بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 121 ـ 130
(121)
على بيعته ولام بعضهم بعضاً ، وهتفوا باسم الامام علي ولكنّه لم يوافقهم (1).
    ومن المستحيل عادةً اختمار تلك الفكرة بين هؤلاء في يوم واحد ، بل يعرب ذلك عن وجود جذور لها ، قبل رحلة النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ويؤكد ذلك نداءاته التي ذكرها في حق عليّ وعترته في مواقف متعدّدة ، فامتناع الصحابة عن بيعة الخليفة ومطالبتهم بتسليم الأمر إلى علي انّما هو لأجل مشايعتهم لعلي زمن النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وما هذا إلاّ اخلاص ووفاء منهم للنبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) أو أين هو من تكوّن التشيّع يوم السقيفة.
    ويؤيد ذلك ما رواه الصدوق : انّه بعد ما استتبّ الأمر لأبي بكر اعترض عليه ( لفيف ) من الصحابة في مسجد النبي وكلّ يذكر وصايا النبي في حق علي بالوصاية من بعده ، وسيوافيك نصوصهم في فصل مأساة السقيفة على وجه موجز.
1 ـ ابن أبي الحديد : شرح نهج البلاغة 6 / 43 ـ 44

(122)

(123)
    الافتراض الثاني :
التشيّع صنيع عبداللّه بن سبأ
    « إنّ يهودياً باسم عبداللّه بن سبأ المكنّى بابن الأمة السوداء في ـ صنعاء ـ أظهر الإسلام في عصر عثمان واندسّ بين المسلمين ، وأخذ ينتقل في حواضرهم وعواصم بلادهم : الشام ، والكوفة ، والبصرة ، ومصر ، مبشّراً بأنّ للنبي الأكرم رجعة كما أنّ لعيسى بن مريم رجعة ، وأنّ عليّاً هو وصي محمّد ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) كما كان لكل نبي وصي ، وأنّ عليّاً خاتم الأوصياء كما كان محمّداً خاتم الأنبياء ، وأنّ عثمان غاصب حق هذا الوصي وظالمه ، فيجب مناهضته لارجاع الحق إلى أهله ».
    « إنّ عبداللّه بن سبأ بثّ في البلاد الإسلامية دعاته ، وأشار عليهم أن يظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والطعن في الاُمراء ، فمال إليه وتبعه على ذلك جماعات من المسلمين ، فيهم الصحابي الكبير والتابعي الصالح من أمثال أبي ذر ، وعمار بن ياسر ،ومحمد بن حذيفة ،وعبدالرحمان بن عديس ،ومحمّد بن أبي بكر ، وصعصعة بن صوحان العبدي ، ومالك الأشتر ، إلى غيرهم من أبرار المسلمين وأخيارهم فكانت السبأية تثير الناس على ولاتهم ، تنفيذاً لخطة زعيمها ، وتضع كتباً في عيوب الاُمراء وترسل إلى غير مصرهم من الأمصار ، فنتج عن ذلك قيام جماعات


(124)
من المسلمين بتحريض السبأيين ، وقدومهم إلى المدينة وحصرهم عثمان في داره ، حتّى قتل فيها ، كل ذلك كان بقيادة السبأيين ومباشرتهم ».
    إنّ المسلمين بعدما بايعوا عليّاً ، ونكث طلحة والزبير بيعته ، وخرجا إلى البصرة رأى السبأيون أنّ رؤساء الجيشين أخذوا يتفاهمون ، وأنّه إن تمّ ذلك سيؤخذون بدم عثمان ، فاجتمعوا ليلا وقرّروا أن يندسّوا بين الجيشين ويثيروا الحرب بكرة دون علم غيرهم ، وانّهم استطاعوا أن ينفّذوا هذا القرار الخطير في غلس الليل قبل أن ينتبه الجيشان المتقاتلان ، فناوش المندسّون من السبأيين في جيش علي من كان بازائهم من جيش البصرة ففزع الجيشان وفزع رؤسائهما ، وظنّ كلّ بخصمه شرّاً ، ثمّ إنّ حرب البصرة وقعت بهذا الطريق ، دون أن يكون لرؤساء الجيشين رأي أو علم.
    إلى هنا انتهت قصة السبأية ، ولا يذكر منهم شيء بعد ذلك في التواريخ هذا هو الذي يذكره الطبري في تاريخه ، ويقول :
    فيما كتب به إلى السرى ، عن شعيب ، عن سيف ، عن عطية ، عن يزيد الفقعسي قال : كان عبداللّه بن سبأ يهوديّاً من أهل صنعاء اُمّه سوداء ، فأسلم زمان عثمان ، ثمّ تنقّل في بلدان المسلمين يحاول اضلالهم فبدأ بالحجاز ، ثمّ البصرة ، ثمّ الكوفة ، ثمّ الشام ، فلم يقدر على ما يريد عند أحد من أهل الشام ، فأخرجوه حتّى أتى مصر فاعتمر فيهم ، فقال لهم فيما يقول : لعجب فمن يزعم أنّ عيسى يرجع ويكذب بأنّ محمّداً يرجع ، وقد قال اللّه عزّوجلّ : ( إنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ القُرآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعاد ) (1) ، فمحمد أحق بالرجوع من عيسى قال : فَقُبِل ذلك عنه ، ووضع لهم الرجعة فتكلّموا فيها ، ثمّ قال لهم بعد ذلك : إنّه كان ألف نبي ولكل نبي وصي ،
1 ـ القصص / 85.

(125)
وكان علي وصي محمّد. ثم قال : محمّد خاتم الأنبياء وعلي خاتم الأوصياء. ثمّ قال بعد ذلك : من أظلم ممّن لم يجز وصية رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ووثب على وصي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) وتناول أمر الاُمّة ثمّ قال لهم بعد ذلك : إنّ عثمان أخذها بغير حق وهذا وصي رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) فانهضوا في هذا الأمر فحرّكوه ، وابدأوا باللعن على اُمرائكم وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس ، وادعوهم إلى هذا الأمر. فبثّ دعاته وكاتب من كان استفسد في الأمصار وكاتبوه ودعوا في السرّ إلى ما عليه رأيهم ، واظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وجعلوا يكتبون إلى الأمصار بكتب يضعونها في عيوب ولاتهم ، ويكاتبهم اخوانهم بمثل ذلك ، ويكتب أهل كل مصر منهم إلى مصر آخر بما يصنعون فيقرأه اُولئك في أمصارهم ، وهؤلاء في أمصارهم ، حتّى تناولوا بذلك المدينة وأوسعوا الأرض إذاعة ، وهم يريدون غير ما يظهرون ، ويسرّون غير ما يبدون ... إلى آخر ما يذكره الطبري في المقام ، وفي أحداث السنوات التالية إلى سنة 36 التي وقعت فيها حرب الجمل. ولا يأتي بعد بشيء عن السبأية (1).
    ثمّ إنّك قد تعرّفت على كبار السبأية وأنّهم كانوا من أكابر الصحابة والتابعين ، كأبي ذرّ الغفاري وعمّار بن ياسر ، ومحمّد بن أبي حذيفة ، الذين عرفهم المسلمون بالزهد والتقى والصدق والصفا ، وأمّا عبدالرحمان بن عديس البلوي فهو ممّن بايع النبي تحت الشجرة وشهد فتح مصر ، وكان رئيساً على من سار إلى عثمان من مصر (2).
1 ـ الطبري 3 / 378.
2 ـ اُسد الغابة 3 / 309 قال : وشهد بيعة الرضوان وبايع فيها وكان أمير الجيش القادمين من مصر لحصر عثمان بن عفان ـ رضى اللّه عنه ـ لمّا قتلوه روى عنه جماعة من التابعين بمصر...


(126)
    وأمّا محمّد بن أبي بكر ، فاُمّه أسماء بنت عميس الخثعمية تزوّجها أبوبكر بعد استشهاد جعفر بن أبي طالب فولدت له محمّداً في حجّة الوداع بطريق مكّة ، ثم نشأ في حجر علي بعد أبيه ، وشهد معه حرب الجمل ، كما شهد صفّين ، ثم ولي مصر عن علي ، إلى أن قتل فيها بهجوم عمرو بن العاص عليها (1).
    وأمّا صعصعة بن صوحان العبدي ، أسلم على عهد رسول اللّه ، كان خطيباً فصيحاً شهد صفّين مع علي. ولمّا استشهد علي ، واستولى معاوية على العراق ، نفاه إلى البحرين ومات فيها (2).
    وأمّا الأشتر ، فهو مالك بن الحرث النخعي ، وهو من ثقات التابعين ، شهد وقعة اليرموك ، صحب عليّاً في الجمل وصفّين ، ولاّه على مصر سنة ( 38 ) ثم وصل إلى القلزم ، دسّ إليه معاوية عميلا له ، فتوفّي بالسم (3).
    هذا هو الذي يذكره الطبري وقد أخذه من جاء بعده من المؤرّخين وكتّاب المقالات حقيقة راهنة ، وبنوا عليه مابنوا من الأفكار والآراء فصارت الشيعة وليدة السبأية في زعم هؤلاء عبر القرون والأجيال ، وإليك من ذكرها مغمض العينين :
1 ـ كان أحد من توثّب على عثمان حتّى قتل ثم انضمّ إلى علي : اُسد الغابة 4 / 324 ، والاستيعاب 3 / 328 والجرح والتعديل 7 / 301.
2 ـ اُسد الغابة 3 / 320 قال : تقدم نسبه في أخيه زيد وكان صعصعة مسلماً على عهد رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ولم يره وصغر عن ذلك وكان سيّداً من سادات قومه عبد القيس وكان فصيحاً بليغاً لسناً ديّناً فاضلا يعد في أصحاب علي ـ رضي اللّه عنه ـ وشهد معه حروبه.
3 ـ ملك العرب ، أحد الأشراف والأبطال : الطبقات الكبرى 6 / 213 ، الاصابة 3 / 459 سير أعلام النبلاء 4 / 34.


(127)
    1 ـ ابن الأثير ( ت 630 ) ، فقد أورد القصّة منبثة بين حوادث ( 30 ـ 36 ) وهو وإن لم يذكر المصدر في المقام ، لكنّه يصدر عن تاريخ الطبري في حوادث القرون الثلاثة الأول (1).
    2 ـ ابن كثير الشامي ( ت 774 ) فقد ذكر القصّة في تاريخه « البداية والنهاية » وأسندها عند ما انتهى من سرد واقعة الجمل ، إلى تاريخ الطبري ، وقال : هذا ملخّص ما ذكر أبو جعفر بن جرير (2).
    3 ـ ابن خلدون ( ت 808 ) ، في تاريخه « المبتدأ والخبر » أورد القصّة في حادثة الدار والجمل وقال : هذا أمر الجمل ملخّصاً من كتاب أبي جعفر الطبري (3).
    وأمّا المتأخّرون ، وأخصّ الكتّاب الجدد فإنّهم يذكرون القصّة ، فنذكر منهم مايلي :
    4 ـ محمّد رشيد رضا ، منشئ مجلة المنار ( ت 1354 ) ، ذكره في كتابه
1 ـ لاحظ مقدمة تاريخ الكامل يقول فيه : فابتدأت بالتاريخ الكبير الذي صنّفه الامام أبو جعفر الطبري إذ هو الكتاب المعوّل عند الكافة عليه والمرجوع عند الاختلاف إليه فأخذت ما فيه جميع تراجمه ، لم أخل بترجمة واحدة منها لاحظ 1 / 3 طبع دار صادر.
2 ـ البداية والنهاية 7 / 246 طبع دار الفكر بيروت.
3 ـ تاريخ ابن خلدون يقول : « وبعث ( عثمان ) إلى الأمصار من يأتيه بصحيح الخبر : محمد ابن مسلمة إلى الكوفة ، واُسامة بن زيد إلى البصرة ، وعبداللّه بن عمر إلى الشام وعمار بن ياسر إلى مصر وغيرهم إلى سوى هذه ، فرجعوا إليه فقالوا : ما أنكرنا شيئاً ولا أنكره أعيان المسلمين ولا عوامّهم إلاّ عماراً فانّه استماله قوم من الأشرار انقطعوا إليه ، منهم عبداللّه بن سبأ ويعرف بابن السوداء كان يهوديّاً وهاجر أيّام عثمان فلم يحسن اسلامه واُخرج من البصرة ... تاريخ ابن خلدون أو كتاب العبر 2 / 139 ، وقال 166 : هذا أمر الجمل ملخّص من كتاب أبي جعفر الطبري اعتمدناه للوثوق به ولسلامته من الأهواء.


(128)
« السنّة والشيعة » وقال : وكان مبتدع اُصوله ( التشيّع ) يهودي اسمه عبداللّه بن سبأ ، أظهر الإسلام خداعا ، ودعا إلى الغلوّ في علي كرم اللّه وجهه ، لأجل تفريق هذه الاُمّة ، وافساد دينها ودنياها عليها ، ثمّ سرد القصّة وقال : ومن راجع أخبار واقعة الجمل في تاريخ ابن الأثير مثلاً يرى مبلغ تأثير افساد السبأيين دون ما كاد يقع من الصلح (1).
    5 ـ أحمد أمين ( ت 1372 ) ، وهو الذي استبطل عبداللّه بن سبأ في كتابه « فجر الإسلام وقال : إنّ ابن السوداء كان يهوديّاً من صنعاء أظهر الإسلام في عهد عثمان ، وحاول أن يُفسد على المسلمين دينهم وبثّ في البلاد عقائد كثيرة ضارّة ، وقد طاف في بلاد كثيرة ، في الحجاز ، والبصرة ، والكوفة ، والشام ، ومصر ، ثمّ ذكر أنّ أباذر تلقّى فكرة الاشتراكية من ذلك اليهودي ، وهو تلقّى هذه الفكرة من مزدكيّي العراق أو اليمن. وقد كان لكتاب « فجر الإسلام » عام انتشاره ( 1952 م ) دويّ واسع النطاق في الأوساط الإسلامية ، فإنّه أوّل من ألقى الحجر في المياه الراكدة بشكل واسع ، وقد ردّ عليه أعلام العصر بأنواع الردود ، فألّف الشيخ المصلح كاشف الغطاء « أصل الشيعة واُصولها » ردّاً عليه ، كما ردّ عليه العلاّمة الشيخ عبداللّه السبيتي بكتاب أسماه « تحت راية الحق ».
    6 ـ فريد وجدي مؤلّف دائرة المعارف ( ت 1370 ) فقد أشار إلى ذلك في كتابه عند ذكره لحرب الجمل ضمن ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (2).
    7 ـ حسن إبراهيم حسن ، وذكره في كتابه ( تاريخ الإسلام السياسي ) وقد ذكر في اُخريات خلافة عثمان قوله : « فكان هذا الجوّ ملائماً تمام الملائمة ومهيّئاً لقبول دعوة ( عبداللّه بن سبأ ) ومن لفّ لفّه والتأثّر بها إلى أبعد حد « وقد أذكى نيران هذه
1 ـ السنّة والشيعة 4 ـ 6 ـ 45 ـ 49 ـ 103.
2 ـ دائرة المعارف 6 / 637.


(129)
الثورة صحابي قديم اشتهر بالورع والتقوى ـ وكان من كبار أئمّة الحديث ـ وهو أبوذر الغفاري الذي تحدّى سياسة عثمان ومعاوية واليه على الشام بتحريض رجل من أهل صنعاء وهو عبداللّه بن سبأ ، وكان يهوديّاً فأسلم ، ثمّ أخذ ينتقل في البلاد الإسلامية ، فبدأ بالحجاز ، ثمّ البصرة فالكوفة والشام ومصر ... الخ (1).
    هذا حال من كتب عن الشيعة من المسلمين ، وأمّا المستشرقون المتطفّلون على موائد المسلمين فحدّث عنهم ولا حرج ، فقد اتبعوا تلك الفكرة الخاطئة في كتبهم الاستشراقية التي تؤلّف لغايات خاصّة ، فم أراد الوقوف على كلماتهم فليرجع إلى ما ألّفه الباحث الكبير السيد مرتضى العسكري في ذلك المجال ، فإنّه ـ دام ظلّه ـ حقّق المقال ولم يبق في القوس منزعاً (2).

    نظر المحقّقين في الموضوع
    1 ـ إنّ ما جاء في تاريخ الطبري من القصّة ، على وجه لا يصحّ نسبته إلاّ إلى عفاريت الأساطير ومردة الجن ، إذ كيف يصحّ لإنسان أن يصدّق أنّ يهوديّاً جاء من صنعاء وأسلم في عصر عثمان ،واستطاع أن يُغري كبار الصحابة والتابعين ، ويخدعهم ويطوف بين البلاد واستطاع أن يكوّن خلايا ضدّ عثمان ويستقدمهم على المدينة ويؤلِّبهم على الخلافة الإسلامية ، فيهاجموا داره ويقتلوه ، بمرأى ومسمع من الصحابة العدول ومن تبعهم باحسان ، هذا شيء لا يحتمله العقل وإن وطّن على قبول العجائب والغرائب.
    إنّ هذه القصّة تمس كرامة المسلمين والصحابة والتابعين ، وتصوّرهم اُمّة
1 ـ تاريخ الإسلام السياسي 347.
2 ـ عبداللّه بن سبأ1 / 46 ـ 50 ، وكتابه هذا من أنفس الكتب وحسنات الزمان.


(130)
ساذجة يغترّون بفكر يهودي وفيهم السادة والقادة والعلماء والمفكّرون.
    2 ـ إنّ القراءة الموضوعية للسيرة والتاريخ توقفنا على سيرة عثمان بن عفان ومعاوية بن أبي سفيان ، فإنّهما كانا يعاقبان المعارضين لهم ، وينفون المخالفين ويضربونهم ، فهذا أبوذر الغفاري نفاه عثمان من المدينة إلى الربذة لاعتراضه عليه في تقسيم الفيء وبيت المال بين أبناء بيته ، كما أنّ غلمانه ضربوا عمّار بن ياسر حتّى انفتق له فتق في بطنه وكسروا ضلعاً من أضلاعه (1). إلى غير ذلك من مواقفهم من مخالفيهم ومعارضيهم التي يقف عليها المتتبّع ، ومع ذلك نرى أنّ رجال الخلافة وعمّالها يغضّون الطرف عمّن يُؤلِّب الصحابة والتابعين على اخماد حكمهم ، وقتل خليفتهم في عقر داره ، ويجر الويل والويلات على كيانهم. وهذا شيء لا يقبله من له أدنى إلمام بتاريخ الخلافة وسيرة معاوية.
    يقول العلاّمة الأميني : لو كان ابن سبأ بلغ هذا المبلغ من إلقاح الفتن ، وشقّ عصا المسلمين وقد علم به وبعيثه اُمراء الاُمّة وساستها في البلاد ، وانتهى أمره إلى خليفة الوقت ، فلماذا لم يقع عليه الطلب ؟ ولم يبلغه القبض عليه ، والأخذ بتلكم الجنايات الخطرة والتأديب بالضرب والاهانة ، والزج إلى أعماق السجون ؟ ولا آل أمره إلى الاعدام المريح للاُمّة من شرّه وفساده كما وقع ذلك كلّه على الصلحاء الأبرار الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ؟ وهتاف القرآن الكريم يرنُّ في مسامع الملأ الديني : ( إِنَّما جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُواْ أو تُقَطِّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِن خِلاف أوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْىٌ فِى الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِى الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (2)
1 ـ الاستيعاب 2 / 422.
2 ـ المائدة / 33.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس