بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: 271 ـ 280
(271)
الفصل الخامس
أعلام المعتزلة
    قد تعرّفت على أئمّة المعتزلة الّذين رسموا معالم المذهب. وهناك شخصيّات لامعة شاركوا الأئمّة في نضج المذهب و نشره ، ولكنّهم دون الأئمّة في العلم والتفكير. ولأجل إيقاف القارئ على حياتهم و آرائهم و آثارهم نورد ترجمة قسم قليل منهم:

1 ـ أبوسهل بشر بن المعتمر ( م 210 ) مؤسّس مدرسة اعتزال بغداد
    قال الشريف المرتضى: « هو من وجوه أهل الكلام ويقال: إنّ جميع المعتزلة بعده من مستجيبيه.
    وقال أبو القاسم البلخي : إنّه من أهل بغداد وقيل من أهل الكوفة...وله أشعار كثيرة يحتجّ فيها على أهل المقالات » (1).
    وقال القاضي : « إنّه زعيم البغداديين من المعتزلة وله قصيدة طويلة يقال إنّها أربعون ألف بيت ، ردّ فيها على جميع المخالفين ، ويقال إنّ الرّشيد حبسه حين قيل له : إنّه رافضيّ. فقال في السجن أبياتاً بعثها إليه فأفرج عنه » (2). توفّي عام 210 كما أرّخه الذّهبي في « لسان الميزان ».
    1 ـ أمالي المرتضى: ج 1 ، ص 186 ـ 187.
    2 ـ فضل الاعتزال للقاضي: ص 265.


(272)
2 ـ معمّر بن عبّاد السلمي ( م 215 ) خريج مدرسة البصرة
    يكنّى أبا عمرو وكان عالماً عدلاً و تفرّد بمذاهب وكان بشر بن المعتمر وهشام بن عمرو وأبو الحسين المدائني من تلامذته.
    قال القاضي عبدالجبّار: « لمّا منع الرّشيد من الجدال في الدين و حبس أهل علم الكلام ، كتب إليه ملك السند: إنّك رئيس قوم لا ينصفون و يقلِّدون الرجال و يغلبون بالسيف ، فإن كنت على ثقة من دينك فوجّه إليّ من اُناظره ، فإن كان الحقّ معك تبعناك ، وإن كان معي تبعتني. فوجّه إليه قاضياً ، و كان عند الملك رجل من السمنية وهو الّذي حمله على هذه المكاتبة ، فلمّا وصل القاضي إليه أكرمه ورفع مجلسه ، فسأله السمني فقال: أخبرني عن معبودك هل هو القادر؟ قال: نعم ، قال: أفهو قادر على أن يخلق مثله؟ فقال القاضي: هذه المسألة من علم الكلام وهو بدعة ، وأصحابنا ينكرونه.
    فقعال السمني: من أصحابك؟ فقال: فلان وفلان وعدّ جماعة من الفقهاء ، فقال السمني للملك: قد كنت أعلمتك دينهم وأخبرتك بجهلهم و تقليدهم و غلبتهم بالسيف ، قال: فأمر ذلك الملك القاضي بالانصراف ، وكتب معه إلى الرشيد: إنّي كنت بدأتك بالكتاب وأنا على غير يقين ممّا حكي لي عنكم ، فالآن قد تيقّنت ذلك بحضور هذا القاضي ـ وحكى له في الكتاب ما جرى.
    فلمّا ورد الكتاب على الرّشيد قامت قيامته ، وضاق صدره ، وقال: أليس لهذا الدين من يناضل عنه؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين ، هم الّذين نهيتهم عن الجدال في الدين و جماعة منهم في الحبس. فقال: أحضروهم ، فلمّا حضروا قال: ما تقولون في هذه المسألة؟ فقال صبي من بينهم: هذا السؤال محال ، لأنّ المخلوق لا يكون إلاّ محدثاً ، والمحدث لا يكون مثل القديم ، فقد استحال أن يقال: يقدر على أن يخلق مثله أو لا يقدر ، كما استحال أن يقال: يقدر أن يكون عاجزاً أو جاهلاً ، فقال الرشيد: وجّهوا بهذا الصبي إلى السند حتّى يناظرهم. فقالوا: إنّه لا يؤمّن أن يسألوه عن غير هذا ، فيجب أن توجّه من يفي بالمناظرة في كلّ العلم. قال الرشيد: فمن لهم ؟ فوقع اختيارهم على


(273)
    معمر ، فلمّا قرب من السند بلغ خبره ملك السند فخاف السمني أن يفتضح على يديه وقد كان عرفه من قبل ، فدسّ من سمّه في الطّريق فقتله » (1).
    أقول: ما أجاب به الصّبي صحيح ، غير أنّ العبارة غير وافية ، والمقصود: ما سألته ( خلق المثل ) محال لا نفس السؤال محال.
    قال صاحب كتاب « المعتزلة »: « فلئن صحّت هذه القصّة فإنّها تعني أنّ الرشيد لم يجد في مملكته الواسعة من يدافع عن الإسلام غير المعتزلة.
    والواقع أنّ المعتزلة تحمّسوا لهذه القضية كثيراً ، فلم يكتفوا بالردّ على المخالفين وتقطيعهم بل تعدّوا ذلك إلى التبشير بالدين الإسلامي و حمل الناس على اعتناقه فكانوا لا ينفكّون يرسلون وفودهم لهذا الغرض إلى البلاد الّتي يكثر فيها المجوس أو غيرهم من الوثنيين » (2).
    ويقول صفوان الأنصاري شاعر المعتزلة في مدح واصل وصحبه ما يظهر حقيقة الجهود الّتي بذلوها في سبيل الدفاع عن حوزة الدين و التبشير به:
رجال دعاة لا يفلّ عزيمهم إذا قال مرّوا في الشتاء تطاوعوا تحكّم جبّار ولا كيد ساحر وإن كان صيفاً لم يخف شهر ناجر (3)

3 ـ ثمامة بن الأشرس النميري ( م 213 ) خرّيج مدرسة بغداد
    قال ابن النّديم: « نبيه من جلّة المتكلّمين المعتزلة ، كاتب بليغ ، بلغ من المأمون منزلة جليلة وأراده على الوزارة فامتنع » (4).
    1 ـ ذكر المعتزلة من كتاب المنية والأمل ، ص 31 و 32.
    2 ـ المعتزلة: ص 44.
    3 ـ البيان والتبيين: ج 1 ، ص 37 ، نقلاً عن « المعتزلة » ص 45. والناجر: أشدّ أشهر الصيف حرّاً.
    4 ـ الفهرست لابن النديم ، الفن الاول من المقالة الخامسة: ص 207.


(274)
    قال البغدادي: « كان زعيم القدريّة في زمن المأمون والمعتصم والواثق ، وقيل: إنّه هو الّذي دعا المأمون إلى الاعتزال » (1).
    وقال ابن المرتضى: « ثمامة ابن الأشرس ، يكنّى أبا معن النّميري وكان واحد دهره في العلم والأدب ، وكان جدلاً حاذفاً. قال أبو القاسم: قال ثمامة يوماً للمأمون: أنا اُبيّن لك القدر بحرفين و أزيد حرفاً للضّعيف. قال: ومن الضّعيف؟ قال: يحيى بن أكثم ، قال: هات ، قال:لا تخلو أفعال العباد من ثلاثة أوجه: إمّا كلّها من الله ولا فعل لهم ، لم يستحقُّوا ثواباً ولا عقاباً ولا مدحاً ولا ذمّاً. أو تكون منهم ومن الله ، وجب المدح والذمّ لهم جميعاً أو منهم فقط ، كان لهم الثّواب والعقاب والمدح والذّم. قال: صدقت (2).
    أقول: ذهب عليه أنّ استناد الفعل إلى الله و العبد إنّما يقتضي الاشراك في الثّواب والعقاب أو المدح والذّم إذا كانا فاعلين بالسّويّة في جميع المراحل ، حتّى في مرحلة الجزء الأخير من العلّة التامّة للفعل كما إذا اشترك الفاعلان معاً في إنقاذ غريق أو قتل إنسان ، وأمّا إذا كان أحدهما هو الجزء المؤثّر دون الآخر فيكون هو المسؤول ، وعليه الثّواب والعقاب ، وهذا هو الأمر بين الأمرين ، والعبد غير مجبور ولا مفوّض ، والتّفصيل في محله.
    روى المرتضى أنّه سأل مجبر بشر بن المعتمر وقال له: « أنتم تحمدون الله على إيمانكم؟ قال: نعم ، فقال له: فكأنّه ( الله ) يحبُّ أن يحمد على ما لم يفعل وقد ذمّ ذلك في كتابه. فقال له: إنّما ذمّ من أحبّ أن يحمد على ما لم يفعل ممّن لم يعن عليه ، ولم يدع إليه. وهو يشغب إذ أقبل ثمامة بن أشرس ، فقال بشر للمجبر: قد سألت القوم وأجابوك ، وهذا أبو معن فاسأله عن المسألة ، فقال له: هل يجب عليك أن تحمد الله على الإيمان؟ فقال: لا ، بل هو يحمدني عليه ، لأنّه أمرني به ففعلته ، وأنا أحمده على الأمر به ، والتّقوية
    1 ـ الفرق بين الفرق: ص 172.
    2 ـ المنية والأمل: ص 35.


(275)
    عليه ، والدعاء إليه ، فانقطع المجبر ، فقال بشر: شنُعتْ فسهُلت » (1).
    وقال يوماً للمأمون: « إذا وقف العبد بين يدي الله تعالى يوم القيامة فقال الله تعالى: ما حملك على معصيتي؟ فيقول على مذهب الجبر: يا ربِّ أنت خلقتني كافراً وأمرتني بما لم أقدر عليه ، وحلت بيني وبين ما أمرتني به ونهيتني عمّا قضيته عليّ وحملتني عليه أليس هو بصادق؟ قال: بلى ، قال: فإنّ الله تعالى يقول: ( يوم ينفع الصّادقين صدقهم ) أفينفعه هذا الصّدق؟ فقال بعض الهاشميّين: ومن يدعه يقول هذا أو يحتجّ ( به ). فقال ثمامة: أليس إذا منعه الكلام والحجّة يعلم أنّه قد منعه من إبانة عذره ، وأنّه لو تركه لأبأنّ عذره؟ فانقطع » (2).
    وقد ترجم له الخطيب في تأريخه ، ومن ظريف ما نقل عنه أنّه قال: شهدت رجلاً يوماً من الأيّام وقد قدّم خصماً إلى بعض الولاة فقال: أصلحك الله ناصبيّ رافضيّ جهمىُّ مشبِّه مجبّر قدريّ يشتم الحجّاج بن الزبير الّذي هدم الكعبة على عليّ بن أبي سفيان و يلعن معاوية بن أبي طالب. فقال له الوالي: ما أدري ممّا أتعجّب؟ من علمك بالأنساب أو من معرفتك بالمقالات؟ فقال: أصلحك الله ما خرجت من الكتاب حتّى تعلّمت هذا كلّه » (3).
    وقال الذّهبي: « من كبار المعتزلة ومن رؤوس الضّلالة ، كان له اتّصال بالرّشيد ، ثمّ بالمأمون وكان ذا نوادر وملح » (4).
    ومن أراد الوقوف على نوادره فعليه الرجوع إلى « المنية والأمل » و « فضل الاعتزال » وقد اتّفقا على أنّ وجه اتّصاله بالخلفاء صار سبباً لوجود بعض الهزل في كلامه وقد اتّخذه طريقاً إلى ميلهم إليه ليتوصّل به إلى المعونة في الدين.
    1 ـ أمالي المرتضى: ج 1 ، ص 186. فضل الاعتزال: ص 273 وفي المصدر الأخير: « سهّلت بعد ما صعبت ».
    2 ـ فضل الاعتزال: ص 273. المنية والأمل: ص 35 و 36.
    3 ـ تاريخ بغداد: ج 7 ، ص 146.
    4 ـ ميزان الاعتدال: ج 1 ، ص 371.


(276)
4 ـ أبوبكر عبدالرحمن بن كيسان الأصمّ ( م قريباً من 225 ) خرّيج مدرسة البصرة
    قال القاضي: « كان من أفصح النّاس و أفقههم و أورعهم. لكنّه ينفي الأعراض وله تفسير عجيب ، وكان جليل القدر يكاتبه السلطان ، وعنه أخذ ابن عليّة (1) العلم ، والّذي نقم عليه أصحابنا بعد نفي الأعراض ، ازوراره عن عليّ ( عليه السلام ) وكان أصحابنا يقولون: بلى بمناظرة هشام بن الحكم فيعلوه هذا ويعلوه ه (2)ذا ».
5 ـ أبو موسى عيسى بن صبيح المردار ( م 226 ).
    قال القاضي: « كان متكلّماً عالماً زاهداً وكان يسمّى راهب المعتزلة لعبادته ، ويقال: إنّ أبا الهذيل حضر مجلسه و سمع قصصه بالعدل وحسن بيانه على الله تعالى و عدله وتفضّله ، فقال: هكذا شهدت أصحاب أبي حذيفة واصل بن عطاء ، و أبي عثمان عمرو ، وله كتب في الجليّ من الكلام و لمّا حضرته الوفاة ذكر أنّ ما كان في يديه من المال شبهة لم يدر ما حكمها ، فأخرجها إلى المساكين تحرّزاً و إشفاقاً ، وقيل فيه شعر:
لكنّ من جمع المحاسن كلّها كهلٌ يقال لشيخه المردار (3)
تلاميذه
    ذكر القاضي أنّ من تلاميذه الجعفرين و المراد: جعفر بن حرب و جعفر بن مبشر وذكر ترجمتهما في الطّبقة السابعة.
تأثير كلامه
    إنّ جعفر بن حرب كان من الجند وكان في جنديّته ( ن خ حداثته ) يمرّ على
    1 ـ إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي ، توفي 193 أو 194.
    2 ـ فضل الاعتزال: ص 267.
    3 ـ المصدر نفسه: ص 277 و 278.


(277)
    أصحاب أبي موسى و يعبث بهم ويؤذيهم ، فشكوا إلى أبي موسى فقال: تعهّدوا إلى أن يصير إلى مجلسي ، فلمّا صار إلى مجلسه وسمع كلامه و وعظه مرّ ( ظ خرج ) حتى دخل الماء عارياً من ثيابه ، وبعث إلى أبي موسى أن يبعث له ثياباً ليلبسها ففعل ، ثمّ لزمه فخرج في العلم ما عرف به.
    وكان أبو الوليد بشر بن وليد بن خالد الكندي قاضياً على مدينة للخليفة المأمون ، وكان شديد القسوة على أبي موسى وأصحابه ، فدخل إبراهيم بن أبي محمّد اليزيدي وهو رضيع المأمون عليه فأنشد هذه الأبيات:
يا أيّها الملك الموحِّد ربّه ينفي شهادة من يبثّ بما به فالنفي للتشبيه عن ربِّ العلا ويعدّ عدلاً من يدين بأنّه إنّ المشبِّه كافر في دينه فاعزله واختر للرعية قاضياً عند المريسى (2) اليقين بربِّه والدين بالارجاء مبنى أصله لكن من جمع المحاسن كلّها قاضيك بشر بن الوليد (1) حمار نطق الكتاب وجاءت الآثار سبحانه وتقْدس الجبّار شيخ تحيط بجمسه الأقطار والدائنون بدينه كفّار فلعلّ من يرضي ومن يختار لو لم يشب توحيده اجبار جهل وليس له به استبشار كهل يقال لشيخه المزدار (3)

6 ـ أبو جعفر محمّد بن عبدالله الاسكافي ( م 240 )
    قال الخطيب: « محمد بن عبدالله أبو جعفر المعروف بالاسكافي أحد المتكلّمين من
    1 ـ هو أبو الوليد ، بشر بن الوليد بن خالد الكندي قاضي مدينة منصور كما عرفت. توفي سنة 238. لاحظ تاريخ بغداد: ج 7 ، ص 80.
    2 ـ هو بشر بن غياث المريسي العدوي ، كان يسكن بغداد وأخذ الفقه عن أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة وكان الشافعي من أصدقائه مدّة اقامته ببغداد. توفي سنة 219 ، لاحظ تاريخ بغداد: ج 7 ص 56.
    3 ـ وقد ضبطه بعض المحققين بالزاء وبعده الدال. راجع فضل الاعتزال: ص 277 ـ 279.


(278)
    معتزلة البغداديّين ، له تصانيف معروفة ، وكان الحسين بن عليّ بن يزيد الكرابيسي صاحب الشافعي يتكلّم معه و يناظره و بلغني أنّه مات في سنة أربعين ومائتين » (1).
    وقال ابن أبي الحديد: « كان شيخنا أبو جعفر الاسكافي ـ رحمه الله ـ من المتحقّقين بموالاة عليّ ( عليه السلام ) والمبالغين في تفضيله ، وإن كان القول بالتفصيل عامّاً شائعاً في البغداديّين من أصحابنا كافّة إلاّ أنّ أبا جعفر أشدُّهم في ذلك قولاً و أخلصهم فيه اعتقاداً » (2).
    وقال أيضاً: « وأمّا أبو جعفر الاسكافي وهو شيخنا محمّد بن عبدالله الاسكافي ، عدّه قاضي القضاة في الطّبقة السابعة من طبقات المعتزلة ، مع عبّاد بن سليمان الصيمري ، ومع زرقان ، ومع عيسى بن الهيثم الصوفي ، وجعل أوّل الطّبقة ثمامة بن أشرس أبا معن ، ثمّ أبا عثمان الجاحظ ، ثمّ أبا موسى عيسى بن صبيح المردار ، ثمّ أبا عمران يونس بن عمران... إلى أن قال: كان أبو جعفر فاضلاً عالماً صنّف سبعين كتاباً في علم الكلام » (3).
    وهو الّذي نقض كتاب « العثمانيّة » على أبي عثمان الجاحظ في حياته ، ودخل الجاحظ الورّاقين ببغداد ، فقال: من هذا الغلام السواري الّذي بلغنا أنّه يعرض لنقض كتبنا والاسكافي جالس ، فاختفى حتّى لم يره » (4).
    وكان أبو جعفر يقول بالتفضيل على قاعدة معتزلة بغداد و يبالغ في ذلك وكان علوي الرأي ، محقّقاً منصفاً ، قليل العصبيّة (5).
    1 ـ تاريخ بغداد: ج 5 ، ص 416.
    2 ـ شرح ابن أبي الحديد: ج 4 ، ص 63 ولكلامه ذيل نافع ولكنّه خارج عن موضوع البحث.
    3 ـ لم نجد هذا النص في ترجمته في طبقات القاضي المطبوع والذي حققه « فؤاد سيد ». وهذا يعرب عن كون المطبوع ناقصاً محرّفاً. نعم ما بعد هذا النص موجود فيها.
    4 ـ فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: ص 276.
    5 ـ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد; ج 17 ، ص 133.


(279)
    وظاهر نصّ القاضي أنّه ألّف تسعين كتاباً في علم الكلام (1).
    وهذه صورة بعض كتبه: كتاب اللّطيف ، كتاب البدل ، كتاب الردّ على النظّام في أنّ الطّبعين المختلفين يفعل بهما فعلاً واحداً ، كتاب المقامات في تفضيل عليّ ( عليه السلام ) ، كتاب إثبات خلق القرآن ، كتاب الردّ على المشبّهة ، كتاب المخلوق على المجبِّرة ، كتاب بيان المشكل على برغوث ، كتاب التمويه نقض كتاب حفص ، كتاب النّقض لكتاب أبي الحسين النجّار ، كتاب الردّ على من أنكر خلق القرآن ، كتاب الشّرح لأقاويل المجبِّرة ، كتاب إبطال قول من قال بتعذيب الأطفال ، كتاب جمل قول أهل الحقّ ، كتاب النّعيم ، كتاب ما اختلف فيه المتكلّمون ، كتاب الردّ على أبي حسين في الاستطاعة ، كتاب فضائل عليّ ـ عليه السلام ـ ، كتاب الأشربة ، كتاب العطب ، كتاب الردّ على هشام ، كتاب نقض كتاب أبي شبيب في الوعيد (2).
    وقداشتهر من بين كتبه كتاب « النقض على العثمانيّة » للجاحظ ، وهذا يدلّ على أنّ الرّجل كان مبدئياً متحمّساً حيث قام بالمحاماة عن أكبر شخصيّة إسلامّة من أهل بيتالرسول صلَّى الله عليه و آله و سلَّم في العصر الّذي استفحل الانحراف عن أهل البيت ، وشاع التكالب على الدُّنيا بين الناس ، وراج التقرّب إلى أرباب السلطة من بني العبّاس أعداء أهل البيت.
    ولكن هذا الكتاب لم يصل لحدّ الآن إلى أيدي المحقّقين في عصرنا هذا ، غير ما نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، وقد استقصى محمّد هارون المصري محقِّق كتاب العثمانيّة للجاحظ ما رواه ابن أبي الحديد عن كتاب النّقض في شرحه ، فجمعه وطبعه في آخر كتاب « العثمانيّة ».
    هذا ، وقد نقل المقريزي في خططه آراء خاصّة عنه وهي ساقطة وضعها أعداؤه عليه. قال: « الاسكافيّة أتباع أبي جعفر محمّد بن عبدالله الاسكافي ، ومن قوله: إنّ الله
    1 ـ فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة: ص 285.
    2 ـ المعيار والموازنة: المقدّمة ، ص 2.


(280)
    تعالى لا يقدر على ظلم العقلاء ، ويقدر على ظلم الأطفال والمجانين... الخ » (1).

7 ـ أحمد بن أبي دؤاد ( ت 160 ـ م 240 هـ ) خريج مدرسة بغداد
    قال ابن النّديم: « هو من أفاضل المعتزلة وممّن جرّد في إظهار المذهب و الذّب عن أهله والعناية به ، وهو من صنايع يحيى بن أكثم و به اتّصل بالمأمون ، ومن جهة المأمون اتّصل بالمعتصم ولم ير في أبناء جنسه أكرم منه ولا أنبل ولا أسخى » (2).
    قال الذّهبي: « أحمد بن أبي دؤاد القاضي جهمي بغيض ، هلك سنة 240. قلّ ما روى » (3).
    في « العبر » أنّه قال: « قاضي القضاة كان فصيحاً مفوّهاً شاعراً جواداً وكان مع ذلك رأساً من رؤوس الجهميّة والمعتزلة ، وهو الّذي شغب على إمام أهل السنّة أحمد بن حنبل وأفتى بقتله ، وقد غضب عليه وعلى آله المتوكّل العبّاسي سنة 237 فصادرهم وأخذ منهم ستّة عشر ألف ألف درهم وحبسه ومرض بالفالج ومات سنة 240 هـ » (4).
    بذل القاضي أحمد بن دؤاد أقصى جهده في نشر الاعتزال واستغلّ السلطة الّتي جعلت له في ذلك السبيل بالتّرغيب تارة و بالترهيب اُخرى. والحنابلة والأشاعرة يواجهونه بالسّبِّ والشتم ، لأنّه هو الّذي حاكم الإمام أحمد في قوله بقدم القرآن أو كونه غير مخلوق فأفحمه.
    وقد استخرج مؤلّف كتاب « المعتزلة » صورة المحاكمة من « الفصول المختارة » المطبوعة بهامش « الكامل » للمبرّد وإليك بيانه:
    ابن أبي دؤاد: أليس لا شيء إلاّ قديم أو حديث؟
    ابن حنبل: نعم.
    ابن أبي دؤاد: أو ليس القرآن شيئاً؟
    ابن حنبل: نعم.
    ابن أبي دؤاد: أو ليس لا قديم إلاّ الله؟
    ابن حنبل: نعم.
    ابن أبي دؤاد: القرآن إذاً حديث.
    ابن حنبل: لست أنا بمتكلّم (5).
    1 ـ الخطط المقريزيّة: ج 2 ، ص 246.
    2 ـ الفهرست لابن النديم: الفنّ الأوّل من المقالة الخامسة ، ص 212.
    3 ـ ميزان الاعتدال: ج 1 ، ص 97 ، رقم الترجمة: 374.
    4 ـ العبر في خبر من غبر: ج 1 ، ص 339.
    5 ـ المعتزلة: ص 175.
بحوث في الملل والنحل ـ جلد الثالث ::: فهرس