه أصاب منه الكثير الغزير الّذي في بعضه شفاء للصدور السقيمة ، ونتاج للعقول العقيمة » (3).
    11 ـ وقال القاضي عبدالجبّار: « وهذا المذهب ـ أعني صاحب الكبيرة لايكون مؤمناً ولا كافراً ولا منافقاً بل يكون فاسقاً ـ أخذه واصل بن عطاء عن أبي هاشم عبدالله بن محمّد بن الحنفيّة وكان من أصحابه » (4).
    1 ـ المنية والأمل: ص 5 ـ 6 وص 11.
    2 ـ الشرح الحديدي: ج 1 ص 17.
    3 ـ أمالي المرتضى: ج 1 ص 148.
    4 ـ شرح الاُصول الخمسة: ص 138
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: فهرس