بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: 151 ـ 160
(151)
علي بن موسى الرضا وأحسن عمارته ، وكان أبوه سبكتكين أخربه ، وكان أهل طوس يؤذون من يزوره فمنعهم ابنه عن ذلك ، وكان سبب فعله ذلك أنّه رأى في المنام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب وهو يقول : إلى متى هذا ؟ فعلم أنّه يريد أمر المشهد يأمر بعمارته (1).
    ويؤيّد ذلك ما رواه البيهقي : انّ المأمون العباسي همَّ بأن يكتب كتاباً في الطعن على معاوية ، فقال له يحيى بن أكثم : يا أميرالمؤمنين! العامة لا تتحمّل هذا ولا سيما أهل خراسان ولا تأمن أن يكون لهم نفرة (2).
    فقد بان ممّا ذكر أمران :
    1 ـ انّ التشيع ليس فارسي المبدأ ، وانّما هو حجازي المولد ، والمنشأ اعتنقه العرب فترة طويلة لم يدخل فيها أحد من الفرس ـ سوى سلمان المحمدي ـ وانّ الإسلام دخل بين الفرس مثل دخوله بين سائر الشعوب وانّهم اعتنقوا الإسلام ـ لا التشيّع ـ مثل اعتناق سائر الاُمم وبقوا عليه قروناً وكان التشيّع بينهم قليلا ـ إلى أن ظهر بينهم ، في عهد بعض ملوك المغول أو عهد الصفوية عام 905.
    2 ـ انّ كون الامامة منحصرة في علي وأولاده ، ليس صبغة عارضة على التشيّع ، بل هو جوهر التشيّع وحقيقته ولولاه ، فقد التشيّع روحه وجوهره ، فجعل الولاء لآل البيت أو تفضيل علي ، على سائر الخلفاء أصله وجوهره ، وجعل الامامة في علي ونسله أمراً عرضياً فكر خاطئ ليس له دليل.
    قال المفيد : الشيعة من دان بوجوب الامامة ووجودها في كل زمان وأوجب
1 ـ ابن الأثير : الكامل في التاريخ 5 / 139.
2 ـ البيهقي : المحاسن والمساوئ 1 / 108.


(152)
النص الجلي والعصمة والكمال لكلّ امام ثم حصر الامامة في ولد الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وساقها إلى الرضا علي بن موسى ( عليهما السلام ). (1)
1 ـ اوائل المقالات / 7

(153)
    الافتراض الرابع :
الشيعة ويوم الجمل
    إنّ الشيعة تكوّنت يوم الجمل لما ذكر ابن النديم : انّ عليّاً قصد طلحة والزبير ليقاتلهما حتّى يفيئا إلى أمر اللّه جلّ اسمه وتسمّى من اتّبعه على ذلك الشيعة. وكان يقول : شيعتي وسمّاهم ( عليه السلام ) الأصفياء ، الأولياء ، شرطة الخميس ، الأصحاب (1).
    وعلى ذلك جرى المستشرق « فلهوزن » حيث يقول : بمقتل عثمان انقسم الإسلام إلى فئتين : حزب علي ، وحزب معاوية ، والحزب يطلق عليه في العربية اسم « الشيعة » فكانت شيعة عليّ في مقابل شيعة معاوية ، لكن لمّا تولّى معاوية الملك في دولة الاسلام كلّها ... أصبح استعمال لفظ « شيعة » مقصوراً على أتباع علي (2).
    يلاحظ عليه : أنّ ما ذكره ابن النديم نفس ما ذكره البرقي قبله بقول (3) في رجاله وإليك نصّه.
1 ـ ابن النديم : الفهرست 263 طبع القاهرة.
2 ـ الخوارج والشيعة 146 ( ترجمة عبدالرحمان بدوي ، طبع القاهرة ).
3 ـ توفّي البرقي عام ( 274 ) أو ( 280 ) وألّف ابن النديم كتابه عام ( 377 ) وتوفّي عام ( 378 ).


(154)
    أصحاب أميرالمؤمنين :
    من أصحاب رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) الأصحاب ، ثم الأصفياء ، ثم الأولياء ، ثم شرطة الخميس :
    من الأصفياء من أصحاب أميرالمؤمنين ( عليه السلام ) : سلمان الفارسي ، المقداد ، أبوذر ، عمار ، أبوليلى ، شبير ، أبو سنان ، أبو عمرة ـ أبو سعيد الخدري ( عربي أنصاري ) ـ أبو برزة ، جابر بن عبداللّه ، البراء بن عازب ( أنصاري ) ، عرفة الأزدي ، وكان رسول اللّه ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) دعا له فقال : اللّهمّ بارك ( له ) في صفقته.
    وأصحاب أميرالمؤمنين ، الذين كانوا شرطة الخميس كانوا ستّة آلاف رجل ، وقال علي بن الحكم ( أصحاب ) أميرالمؤمنين الذين قال لهم : تشرّطوا انّما اُشارطكم على الجنّة ولست اُشارطكم على ذهب وفضّة انّ نبيّنا ( صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ) قال لأصحابه فيما مضى : تشرّطوا فانّي لست اُشارطكم ، إلاّ على الجنّة (1).
    ترى انّه عدّ من أصحاب الامام رجالاً ماتوا ، قبل أيام خلافته كسلمان ، وأبوذر والمقداد ، وكلّهم كانوا شيعة الامام ، فكيف يكون التشيّع وليد يوم الجمل والظاهر وجود التحريف في عبارة ابن النديم.
    وعلى كل تقدير فما تلونا عليك من النصوص في وجود التشيّع في عصر الرسول وبعده وقبل أن تشب نار الحرب في البصرة ، دليل على وهن هذا الرأي ـ على تسليم دلالة كلام ابن النديم ـ بل كان ذلك اليوم يوم ظهور التشيّع.
    فانّ الامام وشيعته بعد خروج الحق عن محوره ، واستتباب الأمر لأبي بكر ، رأوا أنّ مصالح الإسلام والمسلمين تكمن في السكوت ومماشاة القوم ، بينما كان نداء
1 ـ البرقي : الرجال 3.

(155)
التشيّع يعلو بين آونة واُخرى من جانب المجاهرين بالحقيقة ، كأبي ذر الغفاري وغيره ، ولكن كانت القاعدة الغالبة هو إدلاء الأمر للمتقمّصين بالخلافة والاشتغال برفع مشاكلهم العلمية ، ولكن عندما تمّ الأمر للامام علي ، ورجع الحق إلى محلّه اهتزّت الشيعة فرحاً ، وارتفع كابوس الضغط عنهم ، واستنشقوا نسيم الحرية ـ وإن كانت أياماً قصيرة ـ ففي تلك الأحايين ظهرت المعارضة بين المتشيّعين وغيرهم.


(156)

(157)
    الافتراض الخامس :
الشيعة ويوم صفين
    إنّ بعض المستشرقين (1) زعم أنّ الشيعة تكوّنت يوم افترق جيش علي في مسألة التحكيم إلى فرقتين فلمّا دخل علي الكوفة وفارقته الحرورية وثبت إليه الشيعة ، فقالوا : في أعناقنا بيعة ثانية ، نحن أولياء من واليت وأعداء من عاديت.
    إنّ رمي الشيعة بالتكوّن يوم صفين اعتماداً على هذه العبارة باطل وانّما ذهب إليه ذلك المستشرق لأنّه افترض لتكوّن الشيعة ، تاريخاً مفصولا عن تاريخ الإسلام فأخذ يتمسّك بهذه العبارة ، مع أنّ تعبير الطبري ، أعني قوله : وثبت إليه الشيعة (2) دليل على سبق وجودهم على ذلك.
    نعم كانت للشيعة بعد تولّي الإمام الخلافة الحرية حيث ارتفع الضغط فالتفّ حوله مواليه من الصحابة والتابعين ، نعم لم يكن كل من في جيشه من الشيعة بالمعنى المصطلح ، وإنّما كانوا يقتدون به لأجل مبايعته.
1 ـ تاريخ الامامية للدكتور عبداللّه فياض 37.
2 ـ تاريخ الطبري 4 / 46 طبع مصر.


(158)

(159)
    الافتراض السادس :
الشيعة والبويهيون
    تلقّى آل بويه مقاليد الحكم والسلطة من عام 320 ـ 447 ، فكانت لهم السلطة في العراق وبعض بلاد إيران كفارس وكرمان وبلاد الجبل وهمدان وإصفهان والري ، وقد اُقصوا عن الحكم في الأخير بهجوم الغزاونة عليه عام 420 وقد ذكر المؤرّخون خصوصاً ابن الأثير في الكامل وابن الجوزي في المنتظم شيئاً كثيراً من أحوالهم ، وخدماتهم ، وافساحهم المجال للعلماء من غير فرق بين طائفة واُخرى. وقد أفرد المستشرق « استانلي لين بول » كتاباً في حياتهم ترجم باسم طبقات سلاطين الإسلام.
    يقول ابن الأثير وكان عضد الدولة عاقلاً ، فاضلاً ، حسن السياسة ، كثير الإصابة ، شديد الهيبة ، بعيد الهمة ، ثاقب الرأي ، محبّاً للفضائل وأهلها ، باذلاً في مواضع العطاء ... إلى أن قال : وكان محبّاً للعلوم وأهلها ، مقرّباً للعلماء ، محسناً إليهم ، وكان يجلس معهم يعارضهم في المسائل. فقصده العلماء من كل بلد وصنّفوا له الكتب ومنها الايضاح في النحو ، والحجّة في القراءات ، والمكلى في


(160)
الطب ، والتاجي في التاريخ إلى غير ذلك (1). وهذا يدل أنّهم كانوا محبّين للعلم ومروّجين له من غير فرق بين كون العالم من الشيعة أو السنّة. وكان في عصرهم يغلب التسنّن على أكثر البلاد ومع ذلك لم يحاربوا التسنّن خلافاً لملوك السنّة ، فكلّما كانت لهم السلطة والقوّة استأثرت الشيعة ، ولو وقعت في أيّامهم حوادث بين الشيعة والسنّة في الطرق كان التحرّش فيها من طرف السنّة ، ومن الحوادث المؤلمة في نهاية حكمهم بعد دخول طغرل بك مدينة دار السلام ( بغداد ) عام 447 ، إحراق مكتبة الشيخ الطوسي وكرسيّه الذي كان يجلس عليه للتدريس (2). نعم راج مذهب الشيعة في عصرهم واستنشقوا نسيم الحرية بعد أن تحمّلوا الظلم والاضطهاد طيلة حكم العباسيين خصوصاً في عهد المتوكّل ومن بعده. غير أنّ تكوّن مذهب الشيعة في أيّامهم شيئاً وكونهم مروّجين ومعاضدين له شيء آخر ، والمسكين لم يفرّق بينهما.
1 ـ الكامل في التاريخ 9 / 19 ـ 21 طبع دار صادر.
2 ـ لاحظ المنتظم : لابن الجوزي 16 / 108 الطبعة الحديثة بيروت.
بحوث في الملل والنحل ـ الجزء السادس ::: فهرس