بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: 261 ـ 270
(261)
    وثلاثمائة ». قال أبو الحسن: ومات أبو هاشم في رجب سنة إحدى و عشرين و ثلاثمائة ببغداد و تولّيت دفنه في مقابر باب البستان من الجانب الشرقي ، وقد توفّي في اليوم الّذي توفّي أبو بكر بن دريد. وعن الحسن بن سهل القاضي: بينا نحن ندفن أبا هاشم إذ حملت جنازة اُخرى ومعها جُميعَة عرفتهم بالأدب. فقلت لهم: جنازة من هذه؟ فقالوا: جنازة أبي بكر ابن دريد ، فذكرت حديث الرشيد لمّا دفن محمّد بن الحسن و الكسائي بالري في يوم واحد. قال: وكان هذا في سنة ثلاث و عشرين وثلاثمائة ، فأخبرت أصحابنا بالخبر ، وبكينا على الكلام والعربيّة طويلاً ثم افترقنا.
    وعلّق عليه الخطيب: « الصّحيح أنّ أبا هاشم مات في ليلة السبت الثالث والعشرين من رجب سنة إحدى و عشرين ، قال: وكان عمره ستّاً و أربعين سنة وثمانية أشهر وإحدى وعشرين يوماً » (1).
    وقال القاضي نقلاً عن أبي الحسن بن فرزويه أنّه بلغ من العلم ما لم يبلغه رؤساء علم الكلام. وذكر أنّه كان من حرصه يسأل أبا عليّ ( والده ) حتّى يتأذّى منه ، فسمعت أبا عليّ في بعض الأوقات يسير معه لحاجة وهو يقول لا تؤذنا و يزيد فوق هذا الكلام.
    وكان يسأله طول نهاره ما قدر على ذلك ، فاذا جاء اللّيل سبق إلى موضع مبيته لئلاّ يغلق أبو عليّ دونه الباب ، فيستلقي أبو عليّ على سريره ، ويقف أبو هاشم بين يديه قائماً يسأله حتّى يضجره ، فيحوّل وجهه عنه ، فيتحوّل إلى وجهه ، ولا يزال كذلك حتّى ينام ، وربّما سبق أبو عليّ فأغلق الباب دونه. قال: ومن هذا حرصه على ما اختصّ به من الذكاء ، لم يتعجّب من تقدّمه (2).
    كان أبو هاشم أحسن الناس أخلاقاً و أطلقهم وجهاً ، واستنكر بعض الناس خلافه مع أبيه ( في المسائل الكلاميّة ) وليس خلاف التابع للمتبوع في دقيق الفروع بمستنكر ، فقد خالف أصحاب أبي حنيفة إياه. وقال أبو الحسن بن فرزويه في ذلك
    1 ـ تاريخ بغداد: ج 11 ، ص 56.
    2 ـ طبقات المعتزلة للقاضي: ص 304.


(262)
    شعراً وهو قوله:
يقولون بين أبي هاشم فقلت وهل ذاك من ضائر فخلّوا عن الشيخ لا تعرضوا فان أبا هاشم تلوه ولكن جرى في لطيف الكلام (1) فإيّاك إيّاك من مظلم وبين أبيه خلاف كبير وهل كان ذلك ممّا يضير لبحر تضايق عنه البحور إلى حيث دار أبوه يدور كلام خفي وعلم غزير ولا تعد عن واضح مستنير (2)

تأليفاته
    ذكر ابن النديم لأبي هاشم كتباً ، و قال: « أبو هاشم عبدالسلام بن محمّد الجبّائي ، قدم مدينة السّلام سنة 314 وكان ذكيّاً حسن الفهم ، ثابت الفطنة ، صانعاً للكلام ، مقتدراً عليه ، قيّماً به ، وتوفّي سنة 321 وله من الكتب:
    1 ـ الجامع الكبير ، 2 ـ كتاب الأبواب الكبير ، 3 ـ كتاب الأبواب الصغير ، 4 ـ الجامع الصغير ، 5 ـ كتاب الإنسان ، 6 ـ كتاب العوض ، 7 ـ كتاب المسائل العسكريات ، 8 ـ النقض على أرسطو طاليس في الكون والفساد ، 9 ـ كتاب الطبايع والنقض على القائلين بها ، 10 ـ كتاب الاجتهاد كلام (3).
انتشار مذهبه
    يظهر من البغدادي أنّ مذهبه كان منتشراً في أوائل القرن الخامس في بغداد وقد سمّى أتباعه بالبهشميّة وقال: هؤلاء أتباع أبي هاشم الجبّائي ، وأكثر معتزلة عصرنا على
    1 ـ المراد من لطيف الكلام ، المباحث التي لها صلة لاثبات بعض العقائد الاسلاميّة وليست منها ، كالبحث عن الجوهر والعرض والأكوان والأفلاك وفي الحقيقة كان البحث عنها تبعاً للفلاسفة.
    2 ـ طبقات المعتزلة للقاضي: ص 305.
    3 ـ فهرست ابن النديم: الفن الأوّل من المقالة الخامسة ص 222.


(263)
    مذهبه ، لدعوة ابن عبّاد وزير آل بويه إليه (1).
تلاميذه
    قد ذكر ابن المرتضى أبا هاشم في الطبقة التاسعة ، وذكر تلاميذه في الطبقة العاشرة ، وقال: « اعلم أنّ هذه الطّبقة تشتمل على من أخذ عن أبي هاشم وعمّن هو في طبقته مع اختلاف درجاتهم وتفاوت أحوالهم وقدّمنا أصحاب أبي هاشم لكثرتهم وبراعتهم ». ثمّ ذكر أسماء تلاميذه ، فمن أراد فليرجع إليه.

7 ـ قاضي القضاة عبد الجبّار ( ت نحو 324 ـ م 415 أو 416 )
    هو عبدالجبّار بن أحمد بن عبدالجبّار الهمداني الأسدآبادي ، الملقّب بقاضي القضاة ولا يطلق ذلك اللّقب على غيره.
    قال الخطيب: « كان ينتحل مذهب الشافعي في الفروع و مذاهب المعتزلة في الاُصول ، وله في ذلك مصنّفات و ولي قضاء القضاة بالري و ورد بغداد حاجّاً وحدّثبها.
    وقال: مات عبدالجبّار بن أحمد قبل دخولي الري في رحلتي إلى خراسان و ذلك في سنة 415 » (2).
    وترجمه الحاكم الجشمي ( المتوفّى عام 494 هـ ) في كتاب « شرح عيون المسائل » وعدّه من الطبقة الحادية عشرة من طبقات المعتزلة وقال: « يعدّ من معتزلة ، البصرة من أصحاب أبي هاشم لنصرته مذهبه ».
    قرأ على أبي إسحاق بن عيّاش أوّلاً ، ثمّ على الشيخ أبي عبدالله البصري (3).
    1 ـ تاريخ بغداد: ج 11 ، ص 113.
    2 ـ المصدر نفسه.
    3 ـ كلاهما من الطبقة العاشرة من طبقات المعتزلة.


(264)
    وليست تحضرني عبارة تنبئ عن محلِّه في الفضل وعلوّ منزلته في العلم ، فإنّه الّذي فتق الكلام و نشره و وضع فيه الكتب الجليلة الّتي سارت بها الركبان و بلغ المشرق والمغرب ، وضمّنها من دقيق الكلام و جليله ما لم يتّفق لأحد قبله ، وطال عمره مواظباً على التّدريس والاملاء حتّى طبّق الأرض بكتبه و أصحابه. وبَعُدَ صوته وعظم قدره وإليه انتهت الرئاسة في المعتزلة حتّى صار شيخها و عالمها غير مدافع ، وصار الاعتماد على كتبه و مسائله حتّى نسخ كتب من تقدّم من المشايخ و قرب عهده ، و شهرة حاله تغني عن الاطناب من وصفه. وفيه يقول أبو الأسعد الآبي في قصيدة له في التوحيد والعدل:
    ويعدّ من مشايخ أهل العدل.
أم لكم مثل إمام الاُمّة من بثّ دين الله في الآفاق قاضي القضاة سيّد الأئمّة وبتّ حبل الكفر والنفاق
    وأصله من أسدآباد همدان ، ثمّ خرج إلى البصرة و اختلف إلى مجالس العلماء وكان يذهب في الاُصول مذهب الأشعريّة وفي الفروع مذهب الشافعي ، ولما حضر المجالس و ناظر ونظر عرف الحقّ ، وانقاد وانتقل إلى أبي إسحاق بن عيّاش فقرأ عليه مدّة ثمّ رحل إلى بغداد وأقام عند الشيخ أبي عبدالله مدّة مديدة حتّى فاق الأقران وخرج واحد دهره وفريد زمانه ، وصنّف وهو بحضرته كتباً كثيرة وكان ربّما يدرس بها وبالعسكر (1) ورامهرمز (2).
    وابتدأ بها إملاء « المغني » في مسجد عبدالله بن عبّاس متبرّكاً به. فلمّا قدم الريّ سألوه أن يجعله باسم بعض الكبار فأبى و استدعاه الصاحب إلى الريّ بعد سنة ستّين و ثلاثمائة فبقى بها مواظباً على التدريس إلى أن توفّي سنة 415 أو 416 فكان يدرس ويملي وكثر الانتفاع به و طار ذكره في الآفاق.
    1 ـ عسكر مكرم بلد مشهور من نواحي خوزستان.
    2 ـ مدينة من بلاد خوزستان.


(265)
    وروي أنّه كان في التفضيل بمذهب الشيخين (1) في التوقف ، ثمّ رجع في آخر عمره إلى تفضيل أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ وهو المذكور في كتبه.
    وكان الصاحب يقول فيه مرّة: هو أفضل أهل الأرض ، واُخرى: هو أعلم أهل الأرض (2).

اسلوبه في الكتابة
    يظهر من ترجمة حياته أنّ كتابه الكبير « المغني » الّذي يقع في عشرين جزءاً ممّا أملاه على تلاميذه ولم يكتبه ببنانه. يقول الحاكم: كان ـ رحمه الله ـ يختصر في الاملاء و يبسط في الدرس على ضدّ ما كان يفعله الشيخ أبو عبدالله (3) فكان من حسن طريقته ترك الناس كتب من تقدّم. ولما فرغ من كتاب « المغني » بعث به إلى ( الصاحب ) فكتب ( الصاحب ) إليه كتاباً هذه صورته:
    بسم الله الرّحمن الرّحيم
    أتمّ الله على قاضي القضاة نعمته ، وأجزل لديه منّته ، لقد أتمّ من كتاب « المغني » ذخيرة للموحّد ، وشجى للملحد ، وعتاداً للحق ، وسداداً للباطل ، وإنّه كتاب تفخر به شرعتنا على الشرع ، و نحلتنا على النحل ، واُمّتنا على الاُمم و ملّتنا على الملل ، وفّقه الله له حين نامت الخواطر وكلّت الأوهام و ظنّ الظانّون بالله أنّ العلم قد قبض ونخاعه قد ضعف ، وأنّ شيوخه الأعلون ( كذا ) قد شالت نعامتهم و خفّت بضاعتهم ، ووهن كاهلهم ، ودرج أفاضلهم ، ولم يدروا أنّ في سرّ الغيب إن كان آخراً بالاضافة إليهم ، إنّه الأوّل بالامامة عليهم ، كذلك يفعل الله ليظهره على الدين كلّه ولو كره المشركون. فليقرّ قاضي القضاة ـ أدام الله تمكينه ـ عيناً بما قدّم لنفسه و أخّر و اكتسب لغده و ذخر ،
    1 ـ هما الجبائيان أبو علي وأبو هاشم.
    2 ـ مقدّمة فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: ص 131.
    3 ـ هو الشيخ أبو عبدالله الحسين بن علي البصري من الطبقة العاشرة.


(266)
    وليرينّ في ميزانهـ إن شاء الله ـ من ثواب ما دأب فيه و احتسب و سهر ليله و انتصب ، صابراً على كدّ الخواطر و معانياً برد الأصايل إلى حرّ الهواجر ، أثقل من أحد و أرزن ، وأوفى من الرمل و أوزن ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْس مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْر مُحْضَراً ) و ورد محمّد ولدنا بالنباء العظيم و الصّراط المستقيم من الجزء الأخير من كتاب « المغني » فقلت يا بشراي ، هذا زاد المسافر ، وكفاية الحاضر و تحفة المرتاد و طفقت أنشئ و أقول:
ولو أنشر الشيخان عمرو و واصل لقالا جوزيت الخير عنّا و أنعما
    فأتمّ على قاضي القضاة نعمه ، كما أورد علينا ديمه و السلام (1).
    ثمّ إنّ الحاكم بسط الكلام في أسماء تآليفه ، و قال: « إنّ له 400 ألف ورقة ممّا صنّف في كلّ فنًّ و كان موفّقاً في التصنيف والتدريس ، وكتبه تتنوّع أنواعاً فله كتب في الكلام لم يسبق إلى تصنيف مثلها في ذلك الباب.
    ثمّ سرد أسماء كتبه البالغة إلى ثلاثة و أربعين ، نأتي بها ملخّصاً:
    1 ـ الدواعي و الصوارف ، 2 ـ الخلاف و الوفاق ، 3 ـ الخاطر ، 4 ـ الاعتماد ، 5 ـ المنع والتمانع ، 6 ـ كتاب ما يجوز فيه التزايد وما لا يجوز ، 7 ـ المغني ، 8 ـ الفعل والفاعل ، 9 ـ المبسوط ، 10 ـ المحيط ، 11 ـ الحكمة والحكيم ، 12 ـ شرح الاُصول الخمسة ، 13 ـ شرح الجامعين ، 14 ـ شرح الاُصول ، 15 ـ شرح المقالات ، 16 ـ شرح الأعراض وهذا كلّه في الكلام.
ومنها في اُصول الفقه:
    17 ـ النهاية ، 18 ـ العمدة ، 19 ـ شرحها.
    وهناك كتب في النّقض على المخالفين: 20 ـ نقض اللمع ، 21 ـ نقض الامامة.
    وهناك جوابات مسائل وردت عليه من الآفاق: 22 ـ الرازيات ، 23 ـ العسكريات ، 24 ـ القاشانيات ، 25 ـ الخوارزميات ، 26 ـ النيسابوريات.
    1 ـ الطبقتان 11 و 12 من كتاب شرح العيون ص 369 ـ 371 للحاكم الجشمي.

(267)
وهناك كتب في الخلاف والمواعظ:
    27 ـ الخلاف بين الشيخين ، 28 ـ نصيحة المتفقّهة.
    وله كتب تكلّم فيها على أهل الأهواء الخارجين عن الإسلام و غيرهم أوضح فيها الحقّ: 29 ـ شرح الآراء.
    وله كتب في علوم القرآن:
    30 ـ المحيط ، 31 ـ الأدلّة ، 32 ـ التنزيه ، 33 ـ المتشابه ، 34 ـ شهادات القرآن ».
    ثمّ قال الحاكم: « له كتب في كلّ فنّ بلغني اسمه أو لم يبلغ ، أحسن فيها غاية الاحسان ، نحو كتابه:
    35 ـ التجريد ، 36 ـ المكّيات ، 37 ـ الكوفيات ، 38 ـ الجمل ، 39 ـ العهود ، 40 ـ المقدّمات ، 41 ـ الجدل ، 42 ـ الحدود ، إلى غير ذلك مما يكثر تعداده ، وذكر جميع مصنّفاته يتعذّر » (1) .
    ومن حسن حظّ القاضي دون سائر المعتزلة أنّه قد طبعت كميّة هائلة من كتبه في الآونة الأخيرة ، وهذه الكتب رفعت الستار عن وجه عقائد المعتزلة و أغنتنا عن الرجوع إلى كتب خصومهم ، فنذكر ما طبع:
    1 ـ « تنزيه القرآن عن المطاعن »: طبع في بيروت طبع دار النّهضة الحديثة.
    واسمه يحكي عن محتواه و يجيب فيه عن كثير من الأسئلة الّتي تدور حول الآيات.
    قال في ديباجته: « فقد أملينا كتاباً يفصِّل بين المحكم والمتشابه. عرضنا فيه سور القرآن على ترتيبها و بينّا معاني ما تشابه من آياتها ، مع بيان وجه خطأ فريق من الناس في تأويلها ، ليكون النفع به أعظم ».
    1 ـ الطبقتان 11 و 12 من شرح العيون ص 267 ـ 269. للحاكم الجشمي تحقيق فؤاد سيّد. ط تونس.

(268)
    وطبع أيضاً في القاهرة سنة 1326.
    2 ـ « طبقات المعتزلة »: وهو أساس « طبقات المعتزلة » لابن المرتضى. نشره فؤاد سيّد ، و أسماه « فضل الاعتزال و طبقات المعتزلة » مع كتاب « ذكر المعتزلة » للكعبي و « الطبقات الحادية عشرة و الثانية عشرة من شرح العيون » للحاكم الجشمي طبع سنة 1406.
    3 ـ « شرح الاُصول الخمسة »: نشره عبدالكريم عثمان في القاهرة سنة 196 م ـ 1384 هـ.
    وهو كتاب مختصر جامع يعرض عقائد المعتزلة عامّة و عقيدة القاضي خاصّة ، وهو أحسن كتاب لمن أراد أن يطّلع على عقائدهم ، وقد أملاه على تلاميذه.
    4 ـ « المغني »: وهو من الكتب المبسوطة في عقائد المعتزلة. اكتشفته البعثة المصريّة في اليمن عام 1952 وقد عثر منه حتّى الآن على 14 جزءاً. والكتاب يقع في عشرين جزءاً و إليك الأجزاء المطبوعة 4 ـ 5 ـ 6 ـ 7 ـ 8 ـ 9 ـ 11 ـ 12 ـ 13 ـ 14 ـ 15 ـ 16 ـ 17 ـ 20 والجزء الأخير يختصّ بالإمامة وهو الّذي نقضه السيّد المرتضى و أسماه « الشافي » وطبع في مجلّد كبير ، ولخّصه الشيخ الطوسي و أسماه « تلخيص الشافي » وطبع في جزأين.
    5 ـ « المحيط بالتكليف »: تحقيق السيّد عزمي ، طبع الدار المصريّة للتأليف ، جمعه الحسن بن أحمدبن متّويه ( ت683 ). لاحظ مقدّمة المحقّق.
    6 ـ « متشابه القرآن »: تحقيق عدنان محمّد زر زور ، طبع دار التراث في القاهرة في جزأين.
تلاميذه
    وقد فصّل الكلام ابن المرتضى في تلاميذه وجعلهم من الطّبقة 12 و أسماهم واحداً بعد آخر ، منهم أبو رشيد سعيد بن محمّد النيسابوري والشريف المرتضى


(269)
    أبوالقاسم عليّ بن الحسين الموسوي. أخذ عن قاضي القضاة عند انصرافه من الحجّ ، إلى غير ذلك من تلاميذه (1).
    وقال الرضي في « شرح المجازات النبويّة » عند البحث عن حديث الرؤية: « ترون ربّكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر » قال: « وممّا علّقته عن قاضي القضاة أبي الحسن عبد الجبّار بن أحمد عند بلوغي في القراءة عليه إلى الكلام في الرؤية أنّ من شروط قبول خبر الواحد أن يكون راويه عدلاً ، وراوي هذا الخبر: قيس بن أبي حازم عن جرير ابن عبدالله البجلي ، وكان منحرفاً عن أمير المؤمنين عليّ ( عليه السلام ) ويقال إنّه كان من الخوارج ، وذلك يقدح في عدالته و يوجب تهمته في روايته ، وأيضاً فقد كان رمي في عقله قبل موته وكان مع ذلك يكثر الرواية ، فلا يعلم هل روى هذا الخبر في الحال الّتي كان فيها سالم التمييز أو في الحال الّتي كان فيها فاسد المعقول ، وكلّ ذلك يمنع من قبول خبره ، وبوجب إطراحه. ثمّ قال: وأقول أنا: ومن شرط قبول خبر الواحد أيضاً مع ما ذكره قاضي القضاة من اعتبار كون راويه عدلاً ، أن يعرى الخبر المرويّ من نكير السّلف ، وقد نقل نكير جماعة من السّلف على راوي هذا الخبر. منهم العرباض بن سارية السلمي وهو من مختصّي الصّحابة ، روى عنه أنّه قال: من قال: إنّ محمّداً رأى ربّه فقد كذب. وروى أيضاً عن بعض أزواج النبيّ ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنّها قالت: من زعم أنّ محمّداً رأى ربّه فقد أعظم الفرية على الله.
    وقالت ذلك عند ذهاب بعض الناس إلى أنّ قوله تعالى ( وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى ) إنّما اُريد بها رؤية الله سبحانه لا رؤية جبرائيل كما يقوله أهل العدل. وأيضاً ففي هذا الخبر كاف التّشبيه ، لأنّه قال: « ترونه كما ترون القمر » الّذي هو في جهة مخصوصة وعلى صفة معلومة. وإذا كان الأمر كما قلنا لم يكن للخبر ظاهر واحتجنا إلى تأويله كما احتجنا إلى ذلك في غيره » (2).
    1 ـ المنية والأمل: ص 69 ـ 71.
    2 ـ المجازات النبوية تحقيق طه محمد ص 48 ـ 49.


(270)
    وقال أيضاً في تفسير قوله صلَّى الله عليه و آله و سلَّم « قيّدوا العلم بالكتاب »: « وذكر لي قاضي القضاة أبو الحسن عبدالجبّار بن أحمد عند قراءتي عليه ما قرأته من كتابه الموسوم بالعمد في اُصول الفقه: إنّ هذه العلوم المخصوصة ( العلوم العقليّة العمليّة كالتّحسين والتّقبيح العقليّين ) إنّما سمّيت عقلاً ، لأنّها تعقل من فعل المقبّحات ، لأنّ العلم بها إذا دعته نفسه إلى ارتكاب شيء من المقبّحات ، منعه علمه بقبحه من ارتكابه والاقدام على طرق بابه ، تشبيهاً بعقال الناقة المانع لها من الشرود ، والحائل بينها وبين النهوض. ولهذا المعنى لم يوصف القديم تعالى بأنّه عاقل ، لأنّ هذه العلوم غير حاصلة له ، إذ هو عالم بالمعلومات كلّها لذاته.
    قال: وقيل أيضاً إنّما سمِّيت هذه العلوم المخصوصة عقلاً ، لأنّ ما سواها من العلوم يثبت بثباتها و يستقرّ باستقرارها تشبيهاً بعقال الناقة الّذي به تثبت في مكانها ، ولمثل ذلك قيل معقل الجبل للمكان الذي يلجأ إليه و يعتصم به ، وله سمّيت المرأة عقيلة ، وهي الّتي يمنعها شرف بيتها و كرم أهلها وقوّة حزمها من الإقدام على ما يشينها ، والتعرّض لما يعيبها. والكلام في تفصيل هذه العلوم وبيان ما لأجله احتيج إلى كلّ واحد منها يطول وليس هذا الكتاب من مظانّ ذكره و مواضع شرحه » (1).
    1 ـ المجازات النبوية للشريف الرضي تحقيق طه محمد طه ص 180 ـ 181.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: فهرس