بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 131 ـ 140
(131)
فهّلا اجتاح الخليفة جرثومة تلكم القلاقل بقتله ؟ وهل كان تجهّمه وغلظته قصراً على الأبرار من اُمّة محمّد ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) ففعل بهم ما فعل (1).
    وهناك لفيف من الكتّاب ممّن حضر أو غبر ، بدل أن يفتحوا عيونهم على الواقع المرير ، ليقفوا على الأسباب المؤدّية التي قتل الخليفة حاولوا التخلّص من أوزار الحقيقة ، فنحتوا فروضاً وهمّية سببت قتل الخليفة وأودت به.
    وفي حق هؤلاء يقول الكاتب المعاصر :
    « وفي الشرق كتَّابٌ لا يعنيهم من التاريخ واقعٌ ولا من الحياة حال أو ظرف ، فإذا بهم يعلّلون ثورة المظلومين على أيام عثمان ، ويحصرون أحداث عصر بل عصور ، بإرادةِ فردٍ يطوّفُ في الأمصار والأقطار ويؤلّبُ الناس على خليفةٍ ودولة!
    إنّ النتيجة العملية لمثل هذا الزعم وهذا الافتراء هي أنّ الدولة في عهد عثمان ووزيره مروان إنّما كانت دولةً مثاليَّة ، وأنَّ الأمويّين والولاة والأرستقراطيين إنَّما كانوا رُسُلَ العدالة الاجتماعية والإخاء البشري في أرض العرب. غير أنّ رجلاً فرداً هو عبداللّه بن سبأ أفسدَ على الأمويين والولاة والأرستقراطيين صلاحَهم وبرّهم إذ جعل يطوف الأمصارَ والأقطارَ مؤلِّبا على عثمان واُمرائه وولاته الصالحين المُصلحين. ولولا هذا الرجل الفرد وطوافُه في الأمصار والأقطار لعاش الناس في نعيم مروان وعدل الوليد وحلم معاوية عيشاً هو الرغادة وهو الرخاء.
    وفي مثل هذا الزعم افتراءٌ على الواقع واعتداءٌ على الخَلق ومسايرةٌ ضئيلة الشأن لبعض الآراء ، يلفّ ذلك جميعاً منطقٌ ساذج وحجَّةٌ مصطنعة واهية. وفيه ما هو أخطر من ذلك : فيه تضليلٌ عن حقائق أساسية في بناء التاريخ ، إذ يحاول صاحب هذا المسعى الفاشل أنْ يحصر أحداثَ عصرٍ بكامله ، بل عصورٍ كثيرة ، بإرادة فردٍ يطوف
1 ـ الغدير 9 / 219 ـ 220.

(132)
في الأمصار ويؤلِّب الناسَ على دولةٍ فيثور هؤلاء الناس على هذه الدولة لا لشيء إلاّ لأنّ هذا الفرد طاف بهم وأثارهم!
    أمّا طبيعة الحكم وسياسة الحاكم وفساد النظام الاقتصادي والمالي والعمراني ، وطغيان الأثرة على ذوي السلطان ، واستبداد الولاة بالأرزاق ، وحمل بني اُميَّة على الأعناق ، والميل عن السياسة الشعبية الديمقراطية إلى سياسة عائلية أرستقراطية رأسمالية ، وإذلال من يضمر لهم الشعبُ التقدير والاحترام الكثيرين أمثال أبي ذرّ وعمّار بن ياسر وغيرهما ، أمّا هذه الاُمور وما إليها جميعاً من ظروف الحياة الاجتماعية ، فليست بذات شأن في تحريك الأمصار وإثارتها على الاُسرة الاُمويّة الحاكمة ومن هم في ركابها ، في نظر هؤلاء! بل الشأن كلّ الشأن في الثورة على عثمان لعبداللّه بن سبأ الذي يلفت الناس عن طاعة الأئمة ويلقي بينهم الشر.
    أليس من الخطر على التفكير أن ينشأ في الشرق ، من يعلّلون الحوادث العامة الكبرى ، المتصلة اتّصالا وثيقاً بطبيعة الجماعة واُسس الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية ، بارادة فرد من عامة الناس يطوف في البلاد باذراً للضلالات والنساء في هذا المجتمع السليم.
    أليس من الخطر على التفكير أن نعلّل الثورات الاصلاحية في التاريخ تعليلا صبيانياً نستند فيه إلى رغبات أفراد في التاريخ شاءوا أن يحدثوا شغباً فطافوا الأمصار وأحدثوه (1).
    3 ـ إنّ رواية الطبري نقلت عن أشخاص لا يصحّ الاحتجاج بهم :
    أ : السريّ : إنّ السريّ الذي يروي عنه الطبري ، إنّما هو أحد رجلين :
1 ـ الإمام علي صوت العدالة الإنسانية 4 / 894 ـ 896 وللكلام صلة من أراد فليرجع إليه.

(133)
    1 ـ السريّ بن إسماعيل الهمداني الذي كذّبه يحيى بن سعيد ، وضعّفه غير واحد من الحفّاظ (1).
    2 ـ السريّ بن عاصم بن سهل الهمداني نزيل بغداد المتوفّى عام ( 258 ) وقد أدرك ابن جرير الطبري شطراً من حياته يربو على ثلاثين سنة ، كذّبه ابن خراش ، ووهاه ابن عدي ، وقال : يسرق الحديث ، وزاد ابن حبان : ويرفع الموقوفات ، لا يحل الاحتجاج به ، وقال النقاش في حديث وضعه السريّ (2) فالاسم مشترك بين كذّابين لايهمّنا تعيين أحدهما. واحتمال كونه السريّ بن يحيى الثقة غير صحيح ، لأنّه توفّي عام ( 167 ) مع أنّ الطبري من مواليد عام ( 234 ) فالفرق بينهما ( 57 ) عاماً ، فلا مناص أن يكون السريّ ، أحد الرجلين الكذابين.
    ب ـ شعيب ، والمراد منه شعيب بن إبراهيم الكوفي المجهول ، قال ابن عدي : ليس بالمعروف ، وقال الذهبي : راوية ، كتب سيف عنه : فيه جهالة (3).
    ت ـ سيف بن عمر ، قال ابن حبان : كان سيف بن عمر يروي الموضوعات عن الاثبات ، وقال : قالوا : إنّه كان يضع الحديث واتّهم بالزندقة. وقال الحاكم : اتّهم بالزندقة وهو في الرواية ساقط ، وقال ابن عدي : بعض أحاديثه مشهورة ، وعامتها منكرة لم يتابع عليها. وقال ابن عدي : عامّة حديثه منكر. وقال البرقاني عن الدار قطني : متروك. وقال ابن معين : ضعيف الحديث فليس خير منه. وقال أبو حاتم : متروك الحديث يشبه حديثه حديث الواقدي. وقال أبو داود : ليس بشيء. وقال النسائي : ضعيف ، وقال السيوطي : وضّاع ، وذكر حديثاً من طريق السريّ بن
1 ـ قال يحيى القطان : استبان لي كذبه في مجلس واحد ، وقال النسائي : متروك ، وقال غيره : ليس بشيء ، وقال أحمد : ترك الناس حديثه لاحظ ميزان الاعتدال 2 / 117.
2 ـ تاريخ الخطيب 993 ، ميزان الاعتدال 2 / 117 ، لسان الميزان 3 / 12.
3 ـ ميزان الاعتدال 2 / 275 ، لسان الميزان 3 / 145.


(134)
يحيى عن شعيب بن إبراهيم عن سيف فقال : موضوع ، فيه ضعفاء أشدّهم سيف (1).
    ج ـ فإذا كان هذا حال السند ، فكيف نعتمد في تحليل تكوّن طائفة كبيرة من طوائف المسلمين تشكّل خمسهم أو ربعهم على تلك الرواية مع أنّ هذا هو حال سندها ومتنها ، فالاعتماد عليها خداع وضلال.

    4 ـ عبداللّه بن سبأ ، اُسطورة تاريخية :
    إنّ القرائن والشواهد والاختلاف الموجود في حق الرجل ومولده ، وزمن إسلامه ومحتوى دعوته يشرف المحقّق على القول ، بأنّ مثل عبداللّه بن سبأ مثل مجنون بني عامر وبني هلال وأمثال هؤلاء الرجال والأبطال كلّها أحاديث خرافة وضعها القصاصون وأرباب السمر والمجون ، فإنّ الترف والنعيم قد بلغ أقصاه في أواسط الدولتين : الأموية والعباسية ، وكلّما اتّسع العيش وتوفّرت دواعي اللهو ، اتسع المجال للوضع وراج سوق الخيال وجعلت القصص والأمثال كي تأنس بها ربات الحجال ، وأبناء الترف والنعمة (2).
    هذا هو الذي ذكره المصلح الكبير كاشف الغطاء ، ولعلّ ذلك أورث فكرة التحقيق بين أعلام العصر ، فذهبوا إلى أنّ عبداللّه بن سبأ أقرب ما يكون إلى الاُسطورة منه إلى الواقع. وفي المقام كلام للكاتب المصري الدكتور طه حسين ، يدعم كون الرجل اُسطورة تاريخية استبطلها أعداء الشيعة نكاية بالشيعة ، ولا بأس في الوقوف على كلامه حيث قال :
1 ـ ميزان الاعتدال 1 / 438 ، تهذيب التهذيب 4 / 295 ، اللئالي المصنوعة 1 / 157 ـ 199 ـ 429.
2 ـ أصل الشيعة واُصولها 73.


(135)
    وأكبر الظن أنّ عبداللّه بن سبأ هذا ـ إن كان كل ما يروى عنه صحيحاً ـ إنّما قال ودعا إلى ما دعا إليه بعد أن كانت الفتنة ، وعظم الخلاف ، فهو قد استغلّ الفتنة ولم يثرها.
    إنّ خصوم الشيعة أيّام الأمويين والعبّاسيين قد بالغوا في أمر عبداللّه بن سبأ هذا ، ليشكّكوا في بعض ما نسب من الأحداث إلى عثمان ، وولاته من ناحية ، وليشنّعوا على علي وشيعته من ناحية اُخرى ، فيردّوا بعض اُمور الشيعة إلى يهودي اسلم كيداً للمسلمين ، وما أكثر ما شنع خصوم الشيعة على الشيعة ؟ وما أكثر ما شنع الشيعة على خصومهم في أمر عثمان وفي غير أمر عثمان ؟
    فلنقف من هذا كلّه موقف التحفّظ والتحرّج والاحتياط ، ولنكبر المسلمين في صدر الإسلام عن أن يعبث بدينهم وسياستهم وعقولهم ودولتهم رجل أقبل من صنعاء وكان أبوه يهودياً وكانت اُمّه سوداء ، وكان هو يهوديّاً ثمّ أسلم لا رغباً ولا رهباً ولكن مكراً وكيداً وخداعاً ، ثمّ اُتيح له من النجح ما كان يبتغي ، فحرَّض المسلمين على خليفتهم حيث قتلوه ، وفرّقهم بعد ذلك أو قبل ذلك شيعاً وأحزاباً.
    هذه كلّها اُمور لاتستقيم للعقل ، ولا تثبت للنقد ، ولا ينبغي أن تقام عليها اُمور التاريخ ، وإنما الشيء الواضح الذي ليس فيه شك هو أنّ ظروف الحياة الإسلامية في ذلك الوقت كانت بطبعها تدفع إلى اختلاف الراي ، وافتراق الأهواء ونشأة المذاهب السياسيّة المتباينة ، فالمستمسكون بنصوص القرآن وسنّة النبي وسيرة صاحبيه كانوا يروون اُموراً تطرأ ، ينكرونها ولا يعرفونها ، ويريدون أن تواجه كما كان عمر يواجهها في حزم وشدة وضبط للنفس وضبط للرعية ، والشباب الناشئون في قريش وغير قريش من أحياء العرب كانوا يستقبلون هذه الاُمور الجديدة بنفوس جديدة ، فيها الطمع ، وفيها الطموح ، وفيها الاثرة ، وفيها الأمل البعيد ، وفيها الهمَّ الذي لا يعرب حدّاً يقف عنده ، وفيها من أجل هذا كلّه التنافس والتزاحم لا على


(136)
المناصب وحدها بل عليها وعلى كل شيء من حولها. وهذا الاُمور الجديدة نفسها كانت خليقة أن تدفع الشيوخ والشباب إلى ما دفعوا إليه ، فهذه أقطار واسعة من الأرض تفتح عليهم ، وهذه أموال لا تحصى تجبى لهم من هذه الأقطار فأي غرابة في أن يتنافسوا في إدارة هذه الأقطار المفتوحة ، والانتفاع بهذه الأموال المجموعة ؟ وهذه بلاد اُخرى لم تفتح ، وكل شيء يدعوهم إلى أن يفتحوها كما فتحوا غيرها ، فمالهم لا يستبقون إلى الفتح ؟ ومالهم لا يتنافسون فيما يكسبه الفاتحون من المجد والغنيمة إن كانوا من طلاّب الدنيا ، ومن الأجر والمثوبة إن كانوا من طلاّب الآخرة. ثمّ ما لهم جميعاً لا يختلفون في سياسة هذا المُلك الضخم وهذا الثراء العريض ؟ واي غرابة في أن يندفع الطامعون الطامحون من شباب قريش هذه الأبواب التي فتحت لهم ليلجوا منها إلى المجد والسلطان والثراء ؟ واي غرابة في أن يهم بمنافستهم في ذلك شباب الأنصار وشباب الأحياء الاُخرى من العرب ؟ وفي أن تمتلئ قلوبهم موجدة وحفيظة وغيظاً إذا رأوا الخليفة يحول بينهم وبين هذه المنافسة ، ويؤثر قريشاً بعظائم الاُمور ، ويؤثر بني اُميّة بأعظم هذه العظائم من الاُمور خطراً وأجلّها شأناً.
    والشيء الذي ليس فيه شك هو أنّ عثمان قد ولّى الوليد وسعيداً على الكوفة بعد أن عزل سعداً ، وولّى عبداللّه بن عامر على البصرة بعد أن عزل أبا موسى. وجمع الشام كلّها لمعاوية وبسط سلطانه عليها إلى أبعد حد ممكن بعد أن كانت الشام ولايات تشارك في ادارتها قريش وغيرها من أحياء العرب ، وولّى عبداللّه بن أبي سرح مصر ، بعد أن عزل عنها عمرو بن العاص ، وكل هؤلاء الولاة من ذوي قرابة عثمان ، منهم أخوه لاُمّه ، ومنهم أخوه في الرضاعة ، ومنهم خاله ، ومنهم من يجتمع معه في نسبه الأدنى إلى اُميّة بن عبد شمس.
    كل هذه حقائق لا سبيل إلى انكارها ، وما نعلم أن ابن سبأ قد أغرى عثمان


(137)
بتولية من ولّى وعزل من عزل ، وقد أنكر الناس في جميع العصور على الملوك والقياصرة والولاة والاُمراء إيثار ذوي قرابتهم بشؤون الحكم وليس المسلمون الذين كانوا رعية لعثمان بدعاً من الناس ، فهم قد أنكروا وعرفوا ما ينكر الناس ويعرفون في جميع العصور (1).
    إنّ الجهات التي استنتج منها كون ابن سبأ شخصية وهمية خلقها خصوم الشيعة ترجع إلى الاُمور التالية :
    1 ـ إنّ كل المؤرّخين الثقات لم يشيروا إلى قصّة عبداللّه بن سبأ ، كابن سعد في طبقاته ، والبلاذري في فتوحاته.
    2 ـ إنّ المصدر الوحيد عنه هو سيف بن عمر ، وهو رجل معلوم الكذب ، ومقطوع بأنّه وضّاع.
    3 ـ إنّ الاُمور التي اُسندت إلى عبداللّه بن سبأ ، تستلزم معجزات خارقة لفرد عادي كما تستلزم أن يكون المسلمون الذي خدعهم عبداللّه بن سبأ ، وسخّرهم لمآربه ، وهم ينفّذون أهدافه بدون اعتراض ، في منتهى البلاهة والسخف.
    4 ـ عدم وجود تفسير مقنع لسكوت عثمان وعمّاله عنه ، مع ضربهم لغيره من المعارضين كمحمد بن أبي حذيفة ، ومحمّد بن أبي بكر ، وغيرهم.
    5 ـ قصة الاحراق ، إحراق علي إيّاه وتعيين السنة التي عرض فيها ابن سبأ للاحراق تخلو منها كتب التاريخ الصحيحة ، ولا يوجد لها في هذه الكتب أثر.
    6 ـ عدم وجود أثر لابن سبأ وجماعته في واقعة صفّين وفي حرب النهروان.
1 ـ الفتنة الكبرى 134 لاحظ الغدير أيضا 9 / 220 ـ 221.

(138)
    وقد انتهى الدكتور بهذه الاُمور إلى القول : بأنّه شخص ادّخره خصوم الشيعة للشيعة ولا وجود له في الخارج (1).
    وقد تبعه غير واحد من المستشرقين ، وقد نقل آراءهم الدكتور أحمد محمود صبحي في نظرية الإمامة (2).
    إلى أن وصل الدور إلى المحقّق البارع السيد مرتضى العسكري ـ دام ظلّه ـ فألّف كتابه « عبداللّه بن سبأ » ودرس الموضوع دراسة عميقة ، وهو الكتاب الذي يحلّل التاريخ على أساس العلم ، وقد أدّى المؤلّف كما ذكر الشيخ محمّد جواد مغنيه : « إلى الدين والعلم وبخاصّة إلى مبدأ التشيّع خدمة لا يعادلها أي عمل في هذا العصر ، الذي كثرت فيه التهجّمات والافتراءات على الشيعة والتشيّع ، وأقفل الباب في وجوه السماسرة والدسّاسين الذين يتشبّثون بالطحلب لتمزيق وحدة المسلمين واضعاف قوّتهم » (3).
    ولنفترض أنّ للرجل حقيقة وليس اُسطورة تاريخية لكن لا شك أنّ ما نقل عنه في ذلك المجال سراب وخداع ، يقول الدكتور أحمد محمود صبحي : وليس ما يمنع أن يستغل يهودي الأحداث التي جرت في عهد عثمان ، ليحدت فتنة وليزيدها اشتعالا ، وليؤلّب الناس على عثمان ، بل أن ينادي بأفكار غريبة ، ولكن السابق لأوانه أن يكون لابن سبأ هذا الأثر الفكري العميق ، فيحدث هذا الانشقاق العقائدي بين
1 ـ طه حسين : الفتنة الكبرى : فصل ابن سبأ ، وقد لخّص ما ذكرنا من الاُمور من ذلك الفصل الدكتور الشيخ أحمد الوائلي في كتابه « هوية التشيّع » 146.
2 ـ نظرية الإمامة لأحمد محمود صبحي 37.
3 ـ عبداللّه بن سبأ 1 / 11 ، والكتاب يقع في جزأين وصل فيهما إلى النتيجة التي تقدّمت ، وقد استفدنا من هذا الكتاب في هذا الفصل.


(139)
طائفة كبيرة من المسلمين (1).
    إلى هنا تبيّن أنّ تحليل تكوّن الشيعة عن هذا الطريق تحليل خيالي خادع ، وسراب لا ماء ويتّضح الحق إنّا إذا راجعنا كتب الشيعة نرى أنّ أئمّتهم وعلمائهم يتبرّأون منه أشدّ التبرّؤ.
    1 ـ قال الكشي ، وهو من علماء القرن الرابع : عبداللّه بن سبأ كان يدّعي النبوّة وانّ عليّاً هو اللّه فاستتابه ثلاثة أيّام فلم يرجع ، فأحرقه بالنار في جملة سبعين رجلا (2).
    2 ـ قال الشيخ الطوسي ( 385 ـ 460 ) في رجاله في باب أصحاب أميرالمؤمنين : عبداللّه بن سبأ الذي رجع إلى الكفر وأظهر الغلو (3).
    3 ـ وقال العلاّمة الحلّي ( 648 ـ 726 ) : غال ملعون ، حرقه أميرالمؤمنين بالنار ، كان يزعم أنّ عليّاً إله وأنّه نبي ، لعنه اللّه (4).
    4 ـ وقال ابن داود ( 647 ـ 707 ) : عبداللّه بن سبأ رجع إلى الكفر وأظهر الغلو (5).
    5 ـ وذكر الشيخ حسن ( ت 1011 ) في التحرير الطاووسي : غال ملعون حرقه أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) بالنار (6).
    ومن أراد أن يقف على كلمات أئمّة الشيعة في حق الرجل ، فعليه أن يرجع
1 ـ نظرية الامامة 37.
2 ـ رجال الكشي 98 برقم 48.
3 ـ رجال الطوسي : باب أصحاب علي برقم 76 / 51.
4 ـ الخلاصة للعلاّمة : القسم الثاني الباب الثاني : عبداللّه 236.
5 ـ رجال ابن داود : القسم الثاني 254 برقم 278.
6 ـ التحرير الطاووسي 173 برقم 234.


(140)
إلى رجال الكشي فقد روى في حقّه روايات كلّها ترجع إلى غلوّه في حق علي ، وأمّا ما نقله عنه سيف بن عمر فليس منه أثر في تلك الروايات ، فأقضى ما يمكن التصديق به أنّ الرجل ظهر غالياً فقتل أو اُحرق ، والقول بذلك لا يضر بشي ، وأمّا ما يذكره الطبري عن الطريق المتقدم فلا يليق أن يؤمن ويعتقد به من يملك أدنى إلمام بالتاريخ والسير.
    وأخيراً فلنفترض أنّ كل ما ساقوه في القصة صحيح ولكن السؤال الذي نطرحه هو أنّه لا ملازمة بين التصديق بها وبين أنّ ذلك الحدث هو منشأ مذهب الشيعة فإنّ التشيّع حدث في عصر النبي ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) واعتنقته اُمّة مسلمة ورعة من الصحابة والتابعين ، وأمّا ما قام به ابن سبأ على فرض صحة وقوعه فإنّه يعبّر عن موقف فردي وتصرّف شخصي خارج عن إطار المذهب ومن تبعه ، فقد أدخل نفسه دار البوار ، وأين هؤلاء من الذين لا يخالفون اللّه ورسوله واُولي الأمر ولا يتخلّفون عن أوامرهم قيد أنملة كالمقداد وسلمان وحجر بن عدي ورشيد الهجري ومالك الأشتر وصعصعة وأخيه وعمر بن الحمق ممّن يستدر بهم الغمام وتنزل بهم البركات.
    إلى هنا تمّ تحليل النظرية الثانية في تكوّن الشيعة فلنرجع إلى تحليل النظرية الثالثة.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس